الجمعة، 28 مايو 2010

تاجر اللؤلؤ المشهور خليفة بن عبد الغفور السادة


""صاحب الصورة نجله السيد إبراهيم بن خليفة""
تاجر اللؤلؤ المشهور
خليفة بن عبد الغفور السادة
(1255هـ-1330هـ) (1839م-1912م)
هو: الحسيب النسيب، وتاجر اللؤلؤ المشهور، العابد الزاهد، الشاعر، السيد خليفة بن عبد الغفور بن محمد بن تاجر بن أحمد بن كاسب بن يعقوب بن شعبان بن محمد بن محمد الصالح بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حسن بن حسين أبو الفضل بن يوسف بن رجب الكبير بن شمس الدين محمد بن عبد الرحيم ممهد الدولة بن سيف الدين عثمان بن حسن بن محمد عسلة بن علي الحازم أبو الفوارس بن أحمد المرتضى أبو علي بن علي أبو الفواضل بن الشيخ حسن رفاعة المكي بن المهدي أبو رفاعة بن محمد أبو القاسم بن الحسن أبو موسى بن الحسين أبو عبد الله بن أحمد الصالح بن موسى الثاني بن إبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيلة السادة الرفاعي الحسيني الهاشمي.
قبيلة السادة:
ينحدر السيد خليفة بن عبد الغفور من فرع الغشارة من قبيلة السادة العريقة، وتعتبر هذه القبيلة من القبائل العربية المشهورة والتي يتصل نسبها بالسيد أحمد بن كاسب الرفاعي المولود في السبيليات بالعراق عام 1070هـ (1659م) والمتوفى في قرية الرويس بشمال قطر عام 1150هـ (1737م)، وهم من سلالة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اشتهرت قبيلة السادة بالعناية بالعلم والأدب، فكان منهم القاضي والإمام والأديب، كما أنها عُرفت بتجارة اللؤلؤ والغوص وركوب البحر على متون السفن الكبيرة التي كانت تبحر إلى أنحاء كثيرة من موانئ العالم مثل: الهند وعُمان والساحل الشرقي لأفريقيا والبصرة وغيرها من البلدان. يقول عنهم المستشرق الإنجليزي ج. ج. لوريمر في (دليل الخليج) القسم الجغرافي (6/2067): "السادة ومفردها سيد، وهذا المقال له علاقة بجماعة من السادة أصلهم من قطر، ثم انتقلوا في الغالب إلى البحرين على إثر انتصار العتوب. وما زالت توجد 70 عائلة من السادة في الرويس في قطر والقليل منهم في الدوحة. ومقرهم في البحرين هو الحد حيث يملكون مئة وخمسين منزلاً ولهم عشرة منازل أيضاً في جزيرة تاروت عند القطيف، وفي كل من البحرين وقطر فإنهم يعملون في الغوص وفي تجارة اللؤلؤ ويربي بعضهم في قطر الماشية. ومن حيث الديانة فهم مسلمون سنة على المذهب الحنفي والمذهب الشافعي. وهم ما زالوا مشهورين بتعصبهم وميلهم لتجارة الرقيق". ويذكر الأستاذ حافظ وهبه عند حديثه عن سكان البحرين ما نصه: "أما العتوب (بني عتبة) والسادة والدواسر، فهم أكثر القبائل نفوذاً في البحرين، فبنو عتبة لهم بالعائلة الحاكمة صلة النسب، والسادة نفوذهم مستمد من اتصال نسبهم بالنبي الكريم، والدواسر نفوذهم مستمد من سلوكهم الحسن في الجزيرة، ومن ثروتهم التي اكتسبوها من التجارة!!".
نبذة عن والده السيد عبد الغفور:
هو: السيد عبد الغفور بن محمد بن تاجر بن أحمد السادة، ولد حوالي العام 1235هـ (1819م) وهو شاعر مجيد من أهالي منطقة رويس بقطر، تزوج ورزق بولدين هما: يوسف وخليفة. ورحل إلى البحرين لأسباب لا نعلمها حيث سكن منطقة الحد في الناحية الجنوبية منها، ثم بعدها بمدة حصل زعل بينه وبين جماعته من السادة، فانتقل من جنوبي الحد إلى شمالها وبنى هناك بيتاً، كان ينظم الموال والشعر النبطي، لم نقف على سنة وفاته ولكنه كان حياً عام 1275هـ (1858م) ومما حفظ لنا من مواويله قوله:
أهين نفسي على الشدة وأعاليها
وإن جيت بأرض الخلا أسكن بعاليها
من لا ينحر براس اليوش عاليها
ما يتجي بالذرى من لا يشد العمل
الخيل عند الصياح قم شدها بالعمل
ما أهبلك يا طالب الجنة بليا عمل
النفس أمارةٍ بالسو، عاليها
الرحلة من رويس إلى الحد:
يذكر العم السيد خليفة بن إبراهيم بن خليفة بن عبد الغفور السادة – حفيد المترجم له- نقلاً عن والده أن الجد الأكبر السيد عبد الغفور السادة قد هاجر من منطقة رويس في قطر لأسباب لا نعلمها ورحل إلى البحرين، وسكن في منطقة الحد في الناحية الجنوبية منها، ثم بعدها بمدة حصل زعل بينه وبين جماعته من السادة، فانتقل من جنوبي الحد إلى شمالها وبنى بيتاً، وهو نفسه بيت السيد خليفة بن عبد الغفور، فقد قام السيد خليفة فيما بعد وفاة والده بتوسيع البيت وبناءه على أحدث طراز، مما جعل منه تحفة معمارية يتحدث عنها أهالي منطقة الحد إلى يومنا هذا.
المولد والنشأة:
ولد السيد خليفة بن عبد الغفور في منطقة الحد، ونشأ نشأة صالحة في أسرة مُتدينة محافظة فأدخله والده الكتاب (المطوع) فتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وحفظ قسطاً وافراً من القرآن الكريم. كذلك استفاد من والده السيد عبد الغفور كثيراً، حيث كان الأخير شاعراً يحفظ الشعر وينظمه، كما ينظم الموال.
عمله وتجارته:
بعد أن شب وكبر عمل في تجارة اللؤلؤ، مهنة آبائه وأجداده، وكان من عادته أنه لا يذهب إلى الهند ليبيع محصوله من اللآلئ بل كان يبيعه في البحرين أو قطر، ويكتفي بالرزق البسيط على المال الوفير. ويذكر أنه كان لديه عدد من العبيد والإماء، يقومون على خدمته من أشهرهم مرزوق، أما الإماء فكن يقمن بالتنظيف والطبخ.
أصدقاء السيد خليفة:
أما أصدقاؤه والمتعاملون معه من تجار اللؤلؤ فمن أشهرهم: السيد عبد الله بن إبراهيم السادة، والسيد هزيم بن عبد القادر السادة، والحاج يوسف بن أحمد كانو، كذلك كان كثيراً ما يشتري منه تجار لؤلؤ فرنساوي لم نعلم من هو بالتحديد، أما أصدقاؤه من أهل العلم فكان من أشهرهم: الشاعر رحمة المجيران، والعالم الفاضل الشيخ محمد بن عبد الرزاق آل محمود، عالم الحد وفقيهها، ويذكر حفيده العم خليفة بن إبراهيم أن الجد السيد خليفة بن عبد الغفور والشيخ محمد بن عبد الرزاق آل محمود كانا يذهبان إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البلاد مع بعض إذا ما استدعاهما، أو إذا ما أرادا زيارته لأجل السلام عليه.
زواجه وأولاده:
تزوج السيد خليفة خمس زوجات لكن لم نعرف منهن سوى السيدة مريم بنت عبد الله آل بن علي، وبعد وفاتها تزوج من شقيقتها السيدة موزة بنت عبد الله آل بن علي، كما تزوج من السيدة حسينة وهي من بلاد الحبشة، ورزق بعدد من الأولاد والبنات وهم: إبراهيم، وأحمد، وعبد الله، ومحمد، ولطيفة، وفرحة، وهيا، وفاطمة، وأسماء.
نبذة عن أولاده:
أما السيد إبراهيم بن خليفة فقد ولد في الحد عام 1316هـ (1898م) ودرس في المطوع على شخص يدعى ملا خميس من أهالي الحد، وتزوج عدة زوجات هن كالتالي: الأولى من قبيلة السادة من قطر، والثانية هي السيدة فاطمة السادة، وأما الثالثة فهي السيدة غدنانة بنت السيد عبد الله بن إبراهيم السادة، ثم تزوج الرابعة من قبيلة المنانعة، ثم تزوج من امرأة بدوية لا نعلم أسمها، ثم تزوج من منطقة دبي السيدة موزة بنت عبد الرحمن البومهير، ثم تزوج زوجتان من الهند. ورزق من الذرية بـ: محمد، وأحمد، وخليفة، وعيسى، وعبد الغفور، وعلي، وعبد الرحمن، وفيصل، وسبع بنات. وعمل في (الطواشة) تجارة اللؤلؤ مع إخوته عبد الله وأحمد، مهنة آبائه وأجداده إلى العام 1363هـ (1944م) حيث افترق الإخوة الثلاثة وأرادوا العمل فُرادى، كما أن سوق اللؤلؤ ضعف جداً عن السابق، نتيجة لظهور النفط وظهور اللؤلؤ الجاباني. فقام إبراهيم بالعمل بالتجارة، فكان يسافر إلى منطقة تابعة لسلطنة عُمان تدعى بر الجازر، ويشتري منها السمك الطازج ويتفق مع بعض البحارة من أهالي عُمان على أن يقوموا بتمليحه نظير أجر معين، وعندنا يجهز يحمله إلى بلاد زنجبار لأجل بيعه هناك، ثم يقوم هناك بشراء مواد بناء كالأخشاب (الدناجل) وما إلى ذلك كما يقوم بشراء بعض الأقمشة، ثم يحمل بضاعته إلى دبي ليبيعها هناك. ومما يذكر عنه أنه أول من أحضر جهاز الراديو إلى منطقة الحد حوالي العام 1358هـ (1939م) وقد اشتراه من السيد حسين يتيم بالمنامة. كما وأنه تملك سيارة تعد من أوائل السيارات في منطقة الحد وتدعى ستروين (Citroen)، وهي سيارة فرنسية اشتراها من الحاج خليل بن إبراهيم كانو، وذلك في أوائل الثلاثينيات، وبعد مدة من شرائها أعطاها لأحد أصدقائه من أسرة العطية من أهالي قطر. كما عُرف عنه كتابته للشعر النبطي، ومما أنشده قصيدة في وصف رحلته من البحرين إلى عُمان وزنجبار ومقديشو، يحفظ السيد خليفة بن إبراهيم نجله بعض أبياتها، يقول في مطلعها:
على ماشور شلينا عشيا
نجد السير حادينا الولامه
ومنها:
ولما جيت سلمى مع بنيها
رأيت الكوس فيها الوهيامه
ومنها:
وأم الفار والكوبة مثلها
عشرة أيام ما شفنا الولامه
أصيب السيد إبراهيم في آخر حياته بجلطة وتوفي على إثرها بالبحرين عام 1391هـ (1971م) رحمه الله تعالى.
وأما السيد أحمد بن خليفة فقد ولد في الحد سنة 1328هـ (1910م) ودرس في مدرسة الهداية الخليفية ويذكر أنه كان يذهب يومياً من الحد إلى المحرق بدراجته الهوائية التي اشتراها لهذا الغرض، وقد تزوج من كل من: السيدة فرحة السادة ثم توفيت، ثم تزوج من السيدة موزة بنت أحمد بن هاشم اليوشع، ثم السيدة فاطمة بنت عبد الرحمن البومهير، ثم السيدة مريم بنت عبد اللطيف السادة. ورزق من الذرية بـ: هاشم، وعبد الرحمن، وبنت واحدة. وكان له شغف كبير بالبحر ونتيجة لذلك فقد قام برسم خارطة مغاصات اللؤلؤ (الهيرات)، والتي اشتهرت عنه وقام بطبعها في مطبعة المؤيد، ويذكر عنه السيد خليفة بن إبراهيم أنه في العام 1353هـ (1935م) سافر الإخوة إبراهيم وأحمد وعبد الله إلى الحج وحصلت هناك حادثة في ميناء جدة حيث أنهم عندما أرادوا النزول إلى الفرضة وأخذت الباخرة التي تقلهم في الاقتراب من الساحل سقط أحد الحجاج الهنود في البحر، وفور ذلك قام السيد أحمد بالإمساك به ورفعه من البحر بيد واحدة وكان ذلك في لمح البصر حيث إنه كاد أن يموت نتيجة لارتطام جسم الباخرة بالفرضة، إلا أن الله سلم، فقد كان السيد أحمد كما يذكر قوي البُنية، مفتول العضلات، كما يذكر أنه قد طلبه شيخ أبوظبي آنذاك الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان للعمل عنده، فوافق على ذلك وانتقل لسكنى مدينة أبوظبي، وعمل لديه كرُبان لإحدى سفنه، اتصف السيد أحمد بالتدين، والعفة، وحُسن الخلق، واشتهر بقوة البنية والصلابة، توفي إلى رحمة الله تعالى في عام 1409هـ (1989م).
أما السيد عبد الله بن خليفة فقد ولد في الحد عام 1329هـ (1911م) وتزوج من السيدة موزة بنت يوسف السادة، والسيد آمنة المناعي من أهالي قلالي، والسيدة نورة بنت حميد بن كامل ورزق منهن بخمس بنات، عمل مع إخوته إبراهيم وأحمد في (الطواشة) تجارة اللؤلؤ، وبعد الافتراق سنة 1363هـ (1944م) سافر إلى المملكة العربية السعودية لأجل التجارة، عمل بها مدة، وتوفي في عام 1400هـ (1980م).
صفاته وأخلاقه:
اشتهر عن السيد خليفة أنه كان قنوعاً بما عنده، وبما قسمه الله تعالى له من الرزق، كما عُرف عنه زهده في الدنيا، وورعه وتقواه، كذلك كان شديداً في الحق، لا يخاف لومة لائم، وكان ينتصر للحق ولو على نفسه أو أقرب الناس إليه، ذا وجه طلق، وطلعة بشوشة، وعقل ثاقب، وفهم نير.
كما عرف عن السيد خليفة جوده وسخاؤه، وأريحيته، مع الفقراء والمساكين والأرامل. ومن صفاته التي اشتهرت عنه العزة والأنفة، فهو من قوم أنف، أباة، شم الأنوف، فكان يربأ بنفسه عن مواطن الذل، ويتجافى بها عن مطارح الهوان، وينزع بها عن مواقف الضراعة، ويصونها عن معرة الامتهان.
زهده في الدنيا:
ويروي العم خليل بن إبراهيم بوعلي نقلاً عن السيد أحمد بن خليفة بن عبد الغفور أنه في مرة من المرات أخذ بعض الناس يتكلمون مع السيد خليفة ويقولون له: يا سيد أنت تشتري (القماش) اللؤلؤ في البحرين وتبيعه في البحرين وتربح فيه شيء بسيط جداً، فلو سافرت إلى الهند كما يفعل فلان وعلان من الناس وبعت قماشك هناك لكسبت فيه أكثر بكثير مما تكسبه هنا، وهذا من باب التجارة الحلال، ولن تخسر شيئاً.
فقال السيد خليفة لهم: طيب يصير خير إن شاء الله.
وأخذ السيد في التفكير في الأمر وبعد أيام من التفكير قرر أن يسافر إلى الهند، وجهز متاعه وبضاعته التي يريد بيعها، وركب حماره وتوجه إلى الميناء وفي أثناء سيره على الطريق وصل إلى المقبرة -مقبرة الحد- فلما مر بالقرب منها أخذ يتأمل القبور، وتذكر الآخرة وأنه مهما طالت به الأيام سيوارى التراب ولن ينفعه هذا المال الذي سيتعب نفسه من أجله، فبكى السيد خليفة بكاء شديداً وعاد أدراجه إلى بيته وقال: أنا مردي سأدفن مع هؤلاء ليش ها التعب والشقاء، من أجل شوية ربابي والخير موجود ؟!! وبالتالي فقد آثر البقاء في بلده وعدم السفر.
محاربة النفس:
يُروى عن السيد خليفة أنه في أحد السنوات حصل زعل بينه وبين شخص، وكان السيد خليفة في كل عام إذا ما حال الحول على ماله يخرج الزكاة، ومن ضمن من يدفع لهم السيد خليفة زكاته كل عام هذا الرجل الذي تزاعل معاه، إذ كان فقيراً مُحتاجاً.
فيذكر الراوي أن السيد خليفة مع زعله من هذا الشخص وغضبه منه، إلا أنه ومع كل ذلك حارب حظ نفسه، وكسر تلك النفس التي بين جنبيه، وذهب إلى هذا الشخص ودفع له مال الزكاة وأحسن إليه، وكأن شيئاً لم يكن!! ولسان حاله يقول:
وحارب النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتهم
حادثة الساعة:
يشير السيد خليفة بن إبراهيم السادة إلى أنه في مرة من المرات كان الجد السيد خليفة يعقد أحد الصفقات مع أحد التجار والذي أراد شراء اللؤلؤ من السيد خليفة، فلما اتفقوا على السعر قال السيد خليفة للتاجر المشتري: إذا شريت اللؤلؤ تجيب لولدي إبراهيم ساعة. فوافق الرجل واشترى (القماش) اللؤلؤ، وجلب للولد إبراهيم ساعة، وكانت ساعة جميلة ذهبية من النوع القديم الذي يوضع في الجيب، ويربط بسلسة في الثياب.
يقول السيد خليفة: وفي أحد الأيام وكان من جيران الجد خليفة واحد من أسرة المنانعة يدعى عمرو المناعي، وكان صبياً صغيراً ويتيماً، ويذكر أن السيد خليفة يحبه كثيراً ويعطف عليه لما يعلم من يتمه وضعفه، فجاء هذا الصبي في أحد الأيام باكياً إلى الجد خليفة، فقال له السيد خليفة: شفيك يا عمرو عسى ما شر؟
فقال الصبي: يا سيد ولدك إبراهيم ضربني.
فقال السيد خليفة: ولدي إبراهيم ضربك، أنا براويك فيه، فناداه السيد خليفة وقال له: ضربت الولد عمرو؟
فقال إبراهيم: نعم.
فقال السيد خليفة: لأنك ضربت هذا الولد اليتيم المسكين أنا لازم أعاقبك، روح هات الساعة اللي عطيتك، فذهب وأحضر الساعة، وأعطاه إياها، فأخذ السيد خليفة الساعة منه وكسرها!
مئة ركعة!:
يذكر العم السيد خليفة بن إبراهيم السادة أنه في مرة من المرات فاتت الصلاة نجله إبراهيم الظهر أو العصر، يقول فجعل السيد خليفة عقاب نجله إبراهيم أن يصلي مئة ركعة جزاء تأخره عن الصلاة، وقد شاهد أحد أصدقاء السيد خليفة الولد إبراهيم يصلي لمدة طويلة وهو يرقبه من بعيد فاستغرب وسأل السيد: شفي الولد إبراهيم صار له مدة طويلة يصلي.
فقال له السيد خليفة: الولد فاتته الصلاة، وأنا عاقبته علشان هل المرة ما يتأخر عن الصلاة، خليته يصلي مئة ركعة؟!!
فاستغرب الرجل، ورأف بحال الولد وطلب من السيد خليفة أن يعفو عنه وأن يسامحه، وأنه لن يكرر ذلك مرة أخرى، فسامح السيد خليفة ولده وطلب منه ألا يكرر ذلك مرة أخرى.
العبيد يسرقون المنزل:
ويذكر العم خليل بن إبراهيم بوعلي نقلاً عن السيد أحمد بن خليفة السادة يقول: في مرة من المرات كان للسيد خليفة بن عبد الغفور اثنان من العبيد، وبالليل أرادا الخروج من عنده لكنهما قد اتفقا فيما بينهما وبيتا النية على سرقة أموال السيد خليفة والهرب بها، ولما رأوا السيد خليفة قد ذهب إلى داره قاما وأوصدا الباب ليظن السيد أنهما قد خرجا من الدار، في حين أنهما مازالا بالداخل.
بعد برهة ذهبا إلى حيث يضع السيد خليفة أمواله وكانت الأموال عبارة عن أكياس كبيرة كل كيس فيه ألف روبية أو ألفين روبية، فقاموا يحملون هذه الأكياس على ظهورهم ليهربوا بأكبر قدر ممكن من المال.
يقول العم خليل: وفي هذه الأثناء سمعت زوجة السيد خليفة بعض الجلبة وبعض الأصوات الغريبة فأخبرت زوجها بما سمعت.
فقال لها السيد خليفة: لا عليكِ، هذان العبدان يريدان أن يأخذا بعض المال، ولم يأخذا الكثير بعد، دعيهم ليحملوا كمية أكبر من المال، وفعلاً قام العبدان بحمل كمية أكبر من أكياس النقود، ولما أرادوا الانصراف بها وفتحوا باب المنزل لم يقدروا على الخروج منه إلى الخارج، ولم يستطيعوا حتى الدخول إلى المنزل، بل ظلوا على هذا الحال دون حراك، وبعد برهة جاءهم السيد خليفة وقال لهم: ها أنتوا إلى الآن هنا ما ذهبتوا إلى البيت ؟
فقالا له: يا سيد نريد أن نصلي الفجر في المسجد!!
فقال لهم: لا لا، ابقوا بعد قليلاً لكي يراكم الناس، فكان الناس يمرون عليهم وهم ذاهبون إلى الصلاة ويشاهدونهم ويتعجبون من صنيعهم؟!!
حريق حالة النعيم:
يروى عن السيد خليفة هذه الحادثة وهي من الحوادث التي اشتهرت عنه، وملخصها أنه في إحدى السنوات حصل حريق كبير في حالة نعيم، ولم يستطع أهالي الحالة إطفائه فاستعانوا بأهالي الحد، كما جاء بعض أهالي الحالة إلى السيد خليفة وأخبروه الخبر، فقام على الفور معهم وذهب إلى موضع الحريق، وأخذ حفنة من التراب وقرأ فيها بعض آيات من القرآن الكريم ثم رمى بهذه الحفنة على المساكن التي تحترق، فانطفأت النار على الفور بقدرة الله سبحانه وتعالى، ونجت حالة النعيم من خطر محدق!!
الدعاء المستجاب:
ويروي الأستاذ مبارك العماري هذه الحادثة التي وقعت للسيد خليفة نقلاً عن الشاعر عبد الرحمن الشاعر يقول: في إحدى المرات حدث بين السيد خليفة بن عبد الغفور السادة وبين الشاعر فيروز بن هجرس - وهو من أهالي قلالي عمل (سيباً) في مهنة الغوص، كما عمل (نهاما) وركب البحر مع النوخذة بدر بن محمد المناعي- وقد جرى بينهما مشاحنات وخصام ولم نقف على سببها، فدعا عليه السيد خليفة بهذا الموال الذي يقول فيه مخاطباً النوخذة بدر المناعي:
يا بدر جاتك هديه في البحور اتدور
وتدور فيروز من بد السيوب اتدور
أطلب من الله قبضه في دماغه اتدور
نجسٍ بلاني بلاه الله في روحه
نزاع الارواح تنزع يا ولي روحه
أطلب من الله عجلٍ ماخذٍ روحه
سريعٍ إبلا بطا قبل السنة لا تدور
وقد استجاب الله تعالى لدعوة السيد خليفة فمرض فيروز بن هجرس مرضاً قضى عليه ومات قبل أن يحول عليه الحول كما طلب السيد خليفة في دعائه.
في مرة من المرات:
يشير العم السيد خليفة بن إبراهيم السادة إلى حادثة وقعت للسيد خليفة وهي أنه في أحد الأيام توفيت إحدى زوجاته، فقام وتزوج من أختها، وبعد الزواج وجد أن طبع الزوجة الأولى أفضل بكثير من طبع أختها، فأنشد هذين البيتين اللطيفين:
بَدَّلت غير الحبيب
وافترق وايد
وَيهنٍ يدخن
وطبعٍ بالنحس جايد!!
المواويل:
ذكرها الأستاذ مبارك العماري في كتابه القيم (المجموعة الرابعة لشعراء الموال) (ص 117) فمنها: قول السيد خليفة بن عبد الغفور:
ردوها لي يا ملا والرا لها معنى
طفل خذ أيام يا صاحب بلا معنى
جد برقت نور خدين لها معنى
وش حيلتي لي نظرت الزين في غرته
مريت مرار وصارت مرتي غرته
كم واحدٍ في زمانه نفيسته غرته
سفن الهوى غرَّفن والرا لها معنى
* * *
وقال السيد خليفة:
عود نفل كل عود ومنبته طيب
ابن الأكارم ونسل الجود والطيب
مسيت رد المسا، جد قال لي طيب
تبسمت الأرض من بعد المحول ابحيا
أهلك هل الجود للجيران ستر وحيا
لين أمحل الروض تزهي داركم بالحيا
أهل الندى منقع الجودات والطيب
* * *
وقال السيد خليفة مخاطباً الشاعر رحمة بن حمد المجيران:
قم شد لي بكرة تسبق رياح الهوى
يتبع بها بابل جد لعلعن بالهوا
هذا النجم غاب وخلافه بقى لك هوى
هاذي الليالي لهن دارات وارسالي
حطن بقلبي لهن رسمٍ وارسالي
يا سايرٍ لرحمة بلغه بالأرسالي
سأله عن الخمسه اللي خفين بالهوا
والخمسة التي يعنيها السيد خليفة هي قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت).
* * *
وقال السيد خليفة:
حنا بعيدين وخلان القلب عالي
يا طير إفهم جوابي وإنص به عالي
إنصى الحبيب الذي لأهل الهوى عالي
روح إنصى به صوب خل يفهم المعنى
ظليت في بحور لا خل ولا معنى
طلبت ربي عقب الفراق يجمعنا
ايسر قلبي ويذكر من لنا عالي
* * *
وينسب للسيد خليفة:
البين هيض غرام البعد وأشجاني
أبلى شبابي أنا الوجعان وأشجاني
الأول إلي خلة يدرون وش جاني
يحق لي بعدهم لأضرب براسي حجر
من حيث لني بهواهم ما عليه حجر
يا رب أنا طالبك بالمصطفى والحجر
تبري صوابٍ سطى بالقلب وأشجاني
* * *
وينسب للسيد خليفة:
يا صويحبي كيف حالك من عقب الأول
حبك برى خاطري زايد على الأول
وحياة من شيد الأركان بالأول
ما قط أنا أنساك لو قلبك جفا وانكر
ونكران عقب المعرفة قلت أنا منكر
سايلت راعي الشريعة قال ذا منكر
وأقول ويلاه واحزني على الأول
* * *
وينسب للسيد خليفة:
يا رب منك الصبر من يوم جيل إرحلوا
وآراض قلبي خلت من مسكني وارحلوا
يا علهم جنة الفروس يوم ارحلوا
يا خالجي أرتجي منك الخلف والصبر
تامن بقلبٍ جريحٍ وتاجنه بالصبر
والله ما لي عزا لو زدتني بالصبر
شان الوطن يوم قفوا بمهجتي وارحلوا
* * *
وينسب للسيد خليفة:
لو بشتكي ما بقلبي لأم سالم بكت
من مقلة غثها جرح شنيع وبكت
يا عيد من فارق المحبوب عينه بكت
كلما بغيت التجلد ما عزا قلبي
على الذي وسطهم يازي كما القلبي
يا بيض خذتوا فوادي وا شقا قلبي
لولا مداراة قلبي كان عيني بكت
* * *
وقال السيد خليفة:
حبي ولبي وقلبي من جدا العالي
والعين ما هي غفت ساعه عن العالي
نادوا طبيب الهوى إن كان بيعالي
يغسل اثويب الحبيب والشفا من ماه
ونفوس روحي خلقها خالقي من ماه
يا الله بعشرين زينه مايها من ماه
نقضي شفوف المكده وننتوي عالي
* * *
ألم الفراق:
يذكر العم خليفة بن إبراهيم السادة أنه في آخر أيام السيد خليفة أصيب بمرض لا نعلم حقيقته فبلغ ذلك صديقه الحاج يوسف بن أحمد كانو فتأثر لذلك كثيراً، وحضر من المنامة إلى منزله مع جمع من تجار وأعيان المنامة، وذلك لاصطحاب السيد خليفة إلى مستشفى الإرسالية الأمريكي، وبعد إلحاح من الحاج يوسف كانو وافق السيد خليفة على الذهاب إلى المستشفى، وبعد أن فحصه الطبيب أخبره بأنه يحتاج إلى عملية جراحية، سيتم من خلالها فتح بطنه، لكن السيد خليفة أبا أن يجري العملية وعاد إلى منزله، ونظراً لمحبته الكبيرة لصديقه الحاج يوسف بن أحمد كانو فقد أرسل إليه هذه الأبيات التي تعبر عن شكره الصادق له وعن مشاعره تجاهه، على ما قدم إليه من خدمة، وما أسداه تجاهه من معروف ونصها:
أحسنت يا (يوسف) باحسانٍ يجازيك
ربٍ كريمٍ جاد وأحسن سياياك
شفت المكارم يا أخي كلها فيك
هذا ومشكور السعي عند من ياك
امشيت معنا والسعد يباريك
عفت الحفيز وعفت بيعك مع شراك
ماني بشاعرٍ للعطا قايلٍ فيك
أنا كريم النفس موه أنا ذاك
لو كود أنا للطيب حنا مماليك
تايز لنا والي واحنا رعاياك
الكل شاكر والأجانيب تهويك
وإعلانك فازت علامة مزاياك
ويظهر بأن للأبيات بقية، لكن هذا ما أسعفتنا به ذاكرة السيد خليفة بن إبراهيم.
وفاته:
عندما أحس السيد خليفة باقتراب الأجل وقد كان يرقب بعض أبناءه وهم في سن الطفولة، فقد خشي عليهم من صروف الدهر وتقلبات الأيام، وبالتالي فقد طلب من السيد هزيم بن عبد القادر السادة وهو من كبار رجالات قبيلة السادة في البحرين ومن كبار تجار اللؤلؤ كذلك، طلب منه أن يعتني بهم، وأن يكون وصياً عليهم إلى أن يكبروا ويعتمدوا على أنفسهم ثم يرجع لهم الحلال، وقد وافق السيد هزيم على هذا دون تردد. ولم تطل المدة بالسيد خليفة حتى توفي إلى رحمة الله، ونقل جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير بمقبرة الحد، وقد تأثر أهالي الحد بوفاته كثيراً إذ كان من خيرة رجالها وصلحائها رحمه الله تعالى.
تصحيح واستدراك:
هذه بعض الملاحظات والاستدراكات التي وقفت عليها في كتاب (المجموعة الرابعة لشعراء الموال) لأستاذنا الكبير الشاعر الأديب مبارك بن عمرو العماري، وأرجوه أن يعذرني على هذه الملاحظات والاستدراكات.
الملاحظة الأولى: بخصوص ما أشار إليه الأستاذ مبارك العماري في (ص116) من كتابه بقوله: "اختلف الرواة في تحديد وفاته-يعني المترجم له السيد خليفة-، فحين أن بعضهم يذكر وفاته عام 1317هـ (1899م) هناك رواية تذكر أنه توفي 1321هـ/1322هـ أي عام 1904م، لذلك تنحصر وفاته بين هذين التاريخين، بينما أرجح أنه توفي بعد ذلك".
قلت: قول أستاذنا مبارك العماري بأن وفاة السيد خليفة تنحصر بين هذين التاريخين، يناقض قوله بعد ذلك بأنه يرجح أنه توفي بعد ذلك.
أما بالنسبة للتاريخ الذي أرجحه لوفاته فهو العام 1330هـ (1912م) بناء على المعطيات التي أدلى بها حفيده العم السيد خليفة بن إبراهيم السادة.
الملاحظة الثانية: ذكر الأستاذ مبارك العماري في (ص100) من كتابه أن السيد عبد الغفور والد المترجم له يُدعى عبد الغفور بن خليفة، وهذا فيه نظر إذ أن الشجرة المعتمدة في نسب قبيلة السادة التي أعدها الأستاذ عبد الله بن حسين السادة والتي طبعت في عام 1999م تشير إلى أنه عبد الغفور بن محمد بن تاجر، فاقتضى التنبيه حتى لا يخفى.
الملاحظة الثالثة: ذكر الأستاذ مبارك العماري في (ص100) أن السيد عبد الغفور والد المترجم له رزق بولدين هما إبراهيم وخليفة، وهذا فيه نظر إذ أن الشجرة المعتمدة في نسب قبيلة السادة تشير إلى أنه رزق بولدين هما خليفة -المترجم له- ويوسف، فاقتضى التنبيه حتى لا يخفى.
مصادر ترجمته:
1-مقابلة مع الأستاذ مبارك بن عمرو العماري.
2-كتاب المجموعة الرابعة لشعراء الموال، جمع الأديب مبارك العماري.
3-مقابلة مع العم خليل بن إبراهيم بوعلي، وهو من جيران المترجم له.
4-مقابلة مع السيد خليفة بن إبراهيم بن خليفة بن عبد الغفور السادة، والمترجم له جده.
5-مقابلة مع السيد أنور بن خليفة بن إبراهيم السادة، والمترجم له والد جده.
6-شجرة قبيلة السادة، أعدها الأستاذ عبد الله بن حسين السادة، طبعت عام 1999م.
7-دليل الخليج، ج.ج. لوريمر.

هناك تعليق واحد:

  1. الله يرحمك ياجدي ابراهيم ويااجدادي كلهم ومثواكم الجنه ان شاءالله

    ردحذف

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي  بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...