في يوم من الأيام خرجت من البيت وذهبت إلى أحد المساجد لتأدية الصلاة وبعد صلاة السنة جلست في المسجد، فرأيت منظراً آلمني جداً، وأثر في نفسي رأيت عدداً ضخماً من المصاحف المكدسة، وعدداً ضخماً آخر من أجزاء القرآن كجزء عم وتبارك وقد سمع.. ثم وجدت بالقرب منها مجموعة ضخمة من سور يس وقد علاها الغُبار ولم تجد لها من يفتحها أو يزيل عنها هذا الغبار المتراكم لمدة طويلة، ولما فتحت بعضها وجدت على الصفحة الأولى قد كُتب داخلها طبع هذا المصحف على نفقة فلان، أو هو في ثواب فلان، وتساءلت في نفسي: هل لو كان هذا الإنسان الذي طبع هذا المصحف في ثوابه حياً هل رضي بأن يطبع في ثوابه مصحفٌ لا يقرأ ولا يستفاد منه؟ فقلت إنه ولاشك لن يوافق على ذلك، بل سيأخذ ذلك المال ويصرفه فيما يعود عليه بالنفع في أخراه، ولا يخفى عليك أخي القارئ أن الجمعيات الإسلامية والصناديق الخيرية قد وصلت إلى مرحلة مؤسفة جداً من الروتين الممل، والتي دأبت عليه في الآونة الأخيرة من الطباعة العشوائية، ويا للأسف الشديد، فهل تعيد النظر في سياساتها وتعالج أوضاعها.
إن أبواب الخير كثيرة ومطلوبة، ولكن المذموم هو التقليد الأعمى وعدم التجديد، إن الجمعيات الإسلامية والصناديق الخيرية تحتاج إلى إعادة النظر في سياساتها فإن هذه الأموال التي أستأمنها الناس عليها يجب أن يصل خيرها ونفعها ليس للفقراء والمساكين وحسب إنما يجب أن تصل إلى طلاب العلم كافة، فلهم حق فيها، وإني لأعجب من هذه الطباعة العشوائية وهذه الأعمال التي هي في ظاهرها خير لكن في باطنها أقرب ما تكون إلى إضاعة مال المسلمين. إن عمل مشروع ‘’ماء سبيل’’ هو مشروع في ظاهره خير لكن حقيقته أنه إهدار لهذا المال الذي استؤمنت عليه هذه الجهات، فهل البحرين لا سمح الله مثلاً تحتاج إلى ماء سبيل؟ هل نحن نعيش في صحراء قاحلة ومجدبة لهذه الدرجة؟ هل البحرين أو حتى القاطنين بها بحاجة لمثل هذه المشروعات؟ هل تمس حياتهم اليومية لدرجة أنها لا يمكن الاستغناء عنها، أم أن هنالك ما هو أنفع وأجدى وأرجى للناس؟ كذلك مشروع إفطار صائم في رمضان هل الجمعيات هذه تتحرى من هو الصائم الذي سيفطر أم الأمر كما نرى شاحنات تشحن هؤلاء الأجانب من مناطق بعيدة وتوصلهم إلى المساجد وبعد أن يأكلوا يعودون إلى مساكنهم!! فهل هؤلاء مسلمون أم غير مسلمين؟ ثم هل هم فعلاً مُحتاجون؟ ثم أين الجمعيات والصناديق عنهم في غير رمضان هل الإطعام لا يكون إلا في رمضان أم أنهم محتاجون في رمضان وفي غير رمضان غير محتاجين!!
وبالتالي فالمطلوب هو عمل دراسة شاملة ومنهجية لصرف هذه الأموال وترك هذه الأعمال العشوائية وغير المدروسة، وجعل أموال المسلمين تصب في المكان المطلوب لكي يحصل النفع للناس كافة، لا نريد فئة من دون فئة، فأبواب الخير يجب أن تفتح للجميع، لكن أنا أتساءل عن الحاجة في ذلك هل نحن في حاجة لطباعة هذه المطبوعات المتكررة والتي ستظل حبيسة الأدراج والرفوف ولا يستفاد منها، هل البلد بحاجة إلى هذه الألوف المؤلفة من المطبوعات المتكررة؟!! في حين نجد أن كثيراً من الباحثين يريدون طباعة كتاب من كتبهم فلا يجدون، وقد أحسن صنعاً أهل البحرين الأوائل فكانوا أبعد نظراً من هؤلاء، فقدموا لآخرتهم ما ينفعهم، وجعلوا هنالك من يترحم عليهم ويذكرهم بخير، بل جعلوا الباحثين والمؤرخين يرحلون لجمع تلك القصاصات وهاتيك المطبوعات التي عثر على الكثير منها في بلاد الهند والاحساء وغيرها، ومن أشهر أولئك النفر التاجر الفاضل الشيخ محمد بن أحمد بن هجرس الذي قام بطباعة (ديوان إسماعيل المقري) سنة 1305هـ (1887م) كما طبع كتاب (أوضح المسالك على مذهب الإمام مالك) سنة 1310هـ (1892م) في فقه السادة المالكية.
كذلك نجد التاجر أحمد بن يوسف بن هلال آل علي قد قام بطباعة كتاب (القول الجامع المشيد في الرد على صاحب المؤيد) سنة 1332هـ (1913م)، والتاجر عبدالله بن عيسى سيادي طبع كتاب (قمع أهل الزيغ والإلحاد عن الطعن في تقليد أئمة الاجتهاد)، الحاج يوسف بن أحمد كانو طبع (كتاب صيد الخاطر) لابن الجوزي، الحاج يوسف بن أحمد الخاجة، الحاج محمد طيب بن محمد جعفر الخنجي، الشيخ حمد بن عبدالله بن إبراهيم آل خليفة، الشيخ سعد بن عبدالله بن شملان، والحاج أحمد بن قاسم مراد وغيرهم ممن يفخر الإنسان بذكرهم، فقد قدموا شيئاً لأنفسهم، فهل يقتدي بهم الموسرون وجمعياتنا وصناديقنا الخيرية؟
صحيفة الوقت البحرينية - يومية سياسية مستقلة
العدد 595 - الاثنين 26 رمضان 1428 هـ - 8 أكتوبر 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق