الثلاثاء، 17 فبراير 2015

جاسم الزياني: تتابع فك الوكالات في الخارج... وانهيار الشركة العائلية (3-3)


جاسم الزياني مع نجليه
الوسط - جعفر الجمري

انتهى الجزء الثاني من مراجعة «كتاب الشركة العائلية... سيرة وتجربة عملية» لجاسم الزياني، بالتغلب على مشكلة موزّع السيارات لحساب شركة عبدالرحمن الزياني في الكويت، بالتوصل إلى اتفاق يدفع بموجبه الزياني 150 ألف روبية للموزّع. في هذا الفصل يسرد الزياني فصولاً متتابعة من خسارة عدد من الفروع في منطقة الخليج، كانت تمثل عصب الأعمال، وصولاً إلى الخلافات التي نشبت بين الشركاء وأدّت إلى انهيار الشركة العائلية.

في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخصوصاً في دبي والعاصمة (أبوظبي)، وبحكم اختلاف قوانين الاستثمار بين بقية الإمارات؛ إذ لم تشترط دبي وقتها وجود شريك مواطن، وكانت سوقاً مفتوحة منذ وقت مبكّر، يقف ذلك الشرط عائقاً في أبوظبي، وذلك ما يفسر القفزة الهائلة التي حققتها دبي على رغم التباين الهائل في الثروة النفطية بين الإمارتين.

في أبوظبي وقع الاختيار على مانع سعيد العتيبة وكان وقتها وزير النفط والثروة المعدنية، وبحكم منصبه الذي يحول بين ممارسة العمل التجاري، تم تثبيت ابنه أحمد شريكاً، وكان قاصراً وقتها؛ ما جعل جده الحاج سعيد العتيبة وصيّاً عليه وفي واجهة وإجراءات الاتفاق.

بعد تأسيس الشراكة، حقق العمل أرباحاً كبيرة من بيع السيارات، وبالحسابات التي يضعف أمامها الإنسان في كثير من الأحيان انقلب مزاج الشراكة من أحد الطرفين إلى الاستئثار والاستقلال بالوكالة «لما وجد الشركاء العتيبة هذه النتيجة المذهلة، أرادوا أن تكون كل الأرباح لهم، فقرروا الاستيلاء على الشركة وإخراجنا منها، وكان أن استدعوا ممثلنا هناك وسلّموه شيكاً بمبلغ 500 ألف درهم (قيمة الاتفاق المبدئي للتأسيس)، وقالوا له هذه حصتكم في الشركة التي أصبحت لنا بالكامل».

بعد تلك التطورات تحرك جاسم الزياني على أكثر من مستوى بدءاً بوالد مانع، سعيد العتيبة، كي يحول دون النهاية التي يبدو أنها كانت مرسومة ولا رجعة فيها، إلى أن وصلت إلى أروقة المحاكم، لتستغرق خمس سنوات، وصدر الحكم لصالح شركة الزياني، وبوصوله إلى مرحلة التنفيذ،

أصدرت المحكمة قرارها بأن يدفع الشريك (العتيبة) مبلغ 32 مليون درهم «تعويضاً عن الخمسمئة ألف درهم التي تم دفعها كحصة للزياني في الشركة». لم تقف الأمور عند ذلك الحد، ليأتي قرار رئيس الدولة، حاكم أبوظبي، سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتشكيل لجنة ثلاثية للنظر في الموضوع والوصول إلى حل عادل. وبعد إجراءات ومحاولات، عرض جاسم الزياني «التنازل عن ثلث المبلغ تقريباً، على أن يخفض المبلغ المحكوم به من 32 مليون درهم إلى 21 مليوناً».

تتكرّر النوايا في قطر

استمر محمد المانع وكيلاً لشركة عبدالرحمن الزياني وأولاده لفترة، وبحسب جاسم الزياني في الكتاب، إلى أن دخل على الخط الشيخ أحمد بن محمد آل ثاني، وبحكم العلاقة التي تربطه بالوالد الشيخ عبدالرحمن، طلب أن تسحب الوكالة من المانع لتكون له، وذلك ما حدث، مع منحه مكافأة سنوية مقابل كفالته من دون أن يدفع حصة في رأس مال الشركة، إلى أن حدثت التدخلات من قبل أبنائه في إدارة الفرع؛ الأمر الذي دفع إلى تأسيس شركة بين الطرفين بواقع 51 في المئة للشيخ أحمد آل ثاني، و 49 في المئة لشركة الزياني. أتاحت تلك الشراكة في صيغتها الرسمية حقاً للطرف القطري الاطلاع على حسابات الشركة، وحركة العوائد والأرباح؛ ما ولّد رغبة في الاستحواذ على الشركة بشكل كامل، فكان القرار الاستباقي من قبل شركة الزياني بعد التنبّه إلى النوايا ونهاياتها، بفض الشراكة، مع استرداد مبلغ 500 ألف دينار. كان ذلك في العام 1980 وبحسب الزياني «بما يعادل اليوم 5 ملايين دينار».

دبي وقانون «الوكالة للمواطن»

حدثت تحوُّلات في القوانين الإماراتية وحّدتها بين الإمارات السبع تتعلق بحصر الوكيل التجاري على المواطنين الإماراتيين «شكّل القانون الاتحادي الذي شمل تطبيقه الإمارات كافة، خطراً علينا وعلى وجودنا هناك كوكلاء سيارات».

كان لابد من البحث عن شريك مواطن، بعد كل المحاولات والاستشارات القانونية التي تابعها جاسم الزياني. كان يمكن للوكالات في دبي أن تظل بوجود ذلك الشريك، ومن حسن الحظ أن المدير العام لفرع شركة الزياني وأولاده هناك، حسين الصبَّاغ، بحريني الأصل، إماراتي الجنسية، وتحصل عليها قبل 30 عاماً، عرض أن تسجَّل الوكالات باسمه من دون مقابل، وعلى الورق فقط كي تستمر الأعمال، وكانت فرصة سيكون التفريط بها ضرباً من الكارثة. كان على جاسم الزياني أن يرجع إلى أخويْه الشريكين للموافقة على الصيغة الجديدة بعد صدور القانون المذكور. بدا التردد من الأخوين، ولم يتبقَ على المهلة لتسوية الأوضاع الجديدة غير شهر واحد، ولا حل في الأفق إلا بمشاركة إماراتيين. نتحدث عن وكالات ثلاث كانت لشركة الزياني هناك: رولز رويس، ميتسوبيشي، ولاندروفر. من بين التجّار الإماراتيين الذين تم التواصل معهم كي يكونوا شركاء، مجموعة الحبتور، ومجموعة الطاير، وبحسب ما ذكره الزياني في كتابه «هؤلاء كانوا يعلمون بشرط القانون وبقرب انتهاء المهلة المعطاة لنا فقاموا بالاتصال بالشركات المنتجة في بلدانها الأصلية والتفاوض معها من أجل الحصول على وكالات سياراتها». وبذلك يُسدل الستار على واحد من أكبر فروع شركة الزياني. ولم تقتصر الخسارة على الفرع بل «امتدّت لتشمل تفريطنا في عدد من الأراضي في دبي والشارقة في مواقع رئيسية، وبمساحات تقدر الواحدة بعشرات الآلاف من الأمتار المربعة، فبدلاً من الإبقاء على هذه الأراضي، باعها أحد الشركاء بسعر التراب، وأضاع علينا أصولاً تقدّر اليوم بالمليارات».

إغلاق فرع السعودية

على رغم ازدهار المحل التجاري في المملكة العربية السعودية، فترة الستينيات من القرن الماضي، إلا أن البيئة المحيطة وواقع منطقة الخبر، وافتقارها إلى الخدمات المكمّلة لتنشيط الاقتصاد والتجارة كالفنادق على سبيل المثال وغيرها، جعل بيئة العمل صعبة «كانت البضاعة التي نستوردها نبيعها بالجملة،وأحياناً في الميناء ونقداً، وكان الطلب على كل شيء تقريباً؛ لكن بالمقابل، كانت الحياة الاجتماعية صعبة، فليس هناك فندق، ولا يوجد إلا مطعم واحد صغير (...) وليست هناك كهرباء مركزية، والشوارع عبارة عن كثبان رملية (...) وهذه الحياة الصعبة هي التي جعلت أفراد عائلة الزياني يعزفون عن الذهاب إلى المنطقة الشرقية بالسعودية للإشراف على إدارة فرعنا والمحل التجاري».

40 عاماً... وما بعد غزو الكويت

طال خسف الغزو العراقي للكويت في العام 1990، كل مرافق الحياة فيها. وأول ما تم العبث به وسرقته وتخريبه هو المصارف والشركات ومعارض السيارات. باختصار، كان القطاع التجاري هو الأكثر تضرراً جراء ذلك الغزو. بعد تحرير الكويت، عاد جاسم الزياني وولداه (محمد ونائل) لتفقد الممتلكات هناك «والمكونة من قسيمتين مساحة كل واحدة 5 آلاف متر مربع، كنا قد أقمنا على القسيمة الأولى معرض السيارات ومكاتب الإدارة، وعلى القسيمة الثانية الورش ومكاتب لموظفي الورش، ما وجدناه أن الغزاة قاموا بتحطيم وحرق معرض السيارات ومكاتب الإدارة ومحتوياتها».

كان الوضع مُحبطاً بالنسبة إلى جاسم الزياني جراء الخسائر التي حلّت على الشركة. تسلل اليأس إلى نفسه «للمرة الأولى في حياته» بحسب تعبيره؛ إذ أمامه وقت طويل لإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه، وعزّز من ذلك أنه بعد تلك الفترة الطويلة من الإقامة شبه الدائمة في الكويت، شعر برغبة في العودة إلى البحرين.

كان عليه أن يجتمع بولديْه، ووضعهما في صورة الإحباط الذي يمر به، وكان مباشراً معهما حين أسَرَّ لهما بأنه يفكر في بيع الشركة. كان رأي محمد ونائل في الجهة المعاكسة، لأن المؤسسة كبيرة وكرّست لها اسماً في الشارع التجاري الكويتي وعدد الوكالات التي لديها، والعلاقات والمعاملات الكثيرة والمتشعبة، كل ذلك بمثابة أسس و «أصول قوية وثابتة يمكن أن نعتمد ونبني عليها عملنا ونواصله، ولا نفكّر في التخلي عنه أو بيعه».

بين التخلي أو البيع، وضع جاسم الزياني محمد ونائل أمام امتحان بتسليم أمور الشركة إليهما وكان صريحاً معهما «لا أستطيع أن أقدم لكما أي عون... هل أنتما على استعداد لتحمل مسئولية العمل؟».

عَمَدَ الزياني وبحضور المستشار القانوني إلى تغيير عقد الشركة على أن تتكون من شركاء ثلاثة: جاسم، محمد ونائل، مع تمتعهما بالصلاحيات كافة. لم يمضِ وقت طويل حتى «أبليا بلاء حسناً في الفترة اللاحقة وأخرجا الشركة من غرقها إلى بر الأمان والنجاح».

فقط نشير هنا إلى أن وكالة السيارات التابعة إلى الزياني في الكويت تشمل: بنتلي، فيراري، بوغاتي، جاكوار، مازيراتي، دايهتسو، وغيرها، إضافة إلى المعدات.

قسمة العام 1975 واتفاق التخارج 1978

بتقاعد المؤسس وعميد العائلة الشيخ عبدالرحمن الزياني في العام 1970، لم يترك أمور الشركة بعيداً عن متابعته ووضع ما يحول دون التلاعب في إدارة الشركة ومقدراتها، ولم يكتفِ بالاتفاق الذي تم في العام 1963، ليبادر في العام 1975 باقتراح اتفاق آخر يتم بموجبه التخارج «من ثلاثة أقسام بالشركة يختص كل واحد من الشركاء بإدارة قسم منها لتوظيف أبنائه في هذا القسم كما يشاء».

يعدد الوجيه جاسم الزياني الأقسام التي تتكون منها شركة عبدالرحمن الزياني وأولاده في تلك الفترة، وهي: شركة الزياني للفنادق (فندق ديلمون)، ومصانع بلاستيك الخليج، ووحدة الكويت، وقسم السيارات، بالإضافة إلى الوكالات التجارية الأخرى، وشركة الخليج للهندسة والتجارة المحدودة. ذهبت إدارة فندق ديلمون إلى أحمد، فيما تولى إدارة شركة بلاستيك الخليج راشد، ومنح فرع الكويت لجاسم.

«كان أهم ما تضمّنه اتفاق التخارج العام 1975، ذلك البند الذي نص على وقف المسحوبات الشخصية للشركاء من أموال الشركة».

مع وفاة الوالد المؤسس وعميد العائلة الشيخ عبدالرحمن، بأقل من ستة شهور «نجحت الوساطة في تصفية الخلافات التي نشأت بين أبنائه الثلاثة، وتم إعادة طرح اتفاق القسمة الذي سبق أن وافق عليه الجميع»، وتم تحرير اتفاق جديد شامل ونهائي وقع عليه الجميع في 2 مارس/ آذار 1978.

المبادرة الأميرية

تطور الخلافات دفعت الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة إلى تكليف لجنة مصالحة لحل الخلافات التجارية بين الشركاء الثلاثة. لم تحل اللجنة دون بروز الخلافات فكان لابد أن تصل الأمور إلى ساحات القضاء، لامتناع الشركاء عن التوقيع على محضر اتفاق القسمة الذي توصلت إليه اللجنة. مرت أكثر من عشر سنوات على اتفاق القسمة «وطول أمد النزاع أمام المحاكم، وما ترتب عليه من بقاء الحراسة القضائية المفروضة على الشركة، اقترحت على كل شريك استلام القسم المخصص له، وعلى رغم أن الاقتراح لم يلقَ قبولاً عند طرحه لأول مرة إلا أنني واصلت إثارة الموضوع حتى اقتنع به أحد الشركاء».

الحكم بحل وتصفية الشركة

مرت الشركة بتحولات وصولاً إلى الحكم بحلها وتصفيتها، وهنا يشير جاسم الزياني إلى أن كل شريك «تسلم قسمه بموجب اتفاق موثق أمام كاتب العدل أبرم مع الحارس القضائي القائم على الشركة، ولم تتبق في الشركة إلا الديون الشخصية للشركاء، وبعض العقارات المسجلة على الشيوع والمقيدة ضمن أصول الشركة، لذلك طلبت من الأخويْن في العام 1995 بضرورة تصفية الشركة، وهو السبيل الوحيد للتخلص من التزاماتنا الشخصية تجاه الشركة بعد أن انتهى كلياً الغرض الذي أنشئت من أجله».

عصارة التجربة

يوجز الوجيه جاسم الزياني عصارة التجربة تلك بعد كل الإخفاقات التي حدثت كي تنجح وتستمر الشركة العائلية، في عشرة عناصر، نوردها هنا دون الدخول في التفصيل الذي قدمه لضيق المساحة:

رأس مالها البشري، رأس مالها الاجتماعي؛ أي شبكة العلاقات الخارجية المكملة لمنظومة مهاراتها الداخلية، التمويل الرأسمالي الصبور، سواء لرأس مال المنشأة أو لسداد التزاماتها من خلال أعضاء العائلة، رأس المال الإبقائي؛ إذ تدير المنشأة بقاءها واستمرارها بتقديم ما يلزم من قروض وعمل بلا مقابل حين يكون بقاء المنشأة مهدداً، الكلفة المنخفضة للإدارة، سلاسة التعاقب الجيلي، ويرتبط هذا بدستور المنشأة ونظامها الأساسي، الفصل بين الملكية والإدارة، وتبني صيغة الإدارة بالأهداف المراقبة من الملّاك، مع وجود إدارة محترفة حتى لو كانت من خارج العائلة، الفصل بين مالية العائلة ومالية المنشأة وخضوع الأخيرة لاعتبارات العمل فقط، إمكانية التحول إلى شركة مساهمة مُدرجة في سوق الأوراق المالية، وتبنّي معايير حوكمة الشركات العائلية في الإفصاح والشفافية والمحاسبة والتمويل والتوصيف الوظيفي.

الكتاب ممتع بتنوع التجارب التي مر بها مؤلف الكتاب، وممتع بالقدرة على تجاوز الكثير من اللحظات الصعبة والفارقة من عمر المحاولات والتمدّد في الأعمال، وممتع بقدرته على إيجاز خلاصة التجربة؛ علاوة على شفافيته وتعاطيه مع التجربة من دون مواربة وترميز

المصدر
http://www.alwasatnews.com/4416/news/read/927167/1.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي  بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...