الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

ورحل عبدالله الغانم رجل الأمن المخلص والمؤرخ الدؤوب

ترجل فارس من الفرسان الذين ولدوا في كنف الأمن العام وتربوا وترعرعوا في حضنه الدافئ وتنقلوا في موانئه ومراسيه منذ نعومة الأظافر وميعة الصبا، وتنسموا الأمان والطمأنينة والسلام والسكينة حتى قوي عوده وارتوى بحب الأمن وشب على العقيدة الأمنية. اختزن كل ذلك في ذاكرته وذكرياته وهو يستعرض ما تتمتع به مملكة البحرين من استقرار نضجت عليه مداركه، وتفتح وعيه على أهمية الشرطة ودورها في إرساء الأمن وغرس الطمأنينة في القلوب وفرض سيادة القانون والحفاظ على النظام العام في سائر البلاد.
وظل هذا الواقع يكبر ويتسع في نفسه ويراود عقله ويسكن وجدانه وما أن عرف القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية قاده شغفه بالشرطة إلى متابعة أخبارها وتوثيق كل ما تقع عليه عيناه من معلومات عنها.
تخطى مرحلة الولع والإعجاب بدور الشرطة ودخل في ذات التوجه إلى تطلعات أخرى دفعه إليها حافز آخر أجج فيه رغبة العمل في سلك الشرطة عندما يصل السن العمرية التي تمكنه من الالتحاق بهذا العمل، ذلك أن والده الذي كان يعمل نوخذة يمخر بالسفينة عباب البحر وحاز في عمله على الكثير من الشهادات والتحق بأحد أجهزة الشرطة وتحديدًا شرطة خفر السواحل ما شجعه أكثر على الإصرار على العمل في سلك الشرطة. انه الملازم متقاعد عبدالله خليفة الغانم الذي توفى إلى رحمة الله بعد عمر قضاه في خدمة بلاده من خلال حماية أمنها والسهر على سلامة المواطنين والمقيمين وتأمين الحراسة على ممتلكاتهم ومقدرات الوطن.
وكانت أول محطات عمله بعد التحاقه بالشرطة هي العمل بقسم يعتبر عصب العمل الأمني ألا وهو قسم الاتصالات الذي كان من أول المؤسسين له وخلال عمله ابتعث في دورة لسنتين بمدرسة السلاح الملكي للجيش العربي الأردني ثم عاد ليواصل العمل الذي بدأه في قسم الاتصالات بعد الدورة التي تلقى فيها من العلوم الأمنية والشرطية والتقنية من خبراء ومختصين في منظومة عسكرية عربية عريقة ما صقل مهاراته الذاتية وأهله ليكون شرطيًا فاعلاً ومنتجًا ومؤثرًا في الموقع الذي يوكل إليه العمل فيه.
وعن عمله في قسم الاتصالات أبلى بلاء حسنًا وبذل جهودًا حثيثة مع ثلاثة من زملائه فكان العمل في كل القسم يسير بطاقاتهم في تجهيز الأمن العام بكافة أجهزة الاتصالات السلكية في كل المواقع ولجميع الدوريات في البر والبحر والجزر.
وظل يعمل بهذا القسم على مدى 15 سنة انتدب في احدى فتراتها من رئيس القسم لتدريب الشرطة وإلقاء المحاضرات عن أجهزة الاتصالات ثم انقطع عن العمل بسبب استقالة اضطرارية ولفترة وجيزة عاد بعدها لمواصلة مشوار عمله في الأمن العام بنفس رتبته وراتبه ومدة خدمته لينقل إلى إدارة القوة الخاصة مسؤولا عن التعليم وذلك لمدة 15 سنة أنجز خلالها تعليم الكثير من الأميين في 70 دورة تضم بين 50 إلى 70 شخصا.
وكانت وجهته الأخيرة إدارة العلاقات العامة التي نقل إليها حيث كان يؤدي كل ما يطلب منه من أعمال بكل تفانٍ وإخلاص وتقاعد تقاعدًا مبكرًا لكن الحنين يراوده للعودة للعمل فهو يعاني من فراغ كبير لابتعاده عن العمل الأمني وفق ما قاله لـ "مجلة الأمن" في آخر لقاءاته مع الصحافة وهو ما يؤكد مدى حبه للأمن وحرصه على خدمة وطنه ومواطنيه من خلال هذا المرفق حتى آخر أيام عمره.
ويصف الملازم المتقاعد الراحل عبدالله الغانم الأمن في ذلك اللقاء فيقول انه في تطور مستمر وعين ساهرة ويشهد تقدمًا علميًا وعمليًا وتقنيا وان قياداته تهتم به كاهتمامها بأنفسها، مؤكدًا أن هذا ليس مدحا أمام حقيقة مؤداها أن الأمن أصبح ركيزة هامة في البحرين يحتل موقعا استراتيجيا ومؤثرًا في مسيرة التنمية والتطور العامة في البلاد فهو حماية للاستقرار الداخلي وهو سند وعضد لكل بلدان دول الخليج العربي.
وعبدالله خليفة الغانم كان رجلاً عصاميًا وطاقة متأججة ومتجددة وشعلة من النشاط لم يوجهها للعمل الأمني فقط وإنما هدته هوايته التي بدأها وهو صغير في المدرسة الابتدائية بجمع مفردات تاريخ الشرطة في البحرين، هدته لتوسيع مظلة هذه الهواية لجمع مفردات الأحداث في البحرين ولم يتردد في جمع تلك الوقائع والاحتفاظ بقصاصات الأخبار الموثقة في الصحافة والمراجع المختلفة وتوثيق ما يُروى على ألسنة صناع تلك الأحداث أو الذين عايشوها.
كل هذا لم يشبع طموحاته وتطلعاته كبحريني أولاً وكخليجي ثانيًا بعد أن وجد حب الاهتمام بالتاريخ في المنطقة طريقه إلى قلبه فتملك وجدانه فأخذ يجمع مادة التاريخ الخليجي.
وكان الغانم قد قال في اللقاء المشار إليه أنه لا يعمل لنفسه ولكن من أجل بلده البحرين وشقيقاتها التي تكّون مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
عبدالله الغانم.. رجل الأمن والمؤرخ هو عضو في اتحاد المؤرخين العرب.. وعضو جمعية تاريخ وآثار البحرين وعضو الملتقى الثقافي الأهلي وعضو جمعية مكافحة التدخين وعضو جمعية البحرين للطوابع وعضو نادي مدينة عيسى.. وقادته علاقته بالإعلام إلى تقديم برامج إذاعية.. وألقى العديد من المحاضرات وحضر الكثير من الدورات التي تنصب حول التاريخ العربي والخليجي وجمع مادة المأثور الشعبي.. ومن إصداراته: آل خليفة وآل سعود وآل صباح وغزو الكويت من التخطيط إلى التنفيذ، المسألة التاريخية للجزر العربية المحتلة "أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى".
المقدم محمد بن دينة مدير إدارة الإعلام الأمني قال إن المغفور له بإذن الله تعالى عبدالله الغانم كان من رجالات البحرين الأوفياء، والذي لا يمكن اختزال تاريخه وسيرته العطرة في كونه رجل أمن فقط، وإنما عمل من خلال فكره النير وحبه الجارف لوطنه وأهله على ارتياد درب التضحية من أجل رفع اسم البحرين عاليا خفاقا.
فقد كان عبدالله الغانم، مواطنا غيورا على وطنه ومؤرخا من الطراز الأول، صاحب رؤية وطنية ترسخت على مدار عمره الممتد، فكانت مؤلفاته الوطنية والتاريخية والتي منها "أضواء على تاريخ العتوب (1671م – 1990م) آل خليفة وآل صباح وآل سعود" بالإضافة إلى كتاب "جوانب من تاريخ الشرطة في البحرين" متضمنا وثائق وصور مهمة متعلقة بتاريخ الشرطة.
وقد عملت مع الراحل في إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية حيث عرفته عن قرب ووجدته رجلا عصاميا بمعنى الكلمة، لم يتردد في مساعدة أي أحد، لم يتوان عن إسعاد الآخرين طوال حياته، كان همه الأول والأخير أن يترك بصمة يسجلها له وطنه، فأخذ يجمع البيانات والمعلومات ويسجلها تدريجيا حتى أعد أرشيفا هائلا، مكنه من الكتابة الموثقة عن تاريخ الشرطة البحرينية، وكان أول من كتب في هذا المجال، وبالتالي فإنني أعتبره مؤرخ الشرطة البحرينية.
انظر

http://alayam.com/newsdetails.aspx?id=16124

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي  بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...