كتب : سليم مصطفى بودبوس
صحيفة الأيام العدد 10891 السبت 2 فبراير 2019
الموافق 27 جمادة الأول 1440
لا أدري ما سرُّ الشعور بالهيبة الذي ينتابني كلّما
حضرت مجلسًا لأهالي المحرق الكرام، إذْ لا أزال أذكر ذات مساء من شهر فبراير 2018
حين حضرت في باحة مسجد سيادي، المعلم التاريخي الديني العظيم، محاضرة عن مساجد
المحرق نظّمها مركز الجزيرة الثقافي، وذلك الحوار الشائق الماتع والحميمي الذي دار
بين الحضور. تلك المشاعر نفسها انتابتني الاثنين الماضي حين حضرت في مجلس محافظة
المحرق، وبرعاية كريمة من سعادة مستشار جلالة الملك لشؤون الشباب والرياضة السيد
صالح بن عيسى بن هندي وسعادة محافظ محافظة المحرق السيد سلمان بن عيسى بن هندي،
حفل تدشين كتاب: (محمد بن راشد بن هندي المناعي: المحسن الكبير وتاجر اللؤلؤ
المشهور (1850-1934)، وذلك في لقاء بهيج جمع كوكبة مميّزة من أهالي المحرق وضيوفها
الكرام. نعم، شعور بالهيبة والإجلال إزاء أهل المحرق الكرام قد يكون في هذا الكتاب
بعض ما يفسّره.
تصدّى
لتأليف هذا الكتاب الباحث المتألّق بشّار بن يوسف الحادي، صاحب الجهود البحثية
المتميّزة في مجال تاريخ أعلام البحرين ولا سيما من أهل المحرق، والحقيقة أنّ هذه الجهود
تحتاج لوحدها مقالاً حتى ننصف هذا الباحث المتمكّن الذي يعمل في صمت وفي حبّ خالص
للمعرفة والوطن.
وأمّا الكتاب (محمد بن راشد بن هندي المناعي:
المحسن الكبير وتاجر اللؤلؤ المشهور (1850-1934) فقد تكوَّن من مقدّمة وسبعة فصول
امتدّت على مدى 190 صفحة من القطع الكبير جرى إخراجه في ثوب قشيب وورق متين مميّز
بلونه وجودة طباعته وجمال رسومه وصوره. وقد أفرد المؤلف الفصل الأول للبحث في نسب
العائلة، فكتب نبذة عن عائلة بن هندي المناعي وعن أصول نسبها العريق وأبرز
رجالاتها، كما تحدّث عن فريج بن هندي وبيت بن هندي. وفي الفصل الثاني الذي حمل
عنوان بريق اللؤلؤ سرد الكاتب تفاصيل السنوات الأولى للتاجر الكبير محمد بن راشد
بن هندي المنّاعي وأصدقائه من التجار. أمّا الفصل الثالث فقد استعرض المؤلف فيه
مواقف لا تنسى من حياة المحسن الكبير وتاجر اللؤلؤ المشهور محمد بن راشد بن هندي من
ذلك إقراض حكومة البحرين لتوسيع فرضة المنامة سنة 1917 فضلاً عن دوره الجليل في
تأسيس التعليم النظامي في البحرين 1919.
بعد قراءة هذه الفصول الأولى من الكتاب بدأت أستشعر
سرَّ الهيبة وأفهم ذلك الشعور الذي ينتابني عن أهل المحرق وفيهم مثل هذا الرجل
ومنهم وفيهم وبينهم عاش محمد بن راشد بن هندي المناعي وأمثاله من القامات
والعلامات البارزة في تاريخ جزيرة المحرق.
ولم أتوقّف عند هذا الحدّ لأنّ الحادي بأسلوبه
التاريخي الجميل يجبرك على مواصلة القراءة، وسيرة محمد بن راشد تفرض نفسها عليك
فلا تترك الكتاب إلا وقد أتيت على الفصل الرابع الذي عرض فيه الكاتب مختلف أعمال
الخير والبر والإحسان التي لا يزال أثرها إلى اليوم شاهدًا عليها، من ذلك تجديد
بناء مسجد قلالي الشمالي وبناء مسجد قلالي الغربي ومسجد بن هندي. إضافة إلى ذلك
فقد أوقف محمد بن راشد العديد من الكتب العلمية على طلبة العلم وساهم بأعمال
تطوعية خارج البحرين. ويأسرك الفصل الخامس من الكتاب بروعة الوثائق التي تضمنها،
حيث تقرأ الرسائل والوثائق المتبقية من مسيرة محمد بن راشد بن هندي المنّاعي. وجاء
الفصل السادس ليسرد لنا المؤلف من خلاله قصة سفر محمد بن راشد إلى فرنسا خلال فترة
كارثة انهيار أسعار اللؤلؤ وتحديدًا في أوائل ثلاثينات القرن الماضي محاولا بيع
اللؤلؤ هناك ومن طريف حكايات هذه الرحلة أداء محمد بن راشد ومرافقه الصلاة في
الحديقة العامة أمام مرأى الناس والكيفية الحضارية التي تعامل بها رجال الأمن
الفرنسيين مع هذه السابقة التاريخية. أما الفصل السابع والأخير ولعلّه الأهمّ فهو
بمثابة الملحق لوثائق محمد بن راشد بن هندي القديمة.
وهكذا ومع نهاية الكتاب لم يعد ذلك الشعور الذي
انتابني عن المحرق سرًّا لا أفهم أسبابه، وإنما تكشَّف لي، مع نهاية الكتاب وحضور
ذلك المجلس العامر في حفل التدشين وغيره من المجالس الثقافية والاجتماعية بالمحرق،
مدى اعتزاز الأهالي بمدينتهم التاريخية ورغبتهم الحميمة في المحافظة على تراثها
وتعريف الأجيال الجديدة من أبناء المدينة والمقيمين والزائرين والسائحين بهذه
المدينة العريقة، ولعلَّ ذلك من أسباب المهابة والتقدير والإجلال لأهالي المحرق
وكبار رجالها.
ولعلَّه
بمثل هذا الجهد التوثيقي لتاريخ رجل عظيم من المحرق وأعني هنا محمد بن راشد بن
هندي المناعي، وبمثل جهود هيئة البحرين للثقافة والآثار وعلى رأسها سمو الشيخة مي
بنت محمد آل خليفة، وجهود محافظة المحرق ومجلسها البلدي، إضافة إلى جهود رجال
الأعمال والأهالي وكل الغيورين على المحرق... بمثل هذه الجهود المخلصة ستحافظ
المحرق على فرجانها ومعالمها الأثرية وتراثها المادي واللاماديّ أيضا، وستبقى صامدة
أمام كل التحديات التي تواجه المدن العريقة والتاريخية في وطننا العربيّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق