هذا بحث موسع يرصد تاريخ أقدم مكتبةٍ تجاريةٍ معروفة في تاريخ مدينة المحرق ، منذ التأسيس وحتى الإقفال ، وما كان لها من دور بارز وهام في خدمة الثقافة والوعي في ربوع مملكتنا الحبيبة لأكثر من نصف قرن من الزمان ، كما ويضم شهادات عدد ممن عاصرها من المُعمرين وممن استفاد منها من المثقفين ، ويختم بترجمة موسعة لمؤسسها الشيخ عبد العزيز بن عيسى آل جامع المتوفى سنة 1386هـ (1966م) رحمه الله ، وكيف كرس حياته لخدمة وطنه البحرين ، فتحية تقدير وإجلال لهذا الشهم الماجد الذي أخلص لربه ونفع أهل بلده .
وهذه الكلمات لهي تعبير صادق عما يجيش في صدري من أحاسيس تجاه هذا الرجل المفاضل ، والمربي النبيل . وأرجو من الله العلي القدير أن يرحمه وأن يعلي منزلته في الجنان آمين ، ولنشرع في المقصود بعون الملك المعبود .
[ طريقة الأوائل في المتاجرة بالكتب ] :
كان الأوائل من أهل البحرين يتاجرون في الكتب المخطوطة قبل ظهور المطبوعات ، والتي كان بعض الكتبيين (هكذا كان يطلق عليهم في السابق وهم تجار الكتب) يأتي بها من العراق ، والأحساء ، وإيران ، والحجاز ، واليمن ، فقد كان تنقل بكميات قليلة عبر المراكب إلى البحرين ، وكان أهل البحرين ينسخون الكتب عن طريق بعض طلبة العلم ، أو عن طريق بعض من كان يعمل في نسخ الكتب ، واتخذ هذا العمل حرفةً له ، ومن أشهر النُساخ والكتاب الماهرين بالبحرين الشيخ محمد بن سعد البقيشي خطيب جامع المنامة المتوفى سنة 1307هـ (1889م) والذي توفي رحمه الله عن مكتبة ضخمة احتلت غرفة كاملة من غرفات منزله ، وقد وجدت في عدد من المراسلات بين مشايخ البحرين ومشايخ الأحساء أن بعض مشايخ البحرين يطلب من بعض المشايخ في الأحساء أن ينسخ له كتاباً مُعيناً ، أو أن يُشكله له ، وكذلك الأمر بالنسبة لمشايخ الأحساء فقد وجدت بعضهم يطلب من الشيخ محمد بن سعد أن ينسخ لهم كتباً ، فيجيبهم الشيخ محمد إلى ذلك ، ويرسل لهم الكتب المذكورة منسوخةً جاهزةً وهكذا . .
هذه كانت طريقة الأوائل إلى أن ظهرت الطباعة الحديثة في أوروبا ، وانتشرت في العالم حتى وصلت إلى الدولة العُثمانية ، ومنها إلى الدول العربية ، فانتشرت الكتب والمطبوعات ، ورخصت أثمانها وزادت نسخها.
[ بعض المطبوعات البحرينية القديمة ]:
ومن الجدير بالذكر أن تجار البحرين كانوا من السباقين في طبع الكتب والرسائل العلمية فهنالك مطبوعات بحرينية كثيرة لها من العمر أكثر من 120 عاماً ، أذكر لك أخي القارئ جملة من أقدمها وأندرها :كتاب ((ديوان إسماعيل المقري)) المطبوع سنة 1305هـ وقد طبع على نفقة الحاج محمد بن أحمد بن هجرس من تجار البحرين المشهورين والذي طبع مجموعة من الكتب منها : كتاب ((رشحات الأقلام في شرح تحفة الغُلام)) للشيخ عبد الغني النابلسي ، وكتاب ((أوضح المسالك على مذهب الإمام مالك)) للشيخ عثمان بن سند طبعه سنة 1310هـ ، وكتاب ((الجواهر الزكية في حل ألفاظ العشماوية)) للشيخ أحمد بن تركي المالكي طبعه سنة 1312هـ ، وكتاب ((ما يجب على العبيد من معرفة أصول التوحيد)) وغيرها .
ومن النوادر أيضاً كتاب ((تأييد مذهب السلف)) الذي طبع سنة 1322هـ على نفقة الحاج مقبل بن عبد الرحمن الذكير من تجار البحرين ، ومنها كتاب ((الفيوضات الإلهية والفتوحات المكية في مولد ومعراج خير البرية)) للشاعر عبد المحسن بن محمد بن يعقوب الصحاف طبع سنة 1322هـ ، ومنها كتاب ((القول الجامع المشيد في الرد على صاحب المؤيد)) للشيخ محمد بن عبد الرزاق آل محمود وقد طبع سنة 1330هـ على نفقة الحاج أحمد بن يوسف بن هلال آل علي نسباً وابن شقر لقباً وكنية ، ومنها : ((تقويم جمال وراشد)) وهو من تأليف عبد الرحيم العسكري طبع 1332هـ على نفقة كل من الوجيه محمد أحمد جمال الليل والشيخ راشد بن محمد آل خليفة ، ومنها كتاب ((قمع أهل الزيغ والإلحاد عن الطعن في تقليد أئمة الاجتهاد)) للشيخ محمد الخضر الشنقيطي طبع سنة 1345هـ على نفقة الحاج عبد الله بن عيسى سياديه من تجار البحرين وغيرها كثير .
[ المكتبات التجارية في البحرين مرتبة من الأقدم إلى الأحدث ] :
وأذكر لك أخي القارئ الكريم في هذه العجالة مجموعة من مكتبات البحرين التجارية ، التي كان لها دور رائد في نشر الثقافة والوعي في العقود الماضية بمملكتنا الحبيبة ، وهي مرتبة حسب السنوات من الأقدم إلى الأحدث :
1-مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ، لصاحبها الشيخ عبد العزيز بن عيسى الجامع ، تأسست في أوائل القرن الماضي ويأتي الكلام عليها مفصلاً .
2-مكتبة التاجر ، لصاحبها الشيخ محمد علي التاجر ، تأسست سنة 1920م .
3-المكتبة الكمالية ، لصاحبها السيد سلمان بن أحمد كمال ، تأسست سنة 1921م .
4-المكتبة الوطنية ، لصاحبها السيد إبراهيم بن محمد عبيد ، تأسست سنة 1929م .
5-مكتبة المؤيد ، لصاحبها السيد مؤيد أحمد المؤيد ، تأسست سنة 1940م .
6-المكتبة العصرية ، لصاحبها السيد عبد الله بن أحمد الجودر ، تأسست سنة 1950م .
7-مكتبة الماحوزي ، لصاحبها أحمد الماحوزي ، تأسست سنة 1950م .
8-مكتبة البحرين ، لصاحبها محمد عبد الرحمن المهزع ، تأسست سنة 1952م .
9-مكتبة الهلال ، لصاحبها السيد إبراهيم المؤيد ، تأسست سنة 1957م .
10-مكتبة أوال ، لصاحبها السيد محمد جلال ، تأسست سنة 1959م .
11-مكتبة الظاعن ، لصاحبها السيد إبراهيم عبد الله الظاعن ، تأسست سنة 1960م .
12-مكتبة الجيل الجديد ، لصاحبها السيد أحمد إبراهيم عبيد ، تأسست سنة 1961م .
وغيرها كثير . .
[ الرد على بعض الدعاوى ] :
وأما ما ذكره البعض من أن مكتبة الشيخ محمد علي التاجر هي أقدم مكتبة تجارية في البحرين والتي تأسست سنة 1920م ، وقد ذُكر هذا في أكثر من مصدر ، ونشر في أكثر من موضع ، فهذا غير سديد البتة ، وفيه تسرع وعدم استقصاء في البحث ، وإجحاف بمكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع التي ظلت تخدم أهالي البحرين السنوات الطوال قبل أن تفتح مكتبة التاجر ، وإليك أخي القارئ شيئاً من تاريخ هذه المكتبة العريقة التي طوتها أيادي النسيان ، ولم يقم بواجب التعريف بها أيٌ من الباحثين أو طلبة العلم .
[ تأسيس مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
كانت البداية في مدينة المحرق ، وقريب من سوق المحرق كانت هناك عمارة الجامع (المقصود بالعمارة سابقاً : أنها مبنى كبير من دور واحد يظهر شكلها في الصورة ، وليس المقصود أنها من أدوار متعددة كما يتبادر إلى الذهن) وهي ملك للشيخ عبد العزيز بن الشيخ عثمان الجامع الذي كان حياً سنة 1278هـ (1861م) وبعد أن توفي إلى رحمة الله انتقلت العمارة المذكورة إلى نجله الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الجامع المتوفى سنة 1302هـ (1884م) ثم أصبحت من نصيب نجله الشيخ عيسى بن إبراهيم الفرضي المعروف ، وبعد أن شب هذا الأخير وكبر ، تزوج ورزق بمولود أسماه : عبد العزيز وما إن تعلم هذا الشاب العلوم وكبر حتى قرر أن يفتح مكتبة تجارية لنشر العلم والثقافة في ربوع البلاد ، وفعلاً تم ذلك بعد أن استشار والده وأستاذه الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع ، فرحب بالفكرة ووافق عليها وأعطاه مُساعدة منه لهذا المشروع قِسماً (دكاناً) من عمارته (عمارة الجامع) ، فقام بتجهيزه وإعداده لذلك المشروع ، وبدأ بشراء مجموعة من الكتب والمخطوطات من بعض طلبة العلم بالبحرين وأضاف إليها شيئاً من مقتنياته الشخصية ، ثم قام بتوزيعها وعرضها وترتيبها في المحل المذكور ، وقد كانت مرتبة على هيئة حلقة تحيط بجدران المحل من ثلاث جهات كما يذكر البعض ، وهو يجلس في وسطها ومعه إبريق (دلة) القهوة ، فإذا ما جاءه أحدٌ من الناس يطلب كتاباً أحضره له إن كان عنده وأخبره بسعره ، فإن كان معه ما يكفي من المال أعطاه إياه ، وإن وجده فقيراً أو ليس معه قيمة الكتاب وتوسم فيه أن ينتفع به ويستفيد أعطاه إياه دون أي مقابل ، وقد تم افتتاح المكتبة في أوائل القرن الماضي ، ولم نستطع تحديد سنة بعينها لكن المؤكد أنه افتتح المكتبة في أوائل القرن وقبل سنة 1907م على التحديد ، وبقي الشيخ عبد العزيز يبيع في المكتبة ما توفر له من كتب ومخطوطات في تلك الحقبة ، إلا أنه ومع هذه البداية البسيطة كان يعاني من شح في مصادر الكتب ، وذلك لعدد من الأسباب التي نذكر منها : أولاً : أنه يعتبر المكتبة التجارية الوحيدة تقريباً في البحرين في تلك الحقبة ، ثانياً : أن مصادر الكتب من مكتبات ومطابع كانت بعيدة جداً فالهند ومطبعة حيدرآباد العريقة ، والعراق ومطابع بغداد والبصرة ، ومطابع القاهرة وكذلك الحجاز كلها كانت بعيدة ونائية ، ولم يكن في استطاعة الشيخ عبد العزيز السفر إلى هذه البلدان في كل مرة لجلب الكتب ، وذلك لما سيتكلفه من مصاريف باهضة ومشقة وعناء خصوصاً وأن دخل المكتبة وإقبال الناس عليها كان محدوداً إلى حدٍ ما ، فأهل المحرق كما هو معلوم لدى القراء الأكارم في أغلبهم أهل بحر ، وقليل منهم المشتغل بالعُلوم والمعارف والآداب . وأما طريق المراسلة ففيها شيء من صعوبة والتعقيد أيضاً إذ كان الشيخ عبد العزيز يريد أن يراسل شخصاً ثقةً مأموناً مُتمرساً في الكتب ، عنده خبرة ودراية واسعة بالطبعات وبمصادرها وأسعارها ، يعيش في الخارج ويمكن الاتصال به بشكل مُستمر لإحضار ما ينفد من كتب ومصنفات بأسرع فرصة وفي أقرب وقت ، وكانت أوصاف هذا الرجل صعبةً بعض الشيء إلا أن الله تعالى قد أكرمه به بعد طول انتظار ، فالتقى بالمؤرخ الشيخ محمد بن خليفة النبهاني المكي الذي جاء زائراً إلى البحرين سنة 1332هـ الموافق 1913م ورأى مكتبته البسيطة المتواضعة فدار بينهما حديث طويل شرح له الأخير فيه معاناته في إحضار الكتب والمصنفات وما جرى له من صعوبات ومعوقات ، فأخبره الشيخ النبهاني بأنه راحل إلى مدينة البصرة بالعراق وأن له بها عدداً كبيراً من المعارف وطلاب العلم ، وأنهم سيساعدونه لتوريد الكتب والمصنفات إليه بالبحرين ، ففرح الشيخ عبد العزيز الجامع بكلام النبهاني واتفقا على ذلك ، وفعلاً بدأ النبهاني يبعث بالكتب من مدينة البصرة إلى البحرين ويقوم الشيخ عبد العزيز ببيعها في مكتبته بالمحرق ، هكذا كانت البداية ، ويظهر في هذه الخارطة التي هي لعمارة الجامع مكان المكتبة وهو الدكان المخطط ، والذي هو الدكان الخامس من دكاكين عمارة الجامع . ومن الأمور الهامة التي تذكر في هذا المقام ما ذكره لي الشيخ عبد الله بن سلمان المبارك قبل مدة لما سألته أيهما أقدم مكتبة الجامع أم مكتبة السيد إبراهيم عبيد ؟ فقال : لقد كان السيد إبراهيم عبيد صاحب المكتبة الوطنية يعمل معاوناً للشيخ عبد العزيز الجامع في مكتبته بالمحرق ، ثم عزم على أن ينفصل ويؤسس مكتبة أخرى تخصه ، فافتتح دكاناً بسوق القيصرية لبيع الكتب مستفيداً من تجربة الشيخ عبد العزيز الجامع ، ومن ثم انتقل إلى مدينة المنامة ليؤسس بذلك المكتبة الوطنية سنة 1929م .
أقول : ولاشك أن هذا يحسب في رصيد هذه المكتبة العريقة ، التي كانت سبباً لتأسيس مكتبة من أقدم وأعرق المكتبات في البحرين ، فالمكتبة الوطنية قد خدمت الثقافة والفكر بممكلة البحرين لأكثر من 70 عاماً ، وما زالت على هذا الدرب سائرة ، بعد أن أصبحت مركزاً من مراكز العلم والنور بمملكتنا الحبيبة ، فرحم الله صاحبها وأسكنه فراديس الجنان .
[ موقع مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
لاشك أن العديد من القراء الأكارم يتساءلون عن موقع مكتبة الجامع ، وأين كانت ، وهل انتقلت من مكانها إلى مكان آخر ؟ أقول : بعد البحث الطويل وسؤال المعاصرين للمكتبة تبين أنها لم تنتقل من مكانها إلى مكان آخر وأنها بقيت بعمارة الجامع منذ أن تأسست إلى أن أغلقت ، وقد وقفت على وثيقة يسجل فيها الشيخ عبد العزيز الجامع العمارة المذكورة وقد تم وصف حدودها وصفاً دقيقاً بها ، ومن ضمنها المكتبة التي كانت تحتل دكاناً من الدكاكين الستة للعمارة ، وهي مؤرخة بسنة 1351هـ (1932م) جاء فيها ما نصه : (( الرجل عبد العزيز بن عيسى الجامع طلب تسجيل العمارة مع الدكاكين الملاصقات لها من جهة الشرق الكائنة في سوق المحرق الآيلة إليه بالإرث الشرعي من أبيه ، والثابت ذلك لدى محكمة البحرين العدلية . الذي يحد العمارة مع الدكاكين جميعاً من الشمال بيت شاهين بن صقر ، ومن الغرب دكان وقف سالم الشوملي والجدار مشترك بينهما وأيضاً الشارع ، ومن الجنوب بيت محمد هندي ، ومن الشرق طريق السوق ، وبعده دكاكين أحمد بن شاهين . . )) اهـ.
هذه هي حدود عمارة الجامع في السابق ، أما عنوان المكتبة بشكل دقيق حالياً فهو كالتالي : مدينة المحرق ، طريق : 1123، مجمع : 211 ، رقم المحل : 958 .
[ من أشهر رواد مكتبة الجامع ] :
ومن أشهر من استفاد من مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع : شاعر البحرين الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة فقد قال في لقاء مع الأخ علي بن عبد الله الجامع والأخ عبد الله بن عيسى الحادي : أنه لولا مكتبة الشيخ عبد العزيز لما تعلمت ما تعلمت ، فقد كنت آتي إلى المحرق وأشتري منها الدواوين الشعرية ، واستفيد مما فيها من كنوز التراث العربي . كما يذكر السيد محمد بن قاسم الشيراوي أن والده الشاعر الأديب السيد قاسم بن محمد الشيراوي كان يشتري منها الكثير من الكتب ، وكذلك الأديب عبد الله بن علي آل زائد (صاحب جريدة ومطبعة البحرين) ، والشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة (شيخ الأدباء بالبحرين المتوفى سنة 1933م) ولم يكن يأتي إليها أي : الشيخ إبراهيم ، وإنما كان يبعث خادمه ليأتي إليه بالكتاب الذي يريده . ويذكر الوجيه السيد علي بن يوسف فخرو أنه كان يرتادها عدد كبير من المشايخ وطلبة العلم أمثال : الشيخ جمعة الجودر وغيره من أهل البحرين ومن زوارها .
ويخبرني الشاعر مبارك بن عمرو العماري أنه في إحدى السنوات ذهب إلى مكتبة الشيخ عبد العزيز لشراء كتب في الشعر النبطي فأخبر الشيخ عبد العزيز عن حاجته ، فأخرج له كتاباً في الشعر النبطي فاقتناه . وغيرهم الكثير من زوارها وروادها ، ومن غير المستبعد أن أغلب طلبة العلم في تلك الحقبة - خصوصاً أهالي مدينة المحرق - كانوا زواراً دائمين لمكتبة الجامع سواء كانوا أئمة مساجد ، أو قُراء ، أو مُثقفين ، أو أدباء ، أو شعراء ، أو قضاة أو غيرهم من متعلمي القراءة والكتابة .
[ محتويات مكتبة آل جامع ] :
يوجد في المكتبة العديد من الكتب الأدبية والنحوية ، والدواوين الشعرية الفصيحة والنبطية ، وكتب الطب القديم ، وكتب الفقه المالكي والشافعي وكتب الفرائض والمواريث ، والعديد من نسخ المصاحف الكاملة والمجزأة ، وغيرها الكثير مما كان مطلوباً في تلك الحقبة ، وتتنوع الطبعات إلى هندية ، وعراقية ، ومصرية ، وحجازية وغيرها ، كما أن بها بعض المخطوطات النادرة والثمينة . ويغلب على المكتبة الطابع الديني والطبعات القديمة التي جاوز كثير منها المائة عام . ولم يكن بها أي صحف أو جرائد أو مجلات .
[مصادر الشيخ عبد العزيز آل جامع ] :
ذكرت آنفاً أن الشيخ عبد العزيز كان له العديد من المصادر التي يحضر منها الكتب ، فقد كان يأتي بالبعض من البحرين والبعض الآخر من خارجها ، ثم بدأ مع الشيخ محمد النبهاني بإحضارها من مدينة البصرة عن طريق البحر ، وبعدها بمدة توفي الشيخ محمد النبهاني وذلك سنة 1370هـ فقام الشيخ عبد العزيز في آخر عمره يطلب من السيد إبراهيم عبيد أن يحضر له الكتب من القاهرة ، وذلك لما أن تمكن السيد عبيد من المتاجرة في الكتب وأصبح هو البائع والمورد الأول في البحرين ، ويذكر الأخ السيد أحمد بن إبراهيم عبيد مؤسس مكتبة (الجيل الجديد) أن الشيخ عبد العزيز الجامع كان يطلب منهم إحضار عدد من الكتب من القاهرة فيجيبونه إلى ذلك ويحضرونها له ، فيقوم ببيعها في مكتبته .
ويذكر السيد خالد بن محمد الجامع في مقابلة أجريتها معه يقول : إني كنت في الستينيات أوصل الشيخ عبد العزيز الجامع إلى المكتبة ، حيث إني اشتريت في تلك الفترة سيارة فأوصله على طريقي ثم انصرف ، وفي بعض الأحيان كان يطلب مني رحمهُ الله أن أحضر له بعض الكتب من المكتبة الوطنية بالمنامة فيكتب أسمائها كاملة في ورقة ويعطيني النقود ، فآخذها إلى مدينة المنامة وأعطيها للسيد أحمد عبيد حيث يقوم الأخير بإخراج الكتب من الرفوف ويعطيني قائمة بالأسعار فأعطيه النقود وآخذها للشيخ عبد العزيز .
[ إغلاق مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
وفي سنة 1966م تعب الشيخ عبد العزيز عن الذهاب لمكتبته ، وذلك بسبب كسر حصل له في رجله نتيجة حادث تعرض له وتوفي بعد أن برء منه بأعجوبة في قصة يطول شرحها ، وبهذا أغلقت مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع بعد أن خدمت أهالي مدينة المحرق أكثر من نصف قرن من الزمن . يخبرني الشيخ راشد بوحمود إمام مسجد بن نصر بالمحرق وأحد التلاميذ الملاصقين للشيخ عبد العزيز يقول : إن الشيخ عبد العزيز الجامع بقي يبيع بالمكتبة فيها الكتب إلى آخر سنةٍ من حياته - أي سنة 1966م (1386هـ) - وبعد أن توفي ، قام السيد عبد الله بن أحمد الجودر (صاحب المكتبة العصرية) ببيع بعض محتويات المكتبة في مكتبته العصرية كما قمت بأخذ بعض من نسخ المصاحف منها هكذا يذكر حفظه الله .
وبعدها بمدة قام ورثة الشيخ عبد العزيز الجامع ببيع العمارة المذكورة ومن ضمنها طبعاً (دكان المكتبة) على السيد أحمد شويطر ، ولا يُعلم بعد ذلك فيم استخدمت ، لكن باب المكتبة الأصلي ، وجدرانها الخارجية ما زالت قائمة حتى اليوم ، أما جدرانها الداخلية فقد هدمت وأصبحت أطلالاً .
ثم قام ورثة الشيخ عبد العزيز الجامع بإهداء مجموعة من نسخ المكتبة التي بقيت عندهم والتي تنقسم إلى مجموعة بسيطة من المطبوعات والمخطوطات لمتحف البحرين الوطني قسم : (( المخطوطات والوثائق )) لكي يتم الاعتناء بها ، فحصل ذلك وتم فعلاً ، وهناك بعض كتبها ومخطوطاتها قد ذكرت في ((فهرس مخطوطات البحرين)) للدكتور علي باحسين .
من ذلك مثلاً :
1-كتاب في الفرضيات التناسخية في مجلد ضخم ، تأليف الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع ، وهو من الكتب المهداة من مكتبة الجامع ، ولم يذكر في ((فهرس مخطوطات البحرين)) للدكتور باحسين ولا أدري ما السبب .
2-مخطوط شرح على منظومة ، محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم ، الناسخ محمد بن ملا عبد الرحمن سنة النسخ 1098هـ يقع في 161 ورقة وخطه نسخي جيد ، وهو في علم السلوك ، وعليه وقفية وبها ختم للشيخ عثمان بن جامع ، هدية من مكتبة الجامع ، أنظر : ((فرس مخطوطات البحرين)) رقم (239) .
3-مخطوط كتاب شرح القواعد الصغرى ، لعز الدين ابن جماعة الكناني الشافعي ، الناسخ : أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المالكي مذهباً . سنة النسخ : 1300هـ يقع في 11 ورقة ، وجاء في هامشه : ثم انتقل بالشراء الشرعي في ملك عيسى بن إبراهيم الجامع . هدية من مكتبة الجامع ، أنظر : ((الفهرس)) رقم : (137) .
4-مخطوط ديوان الصبابة لبدر الدين السبكي ، الناسخ : محمد بن ملا عبد الرحمن ويقع في 203 ورقة وهو في الشعر العربي ، هدية من مكتبة الجامع أنظر : ((الفهرس)) رقم (268) .
5-مخطوط أقرب المقاصد لشرح القواعد الصغرى ، لعز الدين ابن جماعة الكناني ، الناسخ : قاسم بن سلطان الضليعي ، سنة النسخ 1301هـ ، ويقع في 19 ورقة ، وهو في علم النحو ، هدية من مكتبة الجامع أنظر ((الفهرس)) رقم : (303) .
6-مخطوط مقدمة مسوغات الابتداء بالنكرة ، لشهاب الدين أحمد العنابي ، الناسخ : قاسم بن سلطان الضليعي سنة النسخ 1301هـ ويقع في 3 ورقات ، وهو في علم النحو ، هدية من مكتبة الجامع أنظر ((الفهرس)) رقم : (339) .
وغير ذلك . .
أما المطبوعات فقد جاء ذكر بعض الكتب المطبوعة في فهرس كتب المطبوعات بالمتحف وهي كالتالي:
1-كتاب ((البيان المبدي لشناعة القول المجدي)) وهو ناقص الأول ، وهو برقم : (143) في قسم العقيدة ، هدية من مكتبة الجامع .
2-كتاب ((شرح الأزهرية)) وهو لمحمد عبادة العدوي ، وهو برقم : (142) في قسم النحو ، هدية من مكتبة الجامع .
وغيرها . .
وقد تم إذاعة ونشر خبر إهداء هذه المجموعة من كتب مكتبة الجامع في ((مجلة الوثيقة)) وقد جاء فيها هذا العنوان ونصه بالخط العريض : ((ساعة أثرية ، ومخطوطات هدية للمتحف الوطني ، الوثائق تحكي تاريخ رجال العلم في بلادنا)) كتب : فوزي شعبان
قدم آل جامع مجموعة من الكتب والمخطوطات والمطبوعات الأثرية إلى دار المخطوطات والآثار بمتحف البحرين الوطني .
كما قدموا أيضاً ساعة أثرية فريدة في نوعها تحكي قصة تاريخ يمتد إلى أكثر من 200 سنة وكيف كان علماء المسلمين يؤدون دورهم التاريخي والإسلامي في ربوع بلادنا .
وذلك ضمن إقبال جماهير بلادنا على تقديم كل الكتب والوثائق التاريخية إلى متحف البحرين الوطني تمهيداً لتجميع تاريخي كبير لكل آثارنا اهـ.
[ مكتبة آل جامع هي أقدم مكتبة تجارية في تاريخ المحرق ] :
وهذه مجموعة من شهادات المعمرين الذين عاصروا المكتبة ، وأدركوها وهم صغار في السن جمعتها بعد عناء طويل في البحث ، خصوصاً وأن مجموعة منهم قد أتعبهم الكبر والتعب ففيهم من جاوز الثمانين وفيهم من جاوز التسعين ، وفيهم من بلغ المائة عام بارك الله في حياتهم وجزاهم الله تعالى خيراً وخلاصتها تثبت أن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع قد تأسست قبل سنة عشرين (1920م) والراجح لدي أنها تأسست في أوائل القرن الماضي وذلك بين عامي 1900م إلى 1906م هذا ما ثبت عندي بعد بحث طويل وشاق والله علم .
1-شهادة السيد محمد بن أحمد الغرير :
وهو من أواخر مؤسسي نادي البحرين بالمحرق ، وقد زرته في بيته بمدينة المحرق ، وسألته عن مولده فقال : ولدت سنة 1334هـ أي ما يوافق : 1915هـ ثم سألته عن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع فقال : منذ أن كنا صغاراً كنا نراها مفتوحة ، والشيخ عبد العزيز بداخلها يبيع الكتب ، ولم يكن عليها إقبال كبير ، فزبائنه محدودين ، وأهل المحرق هم أهل بحر كما لا يخفى عليكم هذا ما ذكره لي حفظه الله تعالى .
2-شهادة السيد يوسف بن حسن بن إبراهيم الحسن :
سألته عن مولده فأراني بطاقته الشخصية وفيها أن مولده سنة 1914م وعلى هذا فعمره الآن تسعون عاماً . ثم سألته عن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع فقال : أنا أذكرها كان الشيخ يبيع الكتب فيها منذ أن كنا صغاراً ، كما كان يدرس القرآن الكريم ببيته وكان حاد الطباع على الطلبة رحمه الله .
3-شهادة السيد إبراهيم محمد حسن فخرو :
وقد زرت السيد إبراهيم فخرو في مجلسه وسألته عن مكتبة الجامع فأجاب على الفور : أن مكتبة الجامع تأسست في أوائل القرن الماضي حوالي 1900م ، ولم يكن في تلك الفترة أي مكتبة تجارية أخرى سواها ، فقلت أتذكر الشيخ عبد العزيز الجامع ؟ فقال : نعم ، كان رجلاً نحيلاً كبيراً في السن .
قلت : مولد السيد إبراهيم محمد حسن فخرو هو : 1919م كما أخبرني نجله بارك الله في عمره .
4-شهادة السيد محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم الشيراوي :
جلست مع السيد محمد بن قاسم الشيراوي في بيته بصحبة الأخ يونس بن عبد الله الجامع وسألته عن مولده فقال : سنة 1918م ، فقلت له : مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع هل كانت موجودة قبل مولدكم ؟ فقال بعد أن أطرق قليلاً : نعم كانت موجودة قبلنا بمدة طويلة وهي أقدم مكتبة في مدينة المحرق . فقلت له من تذكر من روادها : فقال : والدي المرحوم قاسم بن محمد الشيراوي كان يشتري منها الكثير من الكتب ، والسيد عبد الله الزائد (صاحب جريدة البحرين) ، والشاعر الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة ، والشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة (شيخ الأدباء بالبحرين المتوفى سنة 1933م) ولم يكن يأتي إليها أي : الشيخ إبراهيم ، وإنما كان يبعث خادمه ليأتي إليه بالكتاب الذي يريده ، وكانا نذهب لرؤيتها ونحن صبية صِغار ، فقد كانت إذ ذاك المكتبة الوحيدة بمدينة المحرق ، وكان الشيخ عبد العزيز الجامع رجلاً شديداً ، يتعامل بشدةٍ وغلظةٍ رحمه الله ، ووصفها السيد محمد الشيراوي بأنها : مكتبة ثرية حفظه الله تعالى .
5-شهادة الشيخ راشد بن سالم بوحمود :
وهو من المشايخ الأفاضل ومن المُعمرين الكبار فقد بلغ الآن حوالي 100 عام ممتعاً بالصحة والعافية بارك الله في حياته ، وقد ولد كما أخبرني سنة 1325هـ الموافق سنة 1907م ، وتربى على يد الشيخ عبد العزيز الجامع عدة سنوات ودرس عليه القرآن الكريم وختمه عليه ، وحالياً يعمل إماماً لمسجد بن نصر بمدينة المحرق . ولما سألته عن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع فقال : إنها تأسست قبل مولده بفترة ، أي قبل سنة 1907م وهذا من الشواهد القوية التي تحسم النزاع في المسألة .
ولما سألته : سنة كم أقفلت ؟
فقال : إن الشيخ عبد العزيز بقي يبيع فيها الكتب إلى آخر سنةٍ من حياته - أي سنة 1966م الموافق سنة 1386هـ - وبعد أن توفي ، قام السيد عبد الله بن أحمد الجودر (صاحب المكتبة العصرية) ببيع بعض محتويات المكتبة كما قام الشيخ راشد بوحمود بأخذ بعض من نسخ المصاحف منها هذا ما ذكره لي حفظه الله .
6-شهادة الوجيه علي بن يوسف بن عبد الرحمن فخرو :
وهو من مواليد سنة 1924م ولما سألته عن مكتبة الجامع يقول : لقد كانا نذهب إليها ونحن صبية صغار ، وفيها عدد من الكتب القديمة التي تتنوع طبعاتها إلى هندية ، ومصرية ، وعراقية ، وفيها أيضاً عدد من المخطوطات النفيسة والنادرة . ولاشك أن الكتب التي كانت بها هي مختلفة اختلافاً كبيراً عن الكتب الموجودة في مكتبات اليوم .
فقلت له : هل افتتحت قبل مولدك بكثير ؟
فقال : نعم افتتحت قبل مولدي بكثير ، وقد جاوزت المائة عام . وذكر أنه كان يرتادها عدد كبير من المشايخ وطلبة العلم أمثال : الشيخ جمعة الجودر وغيره من أهل البحرين ومن زوارها .
7-شهادة الشيخ عبد الله بن سلمان بن مبارك المبارك :
في مقابلة أجريتها مع المعمر الشيخ عبد الله بن سلمان بن مبارك بن عبد الله المبارك خطيب جامع الشيخ عيسى بمدينة الرفاع سابقاً والمولود سنة 1915م أكد الشيخ عبد الله أن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع هي أقدم مكتبة معروفة في مدينة المحرق ، وأضاف أنها أقدم مكتبة تجارية في البحرين . ثم قلت له : ماذا عن مكتبة السيد إبراهيم عبيد ؟ فقال : لقد كان السيد إبراهيم عبيد صاحب المكتبة الوطنية يعمل مع الشيخ عبد العزيز الجامع في مكتبته ، ثم عزم على أن ينفصل ويؤسس مكتبة أخرى تخصه ، فافتتح دكاناً بسوق القيصرية لبيع الكتب مستفيداً من تجربة الشيخ عبد العزيز الجامع ، ومن ثم انتقل إلى مدينة المنامة هذا ما ذكره لي حفظه الله تعالى .
8-شهادة بعض النسوة من أسرة النبهاني من دولة الكويت الشقيقة :
في إحدى السنوات وفي مكة المكرمة التقت السيدة مريم بنت عبد الله بن الشيخ عبد العزيز الجامع ببعض النسوة وهن بنات الشيخ محمد بن خليفة النبهاني المتوفى سنة 1370هـ وصاحب كتاب ((التحفة النبهانية)) في تاريخ البحرين ، وقد تحدثن معها قليلاً ، وعندما عرفن أنها من بيت الجامع قلن لها : نحن نذكر أن والدنا كان يتعامل مع طالب علم في البحرين يقال له الشيخ عبد العزيز الجامع ويورد له الكتب من العراق .
وهذه الشهادة من بنات الشيخ النبهاني من دولة الكويت كما نقلتها السيدة مريم بنت عبد الله الجامع حفظها الله تعالى .
9-شهادة السيد عبد الله بن أحمد الجودر مؤسس (المكتبة العصرية) :
يؤكد السيد عبد الله بن أحمد آل جودر مؤسس المكتبة العصرية سنة 1950م والمولود قبل سنة 1919م أن أقدم مكتبة تجارية معروفة في تاريخ مدينة المحرق هي مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ، ويقول : أدركناها منذ زمن بعيد وصاحبها الشيخ عبد العزيز رجل كبير ومسن ، وعندي له صورة فوتوغرافية وهو يبيع في مكتبته .
وعندما سألته عن عُمر المكتبة منذ أن تأسست حتى اليوم فقال لي : حوالي المائة عام أي : حوالي سنة 1904م تقريباً .
ثم قلت له : هل مكتبة الجامع مشهورة بأنها أقدم مكتبة في مدينة المحرق ؟
فقال على الفور : إن هذه المعلومة معروفة ومشهورة عند أهالي مدينة المحرق ، ولا نعلم مكتبة أقدم من هذه في تاريخ مدينة المحرق .
وهذه هي الشهادات التي وقفت عليها من جملة من المعمرين ممن عاصروا المكتبة أو كان لهم بها صلة وأختم كلمتي بذكر ترجمة لصاحبها ومؤسسها الشيخ عبد العزيز الجامع رحمه الله .
[ ترجمة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
هو : العالم الفاضل ، الزاهد الورع ، المعمر ، الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عيسى بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عثمان بن بن عبد الله بن جمعة بن جامع بن عبيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي البحريني المالكي .
أسرته :
آل الجامع من الأسر العلمية العريقة في البحرين والقديمة أيضاً ، فقد جاء جدهم الأكبر الشيخ عثمان بن جامع الحنبلي النجدي إلى البحرين لما طلب أهل البحرين من الشيخ محمد بن فيروز أن يبعث لهم رجلاً من أهل العلم والصلاح ، ليكون قاضياً لهم ومفتياً ومدرساً ، فوقع الاختيار عليه ، فباشرها سنين عدة بحسن السيرة والورع والعفة وأحبه عامة أهل البحرين وخاصتهم كما يذكر المؤرخ ابن حميد في كتابه ((السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة )) .
ثم تولى بعده القضاء نجله الشيخ أحمد بن عثمان ، ثم نجله الشيخ محمد بن أحمد ، كما أن الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز كان من أهل العلم وله مراسلات مع علماء الأحساء ، كذلك نجله الشيخ عيسى بن إبراهيم ، وغيرهم كثير ، رحم الله الجميع بمنه وكرمه .
مولده :
ولد الشيخ عبد العزيز في فريق الشيوخ ، بمدينة المحرق ، بجزيرة البحرين ، وقد كان الشيخ عبد الله بن عيسى بن علي آل خليفة أخ الشيخ عبد العزيز من الرضاعة .
نشأته :
نشأ في بيئة علمية وأسرة محافظة فوالده من علماء الفقه والفرائض ، وجده كذلك ، فدرس على والده مبادئ العلوم الشرعية واللغة العربية والفقه والفرائض وغير ذلك واستفاد من جده الشيخ إبراهيم الجامع .
انتقاله من المذهب الحنبلي إلى المالكي :
لقد انتقل الشيخ عبد العزيز الجامع من المذهب الحنبلي إلى المذهب المالكي بأمر من والده الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع لما رأى أنه قد حصل له بعض الوسواس في أمور الطهارة كما يذكر الأخ يونس الجامع ، فأمره أن ينتقل من المذهب الحنبلي إلى المالكي الذي كان سائداً في ذلك الوقت بالبحرين تيسيراً وتخفيفاً عليه ، فسمع الشيخ عبد العزيز كلام والده وأجابه إلى ذلك .
وبعد هذه السلسلة الحنبلية أباً عن جد وكابراً عن كابر ، ينتقل الشيخ عبد العزيز ليصبح مالكي المذهب ، وينبهنا صديقه الشيخ محمد بن خليفة النبهاني المتوفى سنة 1370هـ في ((التحفة النبهانية)) إلى هذه الحادثة ومشيراً إليها إشارة لطيفة ، فيقول ص143 : الشيخ عبد العزيز بن عيسى بن جامع ، وقد تقلد مذهب الإمام مالك ، وهو اليوم إمام جامع الشيوخ في المحرق اهـ.
رحلته إلى بلد سيدنا الزبير :
وقد رحل الشيخ عبد العزيز مع والده الشيخ عيسى الجامع إلى بلد سيدنا الزبير حوالي سنة 1305هـ وأخذ عن مشايخها واستفاد منهم .
رحلته إلى الأحساء :
ثم رحل إلى الأحساء مقصد طلاب العلم في ذلك الوقت فأخذ عن عالمها وإمامها الشيخ أبو بكر بن عبد الله الملا الأحسائي الحنفي المتوفى سنة 1366هـ وأخذ عن غيره من علماء الأحساء .
وله مراسلات مع الشيخ محمد بن أبي بكر الملا الأحسائي الحنفي منها رسالة يطلب فيها تعويذات حررها سنة 1371هـ.
رجوعه إلى البحرين :
وبعد رحلة الطلب الشاقة في إلى بلد سيدنا الزبير وإلى بلاد الأحساء ، رجع الشيخ عبد العزيز إلى البحرين ليبدأ في التدريس وبث العلم بين أهل البحرين ، ويساعد أباه الشيخ عيسى وينوب عنه في غيابه ومرضه .
المناصب التي تولاها :
تولى الإمامة بجامع الشيخ عيسى بن علي الذي كان يسمى جامع الشيوخ كما أشار إلى ذلك الشيخ محمد بن خليفة النبهاني بعد وفاة والده الشيخ عيسى ، وتحفيظ كتاب الله تعالى في بيته ، ويذكر عنه أنه كان شديداً على الطلاب عفا الله عنه .
ودرَّس بمدرسة علي بن إبراهيم الزياني في مدينة المحرق أيام مديرها الشيخ حافظ وهبة ، ومن بعده الشيخ عبد العزيز العتيقي .
ثم قام بالتدريس في مدرسة الهداية الخليفية وقد كان فيها سنة 1343هـ كما وقفت على ذلك بكشف فيه مرتبات الموظفين بمدرسة الهداية ، وقد كان يتقاضى 70 روبيه في الشهر ، بينما يتقاضى الشيخ عبد اللطيف بن علي الجودر 50 روبيه رحم الله الجميع .
زواجـه :
تزوج الشيخ عبد العزيز من زوجته الأولى وهي : لطيفة بنت الشيخ عبد الوهاب السندي الأفغاني فأنجبت له كل من :
مريم ، وعائشة ، وفاطمة ، وشريفة ، وعبد الله .
ثم تزوج زوجته الثانية وهي : فاطمة بنت أحمد الجامع فأنجبت له كل من :
سبيكة ، وعيسى .
وكل أبناء الشيخ عبد العزيز قد انتقلوا إلى رحمة الله تعالى .
شيوخه :
أخذ الشيخ عبد العزيز عن عدد من الشيوخ بالبحرين والأحساء منهم :
1-الشيخ أبو بكر بن عبد الله الملا الأحسائي الحنفي المتوفى سنة 1366هـ.
2-الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع الحنبلي المتوفى سنة 1350هـ والده وشيخه الأول .
3-الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الجامع الحنبلي ، جده .
وغيرهم . .
تلاميذه :
وله عدد كبير من الطلاب الذين تعلموا عليه قراءة القرآن وحفظه وتجويده ، منهم :
1-الشيخ راشد بن سالم بن راشد بوهيال المالكي ، وقد ختم عليه القرآن كاملاً.
2-الشيخة عائشة بنت عبد العزيز الجامع أبنته ، ختمت على يديه القرآن .
3-الشيخة فاطمة بنت عبد العزيز الجامع أبنته ، ختمت على يديه القرآن .
4-الشيخة شريفة بنت عبد العزيز الجامع أبنته كذلك ، ختمت على يديه القرآن.
5-السيد أحمد الشيراوي .
6-الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة .
7-السيد محمد الحسن ، المحامي .
8-شقيقه السيد يوسف الحسن .
9-السيد حمد بن محمد المحميد .
10-السيد يوسف بن أحمد الزياني .
11-السيد عبد الله بن عبد العزيز الجامع .
وغيرهم كثير . .
أعماله :
فوق أن الشيخ عبد العزيز كان محفظاً للقرآن الكريم وكتبياً ناجحاً ، إلا أنه كان أيضاً تاجر تمور ، فقد كانت تأتيه التمور من البصرة فيبيعها هنا بالبحرين ، كذلك ورث بعض البساتين من والده الشيخ عيسى فكان يعتني بها ويهدي منها العطور لأصدقائه ومعارفه .
صفاته :
كان رحمه الله عالماً فاضلاً ، ورعاً زاهداً متعففاً ، نحيل الجسم أشيب الشعر عليه نور القرآن معمراً في طاعة الله وخدمة كتابه وخدمة العلم وأهله .
مؤلفاته :
لقد انشغل الشيخ عبد العزيز بالتدريس والإفادة والنفع وخدمة كتاب الله فأخذ ذلك غالب أوقاته ولم يدع له مجالاً للتأليف والتصنيف ، ولم أقف له من الآثار إلا على :
1-وصية ، كتبها قبل وفاته .
2-بعض المراسلات مع علماء الأحساء .
وفاته :
وبعد حياة حافلة وعمر مديد توفي الشيخ عبد العزيز بن عيسى الجامع سنة 1966م بالمحرق ، قضاها في التدريس والكفاح ، مليئة بكافة وجوه الخير ، ودفن بمدافن آل الجامع بمقبرة المحرق رحمه الله رحمة واسعة وبارك في ذريته وأحفاده .
وهكذا طويت صفحة من صفحات التاريخ المنسي لمدينة المحرق ، وأرجو ممن عنده إضافة جادة إلى ما كتبت ألا يبخل بها علي ، وأكون له من الشاكرين ، ولفضله من الذاكرين ، والحمد لله رب العالمين .
وهذه الكلمات لهي تعبير صادق عما يجيش في صدري من أحاسيس تجاه هذا الرجل المفاضل ، والمربي النبيل . وأرجو من الله العلي القدير أن يرحمه وأن يعلي منزلته في الجنان آمين ، ولنشرع في المقصود بعون الملك المعبود .
[ طريقة الأوائل في المتاجرة بالكتب ] :
كان الأوائل من أهل البحرين يتاجرون في الكتب المخطوطة قبل ظهور المطبوعات ، والتي كان بعض الكتبيين (هكذا كان يطلق عليهم في السابق وهم تجار الكتب) يأتي بها من العراق ، والأحساء ، وإيران ، والحجاز ، واليمن ، فقد كان تنقل بكميات قليلة عبر المراكب إلى البحرين ، وكان أهل البحرين ينسخون الكتب عن طريق بعض طلبة العلم ، أو عن طريق بعض من كان يعمل في نسخ الكتب ، واتخذ هذا العمل حرفةً له ، ومن أشهر النُساخ والكتاب الماهرين بالبحرين الشيخ محمد بن سعد البقيشي خطيب جامع المنامة المتوفى سنة 1307هـ (1889م) والذي توفي رحمه الله عن مكتبة ضخمة احتلت غرفة كاملة من غرفات منزله ، وقد وجدت في عدد من المراسلات بين مشايخ البحرين ومشايخ الأحساء أن بعض مشايخ البحرين يطلب من بعض المشايخ في الأحساء أن ينسخ له كتاباً مُعيناً ، أو أن يُشكله له ، وكذلك الأمر بالنسبة لمشايخ الأحساء فقد وجدت بعضهم يطلب من الشيخ محمد بن سعد أن ينسخ لهم كتباً ، فيجيبهم الشيخ محمد إلى ذلك ، ويرسل لهم الكتب المذكورة منسوخةً جاهزةً وهكذا . .
هذه كانت طريقة الأوائل إلى أن ظهرت الطباعة الحديثة في أوروبا ، وانتشرت في العالم حتى وصلت إلى الدولة العُثمانية ، ومنها إلى الدول العربية ، فانتشرت الكتب والمطبوعات ، ورخصت أثمانها وزادت نسخها.
[ بعض المطبوعات البحرينية القديمة ]:
ومن الجدير بالذكر أن تجار البحرين كانوا من السباقين في طبع الكتب والرسائل العلمية فهنالك مطبوعات بحرينية كثيرة لها من العمر أكثر من 120 عاماً ، أذكر لك أخي القارئ جملة من أقدمها وأندرها :كتاب ((ديوان إسماعيل المقري)) المطبوع سنة 1305هـ وقد طبع على نفقة الحاج محمد بن أحمد بن هجرس من تجار البحرين المشهورين والذي طبع مجموعة من الكتب منها : كتاب ((رشحات الأقلام في شرح تحفة الغُلام)) للشيخ عبد الغني النابلسي ، وكتاب ((أوضح المسالك على مذهب الإمام مالك)) للشيخ عثمان بن سند طبعه سنة 1310هـ ، وكتاب ((الجواهر الزكية في حل ألفاظ العشماوية)) للشيخ أحمد بن تركي المالكي طبعه سنة 1312هـ ، وكتاب ((ما يجب على العبيد من معرفة أصول التوحيد)) وغيرها .
ومن النوادر أيضاً كتاب ((تأييد مذهب السلف)) الذي طبع سنة 1322هـ على نفقة الحاج مقبل بن عبد الرحمن الذكير من تجار البحرين ، ومنها كتاب ((الفيوضات الإلهية والفتوحات المكية في مولد ومعراج خير البرية)) للشاعر عبد المحسن بن محمد بن يعقوب الصحاف طبع سنة 1322هـ ، ومنها كتاب ((القول الجامع المشيد في الرد على صاحب المؤيد)) للشيخ محمد بن عبد الرزاق آل محمود وقد طبع سنة 1330هـ على نفقة الحاج أحمد بن يوسف بن هلال آل علي نسباً وابن شقر لقباً وكنية ، ومنها : ((تقويم جمال وراشد)) وهو من تأليف عبد الرحيم العسكري طبع 1332هـ على نفقة كل من الوجيه محمد أحمد جمال الليل والشيخ راشد بن محمد آل خليفة ، ومنها كتاب ((قمع أهل الزيغ والإلحاد عن الطعن في تقليد أئمة الاجتهاد)) للشيخ محمد الخضر الشنقيطي طبع سنة 1345هـ على نفقة الحاج عبد الله بن عيسى سياديه من تجار البحرين وغيرها كثير .
[ المكتبات التجارية في البحرين مرتبة من الأقدم إلى الأحدث ] :
وأذكر لك أخي القارئ الكريم في هذه العجالة مجموعة من مكتبات البحرين التجارية ، التي كان لها دور رائد في نشر الثقافة والوعي في العقود الماضية بمملكتنا الحبيبة ، وهي مرتبة حسب السنوات من الأقدم إلى الأحدث :
1-مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ، لصاحبها الشيخ عبد العزيز بن عيسى الجامع ، تأسست في أوائل القرن الماضي ويأتي الكلام عليها مفصلاً .
2-مكتبة التاجر ، لصاحبها الشيخ محمد علي التاجر ، تأسست سنة 1920م .
3-المكتبة الكمالية ، لصاحبها السيد سلمان بن أحمد كمال ، تأسست سنة 1921م .
4-المكتبة الوطنية ، لصاحبها السيد إبراهيم بن محمد عبيد ، تأسست سنة 1929م .
5-مكتبة المؤيد ، لصاحبها السيد مؤيد أحمد المؤيد ، تأسست سنة 1940م .
6-المكتبة العصرية ، لصاحبها السيد عبد الله بن أحمد الجودر ، تأسست سنة 1950م .
7-مكتبة الماحوزي ، لصاحبها أحمد الماحوزي ، تأسست سنة 1950م .
8-مكتبة البحرين ، لصاحبها محمد عبد الرحمن المهزع ، تأسست سنة 1952م .
9-مكتبة الهلال ، لصاحبها السيد إبراهيم المؤيد ، تأسست سنة 1957م .
10-مكتبة أوال ، لصاحبها السيد محمد جلال ، تأسست سنة 1959م .
11-مكتبة الظاعن ، لصاحبها السيد إبراهيم عبد الله الظاعن ، تأسست سنة 1960م .
12-مكتبة الجيل الجديد ، لصاحبها السيد أحمد إبراهيم عبيد ، تأسست سنة 1961م .
وغيرها كثير . .
[ الرد على بعض الدعاوى ] :
وأما ما ذكره البعض من أن مكتبة الشيخ محمد علي التاجر هي أقدم مكتبة تجارية في البحرين والتي تأسست سنة 1920م ، وقد ذُكر هذا في أكثر من مصدر ، ونشر في أكثر من موضع ، فهذا غير سديد البتة ، وفيه تسرع وعدم استقصاء في البحث ، وإجحاف بمكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع التي ظلت تخدم أهالي البحرين السنوات الطوال قبل أن تفتح مكتبة التاجر ، وإليك أخي القارئ شيئاً من تاريخ هذه المكتبة العريقة التي طوتها أيادي النسيان ، ولم يقم بواجب التعريف بها أيٌ من الباحثين أو طلبة العلم .
[ تأسيس مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
كانت البداية في مدينة المحرق ، وقريب من سوق المحرق كانت هناك عمارة الجامع (المقصود بالعمارة سابقاً : أنها مبنى كبير من دور واحد يظهر شكلها في الصورة ، وليس المقصود أنها من أدوار متعددة كما يتبادر إلى الذهن) وهي ملك للشيخ عبد العزيز بن الشيخ عثمان الجامع الذي كان حياً سنة 1278هـ (1861م) وبعد أن توفي إلى رحمة الله انتقلت العمارة المذكورة إلى نجله الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الجامع المتوفى سنة 1302هـ (1884م) ثم أصبحت من نصيب نجله الشيخ عيسى بن إبراهيم الفرضي المعروف ، وبعد أن شب هذا الأخير وكبر ، تزوج ورزق بمولود أسماه : عبد العزيز وما إن تعلم هذا الشاب العلوم وكبر حتى قرر أن يفتح مكتبة تجارية لنشر العلم والثقافة في ربوع البلاد ، وفعلاً تم ذلك بعد أن استشار والده وأستاذه الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع ، فرحب بالفكرة ووافق عليها وأعطاه مُساعدة منه لهذا المشروع قِسماً (دكاناً) من عمارته (عمارة الجامع) ، فقام بتجهيزه وإعداده لذلك المشروع ، وبدأ بشراء مجموعة من الكتب والمخطوطات من بعض طلبة العلم بالبحرين وأضاف إليها شيئاً من مقتنياته الشخصية ، ثم قام بتوزيعها وعرضها وترتيبها في المحل المذكور ، وقد كانت مرتبة على هيئة حلقة تحيط بجدران المحل من ثلاث جهات كما يذكر البعض ، وهو يجلس في وسطها ومعه إبريق (دلة) القهوة ، فإذا ما جاءه أحدٌ من الناس يطلب كتاباً أحضره له إن كان عنده وأخبره بسعره ، فإن كان معه ما يكفي من المال أعطاه إياه ، وإن وجده فقيراً أو ليس معه قيمة الكتاب وتوسم فيه أن ينتفع به ويستفيد أعطاه إياه دون أي مقابل ، وقد تم افتتاح المكتبة في أوائل القرن الماضي ، ولم نستطع تحديد سنة بعينها لكن المؤكد أنه افتتح المكتبة في أوائل القرن وقبل سنة 1907م على التحديد ، وبقي الشيخ عبد العزيز يبيع في المكتبة ما توفر له من كتب ومخطوطات في تلك الحقبة ، إلا أنه ومع هذه البداية البسيطة كان يعاني من شح في مصادر الكتب ، وذلك لعدد من الأسباب التي نذكر منها : أولاً : أنه يعتبر المكتبة التجارية الوحيدة تقريباً في البحرين في تلك الحقبة ، ثانياً : أن مصادر الكتب من مكتبات ومطابع كانت بعيدة جداً فالهند ومطبعة حيدرآباد العريقة ، والعراق ومطابع بغداد والبصرة ، ومطابع القاهرة وكذلك الحجاز كلها كانت بعيدة ونائية ، ولم يكن في استطاعة الشيخ عبد العزيز السفر إلى هذه البلدان في كل مرة لجلب الكتب ، وذلك لما سيتكلفه من مصاريف باهضة ومشقة وعناء خصوصاً وأن دخل المكتبة وإقبال الناس عليها كان محدوداً إلى حدٍ ما ، فأهل المحرق كما هو معلوم لدى القراء الأكارم في أغلبهم أهل بحر ، وقليل منهم المشتغل بالعُلوم والمعارف والآداب . وأما طريق المراسلة ففيها شيء من صعوبة والتعقيد أيضاً إذ كان الشيخ عبد العزيز يريد أن يراسل شخصاً ثقةً مأموناً مُتمرساً في الكتب ، عنده خبرة ودراية واسعة بالطبعات وبمصادرها وأسعارها ، يعيش في الخارج ويمكن الاتصال به بشكل مُستمر لإحضار ما ينفد من كتب ومصنفات بأسرع فرصة وفي أقرب وقت ، وكانت أوصاف هذا الرجل صعبةً بعض الشيء إلا أن الله تعالى قد أكرمه به بعد طول انتظار ، فالتقى بالمؤرخ الشيخ محمد بن خليفة النبهاني المكي الذي جاء زائراً إلى البحرين سنة 1332هـ الموافق 1913م ورأى مكتبته البسيطة المتواضعة فدار بينهما حديث طويل شرح له الأخير فيه معاناته في إحضار الكتب والمصنفات وما جرى له من صعوبات ومعوقات ، فأخبره الشيخ النبهاني بأنه راحل إلى مدينة البصرة بالعراق وأن له بها عدداً كبيراً من المعارف وطلاب العلم ، وأنهم سيساعدونه لتوريد الكتب والمصنفات إليه بالبحرين ، ففرح الشيخ عبد العزيز الجامع بكلام النبهاني واتفقا على ذلك ، وفعلاً بدأ النبهاني يبعث بالكتب من مدينة البصرة إلى البحرين ويقوم الشيخ عبد العزيز ببيعها في مكتبته بالمحرق ، هكذا كانت البداية ، ويظهر في هذه الخارطة التي هي لعمارة الجامع مكان المكتبة وهو الدكان المخطط ، والذي هو الدكان الخامس من دكاكين عمارة الجامع . ومن الأمور الهامة التي تذكر في هذا المقام ما ذكره لي الشيخ عبد الله بن سلمان المبارك قبل مدة لما سألته أيهما أقدم مكتبة الجامع أم مكتبة السيد إبراهيم عبيد ؟ فقال : لقد كان السيد إبراهيم عبيد صاحب المكتبة الوطنية يعمل معاوناً للشيخ عبد العزيز الجامع في مكتبته بالمحرق ، ثم عزم على أن ينفصل ويؤسس مكتبة أخرى تخصه ، فافتتح دكاناً بسوق القيصرية لبيع الكتب مستفيداً من تجربة الشيخ عبد العزيز الجامع ، ومن ثم انتقل إلى مدينة المنامة ليؤسس بذلك المكتبة الوطنية سنة 1929م .
أقول : ولاشك أن هذا يحسب في رصيد هذه المكتبة العريقة ، التي كانت سبباً لتأسيس مكتبة من أقدم وأعرق المكتبات في البحرين ، فالمكتبة الوطنية قد خدمت الثقافة والفكر بممكلة البحرين لأكثر من 70 عاماً ، وما زالت على هذا الدرب سائرة ، بعد أن أصبحت مركزاً من مراكز العلم والنور بمملكتنا الحبيبة ، فرحم الله صاحبها وأسكنه فراديس الجنان .
[ موقع مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
لاشك أن العديد من القراء الأكارم يتساءلون عن موقع مكتبة الجامع ، وأين كانت ، وهل انتقلت من مكانها إلى مكان آخر ؟ أقول : بعد البحث الطويل وسؤال المعاصرين للمكتبة تبين أنها لم تنتقل من مكانها إلى مكان آخر وأنها بقيت بعمارة الجامع منذ أن تأسست إلى أن أغلقت ، وقد وقفت على وثيقة يسجل فيها الشيخ عبد العزيز الجامع العمارة المذكورة وقد تم وصف حدودها وصفاً دقيقاً بها ، ومن ضمنها المكتبة التي كانت تحتل دكاناً من الدكاكين الستة للعمارة ، وهي مؤرخة بسنة 1351هـ (1932م) جاء فيها ما نصه : (( الرجل عبد العزيز بن عيسى الجامع طلب تسجيل العمارة مع الدكاكين الملاصقات لها من جهة الشرق الكائنة في سوق المحرق الآيلة إليه بالإرث الشرعي من أبيه ، والثابت ذلك لدى محكمة البحرين العدلية . الذي يحد العمارة مع الدكاكين جميعاً من الشمال بيت شاهين بن صقر ، ومن الغرب دكان وقف سالم الشوملي والجدار مشترك بينهما وأيضاً الشارع ، ومن الجنوب بيت محمد هندي ، ومن الشرق طريق السوق ، وبعده دكاكين أحمد بن شاهين . . )) اهـ.
هذه هي حدود عمارة الجامع في السابق ، أما عنوان المكتبة بشكل دقيق حالياً فهو كالتالي : مدينة المحرق ، طريق : 1123، مجمع : 211 ، رقم المحل : 958 .
[ من أشهر رواد مكتبة الجامع ] :
ومن أشهر من استفاد من مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع : شاعر البحرين الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة فقد قال في لقاء مع الأخ علي بن عبد الله الجامع والأخ عبد الله بن عيسى الحادي : أنه لولا مكتبة الشيخ عبد العزيز لما تعلمت ما تعلمت ، فقد كنت آتي إلى المحرق وأشتري منها الدواوين الشعرية ، واستفيد مما فيها من كنوز التراث العربي . كما يذكر السيد محمد بن قاسم الشيراوي أن والده الشاعر الأديب السيد قاسم بن محمد الشيراوي كان يشتري منها الكثير من الكتب ، وكذلك الأديب عبد الله بن علي آل زائد (صاحب جريدة ومطبعة البحرين) ، والشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة (شيخ الأدباء بالبحرين المتوفى سنة 1933م) ولم يكن يأتي إليها أي : الشيخ إبراهيم ، وإنما كان يبعث خادمه ليأتي إليه بالكتاب الذي يريده . ويذكر الوجيه السيد علي بن يوسف فخرو أنه كان يرتادها عدد كبير من المشايخ وطلبة العلم أمثال : الشيخ جمعة الجودر وغيره من أهل البحرين ومن زوارها .
ويخبرني الشاعر مبارك بن عمرو العماري أنه في إحدى السنوات ذهب إلى مكتبة الشيخ عبد العزيز لشراء كتب في الشعر النبطي فأخبر الشيخ عبد العزيز عن حاجته ، فأخرج له كتاباً في الشعر النبطي فاقتناه . وغيرهم الكثير من زوارها وروادها ، ومن غير المستبعد أن أغلب طلبة العلم في تلك الحقبة - خصوصاً أهالي مدينة المحرق - كانوا زواراً دائمين لمكتبة الجامع سواء كانوا أئمة مساجد ، أو قُراء ، أو مُثقفين ، أو أدباء ، أو شعراء ، أو قضاة أو غيرهم من متعلمي القراءة والكتابة .
[ محتويات مكتبة آل جامع ] :
يوجد في المكتبة العديد من الكتب الأدبية والنحوية ، والدواوين الشعرية الفصيحة والنبطية ، وكتب الطب القديم ، وكتب الفقه المالكي والشافعي وكتب الفرائض والمواريث ، والعديد من نسخ المصاحف الكاملة والمجزأة ، وغيرها الكثير مما كان مطلوباً في تلك الحقبة ، وتتنوع الطبعات إلى هندية ، وعراقية ، ومصرية ، وحجازية وغيرها ، كما أن بها بعض المخطوطات النادرة والثمينة . ويغلب على المكتبة الطابع الديني والطبعات القديمة التي جاوز كثير منها المائة عام . ولم يكن بها أي صحف أو جرائد أو مجلات .
[مصادر الشيخ عبد العزيز آل جامع ] :
ذكرت آنفاً أن الشيخ عبد العزيز كان له العديد من المصادر التي يحضر منها الكتب ، فقد كان يأتي بالبعض من البحرين والبعض الآخر من خارجها ، ثم بدأ مع الشيخ محمد النبهاني بإحضارها من مدينة البصرة عن طريق البحر ، وبعدها بمدة توفي الشيخ محمد النبهاني وذلك سنة 1370هـ فقام الشيخ عبد العزيز في آخر عمره يطلب من السيد إبراهيم عبيد أن يحضر له الكتب من القاهرة ، وذلك لما أن تمكن السيد عبيد من المتاجرة في الكتب وأصبح هو البائع والمورد الأول في البحرين ، ويذكر الأخ السيد أحمد بن إبراهيم عبيد مؤسس مكتبة (الجيل الجديد) أن الشيخ عبد العزيز الجامع كان يطلب منهم إحضار عدد من الكتب من القاهرة فيجيبونه إلى ذلك ويحضرونها له ، فيقوم ببيعها في مكتبته .
ويذكر السيد خالد بن محمد الجامع في مقابلة أجريتها معه يقول : إني كنت في الستينيات أوصل الشيخ عبد العزيز الجامع إلى المكتبة ، حيث إني اشتريت في تلك الفترة سيارة فأوصله على طريقي ثم انصرف ، وفي بعض الأحيان كان يطلب مني رحمهُ الله أن أحضر له بعض الكتب من المكتبة الوطنية بالمنامة فيكتب أسمائها كاملة في ورقة ويعطيني النقود ، فآخذها إلى مدينة المنامة وأعطيها للسيد أحمد عبيد حيث يقوم الأخير بإخراج الكتب من الرفوف ويعطيني قائمة بالأسعار فأعطيه النقود وآخذها للشيخ عبد العزيز .
[ إغلاق مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
وفي سنة 1966م تعب الشيخ عبد العزيز عن الذهاب لمكتبته ، وذلك بسبب كسر حصل له في رجله نتيجة حادث تعرض له وتوفي بعد أن برء منه بأعجوبة في قصة يطول شرحها ، وبهذا أغلقت مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع بعد أن خدمت أهالي مدينة المحرق أكثر من نصف قرن من الزمن . يخبرني الشيخ راشد بوحمود إمام مسجد بن نصر بالمحرق وأحد التلاميذ الملاصقين للشيخ عبد العزيز يقول : إن الشيخ عبد العزيز الجامع بقي يبيع بالمكتبة فيها الكتب إلى آخر سنةٍ من حياته - أي سنة 1966م (1386هـ) - وبعد أن توفي ، قام السيد عبد الله بن أحمد الجودر (صاحب المكتبة العصرية) ببيع بعض محتويات المكتبة في مكتبته العصرية كما قمت بأخذ بعض من نسخ المصاحف منها هكذا يذكر حفظه الله .
وبعدها بمدة قام ورثة الشيخ عبد العزيز الجامع ببيع العمارة المذكورة ومن ضمنها طبعاً (دكان المكتبة) على السيد أحمد شويطر ، ولا يُعلم بعد ذلك فيم استخدمت ، لكن باب المكتبة الأصلي ، وجدرانها الخارجية ما زالت قائمة حتى اليوم ، أما جدرانها الداخلية فقد هدمت وأصبحت أطلالاً .
ثم قام ورثة الشيخ عبد العزيز الجامع بإهداء مجموعة من نسخ المكتبة التي بقيت عندهم والتي تنقسم إلى مجموعة بسيطة من المطبوعات والمخطوطات لمتحف البحرين الوطني قسم : (( المخطوطات والوثائق )) لكي يتم الاعتناء بها ، فحصل ذلك وتم فعلاً ، وهناك بعض كتبها ومخطوطاتها قد ذكرت في ((فهرس مخطوطات البحرين)) للدكتور علي باحسين .
من ذلك مثلاً :
1-كتاب في الفرضيات التناسخية في مجلد ضخم ، تأليف الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع ، وهو من الكتب المهداة من مكتبة الجامع ، ولم يذكر في ((فهرس مخطوطات البحرين)) للدكتور باحسين ولا أدري ما السبب .
2-مخطوط شرح على منظومة ، محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم ، الناسخ محمد بن ملا عبد الرحمن سنة النسخ 1098هـ يقع في 161 ورقة وخطه نسخي جيد ، وهو في علم السلوك ، وعليه وقفية وبها ختم للشيخ عثمان بن جامع ، هدية من مكتبة الجامع ، أنظر : ((فرس مخطوطات البحرين)) رقم (239) .
3-مخطوط كتاب شرح القواعد الصغرى ، لعز الدين ابن جماعة الكناني الشافعي ، الناسخ : أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المالكي مذهباً . سنة النسخ : 1300هـ يقع في 11 ورقة ، وجاء في هامشه : ثم انتقل بالشراء الشرعي في ملك عيسى بن إبراهيم الجامع . هدية من مكتبة الجامع ، أنظر : ((الفهرس)) رقم : (137) .
4-مخطوط ديوان الصبابة لبدر الدين السبكي ، الناسخ : محمد بن ملا عبد الرحمن ويقع في 203 ورقة وهو في الشعر العربي ، هدية من مكتبة الجامع أنظر : ((الفهرس)) رقم (268) .
5-مخطوط أقرب المقاصد لشرح القواعد الصغرى ، لعز الدين ابن جماعة الكناني ، الناسخ : قاسم بن سلطان الضليعي ، سنة النسخ 1301هـ ، ويقع في 19 ورقة ، وهو في علم النحو ، هدية من مكتبة الجامع أنظر ((الفهرس)) رقم : (303) .
6-مخطوط مقدمة مسوغات الابتداء بالنكرة ، لشهاب الدين أحمد العنابي ، الناسخ : قاسم بن سلطان الضليعي سنة النسخ 1301هـ ويقع في 3 ورقات ، وهو في علم النحو ، هدية من مكتبة الجامع أنظر ((الفهرس)) رقم : (339) .
وغير ذلك . .
أما المطبوعات فقد جاء ذكر بعض الكتب المطبوعة في فهرس كتب المطبوعات بالمتحف وهي كالتالي:
1-كتاب ((البيان المبدي لشناعة القول المجدي)) وهو ناقص الأول ، وهو برقم : (143) في قسم العقيدة ، هدية من مكتبة الجامع .
2-كتاب ((شرح الأزهرية)) وهو لمحمد عبادة العدوي ، وهو برقم : (142) في قسم النحو ، هدية من مكتبة الجامع .
وغيرها . .
وقد تم إذاعة ونشر خبر إهداء هذه المجموعة من كتب مكتبة الجامع في ((مجلة الوثيقة)) وقد جاء فيها هذا العنوان ونصه بالخط العريض : ((ساعة أثرية ، ومخطوطات هدية للمتحف الوطني ، الوثائق تحكي تاريخ رجال العلم في بلادنا)) كتب : فوزي شعبان
قدم آل جامع مجموعة من الكتب والمخطوطات والمطبوعات الأثرية إلى دار المخطوطات والآثار بمتحف البحرين الوطني .
كما قدموا أيضاً ساعة أثرية فريدة في نوعها تحكي قصة تاريخ يمتد إلى أكثر من 200 سنة وكيف كان علماء المسلمين يؤدون دورهم التاريخي والإسلامي في ربوع بلادنا .
وذلك ضمن إقبال جماهير بلادنا على تقديم كل الكتب والوثائق التاريخية إلى متحف البحرين الوطني تمهيداً لتجميع تاريخي كبير لكل آثارنا اهـ.
[ مكتبة آل جامع هي أقدم مكتبة تجارية في تاريخ المحرق ] :
وهذه مجموعة من شهادات المعمرين الذين عاصروا المكتبة ، وأدركوها وهم صغار في السن جمعتها بعد عناء طويل في البحث ، خصوصاً وأن مجموعة منهم قد أتعبهم الكبر والتعب ففيهم من جاوز الثمانين وفيهم من جاوز التسعين ، وفيهم من بلغ المائة عام بارك الله في حياتهم وجزاهم الله تعالى خيراً وخلاصتها تثبت أن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع قد تأسست قبل سنة عشرين (1920م) والراجح لدي أنها تأسست في أوائل القرن الماضي وذلك بين عامي 1900م إلى 1906م هذا ما ثبت عندي بعد بحث طويل وشاق والله علم .
1-شهادة السيد محمد بن أحمد الغرير :
وهو من أواخر مؤسسي نادي البحرين بالمحرق ، وقد زرته في بيته بمدينة المحرق ، وسألته عن مولده فقال : ولدت سنة 1334هـ أي ما يوافق : 1915هـ ثم سألته عن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع فقال : منذ أن كنا صغاراً كنا نراها مفتوحة ، والشيخ عبد العزيز بداخلها يبيع الكتب ، ولم يكن عليها إقبال كبير ، فزبائنه محدودين ، وأهل المحرق هم أهل بحر كما لا يخفى عليكم هذا ما ذكره لي حفظه الله تعالى .
2-شهادة السيد يوسف بن حسن بن إبراهيم الحسن :
سألته عن مولده فأراني بطاقته الشخصية وفيها أن مولده سنة 1914م وعلى هذا فعمره الآن تسعون عاماً . ثم سألته عن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع فقال : أنا أذكرها كان الشيخ يبيع الكتب فيها منذ أن كنا صغاراً ، كما كان يدرس القرآن الكريم ببيته وكان حاد الطباع على الطلبة رحمه الله .
3-شهادة السيد إبراهيم محمد حسن فخرو :
وقد زرت السيد إبراهيم فخرو في مجلسه وسألته عن مكتبة الجامع فأجاب على الفور : أن مكتبة الجامع تأسست في أوائل القرن الماضي حوالي 1900م ، ولم يكن في تلك الفترة أي مكتبة تجارية أخرى سواها ، فقلت أتذكر الشيخ عبد العزيز الجامع ؟ فقال : نعم ، كان رجلاً نحيلاً كبيراً في السن .
قلت : مولد السيد إبراهيم محمد حسن فخرو هو : 1919م كما أخبرني نجله بارك الله في عمره .
4-شهادة السيد محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم الشيراوي :
جلست مع السيد محمد بن قاسم الشيراوي في بيته بصحبة الأخ يونس بن عبد الله الجامع وسألته عن مولده فقال : سنة 1918م ، فقلت له : مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع هل كانت موجودة قبل مولدكم ؟ فقال بعد أن أطرق قليلاً : نعم كانت موجودة قبلنا بمدة طويلة وهي أقدم مكتبة في مدينة المحرق . فقلت له من تذكر من روادها : فقال : والدي المرحوم قاسم بن محمد الشيراوي كان يشتري منها الكثير من الكتب ، والسيد عبد الله الزائد (صاحب جريدة البحرين) ، والشاعر الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة ، والشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة (شيخ الأدباء بالبحرين المتوفى سنة 1933م) ولم يكن يأتي إليها أي : الشيخ إبراهيم ، وإنما كان يبعث خادمه ليأتي إليه بالكتاب الذي يريده ، وكانا نذهب لرؤيتها ونحن صبية صِغار ، فقد كانت إذ ذاك المكتبة الوحيدة بمدينة المحرق ، وكان الشيخ عبد العزيز الجامع رجلاً شديداً ، يتعامل بشدةٍ وغلظةٍ رحمه الله ، ووصفها السيد محمد الشيراوي بأنها : مكتبة ثرية حفظه الله تعالى .
5-شهادة الشيخ راشد بن سالم بوحمود :
وهو من المشايخ الأفاضل ومن المُعمرين الكبار فقد بلغ الآن حوالي 100 عام ممتعاً بالصحة والعافية بارك الله في حياته ، وقد ولد كما أخبرني سنة 1325هـ الموافق سنة 1907م ، وتربى على يد الشيخ عبد العزيز الجامع عدة سنوات ودرس عليه القرآن الكريم وختمه عليه ، وحالياً يعمل إماماً لمسجد بن نصر بمدينة المحرق . ولما سألته عن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع فقال : إنها تأسست قبل مولده بفترة ، أي قبل سنة 1907م وهذا من الشواهد القوية التي تحسم النزاع في المسألة .
ولما سألته : سنة كم أقفلت ؟
فقال : إن الشيخ عبد العزيز بقي يبيع فيها الكتب إلى آخر سنةٍ من حياته - أي سنة 1966م الموافق سنة 1386هـ - وبعد أن توفي ، قام السيد عبد الله بن أحمد الجودر (صاحب المكتبة العصرية) ببيع بعض محتويات المكتبة كما قام الشيخ راشد بوحمود بأخذ بعض من نسخ المصاحف منها هذا ما ذكره لي حفظه الله .
6-شهادة الوجيه علي بن يوسف بن عبد الرحمن فخرو :
وهو من مواليد سنة 1924م ولما سألته عن مكتبة الجامع يقول : لقد كانا نذهب إليها ونحن صبية صغار ، وفيها عدد من الكتب القديمة التي تتنوع طبعاتها إلى هندية ، ومصرية ، وعراقية ، وفيها أيضاً عدد من المخطوطات النفيسة والنادرة . ولاشك أن الكتب التي كانت بها هي مختلفة اختلافاً كبيراً عن الكتب الموجودة في مكتبات اليوم .
فقلت له : هل افتتحت قبل مولدك بكثير ؟
فقال : نعم افتتحت قبل مولدي بكثير ، وقد جاوزت المائة عام . وذكر أنه كان يرتادها عدد كبير من المشايخ وطلبة العلم أمثال : الشيخ جمعة الجودر وغيره من أهل البحرين ومن زوارها .
7-شهادة الشيخ عبد الله بن سلمان بن مبارك المبارك :
في مقابلة أجريتها مع المعمر الشيخ عبد الله بن سلمان بن مبارك بن عبد الله المبارك خطيب جامع الشيخ عيسى بمدينة الرفاع سابقاً والمولود سنة 1915م أكد الشيخ عبد الله أن مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع هي أقدم مكتبة معروفة في مدينة المحرق ، وأضاف أنها أقدم مكتبة تجارية في البحرين . ثم قلت له : ماذا عن مكتبة السيد إبراهيم عبيد ؟ فقال : لقد كان السيد إبراهيم عبيد صاحب المكتبة الوطنية يعمل مع الشيخ عبد العزيز الجامع في مكتبته ، ثم عزم على أن ينفصل ويؤسس مكتبة أخرى تخصه ، فافتتح دكاناً بسوق القيصرية لبيع الكتب مستفيداً من تجربة الشيخ عبد العزيز الجامع ، ومن ثم انتقل إلى مدينة المنامة هذا ما ذكره لي حفظه الله تعالى .
8-شهادة بعض النسوة من أسرة النبهاني من دولة الكويت الشقيقة :
في إحدى السنوات وفي مكة المكرمة التقت السيدة مريم بنت عبد الله بن الشيخ عبد العزيز الجامع ببعض النسوة وهن بنات الشيخ محمد بن خليفة النبهاني المتوفى سنة 1370هـ وصاحب كتاب ((التحفة النبهانية)) في تاريخ البحرين ، وقد تحدثن معها قليلاً ، وعندما عرفن أنها من بيت الجامع قلن لها : نحن نذكر أن والدنا كان يتعامل مع طالب علم في البحرين يقال له الشيخ عبد العزيز الجامع ويورد له الكتب من العراق .
وهذه الشهادة من بنات الشيخ النبهاني من دولة الكويت كما نقلتها السيدة مريم بنت عبد الله الجامع حفظها الله تعالى .
9-شهادة السيد عبد الله بن أحمد الجودر مؤسس (المكتبة العصرية) :
يؤكد السيد عبد الله بن أحمد آل جودر مؤسس المكتبة العصرية سنة 1950م والمولود قبل سنة 1919م أن أقدم مكتبة تجارية معروفة في تاريخ مدينة المحرق هي مكتبة الشيخ عبد العزيز الجامع ، ويقول : أدركناها منذ زمن بعيد وصاحبها الشيخ عبد العزيز رجل كبير ومسن ، وعندي له صورة فوتوغرافية وهو يبيع في مكتبته .
وعندما سألته عن عُمر المكتبة منذ أن تأسست حتى اليوم فقال لي : حوالي المائة عام أي : حوالي سنة 1904م تقريباً .
ثم قلت له : هل مكتبة الجامع مشهورة بأنها أقدم مكتبة في مدينة المحرق ؟
فقال على الفور : إن هذه المعلومة معروفة ومشهورة عند أهالي مدينة المحرق ، ولا نعلم مكتبة أقدم من هذه في تاريخ مدينة المحرق .
وهذه هي الشهادات التي وقفت عليها من جملة من المعمرين ممن عاصروا المكتبة أو كان لهم بها صلة وأختم كلمتي بذكر ترجمة لصاحبها ومؤسسها الشيخ عبد العزيز الجامع رحمه الله .
[ ترجمة الشيخ عبد العزيز الجامع ] :
هو : العالم الفاضل ، الزاهد الورع ، المعمر ، الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عيسى بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عثمان بن بن عبد الله بن جمعة بن جامع بن عبيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي البحريني المالكي .
أسرته :
آل الجامع من الأسر العلمية العريقة في البحرين والقديمة أيضاً ، فقد جاء جدهم الأكبر الشيخ عثمان بن جامع الحنبلي النجدي إلى البحرين لما طلب أهل البحرين من الشيخ محمد بن فيروز أن يبعث لهم رجلاً من أهل العلم والصلاح ، ليكون قاضياً لهم ومفتياً ومدرساً ، فوقع الاختيار عليه ، فباشرها سنين عدة بحسن السيرة والورع والعفة وأحبه عامة أهل البحرين وخاصتهم كما يذكر المؤرخ ابن حميد في كتابه ((السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة )) .
ثم تولى بعده القضاء نجله الشيخ أحمد بن عثمان ، ثم نجله الشيخ محمد بن أحمد ، كما أن الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز كان من أهل العلم وله مراسلات مع علماء الأحساء ، كذلك نجله الشيخ عيسى بن إبراهيم ، وغيرهم كثير ، رحم الله الجميع بمنه وكرمه .
مولده :
ولد الشيخ عبد العزيز في فريق الشيوخ ، بمدينة المحرق ، بجزيرة البحرين ، وقد كان الشيخ عبد الله بن عيسى بن علي آل خليفة أخ الشيخ عبد العزيز من الرضاعة .
نشأته :
نشأ في بيئة علمية وأسرة محافظة فوالده من علماء الفقه والفرائض ، وجده كذلك ، فدرس على والده مبادئ العلوم الشرعية واللغة العربية والفقه والفرائض وغير ذلك واستفاد من جده الشيخ إبراهيم الجامع .
انتقاله من المذهب الحنبلي إلى المالكي :
لقد انتقل الشيخ عبد العزيز الجامع من المذهب الحنبلي إلى المذهب المالكي بأمر من والده الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع لما رأى أنه قد حصل له بعض الوسواس في أمور الطهارة كما يذكر الأخ يونس الجامع ، فأمره أن ينتقل من المذهب الحنبلي إلى المالكي الذي كان سائداً في ذلك الوقت بالبحرين تيسيراً وتخفيفاً عليه ، فسمع الشيخ عبد العزيز كلام والده وأجابه إلى ذلك .
وبعد هذه السلسلة الحنبلية أباً عن جد وكابراً عن كابر ، ينتقل الشيخ عبد العزيز ليصبح مالكي المذهب ، وينبهنا صديقه الشيخ محمد بن خليفة النبهاني المتوفى سنة 1370هـ في ((التحفة النبهانية)) إلى هذه الحادثة ومشيراً إليها إشارة لطيفة ، فيقول ص143 : الشيخ عبد العزيز بن عيسى بن جامع ، وقد تقلد مذهب الإمام مالك ، وهو اليوم إمام جامع الشيوخ في المحرق اهـ.
رحلته إلى بلد سيدنا الزبير :
وقد رحل الشيخ عبد العزيز مع والده الشيخ عيسى الجامع إلى بلد سيدنا الزبير حوالي سنة 1305هـ وأخذ عن مشايخها واستفاد منهم .
رحلته إلى الأحساء :
ثم رحل إلى الأحساء مقصد طلاب العلم في ذلك الوقت فأخذ عن عالمها وإمامها الشيخ أبو بكر بن عبد الله الملا الأحسائي الحنفي المتوفى سنة 1366هـ وأخذ عن غيره من علماء الأحساء .
وله مراسلات مع الشيخ محمد بن أبي بكر الملا الأحسائي الحنفي منها رسالة يطلب فيها تعويذات حررها سنة 1371هـ.
رجوعه إلى البحرين :
وبعد رحلة الطلب الشاقة في إلى بلد سيدنا الزبير وإلى بلاد الأحساء ، رجع الشيخ عبد العزيز إلى البحرين ليبدأ في التدريس وبث العلم بين أهل البحرين ، ويساعد أباه الشيخ عيسى وينوب عنه في غيابه ومرضه .
المناصب التي تولاها :
تولى الإمامة بجامع الشيخ عيسى بن علي الذي كان يسمى جامع الشيوخ كما أشار إلى ذلك الشيخ محمد بن خليفة النبهاني بعد وفاة والده الشيخ عيسى ، وتحفيظ كتاب الله تعالى في بيته ، ويذكر عنه أنه كان شديداً على الطلاب عفا الله عنه .
ودرَّس بمدرسة علي بن إبراهيم الزياني في مدينة المحرق أيام مديرها الشيخ حافظ وهبة ، ومن بعده الشيخ عبد العزيز العتيقي .
ثم قام بالتدريس في مدرسة الهداية الخليفية وقد كان فيها سنة 1343هـ كما وقفت على ذلك بكشف فيه مرتبات الموظفين بمدرسة الهداية ، وقد كان يتقاضى 70 روبيه في الشهر ، بينما يتقاضى الشيخ عبد اللطيف بن علي الجودر 50 روبيه رحم الله الجميع .
زواجـه :
تزوج الشيخ عبد العزيز من زوجته الأولى وهي : لطيفة بنت الشيخ عبد الوهاب السندي الأفغاني فأنجبت له كل من :
مريم ، وعائشة ، وفاطمة ، وشريفة ، وعبد الله .
ثم تزوج زوجته الثانية وهي : فاطمة بنت أحمد الجامع فأنجبت له كل من :
سبيكة ، وعيسى .
وكل أبناء الشيخ عبد العزيز قد انتقلوا إلى رحمة الله تعالى .
شيوخه :
أخذ الشيخ عبد العزيز عن عدد من الشيوخ بالبحرين والأحساء منهم :
1-الشيخ أبو بكر بن عبد الله الملا الأحسائي الحنفي المتوفى سنة 1366هـ.
2-الشيخ عيسى بن إبراهيم الجامع الحنبلي المتوفى سنة 1350هـ والده وشيخه الأول .
3-الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الجامع الحنبلي ، جده .
وغيرهم . .
تلاميذه :
وله عدد كبير من الطلاب الذين تعلموا عليه قراءة القرآن وحفظه وتجويده ، منهم :
1-الشيخ راشد بن سالم بن راشد بوهيال المالكي ، وقد ختم عليه القرآن كاملاً.
2-الشيخة عائشة بنت عبد العزيز الجامع أبنته ، ختمت على يديه القرآن .
3-الشيخة فاطمة بنت عبد العزيز الجامع أبنته ، ختمت على يديه القرآن .
4-الشيخة شريفة بنت عبد العزيز الجامع أبنته كذلك ، ختمت على يديه القرآن.
5-السيد أحمد الشيراوي .
6-الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة .
7-السيد محمد الحسن ، المحامي .
8-شقيقه السيد يوسف الحسن .
9-السيد حمد بن محمد المحميد .
10-السيد يوسف بن أحمد الزياني .
11-السيد عبد الله بن عبد العزيز الجامع .
وغيرهم كثير . .
أعماله :
فوق أن الشيخ عبد العزيز كان محفظاً للقرآن الكريم وكتبياً ناجحاً ، إلا أنه كان أيضاً تاجر تمور ، فقد كانت تأتيه التمور من البصرة فيبيعها هنا بالبحرين ، كذلك ورث بعض البساتين من والده الشيخ عيسى فكان يعتني بها ويهدي منها العطور لأصدقائه ومعارفه .
صفاته :
كان رحمه الله عالماً فاضلاً ، ورعاً زاهداً متعففاً ، نحيل الجسم أشيب الشعر عليه نور القرآن معمراً في طاعة الله وخدمة كتابه وخدمة العلم وأهله .
مؤلفاته :
لقد انشغل الشيخ عبد العزيز بالتدريس والإفادة والنفع وخدمة كتاب الله فأخذ ذلك غالب أوقاته ولم يدع له مجالاً للتأليف والتصنيف ، ولم أقف له من الآثار إلا على :
1-وصية ، كتبها قبل وفاته .
2-بعض المراسلات مع علماء الأحساء .
وفاته :
وبعد حياة حافلة وعمر مديد توفي الشيخ عبد العزيز بن عيسى الجامع سنة 1966م بالمحرق ، قضاها في التدريس والكفاح ، مليئة بكافة وجوه الخير ، ودفن بمدافن آل الجامع بمقبرة المحرق رحمه الله رحمة واسعة وبارك في ذريته وأحفاده .
وهكذا طويت صفحة من صفحات التاريخ المنسي لمدينة المحرق ، وأرجو ممن عنده إضافة جادة إلى ما كتبت ألا يبخل بها علي ، وأكون له من الشاكرين ، ولفضله من الذاكرين ، والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق