الشيخ عبدالرحمن الزياني ووالده الشيخ عبدالوهاب الزياني
الوسط - جعفر الجمري
يُمثل التأريخ للأعمال التجارية، بكل ما يكتنفها من نجاحات حيناً، وفشل حيناً آخر، وتمدّد، وتراجع أحياناً أخرى، وائتلاف واختلاف أيضاً، أمراً جديداً في منطقة الخليج العربية، ربما حتى ما قبل ثلاثة عقود.
لم تكن الكتابات تلك في واقعها إلا إضاءة لمساحات كبرى من النجاح المتواصل، وتسليط للضوء - وبخجل وتردد - على فشل اعتراها في مسيرتها. ثم إن ذلك النوع من الكتابة فيما يتصل بالشركات العائلية خصوصاً، يكاد يكون نادراً حتى ما قبل تلك الفترة. تُحاط مثل تلك الأعمال بسريّة شبه تامة. قليلاً ما تظهر بعض التفاصيل على السطح.
خلقت البيئة التي ولدت فيها الشركات جواً من التحفظ ظل مع مرور الوقت أمراً عادياً. الأمر غير العادي أن تظهر سيَر ومذكرات فيها الكثير من الوضوح والشفافية والأهم من ذلك اكتنازها بالعِبَر والدروس؛ وليس الاستعراض للنجاح فحسب، الذي يحاول إقناع الناس بأن تلك الأعمال لم تعرف الفشل!
الابن الثالث للشيخ عبدالرحمن عبدالوهاب الزياني، جاسم الزياني، يكاد يخرج على القاعدة تلك في كتاب السيرة الصادر للعام الجاري (2014)، وحمل عنوان «الشركة العائلية... سيرة وتجربة عملية».
يقدّم الفصل الأول من الكتاب تعريفاً لعائلة الزياني، رابطاً بين واقع ومكانة وطبيعة العائلة من ناحية، والتطورات التي حدثت لشركة العائلة، مضيئاً جانباً من سيرة الجد الشيخ عبدالوهاب الزياني، والنشاطات التي خاضها من سياسية وتجارية وتعليمية ودينية، والظروف التي أدَّت به إلى المنفى.
السيرة فيها الكثير من التجارب الناجحة والفارقة في الزمن الصعب. زمن فيه الفرص شبه نادرة، في ظل بدائية التجارة من جهة، وشح الإمكانات من جهة ثانية، والظروف التي تحيط بالمنطقة من جهة ثالثة، إضافة إلى تحولات عرفتها بعد الكساد الذي تعرضت له منطقة الخليج بعد أن كانت تعتمد على اللؤلؤ الطبيعي في كثير من مواردها، باكتشاف اللؤلؤ الاصطناعي؛ وتدفق الثروة النفطية بعد اكتشافها مطلع ثلاثينيات القرن الماضي؛ وسبق ذلك الاكتشاف منح الامتياز في عشرينيات القرن نفسه.
كما تتناول السيرة شركة عبدالرحمن الزياني وأولاده، «الاسم العريق والمعروف في المنطقتين الخليجية والعربية وفي الهند ودول أخرى، والتي بدأت عملها على يد مؤسسها الأول الشيخ عبدالوهاب الزياني، ثم من بعده راعيها ومثبّت انتشارها في عدد من البلدان، الشيخ عبدالرحمن عبدالوهاب الزياني، عندما دشنا عملها بتجارة بينية كان يمارسها الشيخ عبدالوهاب الزياني وتجارة اللؤلؤ التي كانت مزدهرة في ذلك الوقت، ويعتمد عليها كعصب اقتصادات وإيرادات دول المنطقة قبل أن يتدفق النفط في أراضيها ويظهر اللؤلؤ الاصطناعي، وتحدث التحولات الاقتصادية والتجارية الكبيرة في الفترة اللاحقة للحرب العالمية الثانية».
لم تكن الشركة بمنأى عن تلك التحولات، فعملت على استيعابها والتكيف معها، وكانت الاستفادة منها حاضرة بالتوسع الذي حدث للأعمال.
يتناول الوجيه وصاحب الأعمال المعروف جاسم الزياني في مقدمة كتابه رؤية المؤسس الثاني للشركة، بإبرام اتفاقات وتعهدات «بين أطراف الشركة (راشد، أحمد، وجاسم)، تحصيناً لهم من نشوب الخلافات وحدوث الانقسامات».
حدثت الخلافات، وتدخل وسطاء على مستوى كبير برعاية المغفور له أمير دولة البحرين وقتها، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وكان أمين سر لجنة المصالحة الأميرية، محمد عبدالله المناعي، لتوزيع أعمال ووكالات الشركة على الأشقاء بتراضٍ منهم، وخصوصاً أن الأعمال تمتد إلى معظم دول الخليج العربية، وتضم وكالات كبرى لأشهر السيارات والمعدَّات في العالم. اكتنف العملية الكثير من التعقيدات ولسنوات، لم تعرف الحسم إلا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبعضها ظل ربما إلى التسعينيات من القرن نفسه.
في المقدمة، يشير الزياني إلى تعريف بالكتاب ولأهميتها أخذت مكانها في الغلاف الأخير ونصها: «هذا الكتاب يسلّط الضوء على مسيرة شركة عائلية بحرينية، هي شركة عبدالرحمن الزياني وأولاده، منذ أن كانت متجراً صغيراً، ثم تحولت إلى شركة ضمت أشهر الوكالات التجارية، وكذلك رحلة توسعها بدول الخليج العربي، كما يتعرض الكتاب للانتكاسة التي حدثت لهذه الشركة بحيث لم تفلح معها العديد من الاتفاقيات ولجان المصالحة في إيقاف تدهورها ابتداء من إغلاق الفروع ثم النزاع بين الشركاء، وانتهاء بانقسام الشركة العريقة إلى ثلاث شركات تقاسمت موجودات الشركة الأم».
بعد أن يمر الكتاب على سيرة الجد الشيخ عبدالوهاب من العام الذي ولد فيه (1863)، وهو رابع بين ستة أبناء لحجي الزياني، وإرساله إلى الأحساء مُلتحقاً بالمدرسة المباركية لدراسة علوم الشريعة والتاريخ والحساب والأدلة، وعودته إلى البحرين وبنائه مسجداً يحمل اسمه في فريق الزياينة بالمحرق، عروجاً إلى بناء أول مدرسة نظامية (مدرسة الهداية الخليفية) بافتتاحها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1919، والتي اتخذت من منزل الحاج علي بن إبراهيم الزياني مقراً لها، والمشكلات التي اعترت إقناع كثير من الآباء لإلحاق أبنائهم بالمدرسة.
تشكيل لجنة الفرْضة
كان الإرباك في بداية عمل مؤسسات الدولة وقتها سمة بارزة. بعض تلك المؤسسات يشرف عليها بشكل مباشر أو غير مباشر بحرينيون، وأحياناً مقيمون. كانت عين المندوب البريطاني وقتها على الكوادر التي تنتمي إلى بلده، أو إلى المستعمرات التابعة إلى التاج البريطاني ممن يقيمون في البلاد.
في فترة حكم الشيخ عيسى بن علي، وبحسب كتاب الزياني «صادف أن حصل بعض الارتباك غير المتوقع في عمل الميناء، وتحصيل الرسوم الجمركية، فاستغل الحاكم البريطاني هذا الأمر، وأوعز إلى وكيل البواخر الإنجليزي (جْرَى ماكنزي) الذي يقيم في البحرين أن يتقدم إلى سمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين بشكوى حول الفوضى التي أحدثها المسئولون البحرينيون عن «الفرْضة» وهي الميناء الرئيسي، عارضاً عليه أن يتولى هو مسئولية الميناء والجمارك منعاً لأي تأخير في استيراد وتصدير البضائع والسلع، زاعماً لسمو الشيخ عيسى بن علي بأن ذلك فيه مصلحة عليا للبلاد».
تمّت الاستجابة بحسن نية. كان الشيخ عبدالوهاب الزياني وقتها خارج البلاد ضمن سعيه في تجارته في بلاد الله الواسعة، وما أن بلغه الأمر حتى قطع رحلته عائداً إلى البلاد، مُلتقياً بسمو الشيخ عيسى بن علي، وبعد أن اتضح اللبس في الأمر وأقنعه الشيخ عبدالوهاب بإمكانية تولي شخصيات بحرينية للمهمة، سارع الشيخ عيسى بن علي «بإخطار شركة جْرى ماكنزي بأن مدة الاتفاق الذي تم معهم بشأن إدارة الميناء والجمارك هي ثلاثة أشهر فقط، بعدها تتولى هذه المهمة حكومة البحرين الوطنية، كما أصدر الحاكم مذكرة تضمنت أمراً بعدم تجديد ولاية الشركة الإنجليزية على الفرْضة بعد انتهاء مدة الثلاثة أشهر».
مرت محاولات تشكيل لجنة الفرْضة بممانعات وتردد من قبل عدد من الأعيان؛ الأمر الذي دفع الشيخ عبدالوهاب إلى أن يقول لبعضهم «إما أن توافقوا على قبول المنصب، أو سأنزع عمامتي وأتولاه بنفسي».
بعد ذلك الإجراء وبالمشاورات المستمرة بين الشيخ عبدالوهاب وقبل انتهاء الاتفاقية مع الشركة، تم التوصل إلى قرار واتفاق بأن تتولى إدارة الجمارك أسماء تجارية معروفة وتكونت وقتها من كل من: أحمد علي يتيم، عبدالله القصيبي، وأحمد سلمان كيكسو لتنبثق عن اللجنة تلك فيما بعد «شجرة النظام الإداري والمالي في البحرين».
المواجهة والنفي إلى الهند
يعرض الكتاب للفترة من العام 1341هـ (1923م) للحركة الإصلاحية في تلك الفترة، وخصوصاً في الفترة التي أعقبت الموافقة على تشكيل مجلس شورى برئاسة الشيخ عيسى بن علي ليعينه على تصريف شئون البلاد، والمحاولات التي بذلتها بريطانيا لإجهاض ذلك المشروع، مروراً بالحكم العسكري الصادر ضد الشيخ عبدالوهاب وأحمد بن لاحج، الذي تلاه المعتمد البريطاني الميجور ديلي بحضور الزياني، بالنفي إلى الهند.
عبدالرحمن الزياني يتحدث عن نفسه
في لقاء أجرته الصحافية في مجلة «البحرين اليوم» سبيكة الزائد في 30 يونيو/ حزيران 1976، كشف الشيخ عبدالرحمن الزياني عن جوانب من حياته. كان وقتها في الثامنة والثمانين من عمره، ويكون بذلك من مواليد العام 1888 ميلادية؛ إذا ولد في مدينة المحرق، والدته سبيكة بنت خميس الزياني.
كان المهر 150 روبية، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، أنجب من ابنة عمه 3 بنات و 3 أولاد. ويوضح عبدالرحمن الزياني في اللقاء أن قبيلة الزياينة تنقسم إلى أربعة أقسام، الأول، آل عبدالوهاب الزياني، وهو رئيسهم وشيخ قبيلتهم، عندما قدموا إلى البحرين، ثم الحمَد، ورئيسهم مساعد بن خليفة الزياني، ثم الجاسم، ولهم رئيس، ثم الحسن، مشيراً إلى أن قبيلة الزياينة من القبائل العربية التي سكنت الشواطئ الغربية للخليج، وكان مجموع تلك القبائل يقدّر بسبعة وعشرين قبيلة.
حرص عبدالرحمن الزياني على تعليم أولاده من الذكور والإناث على رغم طبيعة تفكير المجتمع وقتها؛ وخصوصاً بالنسبة إلى تعليم الإناث. يذكر أول محل تجاري فتحه؛ وكان يبيع فيه كل شيء. لا بضاعة محددة. الأعمال الخيرية التي قام بها الزياني اكتسبها من والده، فكان حريصاً على رعاية طلبة العلم الشرعي في بلاد عربية وإسلامية إضافة إلى الداخل؛ وتوجيه أموال زكواته في رعاية آلاف المحتاجين ومن بينهم الأيتام.
أيتام يرفعون دعوى
ويذكر بعض مفارقات ما حدث بعد وفاة والده الشيخ عبدالوهاب الذي كان يرعى عدداً من الأيتام بالقول: «فلما توفي أقام هؤلاء دعوى ضدي بحجة أن الوالد أوصى لهم بعد مماته، ولكنني قدمت لهم الوصية وكل ما ترك الوالد، فلم يصدّقوا، وأيام المحاكمة كنت أطلب من الله أن ينصرني عليهم وأكسب القضية، وبالفعل؛ ولأن موقفي كان واضحاً، قدرت أن أكسب القضية لأني كنت عازماً على مواصلة ما بدأه والدي لهم من مساعدات بعد المحاكمة».
علاقاته مع علماء ووجهاء العالم الاسلامي
تعددت علاقات عبدالرحمن الزياني وامتدت إلى خارج بلاده ومنطقة الخليج العربي، وصولاً إلى العالم الإسلامي، فبالإضافة إلى بروز اسمه وحضوره في مجال التجارة والأعمال كان الزياني من علماء الدين الذين تحصلوا على قدر واسع منه، ومن بين العلاقات الوطيدة التي جمعته، معرفته وعلاقته بمفتي الديار المصرية الشيخ العلامة حسنين مخلوف، والواعظ العام للشئون الدينية في مصر فضيلة الشيخ محمد المحفوظ الخزرجي، والعائلة العلمية الأشهر في منطقة الأحساء آل مبارك، هذا إضافة إلى علاقاته الوطيدة مع التجّار والأعيان في منطقة الخليج وخارجها «الأمر الذي مهّد لأبنائه فيما بعد التوسع في الأعمال التجارية في كل أنحاء دول الخليج والشام والهند».
امتدت علاقات عبدالرحمن الزياني إلى مؤسسات وهيئات إسلامية في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً العام 1961؛ إذ في 5 ديسمبر/ كانون الأول «تسلّم الشيخ عبدالرحمن رسالة من المكتب الدائم للمؤتمر الإسلامي العام في بيت المقدس الذي كان تحت السيطرة الأردنية في تلك الأيام، تضمنت دعوته إلى اجتماع الندوة العامة للمؤتمر الإسلامي العام بالقدس الذي عقد في 3 يناير/ كانون الثاني 1962». في الجزء الثاني من استعراض الكتاب، والذي يحمل عنوان «تاجر منذ الصِغَر»، سيتم تناول بدايات ارتباط جاسم الزياني بالعمل التجاري، والتجارب والمصاعب التي واجهته، والخبرات التي اكتسبها من الممارسة، ومرافقة والده
المصدر
http://www.alwasatnews.com/4414/news/read/926740/1.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق