يفاخر أبناء البحرين باللؤلؤ، الذي عرفت به دلمون قديما وحديثا، فاللؤلؤ البحريني يعد من أفخر أنواع المجوهرات وأثمنها. وما زال البحرينيون يتذكرون، كيف كرم نائب حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، أمير الشعراء أحمد شوقي، عندما أهداه شجرة مذهبة مرصعة باللؤلؤ الطبيعي البحريني، عند تنصيبه أميرا للشعراء عام 1927.
وفي هذا المجال، تعد وزارة الثقافة والإعلام البحرينية، وعدد من المؤسسات الثقافية، لإحياء هذا التراث العريق الضارب في القدم، من خلال تدشين مشروع «طريق اللؤلؤ»، إذ تتكاتف الجهود بين جهات حكومية ومؤسسات من المجتمع المدني البحريني، فيما تعمل الجهات الرسمية في البحرين على إدراج مهنة صيد اللؤلؤ والمشروع الثقافي «طريق اللؤلؤ» على لائحة التراث العالمي، أثناء استضافة المملكة لمؤتمر اليونسكو صيف عام 2011.
ويركز برنامج المشروع على مدينة المحرق، باعتبارها عاصمة صيد اللؤلؤ في مملكة البحرين، حيث سيتم إقامة ممر بطول 3.22 كيلومتر، يربط المباني التاريخية بالسواحل الطبيعية، عند قلعة بوماهر في جنوب المحرق، لتحكي قصة اللؤلؤ في البحرين. ويقود الممر إلى سوق القيصرية، التي سيتم تجديدها، لتكون وجهة ثقافية تراثية عريقة، إضافة إلى برنامج لحماية ثلاثة مواطن للمحار، يمكن الوصول إليها مستقبلا عن طريق القوارب.
تقول الشيخة مي آل خليفة، وزيرة الثقافة والإعلام في مملكة البحرين، عن المشروع المرتقب: إنه مشروع ثقافي اجتماعي اقتصادي، يخص اقتصاد اللؤلؤ بشكل عام، وليس مقتصرا على مهنة صيد اللؤلؤ فقط. والهدف، كما تضيف، هو إحياء ذاكرة هذا الاقتصاد، الذي مر بفترة ذهبية في أواخر القرن التاسع عشر، التي امتدت إلى ثلاثينات القرن العشرين، حيث كان صيد اللؤلؤ هو المورد الأساسي لجزر البحرين، وأثر بشكل مباشر على تطور الحياة الاجتماعية والثقافية، خلال هذه الفترة.
وتشير الشيخة مي آل خليفة إلى أن لدى الجميع توجها جادا لتحقيق ذلك، فقد تأسست لجان خاصة بالمشروع، أولها لجنة لدراسة وحماية الهيرات (مواقع صيد اللؤلؤ) الواقعة ضمن المشروع، إذ تتعاون وزارة الثقافة والجهات، التي تعمل على المشروع، مع عدد من الهيئات والوزارات الحكومية الأخرى، مثل الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئية والحياة الفطرية. وفي هذا الإطار، تشير الشيخة مي آل خليفة إلى أنه تم تشكيل لجنتين لمتابعة عمليات الترميم والتطوير الحضري حول المواقع المرشحة، تتضمن ممثلين عن وزارة البلديات وشؤون الزراعة، وبلدية المحرق، ووزارة الأشغال، وهيئة الكهرباء والماء، إضافة إلى لجنة خاصة لتطوير المشروع من الناحية السياحية، وكذلك لجنة لوضع خطة اقتصادية للمشروع، بالتعاون مع مجلس التنمية الاقتصادية.
وفي الواقع، تكاد تكون مهنة صيد اللؤلؤ مهنة مندثرة بين أبناء المجتمع البحريني المعاصر، فمع ظهور النفط في الخليج العربي أواخر ثلاثينات القرن العشرين، بدأ أبناء البحرين في هجر هذه المهنة، والعمل في الشركات النفطية والشركات والدوائر الحكومية، التي أصبحت تدر دخلا كبيرا، أغرى الجميع بهجر هذه المهنة الشاقة، حتى اختفت أو كادت، كما ساهم ظهور اللؤلؤ الزراعي، الذي اكتشفه اليابانيون، وتدني أسعاره، في تردي أوضاع المهنة، التي تتطلب جهدا كبيرا. لذلك، وفي إطار سعيها على الحفاظ على تراثها الثقافي والاقتصادي، منعت السلطات البحرينية اللؤلؤ الزراعي من الدخول إلى أسواقها.
وعن هذا الجانب، تقول الشيخة مي آل خليفة: «إن إدراج الموقع على لائحة التراث العالمي سيساعد على إحياء مهنة صيد اللؤلؤ، وخاصة أن الطلب على الطبيعي منه عال، على مستوى العالم، وبالإمكان إعادة فتح أبواب هذه الصناعة للنشاط الاقتصادي بصورة أكثر تطورا، كأحد أهداف المشروع الرئيسية».
وقبل أن يتوجه المسؤولون البحرينيون إلى المؤسسات الدولية للاعتراف بإرثهم الحضاري والثقافي، بدأ العمل في جزيرة المحرق، عاصمة اللؤلؤ في مملكة البحرين، لإقامة طريق بطول يتجاوز الـ 3 كيلومترات، يضم متاحف عن تاريخ اللؤلؤ، على مدار العصور، برؤية عصرية حديثة، وبأحدث ما تقوم عليه المتاحف.
ويتكون مشروع «طريق اللؤلؤ» من ثلاثة مكونات رئيسية، هي مصائد اللؤلؤ، ويطلق عليها باللهجة الخليجية (الهيرات)، وتضم ثلاثة مصائد، هي هير بولثامة، وهير بوعمامة، وهير شتيه، التي تقع شمال البحرين، والمعلنة منذ سنوات محميات طبيعية.
وسوف يتم الانتهاء من وضع القوانين المنظمة لتحويل المنطقة إلى محمية وطنية طبيعية، عبر الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئية والحياة الفطرية، وذلك خلال الأسابيع القليلة المقبلة، علما بأنها تشغل مساحة، قدرها نحو 125 ألف كيلومتر مربع، ويضاف إليها شاطئ تاريخي، يضم قلعة بوماهر، ثم سلسلة بيوت مرتبطة باقتصاد اللؤلؤ.
ويبدأ «طريق اللؤلؤ» من شاطئ بوماهر، لينتهي في مجلس بيت سيادي، الذي سيكون المتحف الرئيسي للؤلؤ، وسيمر الطريق ببيت الغواص، وهو الجندي المجهول في هذه المهنة، ثم بيت الجلاهمة وبيت غلوم للطب الشعبي، ثم بيت يوسف العلوي، وبيت فخرو، الذي كان من أهم تجار الخشب الخاص بصناعة السفن، وبيت ومجلس مراد، وهي عائلة طواويش، وبعض المحلات والعمارات في سوق القيصرية، كعمارة يوسف عبد الرحمن فخرو، وراشد فخرو، ثم بيت النوخذة، وبيت ومسجد سيادي.
وسيكون الطريق مخصصا للسير على الأقدام بين البيوت التراثية في هذه المنطقة، كما سيتم إعادة تأهيل الطريق، بما يتلاءم مع المتطلبات السياحية والجمالية.
وهنا تشير وزيرة الثقافة والإعلام إلى أهمية هذا المشروع الثقافي والسياحي والتراثي، بالقول:«لا شك أن الطريق سوف يمثل وجها ثقافيا، ضمن أوجه البحرين الثقافية المتنوعة، نظرا لأنه يضم عددا من البيوت التراثية، التي سوف تتحول إلى متاحف متعددة المحتوى، تؤرخ لتاريخ اللؤلؤ في البحرين، بأسلوب حداثي جذاب، لا يخرج عن الإطار التقليدي التراثي العريق».
ويستهدف هذا المشروع فئة كبيرة من المهتمين بالتراث وتاريخ المنطقة والسياحة الثقافية، كما أنه يستهدف سكان جزيرة المحرق، إذ سيكون له دور هام في التطوير الحضري والبنية التحية والعوائد الاقتصادية على جزيرة المحرق، وعلى البحرين ككل.
لكن، هل تأخر إنجاز هذا المشروع التراثي الضخم؟ تجيب الشيخة مي آل خليفة: «المحافظة على التراث لا تكون متأخرة، مهما مرت الأيام. لقد جاءت فكرة المشروع مع خطة طموحة لإدراج مواقع تراثية على قائمة التراث الإنساني العالمي. وقد تم تسجيل أول موقع في عام 2005، وهو موقع قلعة البحرين، ويأتي مشروع «طريق اللؤلؤ» كمشروع ثان تتقدم به المملكة، ومن المؤمل أن تتقدم بمشروع ثالث، هو سلسلة التلال الأثرية، وتضم أحد عشر موقعا».