السياسي" ـ بندر السليمان
ينظر العديد من المثقفين والناشطين في حقوق الإنسان والداعين للمساواة في السعودية إلى الموجة الهائلة من التعصب العرقي المتصاعد في السعودية نظرة عاجزة ومتشائمة. فهم غير قادرين إطلاقاً على نشر وعي من أي نوع لتنوير المجتمع بخطأ وخطورة التعصب للقبيلة والعائلة على الشخص ذاته، وعلى المجتمع والوطن بأكمله.ولكن على الرغم من أن الصحف السعودية نشرت العديد من المقالات التي تنتقد تصاعد هذه الظاهرة وتستعين بآيات قرآنية وأحاديث دينية تحارب فكرة التعصب العرقي، إلا أن أعداد المتعصبين القبليين في تصاعد، وتكاثرت المواقع التي تمجد القبائل والعوائل لتصل إلى أكثر من 3000 موقع، وانتشرت حفلات التفاخر العرقي التي يحضرها الكبار والصغار من القبيلة أو العائلة ذاتها.يقول أحد المعلقين بنبرة محبطة :" السعوديون يهتمون كثيراً بالقران الكريم والسنة المطهرة ويطيعون أوامرها إلا في هذه القضية. على الرغم من وجود أحاديث صريحة مثل حديث الرسول الشهير" دعوها فإنها منتنة" إلا أن أحداً لم يطبقه. المتعصبون يمكن أن يطيعوا الله ورسوله إلا في مسألة أصولهم".في الواقع ان مسألة التعصب العرقي، بحسب جميع المؤشرات، في تصاعد كبير الأمر الذي تجاوز مسألة التفاخر اللفظي إلى قاعات المحاكم حيث تزايدت شكاوى تفريق الأزواج بدعوى عدم تكافؤ النسب. كما انتشرت المعارك التي انتهت بالقتل بسبب التعصب القبلي، وتنشر بشكل مستمر على مواقع النت مقاطع مصورة لمجموعات قبيلة مهتاجة وهي تلاحق أحد الأشخاص وتضربه وتهينه بسبب أصوله.أمام هذه المشكلة الخطيرة المتصاعدة ككرة ثلج، يقف هؤلاء المهتمين وهم لا يعرفون كيف يحلون هذه الإشكالية بطريقة ثقافية نقدية.مؤخراً طرح الناقد الثقافي المعروف عبدالله الغذامي كتابا يعالج هذه الأزمة من ناحية ثقافية ولكن على الأرجح أن كتابه لن يتعدى كونه كتاباً نخبوياً لن يكون له تأثير كبير. ولكن إذا كان المفكرين والعلوم الإنسانية قد فشلوا في معالجة هذه الأزمة فربما يكون الأطباء والعلوم الدقيقة العلاج الفعال لهذا الوضع المتعصب المتفجر.فقد انتشرت مؤخراً في عدد من الدول ومن بينها السعودية، على نحو محدود، ظاهرة كشف الجذور العائلية من خلال إجراء كشف سريع وبسيط على لعاب الشخص يظهر من خلاله الحمض النووي D N A الذي يكشف بطريقة مؤكدة إلى أين تنتهي جذور المتعصبين، الأمر الذي قد يخفف من غلوائهم وتزمتهم.يرى الكثيرون أن هذا الاكتشاف العلمي قد يساهم في تخفيف حالة الاحتقان الكبير لدى هؤلاء الناس عندما يجرون فحصاً للحمض النووي ويكتشفون أنهم ليسوا أرقى عرقياً من الآخرين كما كانوا يعتقدون في السابق.يقول الباحث الاجتماعي زيد الفضل لـ"السياسي" :" في العادة فإن القضايا الاجتماعية أو الدينية تحل بالطرق الثقافية وليس بالطب أو الفيزياء، ولكن في هذه القضية يمكن أن يساعد العلم في قول كلمته وتخفيف هذه الأزمة المتفاقمة بتفريغها من الوهم".يوجد في السعودية عدد محدود من العيادات التي تقوم بفحص سري بسعر لا يتجاوز الـ300 ريال سعودي لـdna ويكشف لصاحب العينة بعد أيام أين تكمن جذوره قبل أكثر من 5000 سنة.التجارب التي أجريت كشفت عن مفاجآت كبيرة بحسب ما تحدث البعض عن وجود أصول متنوعة كثيرة داخل السعودية منها القوقازية والبربرية والأفريقية وحتى الأوروبية.هذه التجربة الهامة أجراها عدد كبير من المشاهير في الخارج مثل المذيعة الأمريكية أوبرا وينفري التي أعلنت أن أصولها تعود إلى غينيا.كما أن الرئيس الليبي معمر القذافي قد طالب في احدى دعواته الكوميدية الشهيرة أن يتم إجراء فحص الـdna على كافة الشعب الإيطالي حتى يتم تحديد أصحاب الأصول الليبية.يرى البعض أن كشف الحمض النووي عندما يتم فرضه على نطاق واسع في السعودية سيهدأ ويخفف من موجة التعصب القبلي وقضايا تكافؤ النسب عندما يكشف للجميع بطريقة لا تقبل الشك أن الجميع متشابهون وينتمون لسلالات بعيدة، ولا وجود فعلا لتصنيفات تشرذم المجتمع السعودي مثل كلمات " القبيلي" و"الخضيري" التي تنتشر حتى لدى الطبقات الأكثر تعليماً.ولكن في المقابل هناك من يخشى أن يتسبب مثل هذا الكشف في تفجير أزمة كبيرة داخل البلد عندما يؤدي الكشف إلى زعزعة الكثير من الأصول القبلية، الأمر الذي ربما يخلق صراعات حتى داخل القبيلة ذاتها.يقول أحد المعلقين لـ"السياسي" :" إذا لم يصدق المتعصبون كلام الله، فهل يمكن أن يصدقوا التجربة العلمية التي يجريها طبيب حليق الذقن" ويضيف :" لكن هذا يمكن أن يخلف وراءه شكوكاً عميقة تشرذمهم نفسياً. إنك تدنس بذلك أكثر نقطة مقدسة داخلهم. عندما تدنس المقدس فيجب أن تتوقع الغضب والعقاب".من المؤكد أن التثقيف والتوعية الهزيلة في السعودية نحو هذه الأزمة لن يقوم بحل حقيقي وسريع. أما الـdna فقد يجلب حلا سريعا ولكن قد يخلف وراءه الكثير من الكوارث التي تضرب استقرار المجتمع النفسي. إنها مشكلة محيرة ومعقدة وحساسة. لهذا يشعر الجميع أمامها بالحيرة التي يخالطها خوف من شررها المتطاير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق