بقلم راشد الجاسم
@rashidaljassim
الشيخ أحمد ابراهيم المطوع من مواليد المنامة عام 1932، تتلمذ على يد عبدالرحمن عيسى الشنو، فحفظ القرآن الكريم على يديه، والتحق بمدرسة دينية في المنامة، فدرس فيها العلوم الدينية واللغة العربية والحساب ومن ثم ابتعث إلى الأزهر في مصر لمواصلة الدراسة فنال شهادة في البحوث الإسلامية كان إمامًا راتبًا لجامع ابن جمعان بالمحرق، وخطيبًا لجامع الحورة بالمنامة، وكان رحمه الله كفيفا ويعني ضعفا في عظام الفخذين والساقين ويعتمد على العصا في سيره، ولكن وهبة الله بملكة حفظ قوية(1) واشتهر بخطاباته الوطنية التي كان يلقيها من على المنبر وكان مسجده يكتض بالمصلين من كافة مناطق البحرين لسماع خطبته رحمه الله تعالى.
دوره في انتفاضة مارس1965
(2)قال عنه النقابي الاستاذعبدالله مطيويع:
النقابي عبدالله مطيويع
“الشيخ أحمد إبراهيم المطوع الأزهري والذي كان يتوكأ على عصى، كان ممتلئاً وطنية وحماساً، وكان يرى من الناحية الشرعية أن ترك الإنجليز يعيثون في البلاد فساداً ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في شئوننا الداخلية أموراً لا يجب السكوت عليها أو التهاون فيها، لذا فقد اعتاد التحريض من خلال خطب الصلاة ومن خلال صلاة التراويح في رمضان أي كان قد اتخذ موقفاً معارضاً قبل وقوع الانتفاضة، لذا كان في نظري فهو شيخ الانتفاضة والمحرض الجريء لها خصوصاً أثناء صلاته في مسجد فريق مجرن.أما الشيخ أحمد المطوع فكان المنفاخ الذي نفخ في روح أهل المحرق، فكانوا يتقاطرون إليه للصلاة معه، صلاة التراويح والجمعة قادمين من الحد والبسيتين والمحرق والمنامة والرفاع أيضاً، وكانت خطبه مدوية تلقى الأصداء، لما يحمله من صدق وحماس ووعي لما يجري، فهو بحق في نظري الكير الذي أشعل الحماس للانتفاضة، كما يشعل كير الحداد النار، وقد استجاب له الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 17-19 عاماً، هذه الأعمار الشابة التي تفجرت حماساً وقوة ووطنية في كل مكان، ومن هؤلاء أحمد يعقوب كمال وشاكر عبدالله عقاب وكريم الشكر ومحمد السيد وعبدالوهاب محمد بوكمال وغيرهم.”
صلاة الغائب منعت في المحرق وصلت بالمنامة (3):
المحامي محمد السيد
ومن معايشة شخصية لانتفاضة مارس 1965 يروي لنا المحامي محمد السيد عن الشيخ أحمد ابراهيم المطوع، في يوم الجمعة 20 مارس 1965 كان مجموعة تقف حول زاوية منزل الشيخ أحمد المطوع وكان حديثم بصوت عالي حول صلاة الجمعة وصلاة الغائب على ارواح الشهداء اللذين سقطوا بالرصاص الغادر في المحرق والمنامة وسترة وغيرها، وحسب ما فهم من القوميين المتواجدين هناك بوجود توجه لاقامة صلاة الغائب في جميع مدن وقرى البحرين وذلك كشكل من أشكال الاحتجاجات وفي نفس الوقت تضامنا مع تشكيل لجنة تحقيق في هذه الأعمال الاجرامية، وقبيل صلاة الجمعة توجه أهل المحرق لجامع الشيخ حمد وكانوا يشككون في استجابة الخطيب لطلبهم، ووصلوا لساحة الجامع فكانت الخطبة عادية، فأنهى الخطيب خطبته الاولى وتلى بعدها خطبة الثانية وكانت قصيرة، وبعدها صلوا الجمعة طلب من الخطيب أن يصلي صلاة الغائب على الشهداء، فتعذر الخطيب بأنها فرض كفاية وليست فرض عين واذا اقامها بعض المسلمين القاطنين في منطقة الميت سقط عن بقية المسلمين في المناطق الأخرى، فأدار ظهره ليتسنن.
فانصرف المصليين وكانت تداولهم مشاعر السخط واليأس، ولكن سرعان ما تغير الحال وتبعث الأمل في أثناء وصول مجموعة من المنامة وأخبروهم بأن الشيخ أحمد المطوع قد صلى الغائب في مسجد القضيبية وأنه خرجت مظاهرات في المنامة بعد صلاة الجمعة ومسيرات في القضيبية والحورة ورأس رمان والشرطة قد فرقت المتظاهرين بمسيل الدموع وانه تم اغلاق الشوارع، وبالكاد استطاع المرافقون للشيخ أحمد أن يقنعوا ضباط الشرطة أنهم من المصلين الشوافع الذين يصلون خلف الشيخ أحمد حتى يسمحوا لهم بالمرور وعبور جسر الشيخ حمد الى المحرق.
وعندما تأكد الخبر كان له مفعول السحر في المتواجدين بالمحرق فرفع من حماسهم ومن معنوياتهم الى القمة فتعالت هتافاتهم بحياة الشيخ أحمد وطلبوا مواصلة المظاهرات لرفع معنوياتعم بعد شعورهم بالخذلان من عدم اقامتها بالمحرق، فأخذ احد القوميين الذي وقف على أحد المصطبات الاسمنتية (الدجة) من امام احد الدكاكين المغلقة بالمحرق يقول:
ايها الأخوة الأعزاء .. يا جماهير المحرق الباسلة .. يا جماهير شعب البحرين المناضلة .. أننا معكم ونحترم مشاعركم وحماسكم لقضيتكم العادلة، وشعوركم القومي الثوري النضالي… اذ أننا في فترة ما بعد الظهر .. وما بعد صلاة الجمعة.. والجميع انصرف الى بيوتهم .. وسوف لن تخرج الجماهير في مظاهرات الآن .. وقد عودنا الجماهير أن تخرج قبل صلاة العصر… لذلك يستحسن أن نؤجل المظاهرات الى ما قبل أذان المغرب … وعلينا أن نشيع الخبر الذي حصل في المنامة.. الى جميع الجماهير ونشرح لهم الموقف المشرف الوطني لسماحة الشيخ أحمد المطوع وكذلك نخبركم بالمظاهرات التي قامت في المنامة بعد صلاة الجمعة.. وربما سياتون الينا من المنامة وغيرها من مدن وقرى البحرين للاشتراك في مظاهرات العصر. لذلك أقترح تأجيل المظاهرات حتى قبيل صلاة العصر.. حتى يشترك الجميع.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سرت همة الموجودين بين مؤيد ومعارض للمظاهرات وفي هذا الأثناء شاهد المتواجدون في (البراحة) سيارة بيضاء تقف أمام باب أحد البيوت وينزل الشيخ أحمد من سيارته مع مرافقيه وبمساعدتهم يدخل بيته، وهو يعرج ويتطايح ذات الشمال وذات اليمين، وبالكاد تحمله ركبتيه اللتان تنحيان الى النصف. وفي يده عصا غليضة معكوفة في مقدمتها يتكئ عليها وهو يسير يقدم رجلا ويتبعها بالأخرى ويلبس جبة طويلة تزحف على الأرض ذات اللون الأزرق والفاتح الرمادي.وعلى رأسه نصف عمامة بيضاء ونصف طربوش أحمر غامق ينتأ من وسطها وتتدلى من جانب الطربوش (كركوشة) بلون الطربوش تتطايح وتهف يمينا وشمالا مع حركات الشيخ غير المنتظمة أثناء السير.. وقبل أن يضع رجله على عتبة المسطبة الأولى من العتبات الثلاث التي أمام بيته… اندفع نحوه جميع المتواجدين في البراحة وأحاطوا بسيارته وهم يهتفون بحياته وجرأته وشجاعته وتعاطفه مع الانتفاضة.. لم يرد الشيخ أحمد على المتجمهرين أمام بيته بل أن أحد مرافقيه قدم رجاءه للجميع بترك الشيخ ليستريح.. ودخل الشيخ البيت مع مرافقيه.. فتراجع المتجمهرون الى البراحة.
فلم يأبه هذا الشيخ الجليل لأن ينصر أبناء مجتمعه في المحن، فلم تمنعه الاعاقة أو العجز عن ذلك، فقام بدوره الوطني على أكمل وجه وبالرغم من البطش الأمني الشديد في تلك الحقبة من تاريخ هذا الوطن العريق، فتحية اجلال للشيخ أحمد ابراهيم المطوع ونسأل الله أن يسكنه فسيح جناته.
وبذلك نختم الجزء الأول من شيخ انتفاضة مارس 1965 … أحمد ابراهيم المطوع
انصح بقراءة مقالي: انتفاضة مارس 1965 .. وقصة استشهاد عبدالله بونودة في ارشيف المدونة
——————————————————————————————-
1- موقع معجم البابطين
http://www.almoajam.org/poet_details.php?id=622
2- لقاء في صحيفة العهد بتاريخ 3-10-2010 بمناسبة 45 عاما على الانتفاضة والمقابلة كاملة منقوله على موقع
http://www.bahrainarabia.com/showthread.php?p=292330
3-كتاب يوميات من انتفاضة مارس 1965م – معايشة شخصية – للمحامي محمد السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق