بقلم أحمد بن خليفة البنعلي
تدعي بعض الجهات بجهل أو بقصد، أطروحة بعيدة جداً عن الحقيقة، وهي أنه حدثت مقاومة شعبية ضد آل خليفة من حلف العتوب والذين جاءوا معهم من أهل الزبارة أثناء عملية فتح البحرين في عام 1783م. وتستغل تلك الجهات هذا الطرح لمآربهم الخطيرة أمام الرأي العام وخصوصاً في الغرب، بأنه تم سفك دماء، وتهجير أهل البحرين أثناء وبعد فتح البحرين في عام 1783م. وسيكون من السهل جداً معرفة ما حدث بالفعل في تلك الفترة من خلال الرجوع للوثائق البريطانية للأحداث التي كتبت على الورق في عام 1783م، وذلك بدلاً من الاعتماد على الروايات الشفهية التي يستند إليها البعض، والتي ليس لها أي دليل تاريخي. تؤكد الوثائق البريطانية أن المعركة التي حصلت بين قوات الشيح نصر بن ناصر آل مذكور من جهة، وبين العتوب وأهل الزبارة من جهة أخرى، كان على الساحل الغربي لشبه جزيرة قطر، وذلك في 17 مايو 1783م. وإن فتح البحرين حدث بعدها بشهرين وستة أيام حيث تم إسقاط حكم آل مذكور بالبحرين بسبب انكسار شوكتهم في قطر بعد المعركة المذكورة أعلاه، والذي سهل عملية الفتح لأهل الزبارة هو وجود حامية صغيرة لقوات آل مذكور في البحرين، وقد أكدت الوثائق البريطانية لتلك الفترة الزمنية أنه لم تحدث أية مواجهات أو قلاقل بين الفاتحين وأهل البلد كما ادعى البعض دون أي مستند تاريخي لدعم هذا القول، لذلك تمت عملية فتح البحرين دون وجود أي مقاومة من أهل البحرين عند دخول قبيلة العتوب بقيادة الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة الملقب بالفاتح وعرب أهل الزبارة إليها في 23 يوليو عام 1783م. سبب ذلك هو أن أهل البحرين من الطائفتين السنية والشيعية كانوا يتمتعون بعلاقات طيبة مع العتوب والقبائل والعوائل العربية التي جاءت معهم من الزبارة للأسباب التالية:.1 معاملات العتوب التجارية في البيع وشراء البضائع مع أهل البحرين من الطائفتين السنية والشيعية قبل رحيلهم عن البحرين مع قبيلة الخليفات في 1701م وأيضاً منذ رحيلهم من الكويت إلى الزبارة وفريحة في 1730م. .2 كان العتوب يغوصون في مغاصات اللؤلؤ دون أن يدفعوا الضرائب لحاكم البحرين آنذاك الشيخ نصر بن ناصر آل مذكور حسب اتفاقهم معه، لأنهم ساعدوه في فتح البحرين عام 1754م وهم آنذاك في الزبارة وفريحة على الساحل الشمالي الغربي لشبه جزيرة قطر. .3 كان لدى العتوب الكثير من الأملاك من مزارع النخيل وفقاً لصكوك البيع والشراء، قبل عام 1699م إلى سنة الفتح 1783م، في مختلف مناطق البحرين والتي يأتونها في موسم الصيف ليصيفوا فيها مثل جزيرتي سترة والنبيه صالح، والماحوز، وقزقز (الجفير)، وتوبلي، وجدعلي، وجرداب، والساحل الشمالي والغربي للبحرين وغيرها من مناطق البحرين الزراعية. وكان العتوب أيضاً يوكلون أهل البحرين من الطائفة الشيعية للبيع وشراء النخيل نيابةً عنهم، والذين كانوا (أهل البحرين من الطائفة الشيعية) أيضاً متضمنين (مستأجرين) في تلك المزارع، حيث يعملون ويزرعون فيها ويحافظون عليها، وهذا يدل على وجود ثقة عالية ومتبادلة بين أهل الزبارة وأهل البحرين..4 وجود الثقة المتبادلة عند أهل الزبارة وأهل البحرين على أن يتولى آل خليفة حكم البحرين، وكان الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة الملقب بالفاتح هو أول حاكم من آل خليفة الذي حكم البحرين قبل فترة وجود الاستعمار البريطاني فيها.لذلك لم تحدث أي قلاقل داخلية في البحرين في عهد الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة بسبب الموافقة والترحيب الشعبي لهم، وأن أهل الزبارة ليسوا غرباء على البحرين.والوثائق البريطانية التاريخية التي ذكرت فيها تلك الأحداث كتبها شهود عيان موجودون في المنطقة، وكتبوا الأحداث في وقتها أي في تلك الفترة الزمنية، ولم يكتبوها نقلاً عن روايات شفهية عمرها مائتي عام مثلاً كما يفعل بعض المؤرخين دون أي دليل تاريخي، خصوصاً أن الوثائق البريطانية من أحسن الوثائق التي دونت أحداث المنطقة بدقة، وخصوصاً أنهم كانوا قد عاصروا تلك الأحداث بحكم وجودهم في منطقة الخليج بشكل عام كمستعمرين.يعود للشيخ أحمد بن محمد آل خليفة الفضل الكبير في إسقاط حكم آل مذكور بالبحرين في 23 يوليو 1783م نتيجة الخطة التي وضعها لاقتحام القلعة، واستسلام حامية الشيخ نصر آل مذكور فيها، وبعد أن تم فتح البحرين وإسقاط حكم آل مذكور فيها، رجع إخوان الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة إلى الزبارة حيث استلموا رواتبهم من إيرادات البحرين، وقد حكم الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة البحرين بعد ذلك، وكانت سلطته على العتوب في قطر أيضاً معترف بها، حيث كان يدفع لهم بعض الإعانات من إيرادات البحرين، وكان هناك دون شك في ذلك الوقت اتحاد سياسي حقيقي بين البحرين وبعض المناطق مثل الزبارة في قطر. يؤكد ذلك ما جاء في وثيقة بريطانية قديمة مؤرخة عام 1790م وهو عبارة عن تقرير عن تجارة الخليج من إعداد سامويل منستي المقيم السياسي في البصرة وهارفورد جونز المقيم السياسي في بغداد، حيث تطرق هذا التقرير إلى الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة كشيخ على البحرين، حيث جاء في التقرير التالي: ''سبق وأن أشرنا أن القرين والزبارة والبحرين تابعة لعرب قبيلة بني عتبة، وإن تلك المناطق موحدة تحت حكومة واحدة ورؤساؤهم هم أحمد بن خليفة شيخ البحرين وعبدالله بن صباح شيخ القرين''، وفي البحرين اتخذ الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة قلعة الديوان التي في المنامة كمقر له وكان يصلي في الجامع الكبير الذي يقع غرب مدينة المنامة وشمال قلعة الديوان والذي تم بناؤه على أقل تقدير في القرن الحادي عشر هجري، ويظهر أن الجامع قديم قِدم مدينة المنامة، كما إن هناك جامعاً آخر في المنامة مبني قبل دخول آل خليفة إلى البحرين بقليل، وهو جامع الفاضل الذي يقع في فريج الفاضل شمال شرق مدينة المنامة. ووفقاً للوثائق البريطانية فقد تثبت حكم الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة للبحرين بعد عملية الفتح عام 1783م، وكان أيضاً يأتي إلى الزبارة في فصل الشتاء إلى أن توفى في قلعة الديوان بتاريخ 18 يوليو 1795م ودفن في المنامة.بعد فتح البحرين عام 1783م ووفاة الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة في 1795م، تمتع العتوب بالاستقرار السياسي والاقتصادي في البحرين إلى أن غزاها سلطان بن أحمد آل سعيد حاكم مسقط في 4 سبتمبر 1801م، ثم قام العتوب باسترجاع البحرين من العمانيين بعد ثلاثة أشهر في 24 ديسمبر 1801م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق