يزخر تاريخ البحرين عبر القرون بالكثير من الأحداث التي عززت موقفها كمركز تجارى هام في الخليج العربي. فالبحرين بصغر مساحتها كانت منطقة مهمة في الخليج لمزاولة الأنشطة التجارية بسبب وجود مغاصات اللؤلؤ فيها وبساتين النخيل والعيون الطبيعية وغيرها من الموارد الطبيعية التي بها جذبت الكثير من الناس للمجيء إليها بسبب موقعها الإستراتيجي سواء بغرض التجارة أو السكن، وخصوصاً في القرن التاسع عشر الميلادي، بعد تولي عائلة آل خليفة مقاليد الحكم في البلاد.
ستوضح هذه الدراسة مراكز الاستيطان التي كانت قائمة في بداية حكم آل خليفة حفظهم الله للبحرين منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى مطلع القرن العشرين، لكي تكتمل الصورة في معرفة أين كانت تتركز المراكز السكنية في تلك الفترة الزمنية. وأيضاً كيف تحولت مناطق زراعية اشتهرت بالعيون الطبيعية والنخيل إلى مناطق سكنية في يومنا هذا، لإزالة الشك من البعض الذين يعتقدون ويدعون دون أي دليل يسند كلامهم بأن المناطق السكنية في يومنا هذا كان نفسه قائماً في قديم الزمان.
توضيح المناطق السكنية في بداية حكم آل خليفة للبحرين وفقاً لخريطة البحرين لعام 1825
المرفق خريطة لجزيرة البحرين من إعداد القبطان جورج بروكس قائد الأسطول الهندي في الخليج 1825 وهي جزء من الاستبيان الرسمي الأول للخليج، وقد قام القبطان بروكس بزيارة للبحرين حيث رسم خارطتها مع تحديد المناطق المأهولة بالسكان والزراعية حسب ما رآه خلال زيارته للجزيرة، ويظهر على جهة اليمين من الخارطة صورة لمسجد الخميس.
وتوضح هذه الخريطة المناطق المأهولة بكثافة سكانية باللون الأسود بالكامل وهم المنامة والمحرق والبسيتين والحد والبديع وأم الصمّان
والزلاق وجو وقلعة الرفاع، والمناطق التي توجد فيها هضبة أو تلة مشارة باللون الأسود مع نقطة بيضاء، وأما المناطق الباقية فكانت مجرد مناطق زراعية مملوءة بأشجار النخيل والبساتين وتعود ملكية أغلب هذه البساتين إلى القبائل العربية السنية بما فيهم العائلة الحاكمة في البحرين.
وقد ذكر القبطان جورج بروكس من وصف لجزيرة البحرين عام 1825م التالي: ''جزيرة البحرين أو أوال، محيطها بين الثمانين والتسعين ميل، وتقريباً خُمسها غنية بمياهها، ومأهولة بالسكان على نحو كثيف، ومزروعة جزئياً، وما تبقى من مساحتها فهي إما تلال أو صحراء متساويان تقريباً''.
وفي تقرير آخر له عن البحرين مؤرخ في 27 أغسطس 1840 قال القبطان بروكس بأنه عندما زار البحرين للمرة الأولى وقام بعملية المسح فيها في عام 1825م كان عدد سكان البحرين ثمانية وأربعون ألف نسمة.
(1) جزيرة المحرق
هذه خريطة جزيرة المحرق والمناطق المأهولة بالسكان هي مدينة المحرق التي تقع جنوب غرب جزيرة المحرق داخل سور المحرق المكون من خمسة أبراج لحماية المدينة كما هو مبين ومدينة البسيتين التي تقع شمال غرب مدينة المحرق ومدينة الحد التي تقع جنوب شرق جزيرة المحرق. وبعد أن أسقطوا حكم آل مذكور بالبحرين في 23 يوليو 1783 انتقل العتوب للسكن من مدينة الزبارة بشمال غرب شبه جزيرة قطر إلى جزيرة المحرق من جزر البحرين. وقد ذكر القبطان بروكس في عام 1825 بأن الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك يسكن في المحرق (Maharag) وهي مدينة كبيرة يقطنها حوالي ستة آلاف نسمة، وهناك سور مهدم حول المدينة، أما جزيرة المحرق ككل فتحتوي على سبعة آلاف وخمسة مائة نسمة.
ويؤكد القبطان بروكس بأن القلاع الموجودة في جزيرة المحرق هي قلعة في المحرق التي تقع على رأس رملي وتحتوي على ستة أو ثمانية مدافع حيث تقود القلعة القناة، وقلعتان أخريان إحداهما في عراد (Arad) والأخرى في سماهيج. وتظهر القلاع التي ذكرها القبطان بروكس واضحة في الخريطة أعلاه بالإشارات السوداء على شكل (x) كإشارة لقلعة المحرق (قلعة بوماهر) التي تقع جنوب مدينة المحرق وقلعة عراد التي تقع شرق مدينة المحرق، أما قلعة سماهيج فتظهر بالإشارة (+) حيث إنها مطلة على الساحل الشمالي لجزيرة المحرق. وقد ذكر القبطان بروكس بأنه يوجد جبهة واسعة من بستان بأشجار النخيل في سماهيج حيث أنهم آخذون في الارتفاع بشكل حاد مع جبهة عريضة مسطحة أو مدورة وتسمى جبهة عراد وهي عبارة عن بستان لأشجار النخيل التي تشكل جبهة واسعة بالقرب من الرأس، وهناك قلعة صغيرة على تلة قريبة منه.
(2) مدينة المنامة والمناطق المجاورة وشمال البحرين والبديع
أما مدينة المنامة فقد وصفها القبطان بروكس بأنها ميناء الجزيرة وتعتبر المدينة الأساسية في البحرين حيث يسكنها أغلب التجار أو تتواجد قوافلهم هناك، وإن أغلب الواردات تنزل هناك وقد تم فرض ضريبة في عام 1826 قدرها 5٪ على المنتجات الهندية وأغلب السلع التي تأتي من ساحل فارس والبصرة ومسقط. وتبين الخريطة في الأعلى بأن مدينة المنامة مأهولة بالكثير من السكان. وتظهر في الخارطة أعلاه أيضاً قلعة الديوان (مقر وزارة الداخلية حالياً) جنوب غرب مدينة المنامة وقلعة البرتغال (Portuguese Fort) شمال البحرين بالشكل (+) حيث تظهر في الجهة الشمالية الغربية للقلعة عدة صخور حيث تشير الخارطة بوجود قاعدة برج للمراقبة تابعة للبرتغاليين (قديماً) عليها،
(Lighthouse Rock of the Portuguese)، ويقع البرج على الجانب الغربي من فتحة القناة التابعة لقلعة البحرين والمحفورة في الشعب المرجانية، حيث كانت في الأصل للسيطرة على مدخل القناة، وكانت مبنية من أحجار مربعة يبلغ مقاسها تسعة أمتار من كل جانب. كما توجد قلعة أخرى بالشكل(X) بين البديع والدراز ولعل موقعها اليوم بالقرب من مركز شرطة البديع حالياً والله تعالى أعلى وأعلم. كما تظهر في الخريطة ثلاثة عيون كبيرة وهم عين عذاري وعين قصاري الكبرى والصغرى، واكتفى بالقبطان بروكس بالإشارة إلى العيون الكبيرة بدلاً من العيون الصغيرة التي كانت منتشرة في البحرين في الكثير من المناطق، وكما تظهر كلمة (Mosque) والتي ترمز إلى مسجد الخميس. أما باقي المناطق في الجهة الشمالية وجنوب المنامة إلى الجهة الغربية الشمالية فكانت مجرد مزارع للنخيل كما تبين كلمة (Garden) على الخريطة والتي تؤكد ذلك من دون شك، وفي جهة الغرب تظهر مدينة البديع مأهولة بالسكان. وقد ذكر القبطان بروكس بأن القلاع الموجودة على جزيرة البحرين (الجزيرة الأم) هم الرفاع التي تبعد سبعة أميال عن المنامة وتقريباً خمسين قلعة أخرى مع عدة أبراج في مناطق مختلفة، إن أفضل الدفاعات هي تلك التي توفرها الطبيعة في سلسلة الصخور بالقرب من سطح الماء والتي تحيط الجزر حيث إن خمسة مائة من الرجال العازمون قد يعارضوا نزول عدة آلاف (من الغزاة والمحتلين). وتظهر الجفير وأم الحصم والماحوز بأنها مليئة بأشجار النخيل.
(3) الرفاع وساحل خليج توبلي وجزيرة سترة
تظهر الرفاع الشرقي بأنها مأهولة بالسكن عكس الرفاع الغربي ويؤكد ذلك القبطان بروكس حيث ذكر بأن الرفاع (Ruffan) التي تقع على جبل ببعد سبعة أميال من مدينة المنامة تتكون من قلعة مربعة محاطة بالمساكن تابعة لأتباع الشيخ، وإنها مقر الشيخ خليفة بن سلمان بن أحمد بن محمد آل خليفة شريك عمه الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة في الحكم آنذاك. أما المناطق الأخرى في الخريطة التي في الأعلى مثل جزيرة سترة فكانت مزارع للنخيل وتبين فيها عين عبدان أيضاً حيث وصفها القبطان بروكس بأنها مياه عذبة (Fresh Water)، أما المناطق المطلة على خليج توبلي من الجهتين فكانت أيضاً مزارع للنخيل. ويظهر في جهة جنوب شرق الخريطة أعلاه قلعة بالشكل(X) جنوب قرية الفارسية الزراعية وشمال منطقة رأس زويد.
عمد عبدالجليل الطبطبائي في رحلته الساحلية حول البحرين التي استغرقت أسبوعين تقريباً إلى تسجيل معالم وجزئياتها في أرجوزة تتكون من واحد وثمانين ومائة بيت وسماها ''نزهة الجليس في وصف الديار''، ونزع فيها منزعاً توثيقاً رصد فيه كل ما رآه من مشاهد طبيعية وظواهر بيئية. وقد بدأت رحلته حسب ما حدده في أبياته في صباح يوم الخميس في منتصف شهر رجب عام 1241هـ الموافق الثالث والعشرين من شهر فبراير عام 1826م. وقد رفقه في هذه الرحلة عدد من الرجال حيث ملاح بلاغتهم وفصاحة لسانهم وأثنى على عراقة نسبهم وحسن سجاياهم وخصوصاً صفة التآلف والإيثار. فالفرق بين رحلة عبدالجليل الطبطبائي والقبطان بروكس سنة واحدة وهناك تشابه تام ليس لجزيرة سترة فحسب وإنما أيضاً للعقارية وقرى الساحل الغربي كما سيأتي فيما بعد. حيث لم يذكر الطبطبائي مثل بروكس بأن هناك كثافة سكانية في سترة، وإنما وصف أهم ميزتين في جزيرة سترة وهي كثيرة النخيل والمياه المتدفقة بحكم غنى هذه الجزيرة بالأشجار المثمرة. ففي محطته الأولى أخذ الطبطبائي في رسم ملامح المكان والزمان بواسطة آليتي السرد الوصف حيث قال:
سرنا على اسم الله في مجراهما
كذلك باسمه لدى مرساهما
حتى قدمنا باعتجال ستره
والله مسبل علينا ستره
ترى بها النخيل باسقاتِ
من كل نوع لذ للجنات
فيها ينابيع المياه قد جرت
في برها وبحرها تفجرت
فمذ نزلناها ضُحى النهار
في دار بخاخِ بلا استقرار
أقبل دعبل بما نحتاج له
من حطب النخل وذاك ناقله
توجه الركب المبحر بعد ذلك إلى جزيرة مجاورة لسترة وهي جزيرة النبيه صالح، ولم يعرض لذكرها ربما لاشتراك الجزيرتين في المزايا نفسها، واكتفى باعتبار زيارتهم لها مغنماً أصابوه حيث قال ''ومذ غنما نزهة الجزيرة...'' والغنم هو الفوز بالشيء من غير مشقة. وفي التعبير دلالة على ما حققوه من متعة، نظراً لما تتمتع به جزيرة النبيه صالح من سحر وجمال، واستخدام الطبطبائي الاسم المختصر والدارج لها ''الجزيرة''.
(4) عسكر
تظهر منطقة عسكر كمنطقة قاحلة غير مأهولة بالسكان مع وجود تلة أو هضبة جنوبيها في منطقة رأس حيان والله أعلم. كما تظهر أيضاً جزيرة الشيخ إبراهيم وجزر أخرى غرب الجزيرة.
(5) مدينة جو
يقول القبطان جورج بروكس بأنه توجد في الجهة الشرقية من البحرين أطلال لمدينة كبيرة (Large Town Ruins) أسمها جو (Jow) وهي المقر القديم لشيوخ آل خليفة وقد أخليت من سكانها منذ عام 1800 بسبب الحاجة إلى ميناء آمن، وانتقل السكان إلى المحرق. وتبين الخريطة أعلاه بأن مدينة جو كانت آنذاك أكبر حجماً من مدينة جو الحالية ويبدو إنها كانت مأهولة بالكثير من السكان. ويقول اللوتيننت أ.ب. كمبل مساعد المقيم السياسي في الخليج في تقريره الذي سلمه إلى الحكومة في 6 يناير 1845 بأن المدن الوحيدة التي هي من نفس الحجم هم المنامة والمحرق وهناك مدينتان أصغر منهما وهم الرفاع وجو.
وفي المحطة الثانية لرحلته وصل عبدالجليل الطبطبائي إلى مدينة جو، حيث وصف المدينة من ناحية الجانب السياسي والاجتماعي لها وديارها الخالية والسكان الراحلين وأسباب الرحيل مع المقارنة بين والوضعين ومدح أولئك المغادرين معولاً على آليتي السرد والوصف حيث قال:
ومذ غنما نزهة الجزيرة
سرنا إلى جو بحسن سيره
المنزل الذي عفت رسومه
مذ أفلت من أفقه نجومه
من بعد ما كان محط الرحل
يلقى بها الطارق خير أهل
ومعقل الوفود والضيوف
ومأمن الطريد والمخوف
يزينه غر به سكان
هم الحماة الصيد والشجعان
من كل فاضلٍ نقي العرض
أشم غطريفٍ جوادٍ مُرضي
لقد استخدم الناظم مؤشرٍاً زمانياً مكانياً للدلالة على حالة الانتقال ''ومذ غنمنا...''، وعرضت الأبيات وصفاً للمنازل الخاوية، مشوباً برنة من الحزن والأسى، كما ضمنها إشارة إلى الشيخ أحمد بن رزق، الشخصية المرموقة آنذاك والمتوفى في 1224هـ/1809م، وقد انتقل الشيخ أحمد بن محمد بن رزق يرافقه الشيخ سلمان بن أحمد بن محمد آل خليفة وأهل الزبارة من مدينة الزبارة إلى مدينة جو على الساحل الشرقي للبحرين في عام 1799م، وأنشأ بها مساجد وبركاً عظيمة لخزن المياه غاية في القوة والإحكام، كما شيد بها قصوراً شامخة، ثم نزح عنها إلى البصرة في عام 1801م بعد احتلال سلطان عمان للبحرين.
وتمثل الطبطبائي كل هذه الأحداث وهو ينظم أبياته، كما ضمنها ثناء أشاد فيه بأخلاق أهلها، وما تحلوا به من كرم وعفة ونقاء سريرة وشجاعة وإباء، ووقف موقفاً مغايراً من صنف آخر من أهل جو ووسمهم بالخيانة وذمهم وعلل ما أصابهم من تمزق بغدرهم وقلة وفائهم، وما نجم عن ذلك من رحيل زعمائهم وأخيارهم حيث قال:
قضى عليها الدهر بالخراب
حتى غدت مساكن الضباب
وذاك أمر الله حيث أحكمه
بدا بأهلها اختلاف الكلمه
وبعض أهليها نحى الخيانه
بغياً بلا جرمٍ ولا امتهانه
وقد أشار عبدالجليل الطبطبائي إلى الأطلال الموجودة في جو كما وصفها القبطان بروكس بأنها أطلال لمدينة كبيرة، حيث قال الطبطبائي التالي عن تلك الأطلال:
دار لربات الحجال الخرد
من كل هيفاءِ بقدً أميد
ذات اللمى المعسول والثغر الشنب
وعقربٍ الصدغ لمضناها تدب
ترسل من شعورها أفاعيا
تنهش قلب الصب وهي ما هيا
فأصبحت أطلالها تسائل
أين الدمى وهاتك الخلاخل؟
(6) الساحل الغربي للبحرين
يظهر الساحل الغربي للبحرين بأنه مليء بأشجار النخيل، وكما تظهر أيضاً قلعتان على شكل(X) واحدة في الجسرة والأخرى في صدد حيث يصف القبطان بروكس إسمها ''صدو بوقاشي'' (Sadoo Boo Gafhy) أي صدد بقيشي&#
صفحة تعنى بتاريخ البحرين والخليج العربي للتواصل مع صاحب المدونة basharalhadi58@gmail.com
الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010
في دراسة ترصد وضع البلاد مع بداية حكم آل خليفة بقلم أحمد خليفة البنعلي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي
القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...
-
موقع الحاج محمد المتروك من تجار الكويت يحتوي على الكثير من الوثائق القيمة والمراسلات انظره على هذا الرابط http://bin-matrook.com/gallery/mai...
-
أسماء نواخذة البحرين مرتبين على حروف المعجم بين عامي (1920-1960) هذه قائمة بأسماء النواخذة التي عثرنا عليها من خلال وثائق البلدية إ...
-
شيخ قبيلة النعيم راشد بن مهنا النعيمي (1266هـ-1338هـ)(1850م-1920م) هو: شيخ قبيلة النعيم، وعُمدة حالة النعيم، تاجر اللؤلؤ المشهور، الشيخ راشد...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق