كتب - جعفر الديري:
البحر هذا الجبار المتمرّد، الذي يمتدّ إلى مرمى البصر، لم يزل الإنسان البحريني أسير أمواجه وزرقته، أولئك الذين اختطفهم واحداً تلو الآخر، كانوا يعرفون خاتمتهم جيداً عندما ركبوا السفن الشراعية، وكانت قد وصلتهم القصص والحكايات المليئة بالخوف والرهبة عن الربابنة والغاصة والسيب، كل أولئك الذين سبقوهم للجة المحيط، ومع ذلك كانت رائحة البحر الأوكسجين الذي يهبهم الحياة، وذكريات الليالي التي يزينها القمر سلوتهم التي يقطعون الوقت في تذكرها، وتفاصيل التعب اليومي زادهم الذي يشعرهم أنهم أقوى من أي شيء!.
المرحوم السيد علي السيد حسن الديري، نموذج للبحارة الذين تغرّبوا فجابوا البحر بحثاً عن لقمة العيش، عاش كما عاش أقرانه تجربة الابتعاد عن الوطن، وتحسس عن قرب شعور الإنسان وهو بعيد عن أهله ووطنه وسط محيط هادر ليس للإنسان إزاءه سوى التسليم لمشيئة الله تعالى، يقول السيد علي «عشت كما عاش أقراني على البحر، إذ كان يشكل لنا مصدر الرزق الوحيد مع بعض الاستثناءات بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون المزارع والدوالي، فالبحر لم يكن يوماً غريباً عنا، فقد نشأنا وتربينا فيه وكبرنا وأصبحنا رجالاً بفضل خيراته، لذلك ما أن يبلغ أحدنا أشده حتى تكون لديه رغبة كبيرة في أن يصبح بحاراً. كان عمري عندما قررت العمل على ظهر السفن خمسة عشر ربيعاً، وهو سن لا يؤهل للعمل غواصاً، لأن وظيفة الغواص كانت أكبر مرتبة من وظيفة «السيب»، التي لم أكن مؤهلاً لها أيضاً، لذلك عملت نصف سيب، والفرق بين الاثنين أن نصف السيب يأخذ نصف ما يتسلمه السيب من مال نظير عمله».
4 أشهر في البحر
يواصل السيد علي حديثه قائلاً «مع دخول فصل الصيف، يكون النواخذة -وهم ربابنة السفن وقتها- أكملوا عدة السفر والغوص على ظهر مراكبهم، إذ تكون سفنهم جاهزة وطاقمها متكامل وكل ما يتعلق بها متوافر، فتبدأ الرحلات طوال أربعة شهور بين الذهاب والإياب بهدف أساسي هو البحث عن اللؤلؤ إلى جانب السمك الذي يعتاش منه البحارة أنفسهم في عرض البحر، لذلك ما أن نصل إلى منطقة يغوص الغواصون فيها ويخرجون بالمحار فلا يجدون فيه شيئاً من اللؤلؤ حتى يأمر النوخذة برفع السن بقوله «فوق» فيتعاون على رفعه ثلاثة من الرجال الأشداء، لتتجه السفينة إلى منطقة أخرى، وهكذا دواليك».
ويشير السيد علي إلى أن عدد العاملين على السفينة يختلف بحسب سعتها، فقد يكون عدد الغواصين عشرة وأحياناً اثني عشر ويصلون إلى عشرين غواصاً، بينما يكون عدد السيب متجاوزاً لعدد الغواصين، وهناك أيضاً الطباخ الذي لا تتغير وجبته عن الرز المحمر غالباً، والمجدمي الذي كنا نعبر عنه «بشاطر السيوب» كان في الوقت نفسه نائباً للنوخذة، هذا إلى جانب النهامين الذين كانت أصوات غنائهم وهم يغنون الزهريات مهمة في تيسير العمل بدقة ونظام، وصباغ السفينة والنوخذة الذي هو صاحب السفينة والمال والمشرف العام على العمل، والمتحكم في أرزاق من معه، لكن المعتمد في العمل هما الغواص والسيب، فأما الغواص فإنه يضع «الشباص» على أنفه اتقاء لدخول ماء البحر إليه، ويمسك بـ»الديين» ويغوص في البحر بحثاً عن اللؤلؤ وعن الأسماك في «القرقور» حتى إذا خرج جمع البحارة المحار وبدؤوا بفتحه فإن ظهر منه لؤلؤ أعطوه للنوخذة وإلا فانصرفوا إلى أعمالهم في حين يتناول الطباخ السمك فيجهزه للوجبات والباقي يعمل منه «حلا»، بينما يقوم السيب بالإمساك ومراقبة الحبل المربوط في إبهام الرجل اليمنى من الغواص كي لا يغرق.
الغواص رجل المخاطر
يؤكد السيد علي أن الغواص كان رجلاً مخاطراً، فهو يعلم أن البحر لا أمان له، فماذا لو ظهر له «جرجور»، وماذا لو علقت رجله بنبات من نبات أو صخور البحر؟ ثم إن هناك حالات وإن كانت نادرة تسببت في غرق الغواص خطأ، فأكبر خطأ يمكن أن يرتكبه السيب هو غفلته عن الحبل الذي يربطه بالغواص، فمعنى ذلك اختناق الغواص في عرض البحر وموته، وفي الغالب لا يترك السيب مكانه إلا متى ما أمره المجدمي أو النوخذة بعمل آخر، فهو غير مسؤول عما يحدث بعد ذلك، كما إننا كنا إخوة وأبناء منطقة واحدة، فلم نكن لنحدث المشكلات ولم نكن لنفكر في أن أحدنا ترك الحبل عمداً أو بقصد القتل، حتى أهل الفقيد لا يلومون السيب المعني الذي يحضر الفاتحة ويشارك في العزاء ويتلقى التعازي شأنه شأن أهل الفقيد، فقد كانت القلوب وقتها قلوباً مؤمنة موكلة أمورها لله سبحانه.
ويذكر السيد علي أن العمل كان ينتهي مع اقتراب أذان المغرب، «إذ يكون الرز جاهزاً مع السمك المشوي، فنقوم بالصلاة والدعاء ثم نتناول وجبتنا الأخيرة في كل يوم، بعدها يكون أكثرنا قد أخذ منه التعب كل مأخذ لذلك يبادر بالنوم على «خيش» أو بساط بسيط، وآخرون وهم قليلون يجتمعون عند «التفر» في مؤخرة السفينة، يتبادلون الأحاديث والقصص.
ويتابع السيد علي حديثه متعرضاً لبعض ملابسات حياة البحارة «كان لباس البحارة ما عدا النوخذة الذي يلبس الثوب تحته إزار، الإزار فقط ، فصدورهم لم يكن يغطيها شيء ليس هذا وحسب، بل كنا جميعاً نحاول ما أمكننا مقاومة المرض لأن المرض على ظهر السفينة كان شاقاً جداً، ولهذا كان النواخذة يختارون الأجسام القوية القادرة على مقاومة الأمراض، ومازلت حتى هذه اللحظة أتذكر بضع كلمات لأحد النواخذة يقول فيها: «لا تتمارضوا فتمرضوا فتخسروا فتكونوا من أصحاب الجحيم»، وهذا كلام يدل على شدة وقسوة النوخذة في التعامل مع البحارة المرضى. أما مع اشتداد المرض بأحد البحارة، فهنا لا يكون أمام النوخذة مفر من العودة إلى الديار لإرجاع المريض إلى بيته، والحقيقة أن رجوع المريض إلى بيته جراء تدهور صحته كان في صالح البحارة الآخرين، الذين يستطيعون بهذه العودة رؤية عوائلهم بعد انقطاع، إذ غالباً ما يهب النوخذة يوماً إلى البحارة للركون إلى بيوتهم وعوائلهم، على أن يراهم في فجر اليوم التالي، إذ لم تكن هناك راحه لمن كان على ظهر السفينة وإنما كدح وتعب، ولكن متى ما كانت هناك رياح شديدة يخشى منها على السفينة وعلى البحارة، يذهب بالسفينة إلى البندر.
ويضيف السيد علي : إن من «دش» البحر لسنوات عدة يعرف تغير الطقس والموج، لذلك ما أن يلمح البحارة الغيوم، الغيوم بعينها حتى يدركوا أن السماء في طريقها إلى عاصفة، لذلك يسارعون فرحين بإخبار المجدمي برغبتهم في التوجه إلى البندر، والأمر منوط هنا بالنوخذة الذي يحكم رأيه في أحيان كثيرة ويكمل العمل أو يأذن براحة قصيرة، «التفر»: وهي مؤخرة السفينة.
كتاب «صناعة الغوص»
كانت تلك بعض الذكريات عن البحر سردها السيد علي السيد حسن الديري رحمه الله، في وقت سابق، فماذا عن الكتاب والباحثين؟! إن المكتبة البحرينية لاتزال تشكو قلة البحوث بهذا الخصوص، اللهم إلا نفراً مازالوا راغبين بالتطرق إلى موضوع الغوص، رغبة منهم في استجلاء صور تلك الأيام الصعبة والمجيدة، حين كان أجدادنا يغيبون لشهور طويلة في عرض البحر، من أجل تأمين قوتهم وقوت عيالهم، وقد تميزت منطقة الخليج العربي، والبحرين على وجه الخصوص بهذه الصور الرائعة من الكفاح الإنساني.. صور لا تقل روعة عما كتبه الباحثون والروائيون الغربيون من تجارب إنسانية انتصرت على أهوال الطبيعة، لذاك حري بنا عندما يصدر كتاب جديد عن الغوص، أن نحتفي به، لأنه بمثابة حبل يصلنا بأجدادنا.
وكتاب الباحث عبدالله خليفة الشملان «صناعة الغوص» الصادر ضمن «كتاب البحرين الثقافية»، جدير بالقراءة، وهو بمثابة عرض كامل لصناعة الغوص اشتمل على مقدمة وفصول، الفصل الأول تعرض إلى الاستعداد للغوص، وعنى الغوص، وبحارة الغوص وعمل كل منهم، والاستعداد للغوص، وأنواع سفن الغوص، وأقسام السفينة وتطرق الفصل الثاني إلى «الركبة»، مناطق الغوص، أدلة سفن الغوص، «اليرار»، «البريخة»، أنواع البريخة: البريخة على سدرة، بريخة الدواري، ترانيم البريخة. بينما تعرض الفصل الثالث لعملية الغوص، وأدواته، نظام «القحمات»، فترات الغوص وطبيعة كل فترة، «الخانجية»، الغوص الكبير، «النوخذة السلفي»، «النوخذة الخماس»، «الردة»، «العزاب»، «المينة»، «المطامس»، أمراض وأخطار الغوص، الأمراض، أخطار البحر والبيئة ، وتناول الفصل الرابع مواضيع : اللؤلؤ وتمويل صناعة الغوص، لؤلؤ البحرين وشهرته وأهميته، محار اللؤلؤ وأنواعه وتكاثره، تكوّن اللؤلؤة في المحارة، فرز اللؤلؤ وتصنيفه، بيع «المداسس»، تمويل صناعة الغوص، «المسقمون» و»النواخذة»، محاكم الغوص، محصول اللؤلؤ وتسويقه، وضم الفصل الخامس مواضيع تشمل: إجراءات «القفال»، شراء «القفال»، في انتظار سفن الغوص، «المرادة»، لعبة النساء والبحر، عودة سفن الغوص، أما الفصل السادس فتناول، حسابات الغوص، أهمية الرقابة على حسابات الغوص، حسابات الغوص الكبير، حسابات النوخذة السلفي، الدفاتر المستخدمة، توزيع إيراد الغوص، علاقة النوخذة بالبحارة، علاقة النوخذة بالمسقم، البحار المجزى والبحار القاصر، فك البحار، العمل بربع «المكدة»، حسابات النوخذة الخماس، محاسبة «العزال»، حسابات الخانجية، حسابات الردة، حسابات العزاب، حسابات «المينة والمطامس»، اللؤلؤ الصناعي وأثره، مستقبل صيد اللؤلؤ.
