بقلم يعقوب يوسف الإبراهيم -17/01/2011
كثر الكلام وسالت الأقلام، «وقيل ما قيل ان صدقاً وان كذباً». ولكن المتابع الجاد للحدث يجد ان الفجوة غائلة بالمطلق الذي تكتنفه ضبابية تموج بين قارص القول ودفء الأماني، لا تفي بعرض يكشف عن جديد أو يملأ فراغاً. فظل الشأن متأرجحاً بين التأزيم والتسفيه والتبسيط هذراً معاداً مكرراً عارياً من فكر وتدبير، بعيداً عن حكمة أو حل، مؤججاً لفتنة دفينة مسلطة على الرقاب كـ«سيف ديمقليس». ولا أدعي هنا الوقوف على الحل السحري لهذه المعضلة المعقدة، بل حاولت ان يكون العرض هو الأشمل من دون إطناب، بعيداً قدر الإمكان عن الشوفينية والتخندق، فالإلمام التام بالوقائع سيجعلها محط تأثير لا يخلط بين الرأي والعاطفة، لعله يكشف أمورا أغفلها البعض ويبني جسوراً للحوار والتفاهم بدلاً من التراشق والتلاسن وهو ما نأمله من هذا المسعى.اتسعت الفتوحات وكثرت الهجرات العربية إلى أصقاع مختلفة، وانتشرت مجموعات زادت كثافتها عابرة الخليج من جانبه الغربي إلى الشرقي، وهو ما أطلق عليه كما مر بنا «كَرمسير»، ذلك الساحل الذي يتشابه فيه المناخ والبيئة، فوجدوا أنفسهم في المحيط نفسه الذي اعتادوه. فانتشرت على الساحل الشرقي مدن وموانئ صغيرة ذات صبغة عربية بحتة. وكثر النشاط البحري في هذه المستوطنات منذ القرن السابع الميلادي في خليج تسكن ضفتيه أغلبية عربية لا ينازعها احد في حكمها. واستمر الأمر من دون انقطاع إلى مطلع القرن العشرين، أي أكثر من ألف وأربعمائة سنة، على الرغم من تدخل أجنبي بدأه البرتغاليون في منتصف القرن السادس عشر قابله نوع من المواجهة العثمانية، ومن ثم جاء الهولنديون والفرنسيون، لكن النفوذ البريطاني كان هو الاشمل والأقوى، بدءاً من النصف الثاني للقرن الثامن عشر حتى ستينات القرن العشرين. وكانت بريطانيا تسعى دائما للحفاظ على «الوضع الراهن» STATUS QU لتحقيق الأمن والاستقرار حفاظا على مصالحها.النفوذ البريطاني والعربفأبقى ذلك النفوذ المسميات القديمة التي ضمت إلى امبرطورية لا تغيب عنها الشمس جزءا من التركات التي ورثوها عن كيانات أوروبية كلاسيكية، هي مخلفات حكم الاسكندر وما بعده. وللأسباب نفسها، فإن في سماع تلك الأسماء الأجنبية الغربية ما يعطى هدف ترامي الرقعة مربوطية التقادم وزيادة في الهيبة، وبقي اسم الخليج الفارسي ليس بإصرار ونفس إيرانيين بل كان ترسيخا بريطانيا بحتا لواقع لم تكن هناك رغبة في تغيره، فإيران حينها كانت تعيش حالة من التمزق التي تجعل من هذه الأمور رفاهية لا تستطيع توفيرها، ولا تحتاج إليها أصلا، والموضوع برمته لا يتعدى الوضع الصوري الناجز. ويدعم قولنا هذا ما ذكره الجغرافي والرحالة نيبور في كتابه «رحلات في بلاد العرب» حينما حط في فبراير 1765 في ميناء بوشهر، واصفا في الجزء المعنون «الامارات العربية المستقلة على سواحل «الخليج» ج2 ص 137 «ان جغرافينا قد وقعوا في خطأ كما بينته في مواقع اخرى، بانهم ينسبون جزءاً من بلاد العرب على انه جزء من بلاد فارس وهذا بعيد كل البعد ويعاكس الواقع، فإن سكان العرب على ساحل البحر للإمبراطورية الفارسية من مصب الفرات حتى مصب السند، فالبلدان ولو انها في الجانب الفارسي لكنها مستقلة عن بلاد فارس ويتكلمون نفس اللغة ويمارسون نفس العادات مثل اهل جزيرة العرب. وفي موقع اخر من الكتاب «يقول انه من المضحك ان يصور الجغرافيون جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس في حين ان هؤلاء الملوك لم يتمكنوا ان يكونوا اسياد البحر في بلادهم لكنهم تحملوا على مضض ان يبقى الساحل ملكا للعرب».* * *ما ذكر هي الخلفية التاريخية وأصولها. لكن ما هي الأسباب والدوافع الآنية التي بدأت آثارها تطفو على سطح الأحداث بإيقاعات لموضوع محسوم وشبه مقبور تتخلله سجالات محمومة مبطنة بالتهديد، وترافقه أحيانا أساليب استحواذية لجأت إلى استخدام القوة لتصبح تلك الحاجة جرثومة خبيثة ظهرت بقوة، بداياتها في عشرينات القرن المنصرم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق