الأحد، 19 يونيو 2011

أعيــــان مــــن البحريـــــــن.. عـــودة للجــذور الاجتمـــاعيـــة (2-4)

بقلم الدكتور عبدالله يتيم باحث وانثروبولوجي من البحرين


جدير بنا والبحرين تتخطى «محنة فبراير» وتزيح عن وجهها غبار «الفوضى الخلاقة» التي صنعتها قوى دينية وسياسية أقل ما يقال عنها عدم قراءتها المتأنية لتاريخ البحرين المعاصر ومكوناته الاجتماعية، أي الجذور الاجتماعية والتاريخية لتلك المكونات. إذا ما أتفقنا على أن المكونات الاجتماعية الكبرى التي يتشكل منها المجتمع البحريني، هي: «العرب السنة»، و«البحارنة»، و«العجم»،(1) إذاً حرياً بنا أن نتوقف أمام بعض من الجذور الاجتماعية والتاريخية للمكون الأول «العرب السنة»، على أن نأتي في مقالات قادمة لنلقي الضوء على بعض من جذور المكونات الاجتماعية الأخرى، وذلك حتى نتلمس بواقعية شديدة دور هذه المكونات في التاريخ المعاصر للبحرين.
وقد أمتد دور هذه النخبة في الحياة العامة في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، فقد ترتب على تسلطية المستشار «شالرز بلغريف» في إدارة شؤون الإدارت الحكومية مثل الشرطة والجمارك والتعليم والصحة وغيرها، بالإضافة إلى المعاملة السيئة لشركة نفط البحرين «بابكو» للعمال البحرينين، أن قامت هذه النخبة في عام 1938م بتشكيل لجنة للتصدى لتلك المشكلات، ضمت في عضويتها كل من: سعد الشملان، وأحمد بن علي الشيراوي (ت 1982م)، وعلي بن خليفة الفاضل (ت 1943م). وعقدت اللجنة القيادية إجتماعا في بيت سعد الشملان، حضره خليل بن إبراهيم المؤيد، وإنظم إليه أيضاً وجهاء من «بحارنة» المنامة مثل: منصور محمد حسين العريض، ومحسن بن أحمد التاجر، والسيد سعيد السيد خلف السيد عيسى الغريفي، والحاج عبدالله بن علي أبوديب.
واصلت هذه النخبة لعب أدوارها الحداثية، كل حسب مكانته وطريقته، فهذا أحمد بن جاسم سيادي (ت 1973م) الذي شيد لنفسه عام 1921م المنزل الفخم المعروف حالياً بـ «بيت سيادي» الدال على ثرائه وذوقه الرفيع، هذا المنزل الذي بني في الأصل قبل عام 1785م. لذا فأنه ليس بغريب عن هذه الشخصية التي إشتهرت باعتبارها من أبرز تجار اللؤلؤ بالمحرق والمجاور منزله لقصر الحاكم آنذاك، الشيخ عيسى بن علي، بأن يكون أيضاً من أوائل التجار الذين إقتنو السيارات، حيث إقتنى الأولى في عام 1924م والثانية في عام 1930م.
فقد لعب بعض من الأعيان، الذين أتى على ذكرهم بشار الحادي، دوراً في نشأة مؤسسات المجتمع المدني المبكرة في مطلع القرن العشرين، مثل دور مقبل بن عبدالرحمن الذكير، ويوسف بن أحمد كانو، وخليل بن إبراهيم المؤيد في إنشاء وتأسيس النادي الأدبي (1913م)، والمنتدى الإسلامي (1928م)، ونادي الطلبة الخليفي (1941م)، والدور الذي إطلع به الشيخ حسن بن علي آل خليفة في دعم أنشطة وبرامج ومسرحيات هذه الأندية. كما قام أخرون من هذه النخبة التجارية، مثل محمد وعلي يتيم، ويوسف بن أحمد كانو، وعبدالرحمن بن محمد الزياني، ومصطفي عبداللطيف، وعبدالرحمن الحمد البسام، وأخرون بتأسيس مجلس تجاري، أو أول غرفة للتجارة في عام 1930م، وذلك عندما تقدموا بعريضة لمستشار حكومة البحرين «شالرز بلغريف».
كما ساهم معظم أعيان هذه النخبة في وضع اللبنات الأولى للعمل الأهلي، فقد عملوا جميعاً على إيجاد مرافق خدمية متاحة للعوام، مثل حفر العيون والآبار الارتوازية للمياه، إذ إسهمت تلك المرافق العامة في عمليات التمدن والتحضر للمجتمعات المحلية في كبرى مدن البحرين آنذاك: المنامة والمحرق. نذكر في هذا الخصوص دور علي ومحمد، أبناء الوجيه أحمد بن علي يتيم، في تأسيس شركة مع «الميجر فرانك هولمز» لحفر آبار للمياه الإرتوازية في مناطق متفرقة من البحرين عشرينيات القرن الماضي. كما قام بعض من أعيان هذه النخبة بتشييد مرافق صحية على نفقتهم الخاصة مثل المحجر الصحي الذي أسهم في أنشأه علي بن عبدالله العبيدلي وعدد آخر من الأعيان؛ مثلما أسهم على بن إبراهم الزياني (ت 1929م) ويوسف أحمد كانو (ت 1945م) وعيسى أحمد سيادي (ت 1921م) وسلمان بن حسين بن مطر (ت 1944م) وعبدالرحمن أحمد الوزان (ت 1950م) في عام 1917م، إلى جانب أعيان أخرين، بإقراض الحكومة مبلغ خمسون ألف روبية لصالح توسعة وتطوير ميناء «فرضة المنامة»، وكذلك مشروع آخر مثل «جسر الشيخ حمد» باعتباره أول جسر يجري بنائه في البحرين، وكان يهدف إلى ربط المنامة بالمحرق آنذاك، وكان ممن أسهموا في تمويل هذه المشاريع: عبدالرحمن بن حسن القصيبي، الذي كان يتحدث الأوردية وبعض من الإنجليزية والفرنسية. أما في العام الذي يليه، أي عام 1918م، فيقوم عدد من أعيان هذه النخبة (عبدالرحمن بن أحمد الوزان، عبدالرحمن بن محمد الزياني، ويوسف بن عبدالرحمن فخرو، ومقبل عبدالعزيز الذكير، وعبدالعزيز بن حسن القصيبي، وشاهين بن صقر الجلاهمة) وآخرين من الأعيان بالتوقيع على عريضة يطلبون فيها من الشيخ عيسى بن علي الموافقة على تأسيس أول بنك في البحرين.
تكشف لنا سير الشخصيات التي تولى بشار الحادي عرضها في «أعيان البحرين» عن تفاعل تلك النخبة مع محيطها الخليجي والعربي، وعن الدور الذي لعبته في تلك الأحداث، فبالاضافة إلى دور عائلة القصيبي النجدية التي أستقرت في البحرين ممثلة في عبدالعزيز (1953م) وعبدالرحمن (ت 1967م) أبناء حسن القصيبي وعملهم المباشر والمساند للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في مسيرته لتوحيد المملكة العربية السعوية وبناء الدولة الحديثة في بداية القرن العشرين، لعب بعض من أعيان البحرين، مثل الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة، من خلال موقعة وزيراً للشيخ عيسى بن علي، في جمع المال والسلاح للملك عبدالعزيز وذلك في زيارته غير الرسمية للبحرين عام 1911م والالتقاء بالشيخ عيسى بن علي طالباً نصرته لفتح الإحساء، وقد أوكل الشيخ عيسى بن علي مهمة توفير السلاح، وجمع المال من تجار اللؤلؤ من أعيان المحرق والمنامة، إلى الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة، حيث أبلى الأخير بلاء حسن، وكان فتح الإحساء فتحاً عظيماً كما يذكره المؤرخون.
وتشاء الظروف أيضاً أن يعاصر العديد من هؤلاء الأعيان بداية نكبة الشعب الفلسطيني، فيهب عبدالعزيز بن حسن القصيبي، وخليل بن إبراهيم المؤيد، وعبدالرحمن بن عبدالوهاب الزياني، وقاسم بن محمد الشيراوي، بالاضافة إلى العديد من أعيان المحرق والمنامة، ممن لم ترد سيرهم في هذه الموسوعة، لتشكيل لجنة تهدف إلى إعانة منكوبي وأيتام فلسطين عام 1939م برئاسة الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة.
وأسهم أخرون في تلبية دعوات مقاومة الاستعمار في بقاع أخرى من الوطن العربي الكبير، فقد عُرف عن عبدالعزيز لطف خنجي (ت 1950م) دعمه ومساندته في بداية القرن العشرين لنضال الشعب الليبي بقيادة الشريف أحمد السنوسي ضد الاستعمار الإيطالي، ودعمه كذلك لنضالات شعب المغرب بقيادة عبدالكريم الخطابي ضد الاستعمار الفرنسي هناك، وقد كان هذا الوجيه من تجاز اللؤلؤ المعروفين وقد بنى قصراً عام 1912م في المنامة عرف آنذاك بـ «قصر خنجي».

وسطاء ثقافيون من أجل الوطن

لعبت عدداً من بيوتات الأعيان، من خلال الشركات العائلية التي أسسها الآباء وأنظم إليها الأخوة والأبناء، مثل عائلة: يتيم، كانو، المؤيد، الزياني، فخرو، القصيبي، المشاري، الوزان، العجاجي، المناعي، الجلاهمة، سواء من خلال إلحاق إبنائهم بمدارس التعليم النظامي غير الديني، مثل مدرسة الزياني ومدرسة الهداية الخليفية ومدرسة الإرسالية الأمريكية، أو إلى المدارس والجامعات خارج البحرين، سواء في الهند أو بيروت. وكذلك علاقاتهم بالغرب سواء عبر حكوماته، أو معتمديه السياسين، أو ممثلي شركاته، أو الجالية الغربية من الإنجليز والأمريكان والفرنسيين والألمان، وكذلك الجالية الهندية، دوراً في بناء جسور من التواصل التجاري والحضاري بين البحرين وعواصم أوروبية مثل لندن وباريس ونيويورك، وأخرى آسيوية مثل بومبي وكراتشي. كانت تلك الأدوار التي لعبها أعيان هذه النخبة تقع في إطار ما يطلق عليه الأنثروبولوجيون مفهوم «الوسيط الثقافي»، حيث تمكن هؤلاء الأعيان من إشادة جسور من التواصل الحضاري بين مجتمعات الخليج العربي، وفي مقدمتهم البحرين آنذاك، والمجتمعات الأوروبية، أي بين الشرق والغرب. وكان لادوارهم،كوسطاء ثقافيين، الأثر الأبلغ في مسيرة التاريخ المعاصر للبحرين، أي من حيث جعل البحرين بلداً طليعياً في إنفتاحه على الحضارات الأخرى وفي مقدمتها الحضارة الغربية، وفي تبوء هذه النخبة مكانة رفيعة في المجتمع البحريني مكنتها من إداء أدوراً اجتماعية وسياسية كانت على قدر كبير من الأهمية في مسيرة التطور الاجتماعي والسياسي للبحرين. تحفل موسوعة بشار الحادي «أعيان البحرين» بأمثلة لتلك الأسر المنتمية للنخبة التجارية، الآخذة في الإزدهار منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهي من الأمثلة التي إستطاع الباحث أن يميط اللثام عنها لأول مرة من خلال دراسته للإرشيفات الخاصة بتلك الأسر، لعل من بينها: عائلة الزياني، وعائلة يتيم، وعائلة فخرو، وعائلة المشاري.
انظر المقال في جريدة الأيام http://www.alayam.com/Issue/8106/PDF/all_pages.pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي  بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...