شهادات شفهية
لقد استقى المؤلف الشملان معلوماته من مصادر ثلاثة هي: المقابلات الشخصية لكثير ممن مارسوا هذه المهنة الشاقة وخاضوا مخاطرها وعرفوا دقائقها، والاطلاع على ما أمكن الحصول عليه من سجلات قديمة احتفظ بها بعض البحارة ونواخذة السفن وما عرض في متحف البحرين الوطني من وثائق تتعلق بموضوع الغوص وأنظمته وحساباته ودفاتره، إلى جانب المراجع التي كتبت عن الغوص سواء مراجع قديمة أو حديثة.
ونقرأ في مقدمة كتاب «صناعة الغوص»، «حديث الغوص ذو شجون وذكريات غالية عن أهم مورد للرزق في مملكة البحرين ومنطقة الخليج العربي عموماً قبل اكتشاف النفط، إذ إنه موضوع يثير الأشجان في النفوس عن مهنة الشدائد والمخاطر في خضم البحر الواسع طلباً للرزق الحلال»، مشيراً إلى اعتماد سكان البحرين قبل اكتشاف النفط العام 1932 في حياتهم على ثلاثة مصادر رئيسة للرزق هي صيد اللؤلؤ والزراعة والتجارة، حيث يعتبر صيد اللؤلؤ والزراعة هما الأكثر توفيراً لفرص العمل، حيث كانت مهنة الغوص في ذلك الوقت هي المهنة الأساسية للغالبية العظمى من الرجال والشباب فقد بلغ عدد سفن الغوص العام 1930 الخارجة من البحرين 509 سفن يعمل عليها 19300 بحار، وهي سنة قريبة من العام الذي تدفق فيه النفط في مملكة البحرين وتحول نتيجة لذلك عدد كبير من البحارة إلى العمل في مهن أخرى غير ركوب سفن الغوص، وبلغ عدد سفن الغوص في البحرين العام 1896 حوالي 9000 سفينة يعمل عليها 35000 بحار حسب الإحصاءات التي أوردها «لوريمر» في كتاب «دليل الخليج العربي». وقد اشتهرت البحرين بجودة لألئها وجمالها وكبر حجمها بين سائر البلدان التي تنتج اللؤلؤ الطبيعي.
إن البحرين -بحسب الشملان- كانت معروفة للعالم طوال الخمسة آلاف سنة الماضية، وعرفت في بادئ الأمر باسم دلمون ثم تايلوس ثم عرفت بعد ذلك باسم أوال وأخيراً باسم البحرين. وبفضل موقع البحرين الاستراتيجي على طريق التجارة التقليدي إلى منطقة الخليج العربي وتوافر المياه العذبة وموانئ السفن أصبحت مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً على مدى تاريخ الجزيرة العربية، وقد أدت ثروات البحرين -التي تعكس أهميتها التجارية والثروات التي تدرها صناعة اللؤلؤ التقليدية الرائجة آنذاك- إلى جذب اهتمام العديد من الجيوش والدول لتتنافس على السيطرة على هذه المنطقة الحيوية».
ملحمة جلجامش
يذكر الشملان معلومات مهمة نقتطف منها أن أول ذكر للغوص عن اللؤلؤ في التاريخ يظهر في ملحمة جلجامش قبل 3000 عام قبل الميلاد وأطلق عليه عيون السمك ، فقد ذكر المؤرخ البريطاني بلين عن «تايلوس» وهو الاسم القديم للبحرين أنها كانت تشتهر باللؤلؤ، وكان الغواص البحريني استطاع عبر التاريخ بقدرته على أن يزين العالم باللآلئ الطبيعية الجميلة إذ خاطر بحياته وممتلكاته بركوب أمواج أعالي البحار ومحاربة عوامل الطبيعة والأهوال في البحث عن كنز مدفون في بحار وطنه، وكانت صناعة الغوص عن اللؤلؤ كانت الحرفة الرئيسة لسكان الخليج العربي عموماً وفي البحرين بصفة خاصة، وانقرضت إلى حد كبير ولم يزاولها إلا 1% تقريباً وذلك بعد اكتشاف النفط العام 1932 ومنافسة اللؤلؤ الصناعي الياباني المستزرع.
ويذكر أن أشهر ثلاثة مصائد لللؤلؤ، هي: هير بولثامة وهير بوعمامة وهير شتية، التي تقع شمال البحرين إذ أجمع تجار الجواهر على أن لؤلؤ البحريني يفوق سائر اللآلئ بهجة ونفاسة، وقدر ثمن ما يخرج منها سنوياً من اللؤلؤ بقيمة 30 مليون روبية في ذلك الوقت، ويصدر غالبية اللؤلؤ إلى مدينة مومبي بالهند ومنها إلى باريس بفرنسا.
ويستشهد الشملان بما جاء في كتاب النبهاني «التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية»، أن سفن الغوص أنواع منها السنبوك والجالبوت والبوم والبقارة والبتيل والبغلة، ويطلق البحرينيون على مجموعة من السفن «بالخشب» ويتراوح عدد سفن الغوص بين 3-4 آلاف سفينة، ويعبرون عن ابتداء الغوص «بالركبة» وعن الانتهاء «بالقفال» ، ويطلقون على اللؤلؤ قماشا والجواهر دانات فإذا مضى برج من فصل الربيع يخرجون في سفنهم حسب ما تسع من البحارة تحت رئاسة النوخذة ويسمون الغائص غيصاً والذي يجر حبل الغيص سيباً والمساعد يسمى رضيفاً والذي يكون أصغر من الرضيف يسمى تباباً».
ويبين النبهاني أن كافة السفن تخرج إلى البحر في مواقع مختلفة العمق ويتخذ مالكو أو نواخذة السفن أسماء لسفنهم مأخوذة من الحياة مثل معدي الصقلاوي، البصرة، بيروت، سمحان، الصاروي، أبوالكباب، وأكبر سفينة غوص في تاريخ البحرين كانت سنبوك وتعود إلى عائلة العمامرة بالمحرق يسمى «معدي» وقد تمت صناعته على شواطئ المحرق الغربية بالقرب من مدرسة الهداية الخليفية ويحمل على ظهره أكثر من 200 بحار، وترسو غالبية سفن الغوص على شطآن مدينة المحرق من البسيتين شمالاً حتى حالة بوماهر جنوباً وشرقاً حتى حي فريق البوخميس. وفي مدينة الحد توجد حوالي 200 سفينة وفي حالتي النعيم والسلطة 50 سفينة وفي قلالي 20 وفي سماهيج 5 سفن وفي عراد 5 سفن وفي الدير 3 سفن، وتتواجد سفن الغوص في مدينة المنامة والبديع والزلاق وعسكر وجو وتبعد المغاصات عن الشواطئ حوالي 30 ميلاً وعمقها يتراوح بين3-14 باعاً حوالي 20 متراً.
أحمد بن ماجد
وينقل الشملان ما كتبه المؤرخ البريطاني جي.جيه.لويمر في كتابة «وكيل الخليج.. الجزء الجغرافي» أن في البحرين حوالي 20 ألف بحار يعملون بسفن الغوص وتجارة اللؤلؤ. وما ذكره الملاح العربي الكبير أحمد بن ماجد في أحد مؤلفاته عن المدن الساحلية أن في البحرين عدداً كبيراً من مغاصات اللؤلؤ وغالبية الناس يعملون في مهنة الغوص، وهناك ثمانية أنواع من محار اللؤلؤ في مياه البحرين الإقليمية وهي تنتمي إلى جنس بنكتادا وأكثر الأنواع شيوعاً وأهمية هما المحار والصديفي. ويطلق أهل الخليج العربي كلمة لولو على اللؤلؤ ولكن الكلمة الدالة والمستخدمة هي قماشة أو قماش للجمع، وكان سعر اللؤلؤ يختلف من وقت إلى آخر حيث يباع اللؤلؤ إلى الطواويش وهم تجار اللؤلؤ الذين يزورون السفينة وقت المغاص أو عند العودة. ويحصل كل من النوخذة (الكابتن) والغواص على ثلاثة أسهم بينما يحصل السيب على سهمين والرضيف على سهم واحد، والدانات الجميلة التي أوزانها أكبر من 30 قمعة، والقمعة تساوي 5% من الغرام، وتباع مفردة وثمن اللؤلؤة تحدده خصائصها كالحجم، الوزن، البريق، اللون، واللآلئ المتوسطة والصغيرة تفرز بحسب أحجامها بواسطة أمرارها في «طوس» خاصة لذلك وهناك 12 نوعاً من اللآلئ البيضاء منها اليكة البيضاء (مستديرة ناصعة البياض)، اليكة النباتي (مستديرة صفراء)، واليكة بطن (وهي نصف مستديرة كالزرار)، وهناك أربعة أنواع من اللآلئ الزرقاء فمثلاً السنجباسي (مستديرة) ومغز أزرق (غير منتظمة الشكل) وهناك خمسة أنواع من اللآلئ الحمراء، فمثلاً: اليكة (مستديرة). والبدلة الحمراء من النوعية الممتازة ولكن غير منتظمة الشكل وهناك نوع واحد من اللؤلؤ الأصفر وهو النور (الأسطواني مدبب).
أسماء السفن البحرينية
الباحث بشار الحادي له إسهاماته القيمة في تاريخ البحرين رغم صغر سنه، وقد كتب بحثاً جيداً حول أسماء بعض السفن البحرينية، ونقتطف من بحثه الآتي.. يقول الحادي: إن أقدم سفينة شراعية وقفت على اسمها في تاريخ البحرين هي سفينة تسمى بـ(القرين) لوزير البحرين سنة 985هـ جاء ذكرها في (وثيقة عثمانية) مؤرخة في 25 رجب سنة 985هـ الموافق أكتوبر 1577 أنظر كتاب (الكويت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) ص63 لمؤلفه خالد سالم محمد، كذلك ومن السفن المشهورة في تاريخ البحرين (الجابري) لعبدالرحمن الفاضل ذكرها الشيخ محمد بن خليفة النبهاني في كتابه «التحفة النبهانية في أحداث سنة 1225هـ (1810)، والشيخ راشد بن فاضل آل بن علي في كتابه «مجموع الفضائل» ص54.
ويشير إلى أن عدد سفن الغوص في مدينة المحرق بلغت 282 سفينة، البسيتين 22، الدير 21، الحد 167، حالتي النعيم والسلطة 51، سماهيج 11، قلالي 21، أم الشجر 12، أي أن 597 سفينة كانت تبحر من مدينة المحرق والقرى المجاورة لها وذلك من مجموع 917 سفينة في جميع أنحاء البحرين العام 1907، وهناك إشارة أخرى وردت في كتب المؤرخين عن بلدان الخليج حول عدد السفن وهو أنه كان يوجد في مدينة المحرق وحدها 700 سفينة، من مختلف الأحجام والأنواع كالبوم، والبتيل، والبقارة، والشوعي، والسنبوك.
أما عن أطول السفن الشراعية، فإنه من أشهرها طولاً سفينة عبدالله بن إبراهيم السادة إذ كان يبلغ طولها 39 ذراعاً أو نحو 60 قدماً، ومساعد ويسمى أيضاً الفوج (سنبوك) للحاج مبارك بن شاهين العماري وطوله 27 ذراعاً وعدد بحارته حوالي المائة، غرق في شط كارون قرب المحمرة، سمحان (أبوالكباب) بوم للحاج يوسف بن عبدالرحمن فخرو وقد اشتهر بطوله ويحمل حوالي المائة من البحارة وغيرهم وكان ذلك في الحادثة التاريخية الشهيرة التي ضربت منطقة الخليج العربي وتسمى «سنة الطبعة» وراح ضحيتها الكثير من البحارة وفقد التجار الكثير من بضائعهم المحملة على الأبوام القادمة من الهند.
وحول أسرع السفن الشراعية، يذكر الحادي أنه كان من أسرع السفن الشراعية: مشهور، سنبوك، للحاج علي بن هلال، وقد اشتهر بسرعته، وكلب البدو وهو بوم للحاج يوسف عبدالملك الحمر وقد سمي بهذا الاسم لسرعته الفائقة، كذلك رمزان، بوم للحاج سلمان بن صقر الحادي، وكان سريعاً وغيرها الكثير.
أنواع عدة
ويبين الحادي أن أسماء السفن الشراعية في البحرين تتنوع إلى عدد كبير، فمن النواخذة من يسمي سفينة بأسماء بلدان وذلك مثل: بغداد، والقاهرة، وحلب، ودلهي، والحجاز، وكراتشي، وباريس، وبيروت، والرياض، والطايف، والبصرة وغيرها.
ومنهم من يسمي سفينته على أسماء الرجال مثل: مساعد، سعيد، منصور، فرحان، برزان، سويلم وغيرها.
ومنهم من يسميها بأسماء النساء مثل: دلال ، وأم أحمد ، ووضحة وغيرها، ومنهم من يسميها على أسماء الحيوانات مثل: كلب البدو، والفرس، والعقاب، والذيبة وغيرها، ومنهم من يسميها بأسماء تكون عبارة عن نعوت حسنة وذلك تيمناً بهذه الأسماء والنعوت مثل سمحان -وهو من أشهر الأسماء- ليكون سمحاً في سيره وانقياده، ومصارع مثلاً ليصارع الأمواج، والطيارة ليطير فوق الأمواج أو بمعنى آخر ليكون سريع السير، ومزيون، وبشارة ليبشر بكل خير، ومعدي ليتعدى غيره من السفن أو بمعنى آخر ليسرع في سيره، وميسر وغيرها، وهناك من يسمي سفينته باسم كتاب من كتب العلم مثل: فتح الباري، وهناك أسماء عوائل مثل: الدوي، والحسيني وغيرهما، وهناك أسماء لطيفة مثل: ريح بالك لأبناء السيد هاشم اليوشع، وأسماء غريبة لم أقف على معانيها مثل: أربيش، إلى غير ذلك من الأسماء الكثيرة، وعندما سألت الحاج معراج بن جاسم المهيزع حول الآلية التي يتم من خلالها تسمية هذه السفن أجاب حفظه الله: إن كل شخص يسمي سفينته حسب ما يرغب ويشاء، وأنا على سبيل المثال قد سميت سفينتي بـ(أم أحمد) فليس هناك أي قيد على تسمية السفن كما يقول ولذلك تجدها مختلفة ومتنوعة.
الجمعة 27 ديسمبر 2013 صحيفة الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق