الأربعاء، 22 يونيو 2011

أعيــــان مــــن البحريـــــــن (4-4) عودة للجذور الاجتماعية


جدير بنا والبحرين تتخطى «محنة فبراير» وتزيح عن وجهها غبار «الفوضى الخلاقة» التي صنعتها قوى دينية وسياسية أقل ما يقال عنها عدم قراءتها المتأنية لتاريخ البحرين المعاصر ومكوناته الاجتماعية، أي الجذور الاجتماعية والتاريخية لتلك المكونات. إذا ما اتفقنا على أن المكونات الاجتماعية الكبرى التي يتشكل منها المجتمع البحريني، هي: «العرب السنة»، و«البحارنة»، و«العجم»،(1) إذاً حرياً بنا أن نتوقف أمام بعض من الجذور الاجتماعية والتاريخية للمكون الأول «العرب السنة»، على أن نأتي في مقالات قادمة لنلقي الضوء على بعض من جذور المكونات الاجتماعية الأخرى، وذلك حتى نتلمس بواقعية شديدة دور هذه المكونات في التاريخ المعاصر للبحرين.

لقد انضم محمد يتيم إلى عدد آخر من الأعيان بالتوقيع عام 1930م على عريضة رفعت إلى «شالرز بلغريف» يطالبون بموجبها تأسيس مجلس تجاري، أو غرفة للتجارة، ترعى الشؤون التجارية العامة؛ كما اتجه محمد يتيم إلى تجارة الاصداف إذا كان يقوم بتصديرها لأوروبا والهند، وإمتدت تجارته فيها إلى إستيرادها من مدن الخليج الأخرى، وأصبح بعد ذلك وكيلاً لشركة «سيزيان» التي كان مقرها مسقط بعُمان، وقد بلغت أحدى صفقاته معهم في عام 1930م مبلغ وقدره 8536 روبية.
يوسف بن عبدالرحمن فخرو

تماهي الإستقرار الحضري لبعض العوائل البحرينية مع هوية البيئات والمدن التي أستقرت فيها إلى درجة كبيرة، الأمر الذي جعل إمكانية فصل تاريخ هذه المدن عن تاريخ تلك العوائل في الذاكرة الجماعية للبحرينيين أمر يصعب تحقيقة، لذا فإن تاريخ وهوية مدينة مثل المحرق يصعب تصوره دون التوقف ولو لبرهة أمام أسماء أحياء المحرق التقليدية، فأحياء المحرق، أو فرجان المحرق، وكذلك الحال بالنسبة لأحياء مدينة المنامة، تحمل كل منهما أسماء القبائل والعوائل التي قطنتها. في سياق عرضنا لعدد من أعيان البحرين، الذي ينتمي البعض منهم إلى مدينة المحرق، يصعب استعادة تاريخ هذه المدينة وأحيائها دون التوقف أمام «فريج فخرو» و«عين فخرو» و«عمارة فخرو»، وأعيان عائلة فخرو، مثل: عبدالرحمن بن عبدالله فخرو (ت 1935م)، ويوسف بن عبدالرحمن فخرو (ت 1952م)، وعلي بن يوسف فخرو (ت 2008م)، وإبراهيم بن محمد بن حسن فخرو (ت 2005م)، وليلى بنت عبدالله فخرو (ت 2006م)، وجاسم بن محمد فخرو (ت 2001م)، وقاسم بن أحمد فخرو (ت 1995م). لقد لعبت هذه العائلة الكبيرة، عبر رجالها ونسائها، أدواراً سياسية واقتصادية وثقافية متفاوتة منذ منتصف القرن التاسع عشر، سواء في البحرين أو الخليج العربي. لنتوقف قليلاً أمام أحد وجهاء هذه العائلة، وهو يوسف بن عبدالرحمن فخرو، لنرى نطاق الدور الذي لعبه هذا الوجيه، وبالامكان عقد بعض من المقارنة بين دوره والأدوار التي لعبها، ولايزال، بقية وجهاء هذه العائلة، على الرغم من اختلاف السياقات التاريخية والاجتماعية لهذه الأدوار.
تحكي سيرة الوجيه يوسف فخرو تقاطاعات الاشتغال بالسياسة والاقتصاد في أبهى صورها، وهو ما سنجده بعد عقود لاحقة في سير الأبناء ثم الاحفاد إلى يومنا هذا. عاصر يوسف فخرو عهودا ثلاثة من حكام البحرين، أي منذ عهد الشيخ عيسى بن علي، مؤسس الدولة الحديثة، مروراً بعهد الشيخ حمد بن عيسى وصولاً إلى عهد سلمان بن حمد، ففي التسعة والسبعين عاماً التي عاشها يوسف فخرو مساحة زمنية كافية مكنته من أن يكون شاهداً وفاعلاً في تحولات سياسية واجتماعية كبرى مرت بها البحرين. كان يوسف فخرو نتاج التعليم التقليدي، على أنه سرعان ما أرسل أبنائه وبناته إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وقبل ذلك إلى مدرسة الإرسالية الأمريكية والمدارس الحديثة التي أنشأتها الدولة.
لقد أنشأ هذا الوجيه نشاطاً تجارياً متنوعاً، وامتدت رقعته الجغرافية إلى البصرة مروراً بمعظم موانئ الخليج، وصولاً إلى الهند وأفريقيا، فكان له في تلك الموانئ وكلاء عديدون، البعض منهم كانو من أبنائه المباشرين، أما الآخرون فكانوا من عائلة البسام والمرزوق والصقر والغانم؛ وقد امتلك أسطولاً كبيراً من السفن التجارية وسفن الغوص، حيث عمل على قيادة تلك السفن ربابنة (نواخذة) معروفون بلغ عددهم حوالي ثلاثون رباناً.
كان وجود الوجيه يوسف بن عبدالرحمن فخرو في الحياة العامة البحرينية خلال النصف الأول من القرن العشرين أمراً ممكن إدراكه وتلمسه من خلال مراكزه ومخازنه التجارية (العماير، مفرد عمارة) في المحرق والمنامة، حيث أصبحت تلك المراكز بؤراً للقاءات التجار وعقد الصفقات، كما كانت ملتقى للمداولات ولعب الادوار السياسية في الشأن المحلي، وقد كان نصيب نشاطه المؤيد لحكام البحرين ضد تلسط الادارة الكولونيالية البريطانية، أو مشروعات التطوير التي تهدف إلى الاصلاح المحلي، غضب وعجرفة كولونيالية بريطانية. ففي الوقت الذي ساهم مع بقية أعيان عصره بالمطالبة بتأسيس بنك في البحرين عام 1918م، وقبول تعيشه من قبل الشيخ عيسى بن علي عضواً في المجلس العرفي عام 1920م، ومجلس إدارة التعليم الخيري لمدرسة الهداية الخليفية عام 1920م، وتدخله مع زملائه من الأعيان ضد السياسات المتعجرفة للمعتمد البريطاني «الميجر كلايف ديلي» التي أدت إلى إحداث الفتنه في المنامة بين النجادة والعجم. كان من نتيجة مشاركته في التصدي لتلك السياسات أن ناصبه المعتمد البريطاني وزملاءه العداء وذلك بهدف الضغط على الشيخ عيسى بن علي للتوقف عن تخفيض الضرائب الجمركية عليهم، حيث كان الشيخ يهدف إلى تشجيع النشاط التجاري ورواجه في البحرين. كما تعرض يوسف فخرو، وبسبب معاداة السلطات البريطانية له، إلى الاعتقال عام 1918م وإخضاع بيته للتفتيش بأمر من المعتمد البريطاني، ونفيه بعد ذلك مع أحد أقاربه، علي بن راشد فخرو، إلى البصرة. كانت السلطات البريطانية تعتقد بأنه يقوم بتسخير تجارته في السلاح للسلطات العثمانية وذلك عبر إمداد سنجق الإحساء وقطر بالسلاح خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، وقد تم تصنيف يوسف بن عبدالرحمن فخرو في أحد التقارير البريطانية السرية عام 1919م، باعتباره: «أذكى من أن يقبض عليه، وغالباً ضد الإنجليز».

محمد بن عبدالوهاب المشاري

كما ذكرنا سابقاً في هذه المقالة، عن ما تميزت به علاقة هذه النخبة من أعيان البحرين من تقاطعات مع الثقافة الأوروبية وسلطاتها الكولونيالية في المنطقة من شد وجذب، سواء في المجال السياسي أوالاقتصادي أو الثقافي. كان من بين تلك الحالات من الشد، تصدي أعيان هذه النخبة لحالة الاحتكار التي كانت تمارسها السلطات الكولونيالية البريطانية للنشاط الملاحي، سواء نقل البضائع أو الركاب، بين موانئ الخليج والهند وموانئ آسيوية أخرى. وكان لعائلة المشاري دور في التصدي لهذا الاحتكار الذي كانت تمارسه هذه السلطات في مجال الملاحة البحرية، فقد تولى الوجيه محمد بن عبدالوهاب المشاري (ت 1922م) تأسيس مشروع تجاري ريادي للتصدي لذلك الاحتكار، فقد أسس عام 1911م شركة خليجية مساهمة محدودة لكسر هذا الاحتكار، أطلق عليها «شركة البواخر العربية المحدودة». وكان الوجيه محمد بن عبدالوهاب المشاري من كبار تجار اللؤلؤ، حيث قدرت ثروته النقدية في بداية القرن العشرين بحوالي خمسة ملايين روبية، وقد ظل يتنقل بين البحرين ولنجة، إلى أن قرر الإقامة لسنوات طويلة في مدينة بومبي التي ترك فيها عقاراً لورثته بقيمة سبعة عشر مليون روبية، وقد أوكل المساهمون له مهمة تولي رئاسة الشركة التي كانت تهدف إلى كسر احتكار «الشركة البريطانية الهندية للملاحة» لنشاط النقل البحري بين موانئ الخليج والهند.
وقد استاطاعت «شركة البواخر العربية المحدودة» أن تضاعف من أسطولها في فترة قياسية، إذ بلغ عدد الأسطول ست بواخر لنقل الركاب والبضائع، وحملت تلك البواخر البريطانية الصنع أسماء عربية لأول مرة، وقد سميت أحداها على سبيل المثال باسم «البحرين». وقد كان من المساهمين في الشركة، بالاضافة إلى رئيسها، الوجيه مقبل بن عبدالرحمن الذكير، وشيخ قبيلة الدواسر في البحرين الحاج عبدالله بن حسن الدوسري، وعدد كبير من أعيان ووجهاء الكويت بينهم من شيوخ آل صباح وعائلة آل إبراهيم والرومي، وكذلك بعض التجار العرب المقيمين في بومبي، وكان الوكيل المعتمد للشركة في البحرين الوجيه يوسف بن أحمد كانو (ت 1945م). وعلى الرغم من الأرباح التي حققتها في سنوات قليلة مقارنة بما كان تحققه «الشركة البريطانية الهندية للملاحة» ورواج نشاطها، إلا أنها تعرضت لنكسة وخسائر بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى والموقف المعادي الذي أتخذته السلطات البريطانية في الهند تجاه الشركة، مما أدى إلى تصفيتها عام 1915م.
انظر الرابط


http://alayam.com/Articles.aspx?aid=82639

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي  بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...