وثائق سرية إنجليزية أفرج عنها أخيرا عن محاولات للحكومة البريطانية لشراء رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم وتقديمها كهدية للعاهل السعودي الراحل الملك فيصل لكسب وده وإثنائه عن موقفه في ما يتعلق باستخدام النفط كسلاح ضد الغرب إبان حرب أكتوبر عام 1973. وفجرت الوثائق البريطانية مفاجأة أخرى وهي إن الحكومة المصرية وقتها دخلت طرفاً في معركة الحصول على الرسالة، وكذلك حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة السابق الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان. وتأكدت الحكومة البريطانية بناء على دراستها للخط والجلد الذي كتبت عليه الرسالة من أن رسالة النبي إلى هرقل أصلية، وبالتالي من الممكن استخدامها للمساومة أو عرضها للبيع بأسعار خيالية.
ثمة محاولات أخري لتتبع رسائل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك والأمراء والولاة في المتاحف الإسلامية والعالمية، وعبر المجموعات التي يقتنيها بعض المهتمين من المسلمين والغربيين.. فما حكاية هذه المحاولات ؟ وأين هي رسائل النبي «صلى الله عليه وسلم» الآن ؟ ولماذا يدعي الكثيرون امتلاكهم لها؟ وما مدى صحتها؟محتويات الوثائق البريطانية التي أُفرج عنها أخيرا، تشير إلى مناقشات جادة في الحكومة البريطانية حول أهمية امتلاك رسالة النبي «محمد» صلى الله عليه وسلم وتوظيفها سياسياً في معركة النفط. وتكشف هذه الوثائق التي أفرجت عنها المخابرات البريطانية وسمحت للصحف بنشرها عن محادثات سرية تمت في هذا المجال بين أركان الحكومة البريطانية نلخصها في ما يلى: 1- من الواضح أن هناك أربع وثائق في العالم اليوم يقال إنها الصورة الأصلية من حوالي سبعين رسالة بعث بها النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» إلى شخصيات مرموقة يدعوهم فيها لاعتناق الإسلام. اثنتان من هذه الرسائل على قدر معقول من التوثيق أو الصدقية، إحداها في حوزة الحكومة التركية والثانية بحوزة أيد خاصة في بيروت فيما هناك قناعة عامة بأن الرسالة الثالثة مزيفة. أما الرابعة الموجهة إلى الإمبراطور هرقل فهي في حوزة أرملة ملك العراق فيصل الثاني، وهي تنوي بيعها ومن الواضح أن الحكومة المصرية ظلت تحاول الحصول عليها لبعض الوقت وعرضت على أرملة فيصل الثاني معاشاً في مقابلها ولكنها رفضت، وهناك الشيخ زايد على الخط أيضاً. 2- يقول اللورد جون كير إن هناك من عرضوا الرسالة لاختبارات أولية وقالوا إنها وإلى حد ما أصلية: اختبارات عمر الورقة وجلدها إلخ.. في ما سيتم في القريب الاختبار النهائي على الخط نفسه، وسيقوم بهذا البروفيسور بيستون من جامعة إكسفورد ليقرر ما إذا كانت الرسالة أصلية، وإذا لم تكن كذلك فسيسقطون كل الفكرة. 3- إذا قرروا أنها أصلية فإنهم يريدون منا أن نضع في اعتبارنا أمر حيازتها فيما سيكون الأمر وببساطة بيعاً خاصاً وبلا منافسة. فكرة اللورد جون هي إن بوسعنا اعتبار التعويض السياسي لهذه الرسالة، وقال بتقديمها للملك فيصل «العاهل السعودي الراحل» كحارس للمناطق المقدسة. وقال إنه ربما يعتقد أن من الممكن لمثل هذا المسعى أن يكون جيداً في المناخ الحالي لقرارات الحظر في النفط إلخ... وبالتالي إننا سنضع الاقتراح قيد الاعتبار من الوجهة الافتراضية في انتظار البحوث حول موثوقية الرسالة. 4- وردَّ صاحب الاقتراح بشراء الرسالة النبوية: سأكون ممتناً إذا حصلت على رد وتعليقات، وأرجو التشاور مع أي إنسان تأنس فيه الكفاءة، وبوسعي أن أرى أن بوسعنا الحصول على مجد وشهرة لدى الملك في صل إذا اشترينا الرسالة وسلمناها له فوراً كإيماءة من بريطانيا للعالم الإسلامي. ولكن ليست لدي فكرة حول المبلغ الذي يمكن أن يتقاضاه منا عملاء مؤسسة سوثبيز «دار المزادات» مقابل الوثيقة وعلينا أن نكون متأكدين جداً من حصولنا على قيمة المبلغ في قياسه بمصالحنا القومية. وهناك مآزق بديهية أو مؤكدة فمثلاً: هل سيشعر الملك فيصل بالغضب من تلقيه أثراً إسلامياً مقدساً كهذا من أيدي أجانب؟ وهل سيغضب المصريون إذا ما أحبطنا محاولاتهم في الحصول على الرسالة. وهل سينطبق نفس الموقف على الشيخ زايد؟ 5- وردت الحكومة البريطانية بأنه إذا ما كانت الرسالة أصلية فإن المبلغ النهائي لشرائها سيكون رقماً فلكياً، وحتى إذا حصلنا على الموافقة على أموال كافية لشرائها، فتقديمها للملك فيصل سيسبب - حسب اعتقادي - مصاعب جمة مع المصريين والشيخ زايد، وربما يثير غضباً لدى رؤساء الدول بمن فيهم شاه ايران. وربما نجد أنفسنا أيضاً متورطين في جدل مع العراقيين حول التبعات القانونية للرسالة وباختصار، أعتقد أن هذه الفكرة خيالية. وظلت الحوارات دائرة في أروقة الحكومة البريطانية حول كيفية التعامل مع الرسالة النبوية حتى استقرت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في يد أحد الأمراء العرب، وردد البعض أنها موجودة الآن في الأردن.. رحلة رسائل النبيوثمة رحلة طويلة لبقية رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء والولاة في العالم، حيث تقتني بعض المتاحف، ويحتفظ عدد من الأشخاص ببعض هذه الرسائل التي وصل عددها حسبما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى إلى مئة كتاب وعشرة كتب، أرسلها رسول الله إلى مستويات مختلفة من البشر من عرب وغير عرب من ملوك وحكام ورؤساء أديان وقبائل، حتى بعض الخارجين على المجتمع الفارين منه لم تهملهم هذه الكتب، ولم تتغافل عن أوضاعهم وظروفهم، والدوافع التي حدت بهم إلى اعتزال مجتمعاتهم والخروج على تقاليدها. ونحن سنتتبع أشهر هذه الرسائل منذ صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم مروراً بوصولها إلى المُرسلة إليـه، وحتى استقرارها الآن سواء في المتاحف أو في يد بعض المهتمين باقتناء البرديات والأعمال التاريخية.فبعد انتشار دعوة الإسلام واستقرار الدولة الإسلامية بعد صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش التي اعترفت بالكيان الإسلامي وهادنته عشر سنوات، اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تعريف العالم من حوله برسالة الإسلام استجابة لنداء الحق: « قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً» وهو ما يسمى بعالمية الدعوة، فكتب النبي برسائل على كل الكيانات السياسية والإنسانية والدينية والملوك والحكام في جزيرة العرب وخارجها في مصر والحبشة وبلاد الروم وفارس.. وحتى «صعاليك» العرب كتب اليهم برسائل ليعرفهم بالإسلام ويدعوهم إلى الإيمان بهذا الدين الجديد. كسرى ملك الفرس مزق رسالة النبي واحتفظ المقوقس حاكم مصر بكتاب النبي إليه وعثر على هذه الرسالة في أحد الأديرة بمدينة أخميم التابعة لمحافظة سوهاج المصرية «450 كيلو جنوب القاهرة»، وكرَّم هرقل ملك الروم رسالة النبي أفضل تكريم حتى وصلت إلى الأندلس ومازالت تتداولها الأيدي. وأسلم النجاشي ملك الحبشة عندما قرأ رسالة النبي واحتفظ بها حتى وصلتنا. ففي المحرم من السنة السابعة للهجرة، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى رسائله إلى العالم الخارجي من حوله، ليعرف بالإسلام ثم تتابعت رسائله حتى آخر حياته صلى الله عليه وسلم. وقد أوردت معظم كتب السيرة والتاريخ نصوص معظم هذه الرسائل إلا أن أشهرها ست رسائل بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك العالم وهم: النجاشي ملك الحبشة. وحمـل الرسالة إليه عمرو بن أمية الضمري، وقيصر إمبراطور الروم وحملها إليه دحية بن خليفة الكلبى، وكسرى ملك الفرس وحملها إليه عبد الله بن حذافة السهمي، المقوقس حاكم مصر والإسكندرية وحمل رسالته حاطب بن أبي بلتعة، والحارث بن أبي شمر الغساني وبعث إليه شجاع بن وهب الأسدي، وهوذه بن علي الحنفي وبعث إليه سليط بن عمرو العامري. ورغم هذا، فإن ابن سعد في طبقاته قد أحصى كتاب وعشرة بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والحكام ورؤساء القبائل والتكتلات الدينية والجغرافية يدعو فيها إلى الإسلام، ويبين شرائعه وتعاليمه. ويذكر منها - بالإضافة إلى الرسائل الشهيرة - رسالة النبي إلى الخارجين على مجتمعاتهم وقبائلهم الذين خرجوا على تقاليدها إما رفضاً لقوانين القبيلة وإما تمرداً على الظلم والجور الذي كان يُمارس ضد الضعفاء ومن لا سند لهم، فبعث هؤلاء الذين عرفوا فيما بعد باسم «الصعاليك» وفداً منهم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلمس فرصة للعفو في ظل المساواة التي أرساها رسول الله بين المسلمين، فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب عفو عام سماهم فيه عباد الله العتقاء، وقال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لعباد الله العتقاء، إنهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فعبدهم حر ومولاهم حر، ومن كان منهم من قبيلة لم يُرد إليها، وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم، وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم، ولا ظلم عليهم ولا عدوان، وإن لهم على ذلك ذمة الله وذمة محمد والسلام عليكم، وكتب أبي بن كعب ونلاحظ هنا أن رسول الله صلى» الله عليه وسلم سمى هؤلاء الصعاليك بالعتقاء ليمحوا اسماً آخر ظل لصيقاً بهم وهو «قُطَّاع الطرق » كما أنه صلى الله عليه وسلم أعطاهم ذمة الله ورسوله ليصبح العفو عنهم والتسامح في عودتهم إلى مجتمعاتهم قضية دينية يأثم مُخالفها أو من يقوم بالاعتداء على هؤلاء العتقاء ثأراً من ماضيهم. وكثير من الرسائل والكتب التي يذكرها ابن سعد كتبها رسول الله إلى القبائل والملوك والحكام تبين لهم واجباتهم وتشرح لهم أهمية اعتناق دين الإسلام.. وفهم مبادئه، وتشير تلك الرسائل إلى أنه كان للنبي «ديوان » يجلس فيه «الكتاب » لكتابة الوحي أو الرسائل التي يرسلها النبي إلى أمراء سراياه وإلى ملوك الدول المجاورة. وبدأ الأمر بكتابة الوحي فكان يتلقي القرآن عن النبي ويكتبه في الصحف عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، فإن غابا كتب أُبي بن كعب وزيد بن ثابت الذي ذكرت مصادر كثيرة بأنه كان ألزم الصحابة لكتابة الوحي. أما كتاب رسائله الشريفة فقد وصلوا إلى أكثر من خمسة وعشرين كاتباً منهم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعامر بن فهيرة وعبد الله بن الأرقم وأُبي بن كعب وثابت بن قيس بن شماس وخالد بن سعيد بن العاص وأخوه حيان، وحنظلة بن أبي عامر الأسدي، وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبدالله بن أبي سلول، والزبير بن العوام والمغيرة بن شعبة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبدالله بن رواحة وعبدالله بن سعيد بن أبي السرح وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والعلاء بن الحضرمي، وحويطب بن عبدالعزي العامري. وكل كتاب رسائله صلى الله عليه وسلم نماذج حية في الأمانة والاستقامة والتقوى، وكانوا موضع ثقة النبي إلى حد أن عبدالله بن الأرقم كان يرد على رسائل الملوك ورؤساء القبائل نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يختم النبي الرسالة بخاتمه الذي كان منقوشاً عليه اسمه: محمد رسول الله، ويرسلها دون أن يقرأها. بل إن الخاتم نفسه كان في رعاية أحد كتابه الذي كان يُسمى «صاحب الخاتم» ويقوم بحفظه عندما يخلعه عليه الصلاة والسلام. وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يعهد بخاتمه الشريف إلى مُعيقب بن أبي فاطمة أو إلى حنظلة بن الربيع بن صيفي.ويذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ عدة خواتم منها: خاتم. من ورق، فَصّه حبشى، ونقشه «محمد رسول الله»، فجعل فصَّه في باطن كفه، وخاتم من حديد ملوياً عليه فضة يلبسه في يمينه أو في يساره. ثم انتقل الخاتم النبوي الذي كان تُختم به الرسائل، إلى يد أبي بكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إلى يد عمر بن الخطاب، ومنه إلى يد عثمان بن عفان وبينما هو يحفر بئراً لأهل المدينة يقال لها بئر أريس وهو جالس على شفتها سقط الخاتم في البئر وكان عثمان يخرج خاتمه من يده كثيراً، فراحوا يبحثون عنه ثلاثة أيام في البئر فلم يجدوه. دور اليهودرغم أن الوثائق السرية البريطانية تؤكد صحة رسالة النبيً إلى هرقل ملك الروم، فقد ظهر من يشكك في وجود رسائل للنبي صلى الله عليه وسلم من أساسه، بل ويتهم اليهود بأنهم زوروا مثل هذه الرسائل ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كحيلة من حيلهم القائمة على الطعن في مصداقية الإسلام.ويقول الدكتور سعيد مغاوري محمد رئيس قسم البرديات العربية والإسلامية بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة: هناك بعض الباحثين الذين يشككون في وجود أية آثار مكتوبة ترجع إلى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل عكف عدد آخر من الباحثين من مستشرقين وعرب على دراسة هذه الرسائل أمثال بيكرر واملينو وفون كاراباتشيك وكيتاني وحميد الله وغيرهم. وهناك بعض الباحثين اعتقد بأن مثل هذه الرسائل مزيفة بسبب عدم وجود اسم الكاتب «كاتب الرسالة»، هذا بالإضافة إلى خلوها من اسم حاملها وهناك بعض الأخطاء الإملائية في عدد منها. وأضاف د. سعيد قائلا هناك مجموعة أخرى من الباحثين ذكرت بأن مثل هذه الرسائل ربما كانت إحدى الخدع اليهودية الماكرة لمحاربة الدين الإسلامي فسعوا إلى نسبتها للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفي الواقع إن مثل هذا الأمر لم يكن مستبعداً عن ألاعيب اليهود. فقد روى ياقوت الحموي إن اليهود أظهروا كتاباً ادعوا أنه من النبي صلى الله عليه وسلم، يُسقط فيه الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة وأنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرضه رئيس الرؤساء على أبي بكر الخطيب فقال هذا مزور فقيل له من أين لك ذلك ؟ قال في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان الذي أسلم يوم الفتح وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق في سنة خمس فاستحسن ذلك منه. وأكد د. سعيد: أنه من خلال دراستي لهذه الرسائل جميعها لاحظت إن أهمها هي الرسائل الأربعة التي وجهت إلى المنذر بن ساوي - النجاشي - كسرى - المقوقس، حيث أثبت العديد من الباحثين صحة هذه الوثائق ونسبوها جميعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. بالإضافة إلى هذا، فإن كتب السيرة والتاريخ الإسلامي أثبتت أن كتابة الرسائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت عملية مقننة حتى أنه يمكن القول بأنه كان هناك ديوان للنبي عليه الصلاة والسلام، انتظم في تولي الرد على الرسائل الموجهة من وإلى النبي صلى الله عليه وسلم وتحريرها وترجمتها من لغتها الأجنبية إلى العربية. يقول زيد بن ثابت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تأتيني كتب ولا أحب أن يقرأها أحد، فهل تستطيع أن تتعلم العبرانية » ؟ فقلت: نعم يا رسول الله، فتعلمتها في سبع عشرة ليلة. وكان زيد مترجم رسول الله بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية فضلاً عن السريانية، وقد تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن. إلا إن النبي صل« الله عليه وسلم لم يرسل رسالة أو يملي عهداً أو ميثاقاً سوى باللغة العربية، لغة القرآن التي بيانها سحراً، على الرغم من أنه كان هناك من يجيدون لغة الأقوام المحمولة إليهم الرسائل، لكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخاطب أحداً إلا بلغته هو.. العربية. أما عن أدوات الكتابة التي كانت تكتب بها الرسائل في «الديوان النبوي» فقد اتخذوا من القصب أقلاماً للكتابة، وكانوا يصنعون الحبر من مسحوق الفحم المذاب في سائل لزج كالصمغ أو نحوه. وكانوا يكتبون على الرق الذي يصنع من جلود صغار العجول والحملان والغزلان والجداء. كما كتبوا على الأقمشة وبخاصة النسيج المصري المصنوع من خيوط الكتان، وكان يسميه العرب القباطى نسبة إلى أقباط مصر. وبعدها يختار النبي السفراء لحمل رسائله إلى العالم عملاً بعالمية الإسلام. والواضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء السفراء بالذات، كان عن وعي تام بصفاتهم الخلقية والثقافية والدينية، وسوف نتكلم عن كل سفير على حدة عند الحديث عن الرسالة التي حملها. إلا أننا سنتوقف عند توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم للسفراء قبل إرسالهم. فقد كان صلى الله عليه وسلم يرسم للسفراء ماذا يصنعون؟ كأنه حاضر معهم مُطلع على الأحوال والظروف التي يتعرضون لها أو يواجهونها. فقد سجل ابن سعد في طبقاته تلك الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلي الله عليه وسلم رسوله يتماشي بن أبي ربيعة المخزومي «الذي حمل رسالة إلى ملوك حمير أبناء بني عبد كلال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم»: إذا جئت أرضهم فلا تدخلن ليلاً حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طهورك، وصلِّ ركعتين، وسل الله النجاح والقبول، واستعذ بالله، وخذ كتابي بيمينك وادفعه بيمينك في ايمانهم فإنهم قابلون، واقرأ عليهم: «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة، رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة» فإذا أفرغت منها فقل، آمن محمد وأنا أول المؤمنين، فلن تأتيك حجة إلا دحضت، ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره، وهم قارئون عليك، فإذا رطنوا، فقل: ترجموا، وقل حسبي الله آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير. فإذا أسلموا فسلهم قضبهم - جمع قضيب - الثلاثة التي إذ حضروا بها سجدوا، وهي من الأنل، قضيب ملمع ببياض وصفرة، وقضيب ذو عجر كأنه خيزران، والأسود البهيم كأنه من سايم، ثم أخرجها فحرِّقها بسوقهم.» وقد أسلم ملوك حمير على أثر دعوة عياش لهم حسب توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وبعثوا بوفد منهم معه كتاب لرسول الله يخبره بإسلامهم.
ثمة محاولات أخري لتتبع رسائل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك والأمراء والولاة في المتاحف الإسلامية والعالمية، وعبر المجموعات التي يقتنيها بعض المهتمين من المسلمين والغربيين.. فما حكاية هذه المحاولات ؟ وأين هي رسائل النبي «صلى الله عليه وسلم» الآن ؟ ولماذا يدعي الكثيرون امتلاكهم لها؟ وما مدى صحتها؟محتويات الوثائق البريطانية التي أُفرج عنها أخيرا، تشير إلى مناقشات جادة في الحكومة البريطانية حول أهمية امتلاك رسالة النبي «محمد» صلى الله عليه وسلم وتوظيفها سياسياً في معركة النفط. وتكشف هذه الوثائق التي أفرجت عنها المخابرات البريطانية وسمحت للصحف بنشرها عن محادثات سرية تمت في هذا المجال بين أركان الحكومة البريطانية نلخصها في ما يلى: 1- من الواضح أن هناك أربع وثائق في العالم اليوم يقال إنها الصورة الأصلية من حوالي سبعين رسالة بعث بها النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» إلى شخصيات مرموقة يدعوهم فيها لاعتناق الإسلام. اثنتان من هذه الرسائل على قدر معقول من التوثيق أو الصدقية، إحداها في حوزة الحكومة التركية والثانية بحوزة أيد خاصة في بيروت فيما هناك قناعة عامة بأن الرسالة الثالثة مزيفة. أما الرابعة الموجهة إلى الإمبراطور هرقل فهي في حوزة أرملة ملك العراق فيصل الثاني، وهي تنوي بيعها ومن الواضح أن الحكومة المصرية ظلت تحاول الحصول عليها لبعض الوقت وعرضت على أرملة فيصل الثاني معاشاً في مقابلها ولكنها رفضت، وهناك الشيخ زايد على الخط أيضاً. 2- يقول اللورد جون كير إن هناك من عرضوا الرسالة لاختبارات أولية وقالوا إنها وإلى حد ما أصلية: اختبارات عمر الورقة وجلدها إلخ.. في ما سيتم في القريب الاختبار النهائي على الخط نفسه، وسيقوم بهذا البروفيسور بيستون من جامعة إكسفورد ليقرر ما إذا كانت الرسالة أصلية، وإذا لم تكن كذلك فسيسقطون كل الفكرة. 3- إذا قرروا أنها أصلية فإنهم يريدون منا أن نضع في اعتبارنا أمر حيازتها فيما سيكون الأمر وببساطة بيعاً خاصاً وبلا منافسة. فكرة اللورد جون هي إن بوسعنا اعتبار التعويض السياسي لهذه الرسالة، وقال بتقديمها للملك فيصل «العاهل السعودي الراحل» كحارس للمناطق المقدسة. وقال إنه ربما يعتقد أن من الممكن لمثل هذا المسعى أن يكون جيداً في المناخ الحالي لقرارات الحظر في النفط إلخ... وبالتالي إننا سنضع الاقتراح قيد الاعتبار من الوجهة الافتراضية في انتظار البحوث حول موثوقية الرسالة. 4- وردَّ صاحب الاقتراح بشراء الرسالة النبوية: سأكون ممتناً إذا حصلت على رد وتعليقات، وأرجو التشاور مع أي إنسان تأنس فيه الكفاءة، وبوسعي أن أرى أن بوسعنا الحصول على مجد وشهرة لدى الملك في صل إذا اشترينا الرسالة وسلمناها له فوراً كإيماءة من بريطانيا للعالم الإسلامي. ولكن ليست لدي فكرة حول المبلغ الذي يمكن أن يتقاضاه منا عملاء مؤسسة سوثبيز «دار المزادات» مقابل الوثيقة وعلينا أن نكون متأكدين جداً من حصولنا على قيمة المبلغ في قياسه بمصالحنا القومية. وهناك مآزق بديهية أو مؤكدة فمثلاً: هل سيشعر الملك فيصل بالغضب من تلقيه أثراً إسلامياً مقدساً كهذا من أيدي أجانب؟ وهل سيغضب المصريون إذا ما أحبطنا محاولاتهم في الحصول على الرسالة. وهل سينطبق نفس الموقف على الشيخ زايد؟ 5- وردت الحكومة البريطانية بأنه إذا ما كانت الرسالة أصلية فإن المبلغ النهائي لشرائها سيكون رقماً فلكياً، وحتى إذا حصلنا على الموافقة على أموال كافية لشرائها، فتقديمها للملك فيصل سيسبب - حسب اعتقادي - مصاعب جمة مع المصريين والشيخ زايد، وربما يثير غضباً لدى رؤساء الدول بمن فيهم شاه ايران. وربما نجد أنفسنا أيضاً متورطين في جدل مع العراقيين حول التبعات القانونية للرسالة وباختصار، أعتقد أن هذه الفكرة خيالية. وظلت الحوارات دائرة في أروقة الحكومة البريطانية حول كيفية التعامل مع الرسالة النبوية حتى استقرت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في يد أحد الأمراء العرب، وردد البعض أنها موجودة الآن في الأردن.. رحلة رسائل النبيوثمة رحلة طويلة لبقية رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء والولاة في العالم، حيث تقتني بعض المتاحف، ويحتفظ عدد من الأشخاص ببعض هذه الرسائل التي وصل عددها حسبما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى إلى مئة كتاب وعشرة كتب، أرسلها رسول الله إلى مستويات مختلفة من البشر من عرب وغير عرب من ملوك وحكام ورؤساء أديان وقبائل، حتى بعض الخارجين على المجتمع الفارين منه لم تهملهم هذه الكتب، ولم تتغافل عن أوضاعهم وظروفهم، والدوافع التي حدت بهم إلى اعتزال مجتمعاتهم والخروج على تقاليدها. ونحن سنتتبع أشهر هذه الرسائل منذ صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم مروراً بوصولها إلى المُرسلة إليـه، وحتى استقرارها الآن سواء في المتاحف أو في يد بعض المهتمين باقتناء البرديات والأعمال التاريخية.فبعد انتشار دعوة الإسلام واستقرار الدولة الإسلامية بعد صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش التي اعترفت بالكيان الإسلامي وهادنته عشر سنوات، اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تعريف العالم من حوله برسالة الإسلام استجابة لنداء الحق: « قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً» وهو ما يسمى بعالمية الدعوة، فكتب النبي برسائل على كل الكيانات السياسية والإنسانية والدينية والملوك والحكام في جزيرة العرب وخارجها في مصر والحبشة وبلاد الروم وفارس.. وحتى «صعاليك» العرب كتب اليهم برسائل ليعرفهم بالإسلام ويدعوهم إلى الإيمان بهذا الدين الجديد. كسرى ملك الفرس مزق رسالة النبي واحتفظ المقوقس حاكم مصر بكتاب النبي إليه وعثر على هذه الرسالة في أحد الأديرة بمدينة أخميم التابعة لمحافظة سوهاج المصرية «450 كيلو جنوب القاهرة»، وكرَّم هرقل ملك الروم رسالة النبي أفضل تكريم حتى وصلت إلى الأندلس ومازالت تتداولها الأيدي. وأسلم النجاشي ملك الحبشة عندما قرأ رسالة النبي واحتفظ بها حتى وصلتنا. ففي المحرم من السنة السابعة للهجرة، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى رسائله إلى العالم الخارجي من حوله، ليعرف بالإسلام ثم تتابعت رسائله حتى آخر حياته صلى الله عليه وسلم. وقد أوردت معظم كتب السيرة والتاريخ نصوص معظم هذه الرسائل إلا أن أشهرها ست رسائل بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك العالم وهم: النجاشي ملك الحبشة. وحمـل الرسالة إليه عمرو بن أمية الضمري، وقيصر إمبراطور الروم وحملها إليه دحية بن خليفة الكلبى، وكسرى ملك الفرس وحملها إليه عبد الله بن حذافة السهمي، المقوقس حاكم مصر والإسكندرية وحمل رسالته حاطب بن أبي بلتعة، والحارث بن أبي شمر الغساني وبعث إليه شجاع بن وهب الأسدي، وهوذه بن علي الحنفي وبعث إليه سليط بن عمرو العامري. ورغم هذا، فإن ابن سعد في طبقاته قد أحصى كتاب وعشرة بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والحكام ورؤساء القبائل والتكتلات الدينية والجغرافية يدعو فيها إلى الإسلام، ويبين شرائعه وتعاليمه. ويذكر منها - بالإضافة إلى الرسائل الشهيرة - رسالة النبي إلى الخارجين على مجتمعاتهم وقبائلهم الذين خرجوا على تقاليدها إما رفضاً لقوانين القبيلة وإما تمرداً على الظلم والجور الذي كان يُمارس ضد الضعفاء ومن لا سند لهم، فبعث هؤلاء الذين عرفوا فيما بعد باسم «الصعاليك» وفداً منهم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلمس فرصة للعفو في ظل المساواة التي أرساها رسول الله بين المسلمين، فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب عفو عام سماهم فيه عباد الله العتقاء، وقال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لعباد الله العتقاء، إنهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فعبدهم حر ومولاهم حر، ومن كان منهم من قبيلة لم يُرد إليها، وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم، وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم، ولا ظلم عليهم ولا عدوان، وإن لهم على ذلك ذمة الله وذمة محمد والسلام عليكم، وكتب أبي بن كعب ونلاحظ هنا أن رسول الله صلى» الله عليه وسلم سمى هؤلاء الصعاليك بالعتقاء ليمحوا اسماً آخر ظل لصيقاً بهم وهو «قُطَّاع الطرق » كما أنه صلى الله عليه وسلم أعطاهم ذمة الله ورسوله ليصبح العفو عنهم والتسامح في عودتهم إلى مجتمعاتهم قضية دينية يأثم مُخالفها أو من يقوم بالاعتداء على هؤلاء العتقاء ثأراً من ماضيهم. وكثير من الرسائل والكتب التي يذكرها ابن سعد كتبها رسول الله إلى القبائل والملوك والحكام تبين لهم واجباتهم وتشرح لهم أهمية اعتناق دين الإسلام.. وفهم مبادئه، وتشير تلك الرسائل إلى أنه كان للنبي «ديوان » يجلس فيه «الكتاب » لكتابة الوحي أو الرسائل التي يرسلها النبي إلى أمراء سراياه وإلى ملوك الدول المجاورة. وبدأ الأمر بكتابة الوحي فكان يتلقي القرآن عن النبي ويكتبه في الصحف عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، فإن غابا كتب أُبي بن كعب وزيد بن ثابت الذي ذكرت مصادر كثيرة بأنه كان ألزم الصحابة لكتابة الوحي. أما كتاب رسائله الشريفة فقد وصلوا إلى أكثر من خمسة وعشرين كاتباً منهم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعامر بن فهيرة وعبد الله بن الأرقم وأُبي بن كعب وثابت بن قيس بن شماس وخالد بن سعيد بن العاص وأخوه حيان، وحنظلة بن أبي عامر الأسدي، وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبدالله بن أبي سلول، والزبير بن العوام والمغيرة بن شعبة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبدالله بن رواحة وعبدالله بن سعيد بن أبي السرح وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والعلاء بن الحضرمي، وحويطب بن عبدالعزي العامري. وكل كتاب رسائله صلى الله عليه وسلم نماذج حية في الأمانة والاستقامة والتقوى، وكانوا موضع ثقة النبي إلى حد أن عبدالله بن الأرقم كان يرد على رسائل الملوك ورؤساء القبائل نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يختم النبي الرسالة بخاتمه الذي كان منقوشاً عليه اسمه: محمد رسول الله، ويرسلها دون أن يقرأها. بل إن الخاتم نفسه كان في رعاية أحد كتابه الذي كان يُسمى «صاحب الخاتم» ويقوم بحفظه عندما يخلعه عليه الصلاة والسلام. وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يعهد بخاتمه الشريف إلى مُعيقب بن أبي فاطمة أو إلى حنظلة بن الربيع بن صيفي.ويذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ عدة خواتم منها: خاتم. من ورق، فَصّه حبشى، ونقشه «محمد رسول الله»، فجعل فصَّه في باطن كفه، وخاتم من حديد ملوياً عليه فضة يلبسه في يمينه أو في يساره. ثم انتقل الخاتم النبوي الذي كان تُختم به الرسائل، إلى يد أبي بكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إلى يد عمر بن الخطاب، ومنه إلى يد عثمان بن عفان وبينما هو يحفر بئراً لأهل المدينة يقال لها بئر أريس وهو جالس على شفتها سقط الخاتم في البئر وكان عثمان يخرج خاتمه من يده كثيراً، فراحوا يبحثون عنه ثلاثة أيام في البئر فلم يجدوه. دور اليهودرغم أن الوثائق السرية البريطانية تؤكد صحة رسالة النبيً إلى هرقل ملك الروم، فقد ظهر من يشكك في وجود رسائل للنبي صلى الله عليه وسلم من أساسه، بل ويتهم اليهود بأنهم زوروا مثل هذه الرسائل ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كحيلة من حيلهم القائمة على الطعن في مصداقية الإسلام.ويقول الدكتور سعيد مغاوري محمد رئيس قسم البرديات العربية والإسلامية بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة: هناك بعض الباحثين الذين يشككون في وجود أية آثار مكتوبة ترجع إلى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل عكف عدد آخر من الباحثين من مستشرقين وعرب على دراسة هذه الرسائل أمثال بيكرر واملينو وفون كاراباتشيك وكيتاني وحميد الله وغيرهم. وهناك بعض الباحثين اعتقد بأن مثل هذه الرسائل مزيفة بسبب عدم وجود اسم الكاتب «كاتب الرسالة»، هذا بالإضافة إلى خلوها من اسم حاملها وهناك بعض الأخطاء الإملائية في عدد منها. وأضاف د. سعيد قائلا هناك مجموعة أخرى من الباحثين ذكرت بأن مثل هذه الرسائل ربما كانت إحدى الخدع اليهودية الماكرة لمحاربة الدين الإسلامي فسعوا إلى نسبتها للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفي الواقع إن مثل هذا الأمر لم يكن مستبعداً عن ألاعيب اليهود. فقد روى ياقوت الحموي إن اليهود أظهروا كتاباً ادعوا أنه من النبي صلى الله عليه وسلم، يُسقط فيه الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة وأنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرضه رئيس الرؤساء على أبي بكر الخطيب فقال هذا مزور فقيل له من أين لك ذلك ؟ قال في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان الذي أسلم يوم الفتح وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق في سنة خمس فاستحسن ذلك منه. وأكد د. سعيد: أنه من خلال دراستي لهذه الرسائل جميعها لاحظت إن أهمها هي الرسائل الأربعة التي وجهت إلى المنذر بن ساوي - النجاشي - كسرى - المقوقس، حيث أثبت العديد من الباحثين صحة هذه الوثائق ونسبوها جميعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. بالإضافة إلى هذا، فإن كتب السيرة والتاريخ الإسلامي أثبتت أن كتابة الرسائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت عملية مقننة حتى أنه يمكن القول بأنه كان هناك ديوان للنبي عليه الصلاة والسلام، انتظم في تولي الرد على الرسائل الموجهة من وإلى النبي صلى الله عليه وسلم وتحريرها وترجمتها من لغتها الأجنبية إلى العربية. يقول زيد بن ثابت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تأتيني كتب ولا أحب أن يقرأها أحد، فهل تستطيع أن تتعلم العبرانية » ؟ فقلت: نعم يا رسول الله، فتعلمتها في سبع عشرة ليلة. وكان زيد مترجم رسول الله بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية فضلاً عن السريانية، وقد تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن. إلا إن النبي صل« الله عليه وسلم لم يرسل رسالة أو يملي عهداً أو ميثاقاً سوى باللغة العربية، لغة القرآن التي بيانها سحراً، على الرغم من أنه كان هناك من يجيدون لغة الأقوام المحمولة إليهم الرسائل، لكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخاطب أحداً إلا بلغته هو.. العربية. أما عن أدوات الكتابة التي كانت تكتب بها الرسائل في «الديوان النبوي» فقد اتخذوا من القصب أقلاماً للكتابة، وكانوا يصنعون الحبر من مسحوق الفحم المذاب في سائل لزج كالصمغ أو نحوه. وكانوا يكتبون على الرق الذي يصنع من جلود صغار العجول والحملان والغزلان والجداء. كما كتبوا على الأقمشة وبخاصة النسيج المصري المصنوع من خيوط الكتان، وكان يسميه العرب القباطى نسبة إلى أقباط مصر. وبعدها يختار النبي السفراء لحمل رسائله إلى العالم عملاً بعالمية الإسلام. والواضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء السفراء بالذات، كان عن وعي تام بصفاتهم الخلقية والثقافية والدينية، وسوف نتكلم عن كل سفير على حدة عند الحديث عن الرسالة التي حملها. إلا أننا سنتوقف عند توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم للسفراء قبل إرسالهم. فقد كان صلى الله عليه وسلم يرسم للسفراء ماذا يصنعون؟ كأنه حاضر معهم مُطلع على الأحوال والظروف التي يتعرضون لها أو يواجهونها. فقد سجل ابن سعد في طبقاته تلك الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلي الله عليه وسلم رسوله يتماشي بن أبي ربيعة المخزومي «الذي حمل رسالة إلى ملوك حمير أبناء بني عبد كلال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم»: إذا جئت أرضهم فلا تدخلن ليلاً حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طهورك، وصلِّ ركعتين، وسل الله النجاح والقبول، واستعذ بالله، وخذ كتابي بيمينك وادفعه بيمينك في ايمانهم فإنهم قابلون، واقرأ عليهم: «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة، رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة» فإذا أفرغت منها فقل، آمن محمد وأنا أول المؤمنين، فلن تأتيك حجة إلا دحضت، ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره، وهم قارئون عليك، فإذا رطنوا، فقل: ترجموا، وقل حسبي الله آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير. فإذا أسلموا فسلهم قضبهم - جمع قضيب - الثلاثة التي إذ حضروا بها سجدوا، وهي من الأنل، قضيب ملمع ببياض وصفرة، وقضيب ذو عجر كأنه خيزران، والأسود البهيم كأنه من سايم، ثم أخرجها فحرِّقها بسوقهم.» وقد أسلم ملوك حمير على أثر دعوة عياش لهم حسب توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وبعثوا بوفد منهم معه كتاب لرسول الله يخبره بإسلامهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق