وهي رحلة لطيفة قام بها المؤلف علي سعاد إلى الأحساء والبحرين والمدينة المنورة وذلك في عام 1327هـ (1909م)، ولأهمية ما أورده المؤلف فيها عن البحرين فقد أحببت أن ألخص ماذكره هنا كي تحصل الفائدة، جاء في رحلة الحاج علي سعاد ما نصه:
يصف الرحالة البحرين بأسلوبه الأدبي من حيث جمال الطبيعة ولطافة الجو والأشجار المصفوفة على جانبي الطريق، والقرى المقامة في وسط البساتين التي لا يتجاوز عدد منازل الواحدة منها خمسة عشر منزلاً، ووجوه الأهالي التي تنم عن أصالة الماضي، وقد وصلوا بعد ساعتين إلى قرية عالي حيث نزلوا فيها وصلوا العصر، واستراحوا قليلاً لاستئناف الرحلة الممتعة. ولما عاين المؤلف علي سعاد المنامة من بعيد، وجدها مدينة عتيقة لا يرى منها غير بعض التلال، وأنقاض من مدينة قديمة للغاية. وكان أحد عُلماء الحفريات الإنجليز يجري أبحاثه فيها، وأشار إلى أن القنصل الإنجليزي كان يستخدم المسجونين لدى الشيخ عيسى بن علي في خدمة عالم الآثار هذا، وكانت تلك المدينة الأثرية تعود لأربعة آلاف سنة مضت، وقد وجد أن جُثث الموتى كانت قائمة في المغارات، وكانت قبورهم ضيقة وموضوعة بالطول. ومع أن الرحالة علي سعاد قد بحث عن العالم الإنجليزي لمقابلته، إلا أنه لم يستطع معرفة مكانه، غير أنه أشار إلى أن جزيرة البحرين كانت مقراً مقدساً – على حد قوله - في زمن المصريين (الصحيح في زمن السومريين سُكان وادي الرافدين) بل لعله كان مقراً لأحد الكهنة، وكانت الجزيرة تزار لذلك السبب.
وبعد أن مر المؤلف على تلك الآثار كان قد بقي لوصوله إلى المنامة ساعة ونصف من الطريق. وقد شاهد في ذلك الموقع من الجزيرة محل ممر مائي، فاستغرب وجود جدول من الماء الجاري بها، فاستفسر عنه فقيل: إن ذلك كان ممر ماء البحر إلى المزارع لسقيها، غير أن المزارعين لا يسقون جذور الأشجار بشكل مباشر حتى لا يتضرر الثمر، وإنما يمررونه من أطرافها، وقد صادف في طريقه إلى المنامة عدة منابع للمياه، وهي شبيهة بمنابع المياه في الأحساء من حيث الملوحة والثقل، ولا سيما في الشاي والقهوة.
ولما وصل المؤلف علي سعاد إلى أطراف بلدة المنامة مع غروب الشمس وجد شوارعها مغمورة بالمياه بسبب العاصفة التي شهدتها المنطقة قبل يوم واحد من وصولهم، وقد بين أن الأهالي ذكروا له فيما بعد أنهم لم يشاهدوا عاصفة من هذا القبيل منذ أربعين سنة، وقد امتلأت المناطق المتدنية من الجزيرة بالمياه.
وكان مقرراً أن ينزل الرحالة علي سعاد في ضيافة آل قصيبي أصحاب المحلات التجارية الكبيرة في البحرين والهفوف، وقد وصل إلى مقرهم، واستقبلوه بحفاوة وتكريم، ووصف علي سعاد العشاء الفاخر الذي أعد لهم، وهو اللحم والرز في صينية كبيرة حملها شخصان اثنان وبجانبه العديد من الأطباق الشهية التي تصل إلى أربعين إلى خمسين صحناً صغيراً ومما ذكره من تلك الأطباق (محشي) الكوسة، والبطاطس، والدجاج المشوي، والمخللات، والمهلبية، واللقمة (لعلها لقمة القاضي) والجريش والطماطم والموز إلخ.. وقد قدمت لهم القهوة بعد الأكل، ثم الشاي مع الحليب ثم القهوة ثم الخلود إلى النوم.
وقام الرحالة في صباح اليوم الثاني من وصوله إلى المنامة، أي بعد ثمانية أيام من خروجه من الأحساء أي يوم الجمعة الثاني فوصف الفطور المتنوع من العسل والبيض والخبز، وقد أشار إلى أنه كان متشوقاً لرؤية هذا النوع من الخبز، إذ أنه لم يره منذ قدومه من البصرة إلى الهفوف آخر مرة، وكان ذلك قبل سبعة أشهر، أما ما كان موجوداً في الأحساء من خبز فقد كان يعمل في التنور، ولابد من أكله في الحال وإلا أصبح قاسياً ولذلك فقد ذكر أن هذا النوع من الخبز الأبيض النظيف هو الذين يزين مائدة الأثرياء في هذه المنطقة .
ثم تحدث الرحالة علي سعاد عن ميناء البحرين فذكر أنه تطور كثيراً بالمقارنة بوضعه في العام المنصرم: حيث كبر وتوسع في جهة البحر، وقد ذكر له المسؤولون عن الميناء أنهم بموجب أمر حاكم الجزيرة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة سوف يبنون فيه مستودعات ضخمة لوضع البضائع التجارية وحفظها فيها، وكانت واردات الميناء مخصصة للشيخ عيسى بن علي.
وقد تعرض علي سعاد للحديث عن وجه النقص للدولة العثمانية في المنطقة وهو افتقاد السفن العثمانية للملاحة البحرية في الخليج، حيث ذكر أن سفينة أجنبية قد قدمت إلى ميناء البحرين وكانت حمولتها مائة وأربعة عشر ألف كيس ومجموعها عشرة آلاف طن، وبعد إنزالها يتم سوقها إلى موانئ القطيف والعقير، وقطر بسفن شراعية، ولو توافرت السفن لعثمانية لشحنت تلك البضائع إلى الموانئ المذكورة دون تلك التكاليف الباهظة.
وذكر المؤلف علي سعاد أنه قابل أحد أثرياء البحرين التاجر المعروف صاحب العقارات الكثيرة الذي رمز لاسمه بـ ي.ق وقد استقبله أحسن استقبال ، ودعاه إلى مكتبه للحديث إليه عن أوضاع المنطقة، وأشار إلى أنه وجد في مكتب هذا التاجر نسخاً من مجلة (المقتطف) و(المنار) المصريتين وأشاد بجهود العرب القاطنين في الخليج في السعي للحصول على مثل هذه المجلات، وأنهم يتابعون أعدادها الجديدة عن كثب، وإذا كانوا من أصحاب الثراء والجاه فإنهم يوفرون كل الصحف والمجلات السياسية.
وبعد تلك الزيارة القصيرة غادر الرحالة علي سعاد البحرين بسفينة بريد إنجليزية متجهاً إلى بندر بوشهر التي وصلها في اليوم التالي، وفي حديثه الذي ذكره عن رحلته من البحرين إلى البصرة وجه علي سعاد انتقادات لاذعة إلى الشخصية العثمانية التي وصفها بالكسل والجمود العقلي والفكري، والميل إلى الراحة، مشيراً إلى أن هذه الشخصية قادرة فقط على كتابة مقالات أدبية وخطب حماسية بلاغية دون تطبيق ذلك على حيز الواقع العملي الملموس، وقد عد الإلمام بما يجري في الخليج العربي من أمور سياسية، والأهمية الاستراتيجية لهذا الخليج ضرورة حتمية لموظف عثماني يعمل في هذه المنطقة. وهنا وجه تلك الانتقادات إلى المثقفين العثمانيين والإداريين القاطنين في اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، في الاقتصار على العمل على الطاولات المريحة والمكاتب الفخمة، دون تحمل عناء السفر إلى هذه المنطقة البعيدة عن أنظار الدولة، في الوقت الذي ينبغي التركيز على الاهتمام بهذه المنطقة بما فيها من سواحل وأنهار وتجارات ولم يكتف الرحالة علي سعاد بتوجيه تلك الانتقادات بل ذكر الحلول أيضاً إذ أشار إلى أن الدولة لو قامت بتوفير الأمن اللازم للمنطقة، ووفرت سبل التجارة ووسائلها، وعملت على أراضيها الواسعة وسواحلها الممتدة مئات الكيلومترات، فإن الوضع السياسي للدولة في المنطقة سوف يعتدل، وتصلح الأحوال السيئة، وتستقيم الأمور وتستقر بيد العثمانيين، بدلاً من يد غيرهم وجيوبهم.
واستمر الرحالة في ذكر الأسباب التي توفر للدولة استقرارها السياسي والمعنوي في المنطقة فأشار إلى ضرورة تأسيس شركة ملاحة عثمانية، تعمل بين البصرة وكلكوتا وبومبي، وتوفير بعض السفن الصغيرة لتأمين البريد بشكل منتظم، وترحيل الموظفين والعساكر إلى المنطقة في وقت قصير دون ذلك العناء وتلك المشقة، بالإضافة إلى المكاسب المادية الكثيرة، ورفعة شأن الدولة في أنظار الأهالي والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في الترقي والتمدن، وقد تحسر الرحالة علي سعاد لما تحدث عن البضائع التي تم تفريغها من السفينة في بندر بوشهر والتي تحمل ماركات إنجليزية وألمانية قائلاً: هل سيأتي يوم يكتب على تلك البضائع اسم بغداد وزور ؟!!
يصف الرحالة البحرين بأسلوبه الأدبي من حيث جمال الطبيعة ولطافة الجو والأشجار المصفوفة على جانبي الطريق، والقرى المقامة في وسط البساتين التي لا يتجاوز عدد منازل الواحدة منها خمسة عشر منزلاً، ووجوه الأهالي التي تنم عن أصالة الماضي، وقد وصلوا بعد ساعتين إلى قرية عالي حيث نزلوا فيها وصلوا العصر، واستراحوا قليلاً لاستئناف الرحلة الممتعة. ولما عاين المؤلف علي سعاد المنامة من بعيد، وجدها مدينة عتيقة لا يرى منها غير بعض التلال، وأنقاض من مدينة قديمة للغاية. وكان أحد عُلماء الحفريات الإنجليز يجري أبحاثه فيها، وأشار إلى أن القنصل الإنجليزي كان يستخدم المسجونين لدى الشيخ عيسى بن علي في خدمة عالم الآثار هذا، وكانت تلك المدينة الأثرية تعود لأربعة آلاف سنة مضت، وقد وجد أن جُثث الموتى كانت قائمة في المغارات، وكانت قبورهم ضيقة وموضوعة بالطول. ومع أن الرحالة علي سعاد قد بحث عن العالم الإنجليزي لمقابلته، إلا أنه لم يستطع معرفة مكانه، غير أنه أشار إلى أن جزيرة البحرين كانت مقراً مقدساً – على حد قوله - في زمن المصريين (الصحيح في زمن السومريين سُكان وادي الرافدين) بل لعله كان مقراً لأحد الكهنة، وكانت الجزيرة تزار لذلك السبب.
وبعد أن مر المؤلف على تلك الآثار كان قد بقي لوصوله إلى المنامة ساعة ونصف من الطريق. وقد شاهد في ذلك الموقع من الجزيرة محل ممر مائي، فاستغرب وجود جدول من الماء الجاري بها، فاستفسر عنه فقيل: إن ذلك كان ممر ماء البحر إلى المزارع لسقيها، غير أن المزارعين لا يسقون جذور الأشجار بشكل مباشر حتى لا يتضرر الثمر، وإنما يمررونه من أطرافها، وقد صادف في طريقه إلى المنامة عدة منابع للمياه، وهي شبيهة بمنابع المياه في الأحساء من حيث الملوحة والثقل، ولا سيما في الشاي والقهوة.
ولما وصل المؤلف علي سعاد إلى أطراف بلدة المنامة مع غروب الشمس وجد شوارعها مغمورة بالمياه بسبب العاصفة التي شهدتها المنطقة قبل يوم واحد من وصولهم، وقد بين أن الأهالي ذكروا له فيما بعد أنهم لم يشاهدوا عاصفة من هذا القبيل منذ أربعين سنة، وقد امتلأت المناطق المتدنية من الجزيرة بالمياه.
وكان مقرراً أن ينزل الرحالة علي سعاد في ضيافة آل قصيبي أصحاب المحلات التجارية الكبيرة في البحرين والهفوف، وقد وصل إلى مقرهم، واستقبلوه بحفاوة وتكريم، ووصف علي سعاد العشاء الفاخر الذي أعد لهم، وهو اللحم والرز في صينية كبيرة حملها شخصان اثنان وبجانبه العديد من الأطباق الشهية التي تصل إلى أربعين إلى خمسين صحناً صغيراً ومما ذكره من تلك الأطباق (محشي) الكوسة، والبطاطس، والدجاج المشوي، والمخللات، والمهلبية، واللقمة (لعلها لقمة القاضي) والجريش والطماطم والموز إلخ.. وقد قدمت لهم القهوة بعد الأكل، ثم الشاي مع الحليب ثم القهوة ثم الخلود إلى النوم.
وقام الرحالة في صباح اليوم الثاني من وصوله إلى المنامة، أي بعد ثمانية أيام من خروجه من الأحساء أي يوم الجمعة الثاني فوصف الفطور المتنوع من العسل والبيض والخبز، وقد أشار إلى أنه كان متشوقاً لرؤية هذا النوع من الخبز، إذ أنه لم يره منذ قدومه من البصرة إلى الهفوف آخر مرة، وكان ذلك قبل سبعة أشهر، أما ما كان موجوداً في الأحساء من خبز فقد كان يعمل في التنور، ولابد من أكله في الحال وإلا أصبح قاسياً ولذلك فقد ذكر أن هذا النوع من الخبز الأبيض النظيف هو الذين يزين مائدة الأثرياء في هذه المنطقة .
ثم تحدث الرحالة علي سعاد عن ميناء البحرين فذكر أنه تطور كثيراً بالمقارنة بوضعه في العام المنصرم: حيث كبر وتوسع في جهة البحر، وقد ذكر له المسؤولون عن الميناء أنهم بموجب أمر حاكم الجزيرة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة سوف يبنون فيه مستودعات ضخمة لوضع البضائع التجارية وحفظها فيها، وكانت واردات الميناء مخصصة للشيخ عيسى بن علي.
وقد تعرض علي سعاد للحديث عن وجه النقص للدولة العثمانية في المنطقة وهو افتقاد السفن العثمانية للملاحة البحرية في الخليج، حيث ذكر أن سفينة أجنبية قد قدمت إلى ميناء البحرين وكانت حمولتها مائة وأربعة عشر ألف كيس ومجموعها عشرة آلاف طن، وبعد إنزالها يتم سوقها إلى موانئ القطيف والعقير، وقطر بسفن شراعية، ولو توافرت السفن لعثمانية لشحنت تلك البضائع إلى الموانئ المذكورة دون تلك التكاليف الباهظة.
وذكر المؤلف علي سعاد أنه قابل أحد أثرياء البحرين التاجر المعروف صاحب العقارات الكثيرة الذي رمز لاسمه بـ ي.ق وقد استقبله أحسن استقبال ، ودعاه إلى مكتبه للحديث إليه عن أوضاع المنطقة، وأشار إلى أنه وجد في مكتب هذا التاجر نسخاً من مجلة (المقتطف) و(المنار) المصريتين وأشاد بجهود العرب القاطنين في الخليج في السعي للحصول على مثل هذه المجلات، وأنهم يتابعون أعدادها الجديدة عن كثب، وإذا كانوا من أصحاب الثراء والجاه فإنهم يوفرون كل الصحف والمجلات السياسية.
وبعد تلك الزيارة القصيرة غادر الرحالة علي سعاد البحرين بسفينة بريد إنجليزية متجهاً إلى بندر بوشهر التي وصلها في اليوم التالي، وفي حديثه الذي ذكره عن رحلته من البحرين إلى البصرة وجه علي سعاد انتقادات لاذعة إلى الشخصية العثمانية التي وصفها بالكسل والجمود العقلي والفكري، والميل إلى الراحة، مشيراً إلى أن هذه الشخصية قادرة فقط على كتابة مقالات أدبية وخطب حماسية بلاغية دون تطبيق ذلك على حيز الواقع العملي الملموس، وقد عد الإلمام بما يجري في الخليج العربي من أمور سياسية، والأهمية الاستراتيجية لهذا الخليج ضرورة حتمية لموظف عثماني يعمل في هذه المنطقة. وهنا وجه تلك الانتقادات إلى المثقفين العثمانيين والإداريين القاطنين في اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، في الاقتصار على العمل على الطاولات المريحة والمكاتب الفخمة، دون تحمل عناء السفر إلى هذه المنطقة البعيدة عن أنظار الدولة، في الوقت الذي ينبغي التركيز على الاهتمام بهذه المنطقة بما فيها من سواحل وأنهار وتجارات ولم يكتف الرحالة علي سعاد بتوجيه تلك الانتقادات بل ذكر الحلول أيضاً إذ أشار إلى أن الدولة لو قامت بتوفير الأمن اللازم للمنطقة، ووفرت سبل التجارة ووسائلها، وعملت على أراضيها الواسعة وسواحلها الممتدة مئات الكيلومترات، فإن الوضع السياسي للدولة في المنطقة سوف يعتدل، وتصلح الأحوال السيئة، وتستقيم الأمور وتستقر بيد العثمانيين، بدلاً من يد غيرهم وجيوبهم.
واستمر الرحالة في ذكر الأسباب التي توفر للدولة استقرارها السياسي والمعنوي في المنطقة فأشار إلى ضرورة تأسيس شركة ملاحة عثمانية، تعمل بين البصرة وكلكوتا وبومبي، وتوفير بعض السفن الصغيرة لتأمين البريد بشكل منتظم، وترحيل الموظفين والعساكر إلى المنطقة في وقت قصير دون ذلك العناء وتلك المشقة، بالإضافة إلى المكاسب المادية الكثيرة، ورفعة شأن الدولة في أنظار الأهالي والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في الترقي والتمدن، وقد تحسر الرحالة علي سعاد لما تحدث عن البضائع التي تم تفريغها من السفينة في بندر بوشهر والتي تحمل ماركات إنجليزية وألمانية قائلاً: هل سيأتي يوم يكتب على تلك البضائع اسم بغداد وزور ؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق