المنامة - محمد العلوي
شيَّعت حشود، من كبار المسئولين الرسميين ورجال أعمال وأفراد بحرينيين وأجانب، الوجيه حسين علي يتيم إلى مثواه الأخير في مقبرة المنامة، أمس السبت (19 ديسمبر/ كانون الأول 2015).
وأحاطت الحشود بقبر الفقيد الذي «غادر، بعد أن خلّد ذكره بقدرته على قراءة المستقبل مبكراً، وبأنسنته لنشاطه التجاري»، كما ينوّه لذلك كلٌّ من رجل الأعمال خالد كانو والأمين العام لجمعية البحرين الخيرية حسن إبراهيم كمال.
وخلال تواجدها مع المشيعين، التقت «الوسط» بعدد من رجال الأعمال والمسئولين، حيث التأكيدات على تعملق الفقيد، فيما تعذر على نجليه علي ومحمد، الحديث بسبب انشغالهما بتلقي واجب العزاء.
وباكراً، توافدت الحشود على مقبرة المنامة، وضمت لفيفاً من شخصيات بارزة، تقدمها مستشار جلالة الملك للشئون الاقتصادية حسن فخرو، ومستشار جلالة الملك لشئون الإعلام نبيل الحمر، إلى جانب محافظ المحرق سلمان بن هندي الذي اعتبر أن الفقيد «هو فقيد للبحرين، كل البحرين، فهو من ركائز وأعمدة الاقتصاد البحريني، وخاصة في قربه من القيادة السياسية، والذي شكل له أساساً في ذلك». وامتدح بن هندي ريادة الفقيد في كثير من المجالات والقطاعات، وقال: «كانت له يد طولى في النهضة الحديثة التي مرت بها البحرين، تحديداً ما يرتبط بمرحلة النفط التي يعتبر الفقيد ضليعاً فيها، وهو إلى جانب ذلك رائد في كثير من المجالات والقطاعات، بما في ذلك المنشآت المرتبطة بالنفط».
وفي حديثه، تطرق بن هندي للعلاقة التي تجمعه بالفقيد، حيث الزيارات التي يقوم بها لمكتبه باستمرار.
تفصيلاً لذلك، يقول بن هندي: «أنا قريب منه، ولي زيارات أقوم بها لمكتبه، وعبر مجالستي إياه كنت أقف على مقدار حبه للقيادة وللبلد، فكان يستعرض رحلاته مع الحكام، من بين ذلك رحلاته مع سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة»، مؤكداً أن هذا القرب أتاح له ممارسة دور المستشار، بما يحمل من أفكار مستقبلية، ونظرة متقدمة على عصرها، في السياسة والاقتصاد.
واختتم بن هندي حديثه، باستحضار المقولة الخالدة «من خلّف ما مات»، وعقّب «من ترك أمثال علي ومحمد، لا يمكن القول عنه إنه رحل وغادر، بل هو باقٍ معنا بأفعاله وإنجازاته».
قرأ القادم مبكراً
بتجربته الممتدة، تحدث رجل الأعمال خالد كانو، لـ «الوسط»، فقال عن الفقيد حسين اليتيم: «هو من أوائل الشخصيات التي انتبهت مبكراً للمستقبل، ولقادم الأيام، وهؤلاء يُعرفون بالرواد، الذين يمتلكون عقلاً راجحاً، مكّنهم من بناء كل النجاحات التي عرفها وشاهدها الجميع».
وأضاف «هذا العقل النبيه والحذق، أتاح للفقيد القدرة على إنجاز مشاريع، يعجز الآخرون حتى عن التفكير فيها، فضلاً عن البحث في إمكانية التنفيذ والشروع في الخطوات التالية»، مبيناً أن الفقيد حسين يتيم انتبه مبكراً لما تحتاجه البحرين وسوق البحرين، ومثنياً على السمعة الطيبة التي تركها لدى الجميع، فـ «كان حريصاً على منح كل ذي حق حقه، ما مكنه من الحصول على محبة الناس والقيادة نظير خدمته للبلد»، على حد تعبير كانو.
وتابع «لو تحدثنا عن مكانته لدى حكام البلد، فسنشير للعلاقة الخاصة التي جمعته بالمغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، والذي كان يُكنُّ له محبة كبيرة، ويسأله كما لو كان مستشاراً».
وأردف «المحبة كانت مع الجميع، وطالت حتى فئة التجار، ما مكنه من الدخول في مشاريع مشتركة، من بين ذلك الوالد رحمه الله، ومحمد جلال، والمرحوم الحاج حسن العالي، حيث كانوا يلتقون لبحث ما تحتاجه البحرين في ذلك الوقت، من بين ذلك طيران الخليج، ليتمكنوا عبر أفكارهم المتقدمة ومشاريعهم المشتركة من النهضة بالبلد»، مؤكداً أن كل ذلك جابه صعوبات كثيرة، لكنها لم تَحُلْ دون تحقيق النجاحات.
وعرج كانو بذاكرته على بعض من تلك الصعوبات، فقال: «نتحدث عن فترة بلا بترول ولا كهرباء، بل إننا حين كنا ننام فوق السطوح، يأتينا «الطل» ليوقظنا قبل صلاة الصبح...»، وأضاف «أمّا اليوم فإننا نتحدث عن بحرين مختلفة تماماً لما كانت عليه في ذلك الوقت».
بدوره، قال رجل الأعمال فؤاد كانو: «نحن أمام خسارة كبرى، وهذا أمر الله الذي لا رادّ لقضائه، نطلب للفقيد الرحمة، وأعماله تشهد له، فقد كان عافّاً كافّاً، كما تمكن من ترك صدى طيب لدى الجميع، بدءاً من القيادة السياسية وأفراد الشعب كافة».
وفي سياق الكشف عن أسرار نجاح الفقيد حسين يتيم، قال كانو: «أحدها بلا شك، اعتماده مبدأ العمل أكثر من الكلام، ليتمكن عبر ذلك من جعل أعماله ناطقة بنجاحاته».
أمّا رجل الأعمال علي الأمين، فقد استعرض أسبقية الفقيد حسين يتيم، حيث قال: «العم حسين يتيم، أول من أسس التبريد الكهربائي في البحرين، وهو أول من أسس محطة بترول، وهو أول من أسس دور للسينما، وبالتالي فإننا نتحدث عن شخصية حفرت بصماتها الكثيرة في الحياة التجارية في البحرين، وهو يُعتبر عموداً من أعمدة المجتمع التجاري، وفقدانه لا يُعوَّض، فالعم حسين ذو صلة وثيقة بالمجتمع وبأعمال الخير».
الوصول لنقطة التوازن
في طيّات أحاديث القريبين والشهود على تجربة ومشوار الفقيد حسين يتيم، تتجلّى الإشارة لقدرته على الوصول لما يُعرَف بـ «نقطة التوازن»، حيث النجاحات الكبيرة في العمل التجاري، دون التخلي عن مسئوليته الاجتماعية.
حول ذلك، تحدّث الأمين العام لجمعية البحرين الخيرية حسن إبراهيم كمال، فقال: «تمكن الراحل الكبير، العم حسين يتيم من ترك بصمات كبرى في العديد من المجالات، وإن كان الجزء الأكبر منها خافياً عن الكثيرين، إنما القريبون منه، يدركون حقيقة قيامه بهذا الواجب الإنساني الكبير».
عطفاً على ذلك، قال كمال: «نحن نتحدث عن شخصية بحرينية كبيرة، تمتلك قدرة على تفَهُّم حاجات الأسر الفقيرة والمعوزة والحاجة في المجتمع»، مضيفاً «كجانب آخر من جوانب حياة الفقيد، يمكننا الإشارة إلى ربطه ما بين الدور الإنساني والدور الاقتصادي والتجاري، وهنا قمة العطاء حيث الجمع بين ثنائية الأنسنة والتنمية الاقتصادية، وهي ثنائية قَلَّ ما تجتمع».
وتابع «لذلك، نحن نرى في العم حسين يتيم، قدوة لكافة التجار وكافة رجال الأعمال فيما يتوجب عليهم القيام به تجاه مجتمعاتهم، بحيث يتمكن هذا المرء من خدمة نفسه أولاً وخدمة مجتمعه ثانياً، دون أن يطغى هذا على ذاك، وصولاً لخدمة جميع الأوساط وجميع الطبقات، وخاصة أن المجتمع البحريني كان ولا يزال، بدءاً من قيادتنا السياسية وامتداداً لكافة الأوساط، موصوف بالتراحم والتعاضد والتسامح فيما بين الأطراف كافة، الغني مع الفقير، والمقتدر مع المحتاج».
وأردف «كل هذه المعطيات، أنتجت لنا توليفة العم حسين يتيم، ليمثل أنموذجاً حيّاً لمجتمعه ولمشروع الربط بين العمل التطوُّعي الخيري الإنساني من جهة، والنشاط التجاري الاقتصادي الاستثماري من جهة أخرى».
بجانب ذلك، تطرّق كمال إلى عدة أوجه لعطاءات الفقيد على الصعيد الإنساني، وعقّب «قام الفقيد بمساعدة أسر محتاجة، وأذكر هنا أننا توجهنا له مع بداية عمل جمعية البحرين الخيرية في الثمانينات، وذلك لطلب المساعدة لعدد من الأسر، فكان مثالاً حيّاً للشخص المُتَفهِّم لحاجات المعوزين والملهوفين».
في السياق ذاته، تحدّث كمال عن مَدِّ الفقيد، يد العون لشركات واجهت في فترة من الفترات صعوبات، وذلك عبر تقديم المشورة والرأي الحسن لأصحابها، وهنا نقطة من المهم تسليط الضوء عليها، حيث مبادرة العم حسين لتقديم النصيحة لمن يحتاجها، وكان يشمل بذلك الأجيال بمختلف أعمارها، مصحوباً ذلك بابتسامته المعهودة».
التاجر المثابر
في إطار الحديث عن ريادة الفقيد حسين يتيم، تبرز مساهمته في تأسيس غرفة تجارة وصناعة البحرين، البيت الذي يُؤوي التجار، والذي يمثل ركناً أساسياً في صناعة القرار الاقتصادي في مملكة البحرين.
تفاصيل دور الفقيد في القطاع التجاري، تطرّق إلى بعض منها النائب الثاني لرئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين جواد الحواج، مشيراً إلى وجاهة الفقيد حسين يتيم على مستوى البحرين، وإلى دوره الكبير جداً قبل إنشاء الغرفة، وفي تأسيسها التي هي اليوم صرح من صروح المملكة، مضيفاً «أثناء وجود الفقيد في الغرفة وترؤسه لها في إحدى الفترات، لعبت الغرفة دوراً كبيراً، كما عمل الفقيد على ممارسة دوره في دعم التجار في وسط السوق وأخذ العبرة والمعرفة من خلال هذا الصرح الكبير».
وتابع «اتصف الفقيد بمثابرته المستمرة، فكان حتى فترة قصيرة، حريصاً على التواجد في وسط السوق، بمكانته البارزة والمحورية، والتي جعلته محبوباً من قبل الجميع»، معتبراً أن تقديس الفقيد لعمله، شكّل أحد أسرار نجاحه، فـ «كان متشبثاً بالتواجد في مكتبه رغم تقدمه في السن، وعبر ذلك كان يوجِّه رسالة بالغة الوضوح، وخاصة للأجيال الشابة، مفادها أن تقديس العمل يشكل خطوة ضرورية للنجاح».
وأردف الحواج حديثه بالقول: «التاجر الناجح والمثابر، هو قدوة للجميع، وعبْر أدواره الرائدة والمتشعبة مَثّلَ الفقيد واجهة للبلد، ونحن كقطاع تجاري نعزّي أنفسنا قبل عائلته، حيث الخسارة الكبيرة للجميع في رحيل العم حسين يتيم»، لافتاً إلى أن الغرفة تنظر بعين الأهمية لمشاريع توثيق سيرة الفقيد وتخليد ذكراه.
تفريغ الذاكرة... مهمة غير منجزة
«رحيل بخسارة مزدوجة»... هكذا عبّر الإعلامي حسن سلمان كمال عن أسفه الشديد حيال رحيل الوجيه حسين يتيم، في إشارة منه لعدم تمكنه بسبب الظروف من إجراء لقاء خاص معه، لتفريغ ذاكرة الفقيد الوطنية.
ويمتلك الفقيد حسين يتيم، ذاكرة ممتلئة بالمواقف والأحداث المفصلية التي عاصرها طوال عمره الذي جاوز القرن من الزمان.
إزاء ذلك يتحدّث الإعلامي كمال بالقول: «نتحدث عن شخصية رائدة في المجال التجاري والاقتصادي في البلد، وله الكثير من الفضل في المنشآت الحديثة التي أدخلها للبحرين، من بين ذلك ماكنة تقطير الماء الحلو، وماكنة الثلج، إلى جانب العديد من الشركات التجارية التي أدخلها للبلد»، مؤكداً بحديثه هذا ما قيل بحق الفقيد من أنه «أحد أسباب الرفاهية التي يعيشها البحرينيون».
وأضاف «تمكن الفقيد من تحقيق ذلك بفضل تعليمه المبكر، فهو أحد شخصيات الرعيل الأول في ذلك، وفي العمل من أجل رقي البلد من الناحية الاقتصادية والتجارية، إلى جانب مساهماته الاجتماعية عبر بناء الكثير من المؤسسات وتقديم الأعمال الخيرية».
كمال الذي التقى مرات عديدة بالفقيد، انبرى ليصفه ببضع كلمات: «كان يتصف بالتواضع، وكنا نتحصل على الفائدة الكبيرة منه في أي لقاء يجمعنا به، ولم يكن ليبخل علينا بأية معلومة، فكان صاحب معلومات متدفقة وذكريات جميلة عن بدايات البحرين في المرحلة التي عاصرها، فكان صاحب ذاكرة وطنية ثرية».
أمّا عالم الدين والخبير المصرفي الشيخ نظام يعقوبي، فقال في حديثه مع «الوسط»: «لا شك أن الفقيد رحمه الله من رجالات البحرين العريقين الذين تركوا بصمات وأثّر، ليس فقط في الحياة الاقتصادية إنما الحياة الاجتماعية وعمل الخير والبر من بناء المساجد وصلة المعوزين والمحتاجين، إلى جانب الإسهام في كل ما يعين الناس في هذه البلاد، وسجلّه في ذلك مشهود له ومعروف».
يعقوبي الذي لقّن الفقيد في قبره، تحدّث عن علاقات النسب والمصاهرة والمحبة والمعرفة القديمة التي تجمعه بالعم حسين يتيم، والتي تمتد لعدّة عقود، منوهاً بحالة التوازن التي تمكن الفقيد من خلقها في مشواره، ما بين نجاحاته التجارية، والتزامه بمسئوليته حيال مجتمعه.
حول ذلك، يقول يعقوبي: «موقع المسجد الذي يقع في السوق، كان في البدايات محطة للبترول، ورغم أن المحطة تمثل عقاراً مرتفع القيمة تجارياً نظراً لموقعه، إلا أن الفقيد ضحّى به، وبنى فوقه مسجداً، وهو اليوم يمثل بمنارته مصدر إشعاع، ومكاناً وحيداً ليؤدي فيه روّاد السوق وحتى موظفيه، صَلاتهم»، مبيناً أن مساحة المسجد الكبيرة أهّلته لكي يتحوّل لجامع، وهو اليوم منبر يُخطب فيه باللغة الإنجليزية، بعد الاستئذان من الأوقاف السنية، وهو بذلك يُصنَّف ضمن الجوامع القليلة على مستوى البحرين.
وعزّزت التجربة المكثفة للوجيه حسين يتيم، من وجاهة المطالبات الخاصة بتوثيق سير «الكبار» قبل الرحيل، في ظل مغادرة يراها المختصون «مؤسفة، حيث التفاصيل التاريخية المهمة، والتي تحكي منعطفات رئيسية في تاريخ البحرين».
فؤاد كانو متحدثاً عن مناقب الفقيد
نظام يعقوبي متحدثاً عن الراحل
حمل جثمان الوجيه حسين يتيم عقب الصلاة عليه - تصوير أحمد آل حيدر
التوجه بجنازة الفقيد نحو مثواه الأخير
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4852 - الأحد 20 ديسمبر 2015م الموافق 08 ربيع الاول 1437هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق