الأربعاء، 25 مايو 2011

في‮ ‬تزييف التاريخ البحريني‮ ‬الحديث والمعاصر ومحاولات طمسه


نشكر الدكتورة ضياء الكعبي على مقالها القيم وعساك على القوة وإلى الأمام يا كتاب ودكاترة البحرين


د‮. ‬ضياء الكعبي
صحيفة الوطن - العدد 1983 الأثنين 16 مايو 2011
تتعدد مصادر كتابة التاريخ البحريني‮ ‬الحديث والمعاصر من المصادر البرتغالية والهولندية؛ أي‮ ‬مصادر القوى الاستعمارية التي‮ ‬سيطرت على الخليج العربي‮ ‬في‮ ‬القرنين السادس عشر والسابع عشر إلى المصادر البريطانية التي‮ ‬تعد وثائقها وأرشيفها المحفوظ في‮ ‬المكتبة البريطانية المصدر الأضخم لتاريخ البحرين والخليج العربي‮ ‬إلى المصادر العثمانية والمصادر الفرنسية والوثائق الأمريكية والمصادر الروسية،‮ ‬ولا ننسى المصادر الإقليمية والمحلية مثل كتاب‮ ''‬قلائد النحرين في‮ ‬تاريخ البحرين‮'' ‬لناصر الخيري‮ (‬توفي‮ ‬1925‮)‬،‮ ‬وقد بقي‮ ‬الكتاب مفقوداً‮ ‬لسنوات طويلة إلى أن عثر الباحث السعودي‮ ‬عبدالرحمن الشقير على مخطوطة بخط مؤلفه ونشرته مؤسسة الأيام البحرينية سنة‮ ‬‭.‬2003
وهناك أيضاً‮ ‬كتاب‮ ''‬عقد اللآل في‮ ‬تاريخ أوال‮'' ‬لمحمد على التاجر‮ (‬توفي1967‮)‬،‮ ‬وقد عثر عليه الأستاذ إبراهيم بشمي‮ ‬ونشرته مؤسسة الأيام عام‮ ‬‭.‬1994‮ ‬وتأتي‮ ‬المصادر الشفهية من خلال الروايات المحلية التاريخية ويمكن الاعتماد عليها إذا استفاد الباحث من مناهج علم الجرح والتعديل كما‮ ‬يذكر الدكتور بشير زين العابدين في‮ ‬كتابه‮ ''‬مقدمة في‮ ‬مصادر تاريخ البحرين الحديث والمعاصر‮''‬،‮ ‬وهذا الكتاب‮ ‬يتسم برصانة منهجية توثيقية تؤسس لمصادر الدراسة في‮ ‬هذا الموضوع،‮ ‬وهو بمثابة الدليل والمرشد الهادي‮ ‬لأي‮ ‬باحث في‮ ‬تاريخ البحرين الحديث والمعاصر‮. ‬وأضيف إلى المصادر السابقة المذكرات والسير الذاتية للشخصيات الوطنية البحرينية المعاصرة التي‮ ‬تقدم إضاءات مهمة لمراحل تشكل الدولة البحرينية الحديثة‮.‬
بُذِلَت جهود كبيرة لتدوين التاريخ البحريني‮ ‬الحديث والمعاصر ويأتي‮ ‬في‮ ‬مقدمتها جهود الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة والدكتور علي‮ ‬أبوحسين في‮ ‬مركز الوثائق التاريخية ومجلة الوثيقة والدكتور خالد آل خليفة ومؤلفات الشيخة مي‮ ‬آل خليفة والدكتورة منى‮ ‬غزال وترجمات الدكتور عيسى أمين وأبحاث الأستاذ بشّار الحادي‮ ‬وسواها من جهود‮ ‬وطنية رصينة‮. ‬وفي‮ ‬المقابل هناك باحثون بحرينيون تعمدوا بسابق إصرار وترصد تشويه التاريخ البحريني‮ ‬الحديث والمعاصر وتزييف الحقائق وطمسها ضمن مشروع فكري‮ ‬منظم ابتدأ منذ السبعينات؛ أي‮ ‬فترة تأسيس الدولة البحرينية الحديثة بعد استقلالها واستمر هذا المشروع الفكري‮ ‬الموجه إلى الآن‮. ‬ومخطط الانقلاب على الحكم العربي‮ ‬الخليفي‮ ‬كان‮ ‬يستهدف المكون التاريخي‮ ‬للبحرين بتزييفه لخدمة أجندة شرذمة تريد نفي‮ ‬عروبة البحرين ونفي‮ ‬ارتباطها في‮ ‬عمقها الأصيل بشبه الجزيرة العربية والخليج العربي،‮ ‬وهنا تأتي‮ ‬مقولة‮ ''‬السكان الأصليين‮'' ‬ومقولة‮ ''‬الأغلبية في‮ ‬مقابل الأقلية‮'' ‬والأساطير المستوحاة من تراث الهولوكست‮ (‬البحريني‮!) ‬من التشتت والإبادة والنفي‮ ‬والتهجير إلى إيران والعراق ومن ثم العودة إلى أرض الميعاد البحرين‮! ‬والمستقصي‮ ‬لهذه المؤلفات‮ ‬يجد إقصاءً‮ ‬متعمداً‮ ‬للمكوِّن العربي‮ ‬البحريني‮ ‬السني‮ ‬وكأنَّ‮ ‬ذاكرتهم لا تشتغل إلا بهذا الإقصاء وهذا الطمس وهذا التغييب‮! ‬وأنا لست ضد تأريخ الجماعات لنفسها فهذا من حق أي‮ ‬جماعة أن تؤرخ لتاريخها،‮ ‬ولكني‮ ‬ضد طمس تاريخ الجماعات الأخرى وإلغائها وتزييف التاريخ وصناعته بما‮ ‬يتناسب مع تأويل طائفة أو فئة ما‮. ‬وللأسف هذا ما وجدته في‮ ‬عدد من كتب باحثين بحرينيين‮ ‬يدعون الموضوعية في‮ ‬طرحهم،‮ ‬وهم في‮ ‬الأصل متعصبون لذاكرة جماعاتهم كأشد ما‮ ‬يكون التعصب،‮ ‬ولذا فإنهم في‮ ‬الحين الذي‮ ‬يدعون أنهم مهمشون‮ ‬يعانون من تعصب المركزيات‮ ‬يصبحون هم حقيقة‮ ‬بكتاباتهم هذه المركز الطارد والآخرون مجرد هوامش لا تستحق الذكر‮!‬
قبل قليل كنت أتحدث عن المذكرات والسير الذاتية بوصفها مصدراً‮ ‬لتاريخ البحرين الحديث والمعاصر،‮ ‬وأستشهد في‮ ‬هذا المقام بمذكرات الأستاذ عبدالعزيز الشملان وهو أحد الرجال الوطنيين المخلصين من هيئة الاتحاد الوطني‮ ‬البحرينية فعندما دوَّنت جريدة أخبار الخليج في‮ ‬الثمانينات بعض ذكرياته كان‮ ‬يتحدث بحرقة شديد وألم كبير عن الجهود التي‮ ‬بذلها هو ورجال الهيئة لمنع هجرة المئات من أبناء القبائل العربية الأصيلة إلى قطر في‮ ‬الخمسينات من القرن الماضي‮ ‬بسبب التضييق عليهم من سلطات الاستعمار البريطاني‮. ‬وهؤلاء مكون عربي‮ ‬أصيل فقدناه بسبب الاستعمار الذي‮ ‬جلب في‮ ‬المقابل إلى البحرين الآلاف من العناصر الإيرانية ووطنها ضمن سياسة القضاء على عروبة البحرين‮. ‬وهذه ذاكرة لا‮ ‬يجب أن ننساها فالأصل في‮ ‬هذه الجزر هو العروبة منذ قبائل بكر وتغلب وعبدالقيس وتميم قبل الإسلام إلى حكم الدولة‮ ‬العيونية والدولة الجبرية وحكم قبائل الهولة للبحرين،‮ ‬وهم قبائل عربية أصيلة استوطنت الساحل الشرقي‮ ‬من الخليج العربي‮ ‬إلى الحكم العربي‮ ‬الخليفي‮ ‬الذي‮ ‬أعطى تاريخ البحرين المعاصر صبغة عربية أصيلة صميمة في‮ ‬عراقتها وفي‮ ‬امتداد أصول القبائل العربية إلى شبه الجزيرة العربية موطن العرب الأول‮.‬
يجب أن تتنبه الدولة إلى مخطط طمس عروبة البحرين وتاريخها والذي‮ ‬يأتي‮ ‬ضمن مخطط أوسع‮ ‬يستهدف طمس عروبة الخليج العربي،‮ ‬وقد سمعنا الأصوات الناعقة التي‮ ‬تنادي‮ ‬بذلك وما أقبحها من أصوات ناعقة نعيق الغراب‮!
‬ولذا أكرر دعوتي‮ ‬مرة أخرى بضرورة تأهيل أجيال من الباحثين الأكاديميين البحرينيين الشباب من ذوي‮ ‬الولاء والانتماء الوطني‮ ‬تأهيلاً‮ ‬علمياً‮ ‬أكاديمياً‮ ‬منهجياً‮ ‬بابتعاثهم إلى الجامعات الغربية وفي‮ ‬مقدمتها الجامعات البريطانية كي‮ ‬يتمكنوا من كتابة تاريخ البحرين كتابة موثقة‮. ‬ونحن بحاجة إلى إنشاء أرشيف وطني‮ ‬بحريني‮ ‬يجمع كل ما كُتِبَ‮ ‬عن تاريخ البحرين الحديث والمعاصر ومن نسخ‮ ‬لمئات الآلاف من الوثائق المنتشرة في‮ ‬مراكز مختلفة من العالم ومن ثم تأتي‮ ‬الخطوة الثانية بقراءة هذه الوثائق وتحقيقها وتحليلها ومقارنتها ونشر النتاج العلمي‮ ‬الصادر عن هذه القراءة المنهجية،‮ ‬وإقامة المؤتمرات والمنتديات الخاصة بعروبة البحرين،‮ ‬وقبل هذا كله تدريس أبنائنا تاريخ البحرين الحقيقي‮ ‬أي‮ ‬تاريخ العروبة الذي‮ ‬سينمي‮ ‬فيهم الاعتزاز بعروبتهم وبامتداداتهم الخليجية والعربية،‮ ‬والذي‮ ‬سيخلق فيهم ذاكرة جمعية تعزز باستمرار قيم الولاء لهذه الأرض الطيبة،‮ ‬وما أحوج أهل البحرين جميعاً‮ ‬إلى مثل هذه الذاكرة الوطنية الخلاّقة‮!‬
‮- ‬إضاءة‮..‬
قال أبوالطيب المتنبي‮:‬
وإنما الناس بالملوك وما
تفلح عرب ملوكها عجم
لا أدب عندهم ولا حسب
ولا عهود لهم ولا ذمم‮!‬

الأربعاء، 18 مايو 2011

ساحل القراصنة الحلقة رقم (22) قبيلة بوعلي

في الوقت نفسه قام سلاح المهندسين بالاعداد لهدم التحصينات والمباني ذات الطابع الدفاعي ما عدا بعض المنازل القائمة والتي سوف تستخدمها الحامية الانجليزية والتي سوف تتولى أمور الامن بعد مغادرة الاسطول، وكان منزل الشيخ والمساكن القريبة منه من هذه المنازل المذكورة. تم تلغيم القلعة ونسفها في الثالث عشر من ديسمبر/ كانون الاول، في اليوم نفسه غادرت السفينة ايدن الى جزيرة قشم للتزود بالماء وكان نقصان الماء يسببه اخلاء الصهاريج عند محاولتها الوصول الى الساحل والذي يستلزم خفة في الوزن.
اثناء غياب لوخ هاجمت السفينة ليفربول وطرادين مدينة (زاية) لم اجد موقعاً لها على الخريطة، ودمروا عدة سفن وتحصينات ساحلية وهاجموا بعد ذلك ام القيوين وعمان والشارقة ودبي، وكانت (زاية) مدينة تابعة للقراصنة تبعد اثني عشر ميلاً في الشمال الشرقي لرأس الخيمة، حيث تحصن الشيخ حسن بن علي وعدد كبير من جنوده.
تطل هذه المدينة على خور وتحيط بها مزارع النخيل من كل جانب وتحميها قلعة بنيت على اعلى قمة جبلية شديدة الانحدار حتى ان بناتها العرب اعتقدوا بأنه لا يمكن اختراقها، وبالفعل وجد الفصيل المهاجم صعوبة في توجيه المدافع لها ولكن بعد مقاومة شديدة استسلمت القلعة في الثاني والعشرين من ديسمبر/ كانون الاول (واخبرنا صبي هندي هارب منها ان المحاربين كانوا سيستسلمون في وقت سابق ولكن اصرار الشيخ اطال زمن القتال وقاتل بنفسه).
يوم عيد الميلاد وصلت السفينة ايدن الى (زاية) عائدة من جزيرة قشم والتحقت بالسفينة ليفربول في طريقها الى رأس الخيمة.
بعد العودة الى رأس الخيمة وجد لوخ بأن المناقشات مع الشيخ (وزعماء القراصنة) قد اثمرت وخاصة بعد سقوط (زاية) آخر معقل لهم وتعهدوا بنهج طريق مغاير في الحياة شرط اعطاء الامان لهم ولرعاياهم، ونظراً لأن مصيرهم جميعاً كان في يد الانجليز لذا وافقوا على مطالب الشيوخ وجاء الشيخ حسن بن رحمة لمقابلة القائد العام في حضور لوخ، هذا الحسن بن رحمة والذي كان اسمه يثير الرعب من عدة اشهر في كل الخليج جاء الآن الى القائد طالباً الرحمة والسلام وكان منظراً محزناً ان يتحطم عزم رجل مثل هذا الزعيم.
كان منظره مثلما نتوقع في مثل هذه الشخصيات، كان متوسط الحجم، بارز المعالم، وقوي الملامح، ذا عيون ذكية يدور فيه سؤال دائم عما يدور في ذهن كل الحاضرين.
لقد حدث شيء أثناء هذا اللقاء جعلني اشعر بالفخر الى درجة ما واعطاني شعوراً مخالفاً عندما وصلت الى حقيقته، قام الكابتن بروس والدكتور ديوكس Dukes والكابتن تومسون Thompson بالترجمة طوال الوقت وعندما ذكر اسمي اراد حسن بن رحمة ان يعرف أي الحاضرين اكون وعندها تقدم الي مصافحاً، وكأنه وجد لنفسه صديقاً من بين هؤلاء المحيطين به، لقد كانت الاتصالات المتواصلة بيننا سبباً في هذا التصرف، ولم يكن بمقدرتي تصور الوضع السيئ الذي اصبح فيه هذا الرجل.
لقد حدث نقاش حاد وطويل حول معنى كلمة امان والتي استخدمها القائد العام في تصريحه لكل الشيوخ قبل حضورهم لتقديم الاحترام له، لقد اعتقد بعضهم انه تعنى العفو التام عن ما مضى وحرية التصرف الحر في المستقبل وكان الخلاف القائم بين القائمين على الترجمة حاد ويكاد يشبه المعركة التي دارت بين جوليفر والاقزام.
اما المعنى الآخر للكلمة فكان يعني الحماية (حماية ارواح العرب، اما الامور الاخرى فإنها تترك لتصرف القائد العام). اتخذ القائد العام موقفاً معتدلاً، حيث سمح للشيخ حسن بن رحمة حرية التصرف والتنقل طالما التزم بعدم العودة الى نشاطه السابق ولتأكيد ذلك فإن رأس الخيمة سوف تهدم كلها ما عدا سكن الشيخ وبعض المنازل الحجرية والتي سوف تستخدم ثكنة للقوات الانجليزية فيها. وكان الصلح المعقود بين الانجليز والقراصنة هو اصل كلمة المتصالح والتي اصبحت تطلق على المشيخات المتصالحة على ساحل عمان.
في الثامن من يناير/ كانون الثاني 1820 وقعت اتفاقية السلام العام بين الانجليز وشيوخ الساحل كل على حدة، وكذلك نائب شيوخ البحرين الذي حضر خصيصاً لتوقيع الاتفاقية في رأس الخيمة. وادخلت المادة المتعلقة بالرق بواسطة الكابتن بيرونت تومسون (Thompson Perronet) البالغ من العمر الثامنة والثلاثين وكان الكابتن تومسون مترجماً للقائد العام ويتبع المذهب البروتستانتي، ويقيم في يوركشير حيث اقام اجداده السويسريون والذين هاجروا من (الشاتو ديوكس) كانت عائلته مؤمنة ومؤيدة لإلغاء الرق وتربطها صداقة بولمبرفورس.
لم يكن تومسون جندياً عادياً، فقد كان من جنود البحرية قبل ان يكون ضابطاً في الجيش الى جانب آراء سياسية واقتصادية قام بتطبيقها في اسواق رأس الخيمة عندما عين مسؤولاً عليها.
ابتدأ حياته في عام 1803 بحاراً تحت التدريب، ومن ثم عين في الفرقة الخامسة والتسعين، والتي كانت مسؤولة عن السيراليون حيث عين حاكماً فيها.
في عام 1812 انتقل تومسون الى الجيش وتمت ترقيته الى رتبة نقيب في الفرقة الخمسين التابعة للمشاة، وبعد فترة قضاها في اسبانيا نقل الى فرقة التنين السابعة عشرة في الهند حيث ابتدأ في تعلم اللغة العربية.
وعندما توجه تومسون الى الخليج في وظيفة مترجم للقائد كيير احضر معه زوجته وابنه البالغ اربع سنوات. بعد المعركة انتقلت عائلته معه الى الساحل في خيمة حيث نسخت زوجته صوراً عن الاتفاقيات الموقعة.
ومن خلال دراسة سيرته الذاتية والتي كتبت بواسطة اناس متعاطفين معه نجد انه كان رجلاً يصعب التعامل معه، خصوصاً من قبل موظفي شركة الهند الشرقية ونعتقد ان ذلك يشمل ضباط البحرية ايضاً. وعند كتابة الاتفاقيات كان يعتقد ان ضباط البحرية لا يدركون معنى الاتفاقيات بقدر ما يدركون فائدة لوح الخشب.
كان تومسون هو الضابط المعين مسؤولاً عن رأس الخيمة عندما غادرتها القوات الغازية (يوليو/ تموز 1820) وكان يحمل لقب المعتمد او الممثل السياسي لكل الامور المتعلقة بشؤون القبائل العربية.
كانت الحامية تتكون من 1200 جندي من الانجليز والهنود التابعين لشركة الهند الشرقية ورفض اغلب ضباط جيوش الهند التعامل معه (تومسون الضابط في جيش الملك).
وقال هو عنهم ‘’انهم يقدمون رسالة جوابية بالاعتذار عن أي امر او جهة لهم’’. وادعى الضباط بأن تومسون كان دائم التدخل في شؤونهم الخاصة. لم يكن الوضع عامة مناسباً وخاصة اذا علمنا ان طبيعة الاجواء الحارة وقلة المياه المناسبة للشرب وتفشي الامراض كانت كلها عوامل سلبية مجتمعة ضد ضباط وجنود الحامية.
في يوليو/ تموز تم اخلاء رأس الخيمة، وكان ذلك القرار نتيجة للوفيات الكثيرة بين الجنود بسبب حرارة الجو وانتقلت الحامية الى جزيرة قشم حيث كانت تعتبر مكاناً صحياً. اصيب تومسون بالمرض ونقل اثر ذلك الى بومبي، ولكنه قطع الرحلة من رأس الخيمة الى مسقط في سبعة عشر يوماً، ولذا عاد الى جزيرة قشم، ولم يتوجه الى بومبي.
في منطقة داخلية قرب ميناء صور (مئة ميل الى الجنوب) كانت تقيم قبيلة أبوعلي والتي كانت موالية للوهابيين مما ادى الى عزلها بواسطة القبائل الأخرى ومناصبة سلطان مسقط العداء لها.
وصلت أنباء لتومسون والسلطان بأن هذه القبيلة تباشر أعمال القرصنة.
كانت الأوامر لدى تومسون أن يقاوم أي نشاط للقراصنة، ولكن وقبل أن يتخذ أي قرار لابد من التأكد بأن هؤلاء قد باشروا أعمال القرصنة مرة أخرى هذا على أن يبقى نشاطه في منطقة الساحل فقط. طلب سلطان مسقط من تومسون أن يساعده في القضاء على القراصنة من أبوعلي.
أرسل تومسون مبعوثا منه الى قبيلة أبوعلي يحمل رسالة يطالبهم فيها بالتزام الأمن وعدم ممارسة القرصنة ويقال ان هذا المبعوث اضطر للسباحة لكي يصل الى موقع القبيلة، ولكن وهو في طريق عودته هاجمه اثنان من العرب وخادم من العبيد وقاموا بتقطيعه الى قطع صغيرة، وأرسل شيخ أبوعلي رسولا من طرفه يبلغ تومسون بأنه لا يريد أية حروب وأنه سوف يرسل الى طرفه (طرف تومسون) القتلة للاقتصاص منهم، كان هذا الاعتداء (بالنسبة الى تومسون) دليلا ثابتا على ممارسة قبيلة أبوعلي القرصنة، ولذا قرر الاشتراك مع سلطان مسقط في حملة تأديبية.
تم اعداد حملة عسكرية تكونت من ثلاثمئة وخمسين من الجيش الانجليزي والهنود وألفين من جنود السلطان، وكان الجميع تحت قيادة السلطان بنفسه نزلت القوات المذكورة في صور وبعد مسيرة ستين ميلا وصلت الى ما بعد البصر من مدينة أبوعلي والتي تحيطها أشجار النخيل، التي اختبأ فيها الأهالي العرب.
سارت القوات المذكورة في طابور طويل ومكشوف وفجأة اندفع جنود ابوعلي من المزارع وقاموا بمهاجمة الطابور المذكور وقطعوا رقاب وأطراف الكثيرين منهم بالسيوف، ولم يسلم من عملية الذبح إلا الجراح الذي كان محمولا في نقالة (بسبب المرض).
وخلال عدة دقائق انتهت المعركة التي كان ضحاياها سبعة من الضباط ومئتين وتسعة وأربعين قتيلا وجريحا، تراجع الانجليز وجنود السلطان والتجأ الجميع الى قلعة صغيرة على بعد مسافة قصيرة من مناطق نفوذ أبوعلي، في الوقت نفسه رفض الباقي من جنود السلطان مواصلة القتال وابتدأوا في الهرب، فخاطبهم السلطان قائلا دع أولئك الراغبين في أن أواجه مصيري وحيدا أن يفعلوا ذلك.
لقد كان السلطان شجاعا وثابتا وجرح أثناء انقاذه لجندي بريطاني. عاد جيش السلطان المهزوم الى مسقط يرافقه الجرحى ووصل الجميع الى هناك بعد خمسة أيام.
ترك تومسون في مركزه في قشم حتى مايو/ أيار 1821 بعدها استدعي مخفورا الى بومبي وتمت محاكمته في محكمة عسكرية.
كان رئيس المحكمة الجنرال ليونيل سميث Lione Smith والذي كان قائدا للحملة ضد القراصنة في ,1809 وكانت التهم الموجهة الى تومسون، بأنه قد تسرع في توجيه القوات الى المعركة على رغم التعليمات الصادرة اليه وكانت التهمة الثانية انه تصرف تصرفا مشينا. حاول تومسون القاء اللوم على الضباط المرافقين للجيش والرجال التابعين اليه.
ولكن وبعد المحاكمة وجد انه متهم وثبتت التهمة عليه وانه قد اخطأ في ارساله الحملة العسكرية واعطي تصريحات ومعلومات خاطئة عن الضباط والرجال التابعين له. وألغيت التهمة الثانية (التصرف المشين) وصدر الحكم ضده بالتوبيخ علنا وأمام الناس.
لقد كانت هزيمة القوات البريطانية بواسطة البدو (والذي لم يحدث قط مثلها في آسيا من قبل) هذه الهزيمة هزت الهند وبريطانيا، واتهم أغلب الناس تومسون لذلك. بعد عدة سنوات زار ولستد Wetlsted المنطقة ووجد انه من المستحيل أن تكون قبيلة أبوعلي قد مارست القرصنة لأنها، وفي تلك الفترة لم تملك أية سفن ولم يعملوا في البحر بل بالزراعة والرعي.
وأخبروا ولستد أنهم أرادوا السلام الدائم مع الانجليز، ولكن ليس مع السلطان بسبب الخلافات المذهبية.
في يناير/ كانون الثاني 1821 أرسلت حملة كبيرة ضد قبيلة أبوعلي، وفي هذه المرة كان عدد الجنود 1200 من الأوروبيين و1700 من الهنود وستة مدافع كبيرة، وكانت الحملة مرة أخرى تحت قيادة الجنرال ليونيل سميث، القصد منها الانتقام من قبيلة أبوعلي.
نزلت القوات في صور في 29 يناير/ كانون الثاني وأقامت معسكرها في ذلك الميناء، لقد أنقذت المعجزة هذه الحملة ايضا، فقد أقام الجنرال سميث معسكره على مسافة ثلاثة أميال من معسكر الجنود علما أنه يبعد خمسين ميلا عن رجال أبوعلي.
في الليل هجم رجال أبوعلي على المعسكر وقتلوا ضابطا واحدا وجرحوا وقتلوا الكثير من الجنود وقطعوا حبال الخيام ونجا الجنرال وقيادته من هذا الهجوم، بعدها تجمّع الجنود ولاذ رجال أبوعلي بالهرب.
في أول مارس/ آذار بدأ الهجوم ضد قبيلة أبوعلي وخرج الرجال للمعركة وهجموا على القوات المهاجمة بكل جرأة وشجاعة وقتلوا منها الكثير وقتلت منهم أعداد كبيرة، ولكن تمكنت القوات المهاجمة من صد هجوم العرب، بعد المعركة خرجت نساء أبوعلي لنقل الموتى من ميدان المعركة، وبعد برهة من الوقت خرجت اثنتان من نساء القلعة حاملات راية الصلح وعرضا بالاستسلام. فاستجاب الجنرال مطالبا بإلقاء السلاح من قبل رجال أبوعلي الذين رفضوا الطلب وواصلوا المعركة. انطلقت المدفعية في اتجاه القلعة وتهدمت جدرانها، ومع ذلك لم يستسلم العرب. وفي النهاية رفعت راية بيضاء على البرج مؤكدة النهاية.
في هذه المعركة قتل 500 من أصل 800 محارب عربي، وقتل 200 من الجنود الانجليز.
هدمت القلاع وخربت المزارع وردمت قنوات الري ويقال ان بعض هذا التخريب قام به جنود سلطان مسقط (مع أن الدين الاسلامي يمنع تخريب المزارع). عاد الجيش الانجليزي الى الساحل، ومعه 150 من الاسرى وكان شيخ أبوعلي وأخوه من ضمن الأسرى.
لم تعجب حوادث هذه الحملة مجلس ادارة الهند الشرقية الذي اعترض على الاصرار على القاء السلاح وعلى عملية تخريب القنوات المائية والمزارع واحضار عدد كبير من سجناء الحرب الى بومبي.
توفي الكثير من هؤلاء السجناء بمرض الكوليرا، والجدري وأرسل الباقي الى بلاده.
ويعلق ولستد على قرار مجلس ادارة الشركة والذي أدان الجنرال ليونيل سميث بأن ‘’خدمة الجنرال السيد ليونيل سميث في الهند والتي كانت ناصعة كللتها أعماله وانجازاته الاهلية’’.
وتحول بعد ذلك الجنرال السير ليونيل سميث الى خدمة بلاده في الهند الغربية. وكذلك كان الحال بالنسبة الى تومسون الذي رقي الى جنرال وتقاعد من بعد هذه الترقية وأصبح رديكاليا، ويعلق محرر صحيفة ويست منستر ريفيو West Minister Review بأن الجنرال ليونيل سميث والجنرال تومسون قدما خدمات جليلة لالغاء الرق.
وواصل عرب أبوعلي حياتهم وبقوا على المذهب الوهابي، وكان اسمهم يخيف جيرانهم وقد ربطتهم علاقة حسنة مع السلطان وأصبحوا القوة المساعدة له اذا ما تمرد أهل مسقط عليه.
كانت المهمة التالية لدى لوخ أن يبدأ عملية تمشيط السواحل؛ إذ بلغت أنباء عن أن بعض السفن التابعة للقراصنة قد غادرت السواحل في رأس الخيمة قبل وصوله، واتجهت هذه السفن الى السواحل الفارسية والبحرين. وكان الاعتقاد السائد لدى الانجليز آنذاك امكان تحول هذه السفن الى نواة لأساطيل جديدة تابعة للقراصنة. وقد صدرت الأوامر بتدمير هذه السفن أينما وجدت وأعطيت الى لوخ التعليمات المتعلقة بذلك.

ساحل القراصنة الحلقة (23) زيارة للشيخ سلمان بن أحمد الفاتح

في الثالث من يناير/ كانون الثاني 1820 غادر لوخ رأس الخيمة يرافقه بروس وتتبعه السفينة كارلو Curlew ونوتيلوس Nautilus وخلال اسبوعين طافت هذه السفن موانئ الخليج وتعرضت لعواصف الشتاء.
في جزيرة خارك وجد لوخ أهلها يمتازون بالشعر الأحمر وبياض البشرة ‘’وذكره ذلك بالدنماركيين’’ في الحقيقة كان الهولنديون هم الاوروبيون الذين أقاموا في الجزيرة في منتصف القرن الثامن عشر ولم يترك القرنين الماضيين أي أثر لأحفادهم ان كان هناك أحفاد (الهولنديون بقوا في هذه الجزيرة اثنتي عشرة سنة).
طرد الهولنديون من خارك بواسطة زعيم القراصنة مير مهنا شيخ بندر ريق ويصفه نيبور[1] في 1774 بأنه أكبر طاغية عرف لمساوئه وطغيانه، لقد قضى على والده بواسطة خادمه وأمام عينه لأن والده فضل أخاه الآخر وتخلص من والدته لأنها أنبته على فعلته هذه، وتمكن من اغتيال أخ آخر وستة عشر من أقاربه من أجل الحكم والسلطة. وقتل أختيه غرقا بسبب تقدم الشيوخ المجاورين بطلب الزواج منهما واعتبر مير مهنا ذلك اهانة شخصية له.
في عسلو[2]: نزل لوخ وبروس الى الساحل وطلبوا من شيخها ارشادهم الى سفن القراصنة في الميناء من أجل تدميرها كان من الصعب تحديد أي السفن تابعة للقراصنة ولكن الشيخ أشار الى سفينة واحدة تمت مصادرتها.
في نابند[3] وجدت اثنتان من السفن المطلوبة، وتم حرقهما، ولكن تمكنت اثنتان أخريان من الهرب في 21 يناير/ كانون الثاني وصل الأسطول الى البحرين.
قبل الوصول الى الجزيرة أرسلت السفينة نوتيلوس لمراقبة المخرج الجنوبي للميناء بين الجزيرتين (المنامة والمحرق) لكي تمنع أية سفينة من الهرب.
وتوجهت السفينة ايدن وكرلو الى البحرين، اصطدمت السفينة ايدن بقاع البحر ولكن تمكنت من الطفو مرة أخرى بعد ارتفاع منسوب البحر، ويقول المؤلف ‘’حتى في هذه الأيام وعلى رغم وجود خرائط المسارات البحرية تقع بعض السفن في هذا المأزق’’، ولكن يوجد الآن مرسى عميق في جنوب المنامة تستطيع أن ترسوا فيه ست سفن قرب الرصيف.
تقدمت السفينة ايدن والسفينة كرلو الى نقطة على بعد طلقة بندقية من سفن البحرين الحربية. تم التعرف على سفينتين في الميناء تابعتين للقراصنة وأرسلت مجموعة من الجنود لمصادرتهما، وتم ذلك بالفعل من دون أية مقاومة، ويقول لوخ ‘’أرسلت رسالة الى شيخ البحرين أبلغه عن التعليمات الصادرة لدي من أجل تدمير سفن القراصنة بطريقة لا يرفعون رأسهم منها مرة أخرى’’.
في الوقت نفسه طلب ارسال الخيول من أجل توجهه هو وبروس الى الرفاع لمقابلة الشيخ عبدالله والشيخ سلمان[4].
في أول زيارة (عندما زار لوخ البحرين بحثا عن السيدة الأوروبية) لم يشاهد الكثير من معالمها، ولكنه بقي فيها هذه المرة اسبوعا كاملا توجه خلاله الى الساحل عدة مرات.
وكان رأيه ‘’ان المنامة كانت تتميز برقيها اذا ما قورنت بباقي عواصم الخليج آنذاك، ومع أن أغلب بيوتها من السعف إلا أن ترتيبها ونظافتها لم أشاهد مثلهما في أي مكان آخر، وعرفت أن أهلها من الطبقات المتميزة، وتقع خارج مدينتها حقول زرعت بطرق متقدمة تفصل بينها أشجار النخيل وفي الداخل وجدت بساتين النخيل الكثيفة والتي كانت تبدو رائعة ولكن ما أثارني أكثر أنه في هذا الوقت من السنة كانت الحقول مغطاة بالبرسيم الذي يقدم للأبقار هذه الأبقار تنتج لبنا وزبدة لم أتذوق مثلهما منذ مغادرتي بريطانيا’’.
تروى بساتين النخيل في البحرين بواسطة قنوات تنساب فيها المياه الصافية الصادرة من الينابيع أو الآبار وتعطي الحقول الخضراء المزروعة بالبرسيم على مدار السنة منظرا خلابا يشرح النفس.
ويعقب المؤلف قائلا ‘’ان الكثير من أشجار النخيل قطعت وذلك لانشاء الطرق المزدوجة للسيارات وبساتين اخرى أزيلت لبناء المنازل على الطراز الاوروبي، لأن الدخل المادي منها أكبر من انتاج النخيل وأن ذلك يحدث على رغم توجيهات أبوبكر الصديق خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنع قطع أشجار النخيل’’.
عندما أوتي بالخيل توجه بروس ولوخ الى الرفاع يرافقهم ابن الشيخ وخادم له، وبعد عبور مزارع النخيل انبسطت الارض أمامهم في ارتفاع تدريجي، وانتقلوا في ممرات تحيط بها تلال المدافن (التي لا يذكر لوخ أي شيء عنها) ونعتقد أنه اعتبرها كثبانا طبيعية، ويعقب المؤلف قائلا، في السنوات الماضية جاءت الى البحرين بعثة دنماركية للتنقيب عن آثار البحرين واكتشفت مدينة أثرية ومعبدا، ويعود تاريخ هذا الاكتشاف الى 2500 سنة قبل الميلاد.
في النهاية وصل الجميع الى البلدة والتي تسمى الآن الرفاع الشرقي، وذلك لأن رفاعا آخر هناك قرب قصر الشيخ ويترجم دريدن Dryden أبياتا من فيرجل Virgils لوصف هذا المكان:
عالية تطل على الوادي والجبال
تطالع الأرض وتحرس المكان
منها تعلن الحرب
ولها في الحرب يلجأ الرجال
في العام 1820 كانت الرفاع بلدة جبلية محصنة ومأهولة بالسكان بنيت قلعة الرفاع بواسطة الشيخ سلمان بن أحمد، وسكنها، وقد بنيت على اساسات قلعة اخرى كانت مقرا لسلطة الهولة عندما حكموا البحرين في القرن الثامن عشر.
ومن أعلى الهضبة وقف لوخ وأنعم النظر تجاه الجنوب. ترامت الصحراء الرملية أمامه تتخللها الصخور الجيرية، وانتهت بجبل الدخان الذي يرتفع من دون انحناء من وسط الرمال.
كانت الجمال ترعى في البقع الخضراء المتناثرة بين الرمال ومجموعة من الغزلان تبدو وكأنها الحيوان الوحيد في هذه الصحراء. وفي قمة جبل الدخان كان هناك برج لمراقبة سفن الاعداء، ولم يبق منه الآن غير الاساسات فقط.
في جهة اليمين وعلى بعد عدة أميال كان من الممكن مشاهدة جزيرة سترة ومزارع النخيل فيها ومصائد الاسماك في سواحلها والتي تبدو وكأنها رؤوس حراب تدافع عن الجزيرة عندما وصل لوخ وبروس الرفاع وجدا الشيخين جالسين على دكة صخرية قرب بوابة القلعة (مازال أحفادهم يجلسون هناك في المساء لمناقشة أمور اليوم)، على رغم ان الصغار من اهل البحرين يجدون المتعة في الذهاب الى السينما ومشاهدة التلفزيون أو الاستماع الى الاغاني الغربية من الراديو.
وقف مئتان من الحراس قرب القلعة، وكانوا يلبسون الكوفية والثياب البيضاء الواسعة التي جمعت حول الخصر بشال أبيض. حمل كل حارس سيفا وبندقية وحزاما للخرطوش، واصطف الجميع في طابور عسكري على جانبي الشيوخ.
عند دخول بروس ولوخ اقترب منهما الشيخ سلمان وألقى التحية العربية عليهما، ودعاهما للجلوس معه وأخاه وبعد السلام أحضرت النارجيلة (أو القدو) والقهوة العربية بعدها نهض الشيخ سلمان وطلب من لوخ وبروس اللحاق به الى جانب أخيه الشيخ عبدالله فقط، فلحق به بروس ولوخ واستدار الجميع حول احدى زوايا القلعة، وفي اتجاه شمال شرق منها الى ان وصلوا الى فوهة قطعت في الحجر الصلب ودخل الجميع منها ولم يدرك بروس أو لوخ أين كانا متجهين، وتحول الممر الى سرداب كان لا بد من الانحناء أثناء عبوره وانتقل الجميع بعد هذا السرداب الى غرفة واسعة تم حفرها في الصخور الجبلية. لم تكن في هذه الغرفة أية انارة عدا النور الذي يدخل عن طريق السرداب. جلس الشيخ سلمان وأخوه الشيخ عبدالله وطلبا من بروس ولوخ الجلوس بقربهما.
تهامس الشقيقان بينما بقي بروس ولوخ صامتين وغير مدركين لما يجري حولهما، (ان هذه عادة يعرفها العرب ولا تعتبر غير حضارية). تحدث الشيخ سلمان قائلا انه يريد معرفة سبب حضور لوخ وبروس الى البحرين لأنه هو وأخوه لا يعتقدان أن السبب الحقيقي مطاردة القراصنة.
وأراد الشيخ معرفة إذا ما كانت الحملة الانجليزية موجهة ضد البحرين أو أن الانجليز قد دخلوا في حلف أرحمة بن جابر ضد آل خليفة في البحرين، ولذا اعتقد الشيخ سلمان أن الحديث سوف يكون أكثر سرية في هذه الحجرة (أو السرداب) وردد الشيخ طلبه في معرفة سبب حضور السفن البريطانية.
وكان رد الانجليز انهم بالفعل قد حضروا لتدمير سفن القراصنة وطالبوا الشيخ أن يفصل سفن رعاياه عن سفنهم حتى لا تصاب بأذى وأكدوا للشيخين بأنه لا داعي هناك لأي قلق إلا إذا قاما بمساعدة القواسم أو توابعهم.
ثم أثير موضوع مسقط وأراد شيخ البحرين معرفة اذا ما كان الانجليز قد توصلوا الى اتفاق مع سلطانها تجاه البحرين. لم يكن هناك رد رسمي في هذا الموضوع لدى لوخ أو بروس ولكنهما أكدا للشيخين أن سلطان مسقط لن يتدخل في امورهما.
ويقول لوخ لقد أكدنا كل ذلك لشيخ البحرين بشرط أن يثبت لنا من خلال تصرفاته بأنه بعيد عن القرصنة لأننا سوف ندمر وننهي القرصنة في الخليج.
يعلق بلجريف قائلا ‘’لم يعلم احد عن المحادثات السرية المذكورة ولا حتى مكان الحجرة التي في قاع القلعة، وقد محيت آثارهما الآن وأغلق الممر المؤدي اليها’’ في الحقيقة لقد أعيد فتح تلك الحجرة المذكورة في قلعة الرفاع بعد الترميمات الأخيرة - المترجم - في الحقيقة لم يكن شيخ البحرين مدركا لما كان يحاك للبحرين في بومبي لقد كان سلطان مسقط (القوي الذي قتل أقاربه) قد أصبح الآن من أهم الرجال لدى حكومة بومبي وأخلص الاصدقاء للانجليز الذين أعجبهم وقوفه في وجه القواسم والذي لولاه لما انتصر الانجليز عليهم.
هذا السلطان يعتبر أقوى قوة في الخليج الآن ويحمل بداخله طموح السيطرة الكاملة عليه، ولكنه في الحقيقة قد فشل في السيطرة على البحرين.
كان هناك دعاة التنازل عن البحرين الى مسقط، وكان هناك السير ايفان نابيان (Sir Evan Napean) حاكم بومبي والداعي الى تسليم البحرين الى مسقط مقابل السماح لقوة بريطانية بالمرابطة في جزيرة قشم منعاً للقرصنة في الخليج.
لاقى هذا المشروع معارضة شديدة في بومبي نفسها، وكان في مقدمة المعارضين فرنسيس واردن Franscis Warden الوزير الاول ورفض خيانة آل خليفة الذين حاربوا وحاولوا بكل جهد الحفاظ على استقلالهم انتصرت في النهاية آراء الوزير الأول وألغيت فكرة السير نابيان.
اقتنع شيخ البحرين بالأسباب المذكورة للحملة البريطانية على البحرين وأرسل المرافقون الى ميناء المنامة لفرز سفن البحرين من السفن الاخرى عاد الجميع الى مقدمة القلعة وجلسوا مرة اخرى قرب البوابة وأحضرت فرس عربية وتم عرضها على الانجليز وحازت كل الاعجاب وكان قصد الشيخ التأكد من اعجاب لوخ فيها قبل تقديمها اليه، مقابل هدية سابقة احضرها لوخ الى الشيخ في الزيارة الاولى.
ويعلق بلجريف: انه من عادة الشيوخ في الخليج اهداء فرس للزوار المميزين وعادة ما ينتهي الاوروبي الى وضع صعب يؤدي الى ترك الفرس في البحرين او يهديها الى مقيم في البلاد مما لا يثير أية حساسية لدى الشيخ بل انها عادة عربية ان تهدى الهدية فور استلامها، في الحقيقة لا يحدث ذلك، العربي يحب ان يحتفظ بالهدية، ولكن ربما يوزع بعضها اذا كانت فائضة عن حاجته - المترجم - كان الوقت متأخرا ولذا ابتدأ بروس ولوخ رحلة العودة الى المنامة يرافقهم ابن الشيخ وبعض الخيالة. وعند بداية المزارع وصل الجميع الى مكان يسميه لوخ القناة التي تمر تحت الجسر الصغير والذي يسمى (ردم الكوري) وتقع هنا مخاضة او ما يسمى (بالمقطع) قرب البحر تكون المسافة عبرها أقصر الى الرفاع، هذه المخاضة مازالت تستخدم بواسطة ركاب الحمير، في هذه المنطقة عبر بروس على ظهر حصانه الذي ارتمى في الماء ورفض الحركة على رغم كل المحاولات مما أثار عاصفة من الضحك.
كان هذا الحصان رماديا ولكن بعد نجاح المحاولة، كان قد تحول الى اللون الاسود (بسبب الطين العالق به). اتسخت بالطبع ملابس بروس في هذه الحادثة وكانت حالة بروس تدعو للرثاء.
وعندما وصولا الى المركب وجدوا الكابتن والبول Capt Walpole) قائد السفينة نوتيلس (Nautilus) قلقا لاعتقاده أن الشيخ قد احتجزهم وقد أرسل الكشافة للاستقصاء وجمع المعلومات عنهم، ولم يكن مدركا حتى ذلك الوقت بأن بروس ولوخ قد توجها لمقابلة الشيخ في الرفاع.
وعلى رغم تأخر الوقت فقد قرر لوخ التعامل مع سفن القراصنة! فورا قبل أن تهرب من ميناء المنامة. تم تجهيز السفن الصغيرة لتلك المهمة ولم تعد هذه السفن إلا بعد تدمير سفينتين من سفن القراصنة؟ وتمكنوا من احتجاز ثلاث سفن أخرى، بعد مقاومة تم اخمادها بواسطة رجال الشيخ عبدالله بن أحمد.
حاولت بعض السفن التابعة للقراصنة الهرب في اتجاه جنوبي فأرسلت السفن المذكورة وراءها ولكن وبسبب الارهاق الذي أصاب الضباط والبحارة تمكنت سفن القراصنة من الهرب، في اليوم التالي اقتربت سفينة كبيرة ترفع العلم الأحمر وتحمل رسول من أرحمة بن جابر (الجزار العجوز كما كان يسمى آنذاك) المقيم في القطيف والذي أصبح همه مهاجمة سفن البحرين. وعرض أرحمة بن جابر خدماته على الانجليز مقابل انتقامه من حكام البحرين بقطع رقابهم مع توابعهم وغسل يديه في دماء أعدائه.
أخبر كل من بروس ولوخ رجل أرحمة بن جابر أن هدف الحملة الانجليزية انهاء القرصنة وكل ما يعترض التجارة الانجليزية في الخليج، وكل من يخالف ذلك فإنه سوف يلاقي مصير أهل رأس الخيمة.
وطلبوا من الرجل أن يخبر أرحمة بن جابر ان طلبه بشأن حكام البحرين مثير للاشمئزاز وأن الانجليز سوف يقفون معهم، وليس ضدهم.
في الرابع والعشرين طلب لوخ وبروس من الشيخ عبدالله أن يقابلهم على الساحل قبل ذهابهم معه للعشاء في المحرق، وكان القصد من ذلك تحقير الشيخ أمام رعاياه، وذلك عقابا له لعناده وخداعه ووضعه العراقيل أمام لوخ عندما زار لأول مرة البحرين بشأن السيدة الأوروبية التي اعتقد أنها محتجزة في البحرين.
هذا الى جانب اعطائه الحماية والملجأ لسفن القواسم في ميناء البحرين الذي كان سوقا لبيع مسروقاتهم. ومنذ حادثة المرأة الاوروبية كره لوخ الشيخ عبدالله بن أحمد، وعلى رغم اعتقاد الاول بأنه سوف يعين الشيخ بطلبه المذكور (مقابلته عند ساحل البحر) فإنه وكما يقول المؤلف يعتبر هذا شيئا مألوفا لدى العرب.
عندما وصل لوخ الى الساحل لم يشاهد الشيخ عبدالله بن أحمد، ولذا قرر العودة، ولكن ما ان استدارت سفينته حتى تم ابلاغه بوصول الشيخ، فعاد لوخ مرة اخرى الى الساحل.
وصل الشيخ عبدالله بن أحمد مع جمع كبير من الرجال واعتذر عن التأخير، وذلك لأنه كان يقضي فرض الصلاة.
عند وصول لوخ وبروس الى المحرق توجه الجميع الى مكان العشاء ولكن وبسبب تجمع الاهالي تعذر الوصول اليه فانطلق رجال الشيخ في ضرب المتجمهرين حتى تم افساح الطريق. كان العشاء في (برستي كبير) حيث كان الشيخ عادة ما يستقبل الناس فيه ويعقد فيه المحاكمات.
في البرستي أعدت طاولة وكرسيان وأطباق وملاعق وسكاكين وشوك لبروس ولوخ، وجلس الشيخ مع مرافقيه على الارض وفي الجزء الأيمن. أما باقي المدعوين فقد جلسوا في الجزء الآخر من البرستي.
لقد كان الجلوس بعيدا عن صاحب الدعوة الى جانب جلوسه على الارض، بينما جلس لوخ وبروس على الكراسي كان الأمر غريبا بالنسبة لهما، وكان من الاجدى بهما ان يلتحقا بالباقين على الارض، ولكن يبدو انهما اعتبرا ذلك من دون مستواهما.
كان العشاء يتكون من صينية مليئة بالأرز ودجاجتين محشيتين (وشربت) وخبز وملح، ومثل ذلك وزعت الصواني على الباقين الذين تحلقوا حولها، وكان طبق الشيخ عبارة عن دجاج محشي بالمكسرات والأرز والتوابل ‘’قبل البدء في العشاء شمر الشيخ عن ساعده وأمسك بالدجاجة من رجلها وشطرها شطرين وتلا ذلك خلع الاجنحة وباقي الجسد بعدها وضع قطعة من الدجاج على لقمة كبيرة من الارز وجعل فيها كرة بحجم فمه ثم تناولها برؤوس أصبعه اليمنى وبحركة سريعة من اصبعه الكبير قذف بها في فمه’’ ويستطرد لوخ قائلا انه بين لقمة واخرى كان الشيخ يغمس يده في الماء ولكن يعلق المؤلف قائلا لم تكن العادة كذلك بل كان العربي يغسل يده قبل الأكل وبعده، ويقول اليوم بدل شربت الرمان تقدم البيبسي كولا مع الوجبات وعادة ما يكون الدجاج مثلجا وتم استيراده من أميركا ويقدم ايسكريم شركة والز (walls) في النهاية.
الغريب في الأمر انه لم يذبح خروفا أو شاة للمناسبة ويبدو أنها كانت شبه معدومة آنذاك.
بعد العشاء، غادر كل (العرب) البرستي وتطرق الشيخ مرة اخرى وكان يشك في السبب الحقيقي لقدوم الانجليز الى البحرين، وكان يعتقد انهم في البحرين لمساعدة الفرس أو السلطان التركي أو حتى أرحمة بن جابر ضد البحرين.
وأكد كل من لوخ وبروس مرة اخرى للشيخ عبدالله بأنهم غير راغبين في ذلك وانهما يعترفان باستقلال البحرين، وأخبرا الشيخ بالرد المرسل الى أرحمة بن جابر. بعدها قدمت القهوة والدخان، ورافق الشيخ بروس ولوخ حتى الساحل حيث توجها مرة اخرى الى المنامة. لقد عانى الشيخ عبدالله بن أحمد من المشاغبات والمشاكل بعد مغادرة لوخ الخليج.
كان سلمان بن أحمد وحتى العام 1825 مساعدا للشيخ عبدالله في ادارة البلاد، وقاما بالدفاع عن البلاد ضد أرحمة بن جابر الذي قتل في العام 1826 وضد ابنه بشر بعد ذلك، والذي حمل الحقد لآل خليفة وحتى مقتله ايضا.
بعد وفاة الشيخ سلمان قام ابنه خليفة بمساعدة عمه عبدالله في ادارة البلاد، ولكن وبعد مقتل خليفة في معركة ضد الوهابيين قرب القطيف (حيث كان شيوخ البحرين قد فرضوا سلطتهم على مناطق من شرق الجزيرة وقطر كذلك).
بعد وفاة خليفة أراد ابنه الشيخ محمد بن خليفة مشاركة الشيخ عبدالله في ادارة البلاد وبعد عدة محاولات تنازل له الشيخ عبدالله بن أحمد عن المسؤوليات، وكان ذلك بمثابة اشارة أدت الى تصدع البيت الخليفي وبداية لمشاحنات عائلية بين الابناء وأبناء الاخ واحفاد الشيخ عبدالله بن أحمد.
في العام 1828 هاجم سلطان مسقط البحرين على رغم محاولات الانجليز في ايقافه، ونزل في قوات كبيرة الى الجزيرة، ولكن يبدو ان الاستعدادات كانت قد اكتملت لمواجهته في البر، وتم اغلاق المسار المائي بالسفن التي قام أهل البحرين باغراقها فيه بعد أن ملؤوها بالحجارة، وكاد سلطان مسقط أن يلاقي مصرعه في هذا الهجوم لولا انقاذه بوساطة خدمه النوبيين الذين نقلوه الى السفينة، ولعدة أشهر بعد هذه الموقعة كان أهل البحرين يجدون جثثا لجنود مسقط على السواحل، وفي مصائد الاسماك، في هذه المعركة تخلى عرب بن ياسر عن سلطان مسقط وانظموا الى آل خليفة في البحرين وانتهت هذه الاحداث في العام .1829
لم تكن المعادلة القائمة بين الشيخ عبدالله بن أحمد وحفيد أخيه محمد ابن خليفة ثابتة بل كانت مصدرا للمشاكل والقلاقل وتحولت البحرين الداخل الى ساحة للحروب الأهلية بين أفراد البيت الحاكم والعرب الموالين لهم من الجزيرة العربية.
وخرج شيعة البحرين في جماعات كبيرة الى مسقط والقطيف تحاشيا للصدام الداخلي، ولذا تنازل التعداد السكاني في البحرين، لقد كان محمد بن خليفة ذا شخصية قوية، يبدو ان هناك عدة أوصاف متعارضة لشخصيته.
فهناك وصف يقول فيه صاحبه عن الشيخ محمد (ان اعماله تدل على حكمته الصائبة، لقد كان شجاعا مقداما ذكيا، عظيما شديد البأس عميق الشخصية ومرح’’.
منذ خمسة وثلاثين عاما قابلت رجلا قد التقى بالشيخ محمد بن خليفة في منفاه في مكة ووصفه لي قائلا ‘’بدين وقصير، معجب بالنساء حتى في سنه المتقدمة ومحدّث رائع’’.
في العام 1837 حدثت بعض المشاغبات من العرب التابعين لشيخ البحرين والمقمين في قطر، وأعلنوا استقلالهم عنه وانضّم اليهم ثلاثة من أبنائه (أبناء عبدالله بن أحمد)، تحالف حلف قطر مع شيخ أبوظبي وهاجموا البحرين، وكان الشيخ عبدالله آنذاك في وضع سيئ للغاية، فقد كانت البحرين مستهدفة من قبل الحلف المذكور والفرس والعثمانيين والوهابيين وسلطان مسقط، وكانت هذه المواجهات كلها مصدر خلافات بين شيخ البحرين والانجليز. وكان بشر بن رحمة بن جابر يدمر كل ما يقع في يده من سفن البحرين في البحر.
في العام 1841 دمرت المنامة ونهبت أموال الرعايا الانجليز (الهنود) نتيجة معركة بين الشيخ عبدالله بن أحمد والشيخ محمد بن خليفة طرد في نهايتها الأخير من البحرين. عاد الشيخ محمد على رأس قوة عظيمة من عرب الجزيرة، وتمكن من استلام السلطة في البحرين. وخرج بعد هذه الحادثة الشيخ عبدالله من البلاد وتوجه الى الدمام ولم تطأ قدمه البحرين مرة أخرى.
بعد خروجه من البحرين أصبح الشيخ عبدالله بن أحمد في وضع شبيه بعدوه السابق أرحمة بن جابر يتنقل من مكان الى آخر في سفنه من دون قرار وكان في الوقت نفسه موضع اهتمام أعداء الحاكم الجديد في البحرين (الشيخ محمد بن خليفة).
حاول حكام الكويت وكثير من الآخرين عقد الصلح بين الشيخ عبدالله والشيخ محمد بن خليفة، ولكن كان عناد الأول سببا في عدم نجاح هذه المساعي.
وبعد العام 1843 كان الشيخ عبدالله بمناطق الخليج وعلى ضفتيه العربية والفارسية في محاولة يائسة للحصول على الدعم المناسب لاسترجاع سلطتة في البحرين. ومع كل هذه المحاولات لم يتمكن الشيخ عبدالله من العودة ومع انه دخل في مواجهات بحرية صغيرة مع سفن البحرين إلا أنه قضى جل وقته في زيارات لحكام الخليج محاولا الحصول على دعمهم لنواياه.
وكانت وعود فارس فارغة ورفض الانجليز التدخل في الامور العائلية للبيت الحاكم في البحرين، ولم يهتم به الوهابيون، ولم يلاق أي تشجيع من سلطان مسقط.
ومع مرور الأيام تخلى عنه أبنائه وأتباعه، وعادوا الى البحرين بعد اعلان الولاء للحاكم الجديد. بقي عبدالله بن أحمد وحيدا في الأعوام الآخيرة من عمره وطاف الخليج يشتكي سوء حظه لكل من كان مستعدا للاستماع فقط.
هناك رواية تروى عنه في مجلس أمير الرياض، وذلك عندما شوهد جالسا في الطرف الآخر لمجلس الأمير ودخل بشر بن أرحمة حاملاً رسالة إلى أمير الرياض من شيخ البحرين محمد بن خليفة، رفض بشر بن أرحمة الجلوس قرب الأمير مفضلا أن يكون الشيخ عبدالله في ذلك الموقع، مما اضطر الأمير الى دعوة الشيخ الى الجلوس على جانب منه وبشر بن أرحمة على الجانب الآخر.
عندما خرج الشيخ عبدالله من المجلس قابله بشر بن أرحمة ممتطيا فرسا بيضاء، اما الشيخ فكانت ناقلته ناقة عجوز، تنازل بشر عن فرسه للشيخ، ولكنه رفض قبولها وعقب قائلا ‘’لقد كان قبولي بالجلوس قرب الأمير في المجلس لأنه طلب مني ذلك، ولكنني لن أقبل أي شيء من أي شخص متحالف مع ابن ابن أخي (حفيد سلمان).
كانت نهاية عبدالله بن أحمد في العام 1858 مأساوية، فقد مات بعيدا عن بلاده في مسقط وقد تجاوز الثمانين وكله حسرة وندم على ملك ضائع.
بقي أحفاد عبدالله بن أحمد خارج البحرين ويقيمون حاليا في المملكة العربية السعودية ولكنهم يزورون البحرين سنويا للحصول على المساعدات المالية - المؤلف -.

وثيقة جديدة تشير إلى جماعة من الصبيح من بني خالد عام 1897

تشير إحدى الوثائق إلى جماعة من الصبيح قد تركوا بلدهم القطيف ونزحوا إلى الكويت واستقروا بها وباعوا ما يخصهم من النخل المعلوم بينهم الكائن في سيحة القديح إحدى قرى القطيف وملخص الوثيقة هو:
"أن زيتون بن شديد الشويش الصبيحي ومشعان ومفرح ابني غوينم الصبيح وأمهما صالحة بنت اضويعن واختهما مشعة بنت مشوح الساكنين الكويت وقد باعوا كمال وتمام النخل المعلوم بينهم الكائن في سيحة القديح إحدى قرى القطيف المحروسة من الأخاويف على أحمد بن محمد علي بن مسعود الجشي. وفي خاتمتها: ثبت لدي ما ذكر من الوكالة والبيع وقبض الثمن وأنا العبد الفاني محمد بن عبدالله العدساني قاضي الكويت المحروسة في 11/5/1315هـ (8/10/1897)."

السبت، 14 مايو 2011

آخر أمنية تمناها الوجيه سلمان كانو!!



بقلم: بشار الحادي
فقدت البحرين الثلاثاء الماضي أحد رجال الأعمال البارزين وهو الوجيه سلمان خليل كانو بعد عمر ناهز الثمانين عاماً. كان المرحوم أحد أعضاء بعثة البحرين لعام 1946 وذلك للدراسة بالجامعة الأمريكية ببيروت وقد عمل إلى جانب والده التاجر المعروف خليل كانو في تجارة السيارات وكانت لديهم آنذاك وكالة سيارات فورد والتي عملوا بها لسنوات طويلة إلى أن توقفت في ستينيات القرن الماضي بسبب قرار مقاطعة إسرائيل والتي جعلت من كانو يقوم بإحضار وكالة شركة سيارات أخرى هي شركة مازدا اليابانية الصاعدة، وقد كان للفقيد مساهمات بارزة في النشاط التجاري على أكثر من صعيد، إلى جانب إسهاماته الخيرية والمجتمعية سواء على صعيد تقديم المساعدات الدراسية لأبناء البحرين أو على صعيد علاج ورعاية المسنين حيث أنشأ على نفقته الخاصة جناحاً باسمه للمسنين في مستشفى المحرق للولادة.
وأنا حقيقة لم أعرف المرحوم عن قرب لكن جمعتني به بعض الاتصالات الهاتفية قبيل وفاته بأيام كنت حينها أقوم بعمل دراسة وسيرة ذاتية مفصلة عن حياة والده المرحوم خليل إبراهيم كانو وقد طلب مني الوجيه فؤاد كانو أن اتصل به وأعطاني هاتفه فاتصلت به وبعد أن رن الهاتف وعرفته بنفسي وأخبرته عن الدراسة التي قمت بعملها عن والده قال لي على الفور: إنني لطالما تمنيت أن أكتب كتاباً يتحدث عن تاريخ الوالد خليل كانو لكن نظراً لانشغالي لم استطع ذلك.
فقلت له: أنا أقوم بعمل الكتاب عوضاً عنك، وأنت تساعدني بما لديك من معلومات ووثائق وصور. فقال المرحوم: حسناً أرسل لي ما كتبته عن الوالد وأنا أقرأه وأعطيك ملاحظاتي عليه. وفعلاً ذهبت إلى الأستاذ إياد - ويظهر أن أحد الموظفين لدى المرحوم -لإعطائه الدراسة ووعدني بإيصالها إلى المرحوم لكن شاءت إرادة الله تعالى أن يكون هذا آخر العهد بالمرحوم وينتقل إلى جوار ربه في يوم الثلاثاء الماضي وقبل أن تتحقق تلك الأمنية التي لطالما تمناها المرحوم سلمان كانو ألا وهي كتابة كتاب يؤرخ لحياة والده المرحوم خليل بن إبراهيم كانو.

الثلاثاء، 10 مايو 2011

الادريسي يصف أوال (1100-1166)

ورد في كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للادريسي ما نصه:

وجزيرة أوال جزيرة حسنة بها مدينة كبيرة تسمى البحرين وهي عامرة حسنة خصيبة كثيرة الزروع والنخل وفيها عيون ماء كثيرة ومياهها عذبة منها عين تسمى عين بو زيدان ومنها عين مريلغة ومنها عين عذاري وكلها في وسط البلد وفي هذه العيون مياه كثيرة نابعة مترعة دفاعة تطحن عليها الأرحاء فالعين المسماة عين عذاري فيها عجب لمبصرها وذلك أنها عين كبيرة قدراً مستديرة الفم في عرض ستين شبراً والماء يخرج منها وعمقها يشف على خمسين قامة وقد وزن المهندسون وحذاق العلماء علو فمها فوجدوه مساوياً لسطح البحر وعامة أهل البلاد التي في هذه الجهة يزعمون أنها متصلة بالبحر ولا اختلاف بينهم في ذلك وهذا غلط ومحال لا يشك فيه لأن لعين ماؤها حلو عذب لذيذ شهي بارد وماء البحر حار زعاق ولو كانت كما زعموا لكان ماؤها ملحاً كماء البحر.
وفي هذه الجزيرة أمير قائم بنفسه وقد رضيه أهل الساحلين لعدله ومتانة دينه ولا يلي مكانه إذا مات إلا من هو مثله في العدل والقيام بالحق.
وفي هذه الجزيرة رؤساء الغواصين في البحر ساكنون بهذه المدينة والتجار يقصدون إليها من جميع الأقطار بالأموال الكثيرة ويقيمون بها الأشهر الكثيرة حتى يكون وقت الغوص فيكترون الغواصين بأسوام أجر معلومة تتفاضل على قدر تفاضل الغوص والأمانة وزمان الغوص في شهر أغشت وشتنبر فإذا كان أوان ذلك وصفا الماء للغطاص وأكرى كل واحد من التجار صاحبه من الغواصين خرجوا من المدينة في أزيد من مائتي دونج والدونج أكبر من الزورق وفي إنشائه وطاء ويقطعها التجار أقساماً في كل دونج منها خمسة أقسام وستة وكل تاجر منهم لا يتعدى قسمه من المركب وكل غواص له صاحب يتعاون به في عمله وأجرته على خدمته أقل من أجرة الغطاس ويسمى هذا المعاون المصفي ويخرج الغواصون من هذه المدينة وهم جملة في وقت خروجهم ومعهم دليل ماهر ولهم مواضع يعرفونها عياناً بوجودهم صدف اللؤلؤ فيها لأن للصدف مراعي تجول فيها وتنتقل إليها وتخرج عنها في وقت آخر إلى أمكنة أخر معلومة بأعيانها فإذا خرج الغواصون عن أوال تقدمهم الدليل والغواصون خلفه في مراكبهم صفوفاً لا تتعدى جريه ولا تخرج عن طريقه فكلما مر الدليل بموضع من تلك المواضع التي يصاد بها صدف اللؤلؤ تنحى عن ثيابه وغطس في البحر ونظر فإن وجد ما يرضيه خرج وأمر بحط قلاع دونجه وأرسى وحطت جميع المراكب حوله وأرست وانتدب كل غواص إلى غوصه وهذه المواضع يكون عمق الماء فيها من ثلاث قيم إلى قامتين فدونها وصفة غوصهم أن الغواص يتجرد عن ثيابه ويبقى بسترة تسار عورته لا غير ويضع في أنفه الخلنجل وهو شمع مذاب بدهن الشيرج يسد به أنفه ويأخذ مع نفسه سكيناً ومشنة يجمع فيها ما يجده هناك من الصدف ومع كل غواص منهم حجر وزنه من ربع قنطار إلى ما نحوه مربوط بحبل رقيق وثيق فيدليه في الماء جع جنب الدونج ويمسك الحبل صاحبه بيده إمساكاً وثيقاً ويتخلى الغواص بنفسه في الماء فيجعل رجليه على الحجر ويمسك الحبل بيديه ثم يرسل صاحبه الحبل من يده دفعة واحدة فينزل الحجر مسرعاً حتى يصل قعر البحر والغائص عليه يمسك الحبل بيديه فإذا استقر في قعر البحر نزل إلى قعر البحر وجلس وفتح عينيه في الماء ونظر إلى ما أمامه وجمع ما وجد هناك من الصدف في عجل وكر فإن امتلأت مشنته كان وإلا اندرج إلى ما قاربه والحجر لا يفارقه ولا يترك يده عن إمساك حبله فإن أدركه الغم كثيراً صعد مع الحبل إلى وجه الماء واسترد نفسه حتى يستريح ويرجع إلى غوصه وطلبه فإذا امتلأت مشنته اجتذبها صاحبه من أعلى الدونج وفرغ المشنة مما فيها من الصدف في قسمه من المركب وأعادها في البحر إلى الغواص إن كان الصدف هناك كثيراً وعلى قدر الوجود له يكون طلبه فإذا تم الغواصون في البحر مقدار ساعتين صعدوا ولبسوا ثيابهم وتدثروا وناموا وانتدب المصفي وهو صاحب الغواص فيشق ما معه من الصدف والتاجر ينظر إليه حتى يأتي على آخره فيأخذه التاجر منه ويصره عند نفسه بعدد مكتوب فإذا كان عند العصر انتدبوا إلى طعامهم فصنعوه وتعشوا وناموا ليلتهم إلى الصباح ثم يقومون وينظرون قي أغذية يأكلونها إلى أن يحين وقت الغوص فيتجردون ويغوصون هكذا كل يوم وكلما فرغوا من مكان أفنوا صدفه انتقلوا إلى غيره ولا يزالون بهذه الحال إلى آخر أغشت ثم ينصرفون إلى جزيرة أوال في الجمع الذي خرجوا فيه وما معهم من الجوهر في صررهم وعلى كل صرة منها مكتوب اسم صاحبها وهي مطبوعة بطابع فإذا نزلوا أخذت تلك الصرر من التجار وصارت في قبض الوالي وفي ذمته فإذا كان في يوم البيع اجتمع التجار في موضع البيع فأخذ كل واحد مكانه وأحضرت الصرر ودعي باسم كل واحد من أصحابها وفضت خواتمها واحدة بعد واحدة وصب ما في الصرة من لؤلؤ في غربال موضوع تحته ثلاثة غرابيل وتلك الغرابيل لها أعين بمقادير يترك منها الدقيق والمتوسط ويمسك كل نوع منها في صحن غربال فلا يبقى على وجه الغربال الأول الأعلى إلا ما غلظ من الجوهر ويبقى على وجه الغربال الثاني اللؤلؤ المتوسط ويستقر على الغربال الثالث اللؤلؤ الدقيق ثم يعزل كل صنف منها وينادى عليه بأسوامه ومستحق أثمانه فإن أحب التاجر سلعته كتبت عليه وإن شاء بيعها من غيره باع وقبض ماله والتاجر إذا اشترى متاعه إنما يكون عليه أن يؤدي اللوازم التي وجبت عليه وينتصف التجار من الغواصين والغواصون من التجار وينفصل كل أحد من كل أحد وينصرف الناس ثم يعودون إلى هناك في العام القابل هكذا أبداً.
ولصاحب جزيرة كيش التي ذكرناها في الإقليم الثاني وموضعها في بحر فارس على التجار الذين يعاملون الغواصين شيء معلوم يقبض له في ديوان البيع منهم ويبعث إليه بذلك ضريبة وما وجد من الجوهر الغالي النفيس أمسكه الوالي وكتبه على نفسه باسم أمير المؤمنين والعدل لا يفارقهم في البيع والشراء حتى لا يضام منهم أحد ولا يشكو ظلماً.
والجوهر يتكون حبه خلقاً في هذا الصدف على ما يصفه أهل بحر فارس من ماء مطر نيسان وإن لم يمطر مطر نيسان لم يجد الغواصون منه شيئاً في سنتهم تلك وهذا عندهم شيء مشهور صحيح متفق عليه بينهم.
والغوص في بلاد فارس صنعة تتعلم وينفق عليها الأموال في تعليمها وذلك أنهم يتدربون في رد أنفاسهم على آذانهم حتى أن الرجل منهم في أول تعليمه تتزكم أذناه وتتسلط وتسيل منهما المادة ثم يتعالجون من ذلك فيبرؤون منه وأعلاهم أجرة أصبرهم تحت الماء وكل واحد منهم يميز صاحبه ولا يتعدى طوره ولا ينكر فضل من تقدمه وفاقه في المعرفة والصبر.
وفي هذا البحر الفارسي جميع مغايص اللؤلؤ وأمكنته ثم إن أمكنته نحو من ثلثمائة مكان مقصودة كلها مشهورة بالغوص وقد ذكرنا منها أكثرها عند ذكر أمكنتها في مواضعها من سواحل البحور والجزائر ومغايص بحر فارس أكثر نفعاً وأمكن وجوداً للطلب من سائر البحور الهندية واليمنية وقد ذكرنا من ذلك ما فيه بلغة بل كفاية.

غازي القصيبي

ومن يجهل غازي القصيبي بن عبدالرحمن بل ابن الأسرة العريقة في الجود والكرم والنخوة والنجدة فإذا لم يكن آل قصيبي الأجواد فمن يكون إذاً الأجواد
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
ولو أراد كاتب أو مؤلف أن يستقصي أخبار آل قصيبي لما وسعه مجلدات وهاهو الأخ بشار الحادي يكتب في جريدة الوقت البحرينية عن أخبارهم حلقات تلو الحلقات فجزاه الله خيراً.
فآل قصيبي كسوا العاري ونصروا المظلوم وأكرموا الضعيف وجبروا الكسير ثم إنَّ دورهم الكبير لا يخفى على أحد فلهم القدح المعلى في التمهيد لدخول الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الأحساء بل قاموا فعلاً بل وأخبرني معالي السفير الشيخ أحمد بن علي آل مبارك بأنَّ الشيخ عبدالرحمن والد الدكتور غازي كان واقفاً على رأس الملك عبدالعزيز مدججاً بالسلاح الأبيض ليلة دخول الأحساء في بيت الشيخ عبداللطيف آل ملا.
وآل قصيبي في حي النعاثل الحي الذي نسكن فيه. فمن القصص الجميلة أنَّ الشيخ عبدالرحمن خرج من بيته يمشي ومعه محمد آل شعوان وعبدالرحمن بن علي آل ملحم رحمهم الله وقابلهم في الطريق رجل ثري ولكن آثار الشح بادية عليه فشكله يجعله يستحق الصدقة فسلم وقبل أنف الشيخ عبدالرحمن فأعطاه بعض المال فالتفت عليه عبدالرحمن آل ملحم قائلاً له: هذا فلان أغنى منك ولكنه بخيل شحيح فرد عليه القصيبي قائلاً أنا أعلم بأنه غني ولكنه محروم.
نعود إلى الدكتور غازي بيت القصيد عافاه الله وشفاه. طبعاً الكل يعرف بأن مملكة البحرين كانت هي السوق الخليجية وفيها المعتمدون والتجار وتجارة آل قصيبي فيها ويترددون إلى الأحساء ففيها بيوتهم وأملاكهم وبعض نساءهم وذهب الدكتور صغيراً إلى البحرين. ولكن الذي أريد أن أصل إليه أنَّ لهذا الرجل مآثر جليلة استفاض خبرها لدى القاصي والداني 1- فلما كان في جامعة الملك سعود كان الطلاب من جميع الأنحاء يقصدونه فيقف معهم ويحل مشاكلهم ويدعمهم في القبول حتى تميَّز بذلك عن غيره و لا يزال الخريجون الأحسائيون يذكرون فضله عليهم.
2- أمَّا الكهرباء فقد كنا نعاني من الكهرباء خاصة في الصيف فالكهرباء تنقطع في كل ساعة والناس ما عليهم إلاَّ إلقاء ما في ثلاجاتهم في القمامة ولما تولى الدكتور غازي اتصلت به بعض النسوة من حي النعاثل يشكينه حال الكهرباء فقال لهم إن شاء الله لن ينقطع عنكم الكهرباء ولا يرمى شيء في القمامة وفعلاً تم ما وعد به وصدق.
3- كما كان في سكة الحديد كان يتردد عليه الشيخ عيسى أبو رقبه رجل صالح في الدمام يغسل الموتى محتسباً ويعود المرضى ويعتني بالأيتام والأرامل فكان الدكتور غازي في مقدمة من يدعمه.
4- والذي نعلمه أنَّ مرتبه الشهري ينفقه في وجوه الخير بما في ذلك بيت القرآن في مملكة البحرين.
5- حين كان سفيراً في لندن وفي مملكة البحرين كان بيته وقلبه مفتوحين للقاصد والعاني وطالب الرفد وطالب العلاج فأخبرني أحد الزملاء أنه تقدم إليه رجل من الجنوب تكلفت عمليته الجراحية مائة ألف ريال قال فتكفل الدكتور غازي.
6- وكذلك مجلسه مفتوح ليلة الخميس والجمعة لاستقبال السعوديين وحدث عن الكرم ولا حرج ويوزع ما يسمى ((بالشرهة)) في مصطلحنا.
7- حين كنت على رأس العمل كنت أكتب له عن ذوي الحاجات فكان والله نعم المستجيب والداعم للخير فكم فرج من كربة وكم مسح من دمعة فهذا غيض من فيض وكفاه أنَّ أباه عبدالرحمن القصيبي.
لا تطلبن كريماً بعد رؤيته
إنَّ الكرام بأسخاهم يدا ختموا

بقلم / محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

في ذكرى رحيل الإذاعي العراقي يونس بحري...

كتبها يوسف صلاح الدين

مر 32 عاما على رحيل الاذاعي العراقي يونس صالح بحري الجبوري الذي اقترن اسمه خلال الحرب العالمية الثانية بالزعيم الالماني ادولف هتلر وافتتاحية اذاعة المانيا النازية العربية »هنا برلين.. حي العرب« وتفوقت اذاعة برلين على اذاعة لندن العربية عندما طلب يونس من غوبلز وزير الاعلام الالماني الموافقة على تلاوة القرآن الكريم في افتتاحية الاذاعة فتردد ولكن هتلر سمح بذلك مما اجبر اذاعة لندن على ادخال تلاوة القرآن الكريم في افتتاحيتها.كان يونس أحد أسباب نجاح اذاعة برلين لما لديه من خبرة اذاعية سابقة في اذاعة الزهور التي انشأها الملك غازي بن فيصل ملك العراق في قصره في سنة 1936 مما حتم على بريطانيا انشاء اذاعة بغداد بعدها بأشهر.سبقت مصر باقي الدول العربية في انشاء اذاعات أهلية خاصة منذ سنة 1926 وانشئت اذاعة القاهرة في سنة 1934 والاذاعة الايطالية العربية التي تبث من باري في سنة 1932 واذاعة القدس في سنة 1936 واذاعة هنا لندن العربية في سنة 1938 واذاعة فرنسا العربية في سنة 1939 واذاعة جنين في سنة 1941 وانتقلت الى قبرص في سنة 1948 والاذاعة الروسية في سنة 1943 وصوت امريكا في سنة 1951 وكان ليونس كثير من المستمعين لجراءته وتصرفه على هواه في اذاعة برلين وكان يفخر باذاعته نشرات الاخبار وهو سكران واستخدام كلمات سوقية وغير لائقة ولقب الملك عبدالله بن الحسين بالحاخام ونوري السعيد بالنور الشقي بفتح النون والواو والأمير عبدالاله بالصبي.سمعت في صغري من جدي الحاج احمد بن حسن ابراهيم وجدي الحاج محمد بن عبدالله جمعة ابراهيم التميمي رحمهما الله كثيرا من نوادر يونس وعن ظروف الحرب وتأثيرها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البحرين ومنع السلطات البريطانية من الاستماع الى اذاعة برلين العربية بفرضها عقوبة السجن والغرامة ومصادرة المذياع مما أجبر الناس على الاستماع لاذاعة برلين خفية ونظرا لتأثير البث الاذاعي الخطير في مختلف الشعوب خلال الحرب فان الدول المشاركة في الحرب منعت شعوبها من الاستماع للمحطات المعادية لها ومنعت بريطانيا شعبها من الاستماع الى اذاعة برلين الانجليزية وسمت مذيعي الاذاعة الانجليزية باسم لورد هاو هاو وأشهرهم كان الانجليزي الايرلندي ويليام جويسي الذي اعتقل بعد الحرب واعدم في 3 يناير .1946
كان اقتناء المذياع مكلفا ولكن بسبب الحرب تبارى الناس في اقتنائه حتى بلغ أعدادها 511 مذياعا في البحرين وكانت الدول المشاركة في الحرب تتنافس لاستقطاب الشعوب العربية مما حفز السلطات البريطانية على افتتاح اذاعة محلية لمنع البحرينيين من الاستماع الى اذاعتي برلين وباري وقد افتتحها المغفور له باذن الله صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة في سنة 1940 في منطقة الحورة وكانت تسمى بالتيل (التلغراف) وكان البث مدة نصف ساعة ثم مد البث الى ساعة واحدة وتشمل تلاوة القرآن الكريم وأخبار الحرب وأغاني المطربين الشعبيين وبرامج الشعر وتمثيلات محلية وبعد نهاية الحرب اغلقت الاذاعة ولكن المغفور له بإذن الله صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أمر بافتتاح اذاعة البحرين في سنة 1955، وعرف يونس بالسائح العراقي والسندباد العراقي في العالمين الاسلامي والعربي قبل أن ينضم الى اذاعة برلين لأنه حسب قوله طاف العالم أربع مرات!! ونشر تفاصيلها ومنها مقابلته مع الملك عبدالعزيز آل سعود في الرياض في سنة 1925 وبحضور الأمير فيصل عندما علم الملك عبدالعزيز بولادة مولوده الثالث والستين فابتسم الامير فيصل فأستفسر الملك عبدالعزيز عن ابتسامته فأخبره ان يونس لديه اربعة وستون مولودا من الذكور غير الاناث. شارك يونس من دون اعداد مسبق في سباق لعبور القنال الانجليزي سباحة وفاز بالمركز الاول وأصدر يونس عدة مطبوعات كجريدة العقاب السياسية الأدبية وعمل في اذاعة قصر الزهور التي انشأها الملك غازي لتعبر عن آرائه خلال سنوات 1935 إلى .1939
هرب يونس بطريقة افلام المغامرات من العراق في سنة 1939 بعد وفاة الملك غازي في حادث سيارة لأن يونس اتهم في صحيفته الانجليز ونوري السعيد والامير عبدالاله بافتعال حادث السيارة لأن الملك كان ضد الانجليز فخرجت مظاهرة كبيرة في الموصل ادت الى مقتل القنصل البريطاني فادرك يونس خطورة بقائه في العراق فساعده القنصل الالماني في بغداد على الهرب الى المانيا وأصبح يونس خلال فترة قصيرة قريبا من القيادة الالمانية وقابل هتلر والزعيم الايطالي بينيتو موسوليني وكان يحضر الاحتفالات الرسمية مرتديا البدلة العسكرية الالمانية برتبة مارشال. كان يونس مطلوب القبض عليه بعد سقوط برلين وقصة هروبه مثيرة وبعض أحداثها يصعب تصديقها منها تغيير اسمه العربي الى اسم مشابه بالحروف اللاتينية وقوله ذهابه مع بعض العرب الذين حاربوا مع الجيش النازي الى شارل ديغول طلبا لمساعدته وقول آخر عن وصوله إلى مرسيليا من دون أن يقع بيد الحلفاء وسفره الى الجزائر وأن الملك عبدالله بن الحسين طلبه للاقامة في الأردن. هاجم يونس الزعيم جمال عبدالناصر بأمر من نوري السعيد قبل يوم واحد من انقلاب 14 يوليو 1958 وبعد مدة أطلق سراحه الزعيم عبدالكريم قاسم وفتح يونس بحري مطعما في بغداد وكان منتدى للسفراء والوزراء والكتاب وكان يونس يقوم بطبخ الاطباق العديدة التي تعلمها من رحلاته العديدة ولكنه غادر الى بيروت بعد ان وعد قاسم بعدم مهاجمته اعلاميا في الخارج وخصص قاسم له راتبا بمائة دينار يتسلمها شهريا من السفارة العراقية في بيروت.
اصدر يونس بعض الكتب والمجلات منها مذكراته في سجن ابوغريب وانتقل الى باريس وأصدر مجلة العرب وانتقل الى الكويت وابوظبي واصدر صحيفة ابوظبي نيوز الناطقة بالانجليزية وعمل مسئولا في وزارة اعلام ابوظبي. هناك تناقض ومبالغة في مذكرات يونس المنشورة في حلقات صحفية عن الأماكن التى زارها وتواريخها وعلاقاته مع الملوك والروساء وعلاقاته النسائية ووقوعهن في حبه وتركهن لحبه الحرية والانتقال الى بلاد أخرى وقال في مذكراته:
أنه تزوج تسعين زوجة شرعية والف زوجة مدنية وانجب من الاولاد 365 ذكرا ولم يرى او يربّ أيا منهم وذكر في أحد المقالات أن أحد أبنائه وهو رعد يونس بحري كان قائد الأسطول الفلبيني (ملاحظة قمت بالدخول على موقع البحرية الفلبينية ولم أجد هذا الاسم) ولا يعلم يونس عدد الاناث وله الف حفيد وقابل معظم رؤساء العالم وله صداقات معهم وحكم عليه بالاعدام أربع مرات ويجيد 16 لغة وانشأ 16 اذاعة وأنه ولد في أول القرن يقصد في سنة 1900 وقول آخر في سنة 1903 وأن اول سفرة له كانت في سنة 1923 ورجع الى العراق بعد سنتين وقول آخر اول سفرة كانت في سنة 1921 لمدة ثلاث سنوات وعشرة أشهر ورجوعه الى العراق في سنة 1924 كان يونس يفخر بتدينه ولهوه ومجونه ووفائه وغدره ووطنيته وهناك قول بكونه جاسوسا للانجليز وكان يتنقل حاملاً في حقيبته جواز سفر، قنينة عرق، فرشاة أسنان وأدوات الحلاقة.
افتخر يونس بكونه إمام أول مسجد في باريس في سنة 1927 ويؤذن للصلوات الخمس ويتولى إمامة المصلين عند الحاجة وفي الليل كان يعزف على العود ويغني ويرقص في ملهى شرقي بالقرب من المسجد وعمل في الهند مراسلا لصحيفة هنديه وراهبا في النهار وراقصا في ملهى ليلي وأصدر في اندونيسيا مجلة الحق والاسلام ومجلة الكويت والعراق مع عبدالعزيز الرشيد سنة 1931 وتوقفت عن الاصدار سنة 1937 وعمل مفتيا في احدى جزر اندونيسيا ومن نوادره حضور أحد السكان المسنين وبصحبته فتاة في منتهى الجمال طالبا منه عقد قرانه عليها ولكنه استحلى الفتاه فقال للرجل انه لا يجوز شرعا لرجل مسن الزواج بفتاة اصغر منه سنا فترك المسن الفتاة و تزوجها يونس. مات يونس وحيدا ومفلسا في بغداد في مارس 1979 بعد حياة حافلة وقاسية وسعيدة وحزينة ومترفة وبائسة مؤكدا القول المعروف »سبع صنايع والبخت ضايع« ولكنه لم يتحسر على شيء لانه عاش حياته كما تحلو له من غير ضوابط. ولكنه ترك تراثا من الصعب نسيانه ومازال الناس يستمتعون بقراءة مذكراته وكتبه التى كتبها باسلوب بسيط ومشوق وبلغت ستة عشر كتابا. أثناء كتابتي هذا المقال أعلمني الباحث الأستاذ بشار الحادي مشكورا بأن يونس زار البحرين في يوم الأربعاء 9 يوليو 1930 وأول من قابل عند وصوله هو السيد سلمان كمال الذي أخذه الى السيد يوسف بن عبدالرحمن فخرو بالمحرق وفي يوم الجمعة بعد الغداء اجتمع يونس بحري مع سلمان كمال، يوسف فخرو، قاسم الشيراوي في عمارة علي بن عبدالله العبيدلي واثناء المناقشات في بعض الأمور السياسية عن حزب الوفد والدستوريين غضب أحمد فخرو لأنه فضل في العلم مكرم عبيد على مصطفى النحاس.عزم سلمان كمال يونس بحري، أحمد بن حسن ابراهيم، محمد عبدالله جمعة واخرين على الغداء وعزم يوسف بن أحمد كانو يونس بحري وآخرين على العشاء وفي اليوم التالي احتفل المنتدى الاسلامي بيونس وحضر الاحتفال كثير من الوجهاء وشكلت لجنة في المحرق برئاسة أحمد فخرو للاحتفال بيونس في مجلس المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة.غادر يونس البحرين يوم الثلاثاء 22 يوليو 1930 الى كراتشي في طريقه الى اندونيسيا لاصدار صحيفة مع الشيخ عبدالعزيز الرشيد وودعه في فرضة المنامة كل من سلمان كمال، يوسف بن أحمد كانو، جاسم وعلي ابنا محمد كانو، علي ابراهيم الكليب، عبدالرحمن الزياني، محمد الباكر، أحمد بن حسن ابراهيم.
ولكني لم أسمع من جدي او أي شخص آخر عن هذه الزيارة ولم يذكرها يونس في مذكراته.

الأربعاء، 4 مايو 2011

مؤلفات سديد السلطنة محمد على ابن احمد كبابى



سديد السلطنة محمد على ابن احمد كبابى سرتيپ ولد ببغداد 23 رجب1291 وتوفى ببندر عباس 11رجب 1362 عن71 سنة قضاها فى خدمة الدولة فى الخليج وجزائرها . تعلم المقدمات على السيد جواد المجتهد اليزدى والشيخ عبد الله امام الجماعة ببوشهر والعروض والشعر على محمد حسين كبكانى المتخلص محمود والتاريخ والجغرافيا على السيد جمال الاسدآبادى الذى تلبس بعدا بالافغانية وتعلم اللغة الانگليزية فى مدرستهم ببوشهر وتخلص فى شعره اولا نهانى ثم بدلها الى عارى. ترجم نفسه هو فى كتابه اعلام الناس فى احوال بندر عباس الذى قام بطبعه احمد اقتدارى بطهران عام1963 فى95 736 ص ثم كتب عنه مقالا ادرج فى مجلة راهنماى كتاب السنة18 ص559 549 و 868 859
(1) فعرف من آثاره: 1 ـ صيد مرورايد 15 : 107.
2 ـ اعلام الناس في أحوال بندر عباس المطبوع أخيراً بتصحيح وتقديم أحمد اقتداري بطهران 736 + 95 ص وهو أحسن كتاب طبع حتى اليوم عن بندر عباس وجزائر الخليج حواليها.
3 ـ رسالة اوزان چو في تجارة اللؤلؤ تاريخيا واقتصاديا. طبعها أحمد اقتدار بطهران كعدد خاص لمجلة فرهنگ ايران زمين لسنة 1342ش.
4 ـ اصطلاحات كشتي في مصطلحات البحرية. طبعه ايضا احمد اقتداري بتلك السنة.
5 ـ مفاتيح الادب في تواريخ العرب فيه تاريخ سكان سواحل شبه الجزيرة العربية المطلة على الخليج الفارسي وعلى بحر عمان .
وقد طبع المفتاح الثاني من مفاتيحه الاربعة في 1315 = 1897 كما ذكرناه في ذ21 : 299 وطبع معها (بقيه نقيه) في أحوال وىثار استاده الشاعر الاديب ومعتقد ري شهري 0: 1065. وطبع معها أيضاً رساله عنوانها ضميمة لطيفه في أحوال نفسه وعدة قصايد له يتخلص فيها عادي 19: 671 . 6 ـ برهان سديد وهو تحرير جديد من المفتاح الاول من (مفاتيح الادب المذكور. خصه بأحوال أبي سعيد حاكم عمان. فرغ منه 1333.
7 ـ مغاص اللئالي ومنار الليالي في تواريخ حوادث الخليج الفارسي.
8 ـ التدقيق في سير الطريق شرح لاسفار المؤلف الى جزائر الخليج والى طهران وبغداد.
9 ـ مشوش نامه انتخبه المؤلف من أشعار معاصريه.
10 ـ مجموعة الظرائف. 11 ـ مجموعة النوارد أو (النوادر) وهو هذا الكتاب. 12 ـ رابرت هاى نظامى. 13 ـ رابرت هاى گمرگى . 14 ـ ثبت نامه وقايع أيام. 15 ـ مجموعه مقالات وخرائط ونسخ صور وقفيه بعض الموقوفات. 16 ـ نسخ لمعاهدات سياسية. 17 ـ قاموس لغة أهل بندرعباس وجرون. 18 ـ خلاصة فارسنامه. 19 ـ أحوال طائفة، قشقائي،
20 ـأحوال لنگه في تاريخ وجغرافيا هذا الميناء. وهو جزء من المتفاح الاول من مفاتيح الادب المذكور وهذا غير مقالاته عن عمان بوشهر خوارج حوكمت جواسم وغيرها.

حكاية ترويها عائلة الوزان بقلم خليل الذوادي



أهداني الأخ الشيخ نوار بن علي بن عبدالرحمن الوزان كتاب «عائلة الوزان.. مائة عام من الكفاح إلى النجاح» من تقديمه وتأليف الباحث المتميز «بشار يوسف الحادي» والكتاب يقع في 327 صفحة بالإضافة إلى الملاحق، والكتاب يؤرخ إلى عائلة الوزان في مائة عام ابتداءً من 1972-1872 والتي تنحدر من مالك بن دينار من قبيلة بني تميم، وعندما يتحدث الكتاب عن هذه العائلة البحرينية، فهو في الواقع يتحدث عن الكثير من العائلات البحرينية الأخرى التي ارتبطت بها من حيث الدم أو النسب، أو التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتعليمي والعمل التطوعي والخيري، إضافة إلى الصلات التاريخية بين أبناء الخليج العربي الذين ارتبطوا بالبحرين أيام الغوص والسفر، وعندما تدفق النفط، وتنوعت سبل العيش، خصوصا وأن أحد أبناء هذه العائلة المغفور له بإذن الله تعالى علي بن عبد الرحمن الوزان كان رئيسًا لغرفة تجارة البحرين، وكان له إسهامه على المستوى الإقليمي والعربي والدولي. والمؤلف بشار بن يوسف الحادي في تقديمه يذكر دور تاجر اللؤلؤ عبدالرحمن بن أحمد الوزان الذي عاش بين عامي ( 1950-1870) في حل المنازعات والخلافات بين القبائل والأسر والأفراد، وإسهامه في إقراض الحكومة في ذلك الوقت في تنفيذ بعض المشاريع الاقتصادية الحيوية، وهو من أول المنادين بتأسيس مصرف في البحرين منذ عام 1918 ووجود مدرسة للتعليم النظامي، وكان عضوا في مجلس إدارة الهداية الخليفية، ومجلس إدارة بلدية المنامة، وجعل إحدى عماراته بالمنامة مقرا لمدرسة الفلاح التي أسسها التاجر المشهور محمد علي زينل عام 1929، ويذكر المؤلف دور عبدالله بن عبدالرحمن الوزان الصحفي الذي عاش بين عامي (1972-1915) الذي أصدر صحف «الخميلة» و»القافلة» و»الميزان» وكان له في تلك الصحف دور وطني كبير، إلى أن يصل المؤلف إلى سيرة الوجيه علي بن عبدالرحمن الوزان الذي عاش بين عامي 1971-1920م وامتهن التجارة وتنوعت أساليب تجارته إلى أن تم في عام 1963 تعيينه بأمر سامٍ رئيسًا لمكتب مقاطعة إسرائيل في البحرين وانتخب رئيسا للغرفة التجارية وأسس شركة البحرين لمطاحن الدقيق وساهم في تأسيس بنك البحرين والكويت في عام1971م.والمؤلف من خلال شخوص عائلة الوزان ومن خلال المعلومات التي حصل عليها من العائلة ومن اهتمام الشيخ نوار بن علي الوزان رسم لوحات بانورامية لهذه العائلة وارتباطها بتاريخ البحرين وأهلها وارتباطهم بالتجار في الخليج العربي والهند تحديدا وغيرها من أقطار الوطن العربي، والمعمورة.ومن خلال هذا المؤلف ندرك إسهام المواطنين البحرينيين على مختلف اهتماماتهم ومستوياتهم بخدمة وطنهم والنهوض بمقومات النهضة والتقدم فيها، وهو إسهام متواصل ما دام المخلصون يضعون نصب أعينهم البحرين ودورهم الذي لاغنى عنه في تقدمها ونهوضها وإشاعة الازدهار والرخاء والاستقرار فيها.والكتاب حافل بالأحداث التاريخية التي مرت بها البحرين، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية في نسيج مجتمعي يعتبر مثالاً لتلاحم الشعب بكل تنويعاته مع قيادته السياسية، وإيراد الوقائع والصور تعبير عما كانت تزخر به البحرين في حقب مختلفة من حراك مجتمعي متفاعل يؤكد مكانتها ومحوريتها في محيطها الإقليمي والعربي والدولي.وخيرا فعل الأخ الشيخ نوار بن علي الوزان بأن أخرج إلينا هذا الكتاب وأسند تأليفه للباحث الجاد بشار بن يوسف الحادي الذي بدوره هو مهموم بتاريخ رجالات البحرين ويورد بشكل دقيق الأحداث التي مرت بها البحرين من خلال هذه الشخوص التي هي في الواقع شاهدة على عصرها بأفعالها وانجازاتها وصلاتها بالآخرين.والكتاب إضافة نوعية، وتاريخية جادة من خلاله نطل على صفحات مشرقة لوطننا البحرين ونحن في هذا الزمن أحوج ما نكون لهذا النوع من الدراسات والمراجع التاريخية التي تعيدنا دائما لمكانة البحرين، ودورها الرائد في المنطقة، ونشعر كمواطنين بقيمتها ومكانتها، وتقع علينا مسؤولية المحافظة عليها والتمسك بما وصلت إليه من تقدم ورقي ونهضة.فشكرًا لكل جهد وطني يؤرخ للبحرين ويبرز مكانتها وتلاحم شعبها وتكاتف أبنائها جميعا في تعلقهم بحبها والتفاني في خدمتها وتقديم كل جهد يسهم في تطورها ورقيها وأمنها واستقرارها وتوطيد أركانها..وعلى الخير والمحبة نلتقي



صحيفة الأيام العدد 8059 الأربعاء 4 مايو 2011 الموافق 30 جمادى الأولى 1432هـ



الاثنين، 2 مايو 2011

محنة فبراير البحرين بقلم د. عبدالله يتيم





حرياً بنا والبحرين تخط طريقها بثبات نحو إجتياز «محنة فبراير» أن يعاد الاجماع بين جميع مكونات الشعب على ثوابت مسيرة الاصلاح التي يقودها عاهل البلاد المفدى منذ مطلع القرن الحالي، وعلى التطلع نحو المستقبل الأكثر إشراقاً. قيل وسيقال الكثير عن مسببات ونتائج «محنة فبراىر»، على أن أكثر جوانبها سطوعاً هي تلك المتعلقة بإشكالية تطبيقات/ممارسة المواطنة الحقة وعلاقتها بالهوية والإنتماء.
المواطنة الحقة إنتماءً صريحاً ومباشراً للفرد لوطنه، بحيث يعلوا الإنتماء للوطن على أي إنتماء عرقي أو ديني أو مذهبي، أو غيره. لقد كشفت لنا «محنة فبراىر» الحاجة إلى النظر في إشكالية مفهوم المواطنة والإنتماء والهوية لدى بعض من مكونات المجتمع البحريني، الأمر الذي مكن قادة «الفوضى الخلاقة» كما تظهره التجربة إلى حسن إستغلال أزمة الإنتماء هذه إلى إيصال تلك المكونات إلى حالة الارتطام الماحق والسريع بالحائط الواقعي للمجتمع البحريني. أين تكمن إشكالية المواطنة والإنتماء والهوية لدى بعض مكونات المجتمع البحريني؟
المكونات الاجتماعية .. المواطنة والإنتماء:
إذا افتراضنا أن أبرز مكونات المجتمع البحريني، من الناحية الاجتماعية والثقافية بالمعنى السوسيولوجي، هي: المكون الأول والمعروف بـ «العرب السنة»، والمكون الثاني المعروف بـ «البحارنة»، والثالث والمعروف بـ «العجم».

المكون الاجتماعي الأول:
نلحظ أن التحولات الاجتماعية التي مرت بها البحرين منذ بداية القرن العشرين قد أسهمت في إنصهار مكون «العرب السنة»، بكل تنويعاته، في وعاء الحضارة العربية الأم برموزها الثقافية المحلية المتجسدة في الهوية الخليجية. إذاً نحن هنا مع مكون اجتماعي يمتاز بمزيد من الإنسجام الدخلي، والإنصهار التام في الوعاء الحضاري العربي العام والمتجسد في الثقافة والهوية الخليجية، وعليه فأن هذا المكون لا توجد لديه أي إشكالية في انتماء مجتمعه للمجتمع الأم، الجزيرة العربية. كما لايرى في نظامه الاجتماعي أو السياسي أية حالة غير طبيعية؛ أي من حيث الاعتقاد بدور الفتح العربي الذي قاده آل خليفة للبحرين، هذا الفتح الذي أعاد تكريس إنتمائها إلى الجزيرة العربية الأم، بل وإنهاء كافة أشكال محاولات الهيمنة الفارسية عليها.

المكون الاجتماعي الثاني:
دعونا الآن نقترب من المكونات الاجتماعية الأخرى، أما فيما يخص المكون الاجتماعي الثاني، المتعارف علي تسميته بـ «البحارنة»، فقدتنامت سرعة الانصهار الاجتماعي في مجتماعته المحلية، في المدن والأرياف، آخذين بعين الاعتبار الإعداد الكبيرة من الشيعة العرب الذين وفدوا إلى البحرين، من القطيف والمحمرة وجنوب العراق، خلال ستون عاماً الأخير من القرن العشرين. ظل الإنتماء الأبرز لهذا المكون للحضارة العربية وللثقافة العربية الأم، وكان يقود هذا الإنتماء ويكرسه نخب «بحارنة المنامة» من التجار والأعيان ومن المثقفين والتكنوقراط ممن تلقوا تعليمهم الحديث في البحرين وخارجها.
وامتازت هذه النخب بعمق إنتمائها العربي، بل بانخراطها في العمل السياسي ذو الطابع القومي العربي. إن إلقاء نظرة على أسماء بعض من قيادات الحركات السياسية لكفيل بتأكيد هذه الخلاصة التاريخية، لكن ثم ماذا حدث؟
تعرض هذا المكون الاجتماعي إلى ما يشبه الانقلاب الاجتماعي على نخبه، فقد ترتب على قيام الثورة في إيران في نوفمبر 1979م، بالاضافة إلى إنحسار المد القومي العربي، إلى ما يشبه الإطاحة بالنخبة القائدة الحضرية، وإحلال أخرى دينية تنتمي إلى الإرياف. وإستطاعت قيادة الثورة الإيرانية أن تستوعب هذه النخبة الدينية القائدة للمكون الاجتماعي الشيعي العربي ضمن مشروعها لتصدير الثورة الاسلامية ومنظومتها المتمثلة في إحياء الصفوية ونظام ولاية الفقيه، بديلاً عن المذهب الجعفري السائد بين الشيعة العرب وكذلك بمدرسته الفقهية «الإخبارية». وهكذا أخذت تبرز بين صفوف هذا المكون الاجتماعي البحريني حركات وتنظيمات سياسية أخذت تتولى العمل إلى جانب المؤسسات الدينية التقليدية، كالمآتم والحوزات، على تعميق الفجوة بين المكون الحضاري العربي في الخليج والجزيرة العربية كهوية وإنتماء، واللحاق المتسارع بمشروعات الإنتماء المذهبي الجديد العابر للأوطان والمتجسد هذه المرة في إيران، حيث يقيم الولي الفقيه، وفي المرجعيات الدينية في العراق؛ نلحظ أن كل تلك المرجعيات العابرة للأوطان قد أضفت على نفسها، أو أضفي عليها، هالة من القدسية المبالغة تصل أحياناً إلى درجة الألوهية. ما أثر كل ذلك على هذا المكون الاجتماعي الذي نتحدث عنه؟
لقد جرى إحلال إنتماء آخر وهوية جديدة ومغايرة تتمثل في الإنتماء للعقيدة المذهبية أولاً، ثم الإنتماء للوطن ثانياً أو ربما ثالثاً. إن هذه الحالة المستجدة وضعت هذا المكون الاجتماعي الشيعي العربي في أزمة هوية عميقة، بالرغم من نداءات وإستغاثات بعض رجال الدين الشيعة من خطورة هذه الحالة، لذا فليس من المستغرب أن نسمع أو نقراء عن حالة الإختطاف التي تعيشها الطائفة الشيعية في البحرين وغيرها، والتي أصبح يعاني منها العديد من إبنائها ومثقفيها، بل أصبحت الحالة الراهنة تهدد حاضرهم ومستقبلهم الوجودي. لنقراء ما يقوله أحد أبناء هذا المكون عن ما آلت إليه حال هذا المكون من جراء حالة الاختطاف هذه، يقول الكاتب حسن عبدالله المدني: «تلونت الواجهات السياسية للعديد من المآتم بألوان الأحزاب، وكان العنوان الأبرز صور الزعامات الدينية السياسية البحرينية والإيرانية والعراقية واللبنانية التي تدل على التوجه السياسي للقائمين على تلك المآتم ومرتاديها، وإزدادت تلك الحرب ضراوة في عقد التسعينيات من القرن الماضي بني المهيمنين على المآتم التي تعد بالنسبة إليهم غنائم سياسية وبين المعارضين لتسييس هذه المؤسسة في الأصل».(1)
جلياً لنا إن الأساليب المتنوعة من الترغيب والتهديد والإرهاب التي مارستها النخب الدينية والسياسية الجديدة، التي تولت زمام قيادة هذا المكون الاجتماعي، منذ الثورة الإيرانية، قد عملت على وضع هذا المكون في حالة من المظلومية الإسطورية التي لا دخل للتاريخ والحضارة العربية المعاصرة أية مسؤلية، وقد عمل كهنة الثورة الإيرانية على صناعة أسطورة «آل البيت» وذلك لمحاولة خلق مساحة مشتركة من المظلومية الفارسية التي سوغت تاريخياً لنشأة وتأسيس التشييع الصفوي ومنظومة ولاية الفقيه.
إن حالة الإختطاف التي يعيشها هذا المكون الاجتماعي، المؤدية إلى محاولة إبعاده عن إنتمائه وهويته العربية، وعن تأصيل إنتمائه الوطني وحقه الأصيل في المواطنة الحقة، قد ترتب عنها خسارة هذا المكون لزعاماته ونخبه المتعلمة، القومية والعلمانية منها، والتي كان لعدد غير قليل منها شرف المساهمة في بناء الدولة الحديثة منذ بدايات القرن العشرين.
ومن مظاهر خطورة هذا الاختطاف، وغياب النخب المدنية المتعلمة، أن تم الاستحواذ على الشارع السياسي الشيعي وعلى العوام، في القري قبل المدن، والزج بهم في مشروعات متتالية من المواجهة مع الدولة، من جهة، ومع بقية المكونات الاجتماعية، من جهة أخرى.
وكانت كثيراً من تلك المواجهات التي حمل بعضها الطابع السياسي التأزيمي والآخر الأميل إلى العنف وإرهاب الشوارع، تنفيدا لمسلسل إنهاك الدولة تدريجيا حتى يدب فيها الوهن ويستشري الفساد في مؤسساتها، وبالتالي يسهل الإنقضاض عليها في مرحلة لاحقة، تطبيقاً لمشروعات مشابهة في مجتمعات عربية أخرى.
وليس أبلغ اليوم إلى ما آلت إليه حالة هذا المكون الاجتماعي خلال «محنة فبراير»، فقد زُج هذا المكون زجاً قسرياً في هذه المحنة بعد أن تم إستلابه من قبل نخبه الجديدة التي وضعت إنتمائها المذهبي بديلاً عن إنتمائها الوطني، وهكذا وجد الفرد في هذا المكون نفسه أمام جدار المكونات الاجتماعية الأخرى وهو في حالة من الصدمة: هل يواصل إنعزاله في حالة من المظلومية الأسطورية المُكرسة للإنتماء المذهبي على حساب المواطنة الحقة والإنتماء الوطني؟ إن أمام هذا المكون الاجتماعي حاجة ملحة، لاتختلف عن مكونات اجتماعية شيعية عربية مشابهة، للقيام بالاندماج الحضاري العربي التام، والابتعاد عن القوى والدول المعادية للأمة العربية، والقائمة على كراهية العرب وإزدرائهم عنصرياً، خاصة الدول الثيوقراطية مثل: إيران وإسرائيل.


المكون الاجتماعي الثالث:
للننتقل الآن إلى المكون الاجتماعي الثالث للمجتمـع البحريني، ونعني به هنا تحديداً «المكون الشيعي المنحــدر من أصــول فــارسية»، والمتعـارف عليه محلياً بـ «العجم». بخلاف بقية المكونات الأخرى يمتاز هذا المكون بوجود هوية إثنية جامعة له، وإن كانت شكلية الطابع، وهو الإنتماء إلى إجداد وأسلاف إنحدورا من مناطق متفرقة من إيران.
أما على أرض الواقع فيمتاز هذا المكون بتنوع شديد وتشرذم، نظراً للخلفيات الطبقية والتمايزات القرابية والإثنية الطابع، مما جعل هذا المكون الإقل إنصهاراً بين مكوناته الداخلية. لعبت الخلفية الإثنية والمذهبية لهذا المكون دوراً في جعل الأجيال الأولى من المهاجرين إقل إنصهاراً في المكون الاجتماعي العام، ومن المسببات التاريخية لعدم الإندماج التام: طبيعة العلاقة الموتورة والعدائية بين بلد المهجر، أي البحرين بصفتها وطناً جديداً، وبين بلد المنشأ، أي إيران بصفتها الوطن القديم.
لقد انعكست السياسيات العدائية والتوسعية الطابع لمختلف الحكومات التي تناوبت على حكم إيران في جعل هذا المكون الاجتماعي في البحرين يعيش حالة من الريبة، وذلك في ضوء حالة العداء القائمة بين الوطن الجديد والوطن القديم، وليس بخاف على أي دارس للتاريخ ما سببته الحماقة والرعونة السياسية من مشكلات متعدد لنظام الحكم في إيران، منذ تأسيس الدولة الصفوية في عهدالشاة إسماعيل بين حيدر الصفوي في بداية القرن السادس عشر، إنتهاءً بمشكلات النظام الحالي للملالي والكهنة.
وهكذا بعد عقود من الحروب الخاسرة مع دول الجوار مثل العثمانيين/الأتراك والأفغان خلال القرون الماضية، مروراً بعصر الإطماع والتطلاعات التوسعية خلا الحكم الملكي الشاهنشاهي البهلوي في القرن العشرين، وصولاً إلى الأطماع والتطلعات الجديدة التي تم تغليفها بلباس الثورة الإسلامية عبر مشروعات تصدير نموذج الثورة الإسلامية في إيران إلى الدول العربية والإسلامية، خاصة إلى تلك الدول التي يوجد بين مواطينها تجمعات سكانية من الشيعة.
ما علاقة كل هذه الخلفية التاريخية بطبيعة المشكلات الإندماجية للتكوين الاجتماعي الثالث؟
لقد إختار أعيان ووجهاء الأجيال الأولى من هذا المكون، وفي ضوء هذه المشكلات التاريخية، سياسية الإنغلاق والعزلة وبالتالي الابتعاد عن الشأن العام المحلي وذلك إتقاءً للشر. ومع مرور الوقت لعب هذا الموقف دوراً في تكريس الإنغلاق الاجتماعي والثقافي للمجتمعات المحلية لهذا المكون، مما أسهم تاريخياً في إبطاء عملية الإندماج في محيط الثقافة العربية العامة للوطن الجديد، فأصبح هذا المكون يعاني من إنشطار في وجدانه الثقافي وفي إنتمائه وهويته الثقافية، وإنشطاراً لاحقاً في شعوره بالمواطنة المشروخة.
وبالنظر للحالة التاريخية والاجتماعية التي وجد هذا المكون الاجتماعي نفسه عليها، أصبحت حالة الإزدواجية والإنشطار في الهوية والإنتماء تورث من جيل إلى آخر، هذا على الرغم من إنخراط الأجيال اللاحقة في برامج ومشروعات التعليم التي ترعاها الدولة، وإلتحاقهم بوظائف في مؤسسات عامة وخاصة. وبالرغم من كل ذلك ظل قطاع كبير من أبناء هذا المكون بعيداً، من الناحية الوجدانية، عن المكونات الروحية والثقافية للحضارة العربية التي ينتمي إليها وطنه.
ولعل من علامات هذا لإنغلاق والتقوقع على ثقافة و هوية الأباء والاجداد: إستمرار تفضيل أجيال متفرقة للحديث بالفارسية ولهجاتها المتنوعة، عوضاً عن التحدث بالعربية، وكذلك حالة القطيعة مع فنون الموسيقى والغناء العربي بصفة عامة، والمحلي بصفة خاصة، الأمر الذي ترتب عليه على سبيل المثال حالة من عدم الإنتماء للموسيقى والغناء العربي المحلي، بل تصل أحياناً إلى درجة النفور منه.
ومما ضاعف هذه الحالة الإنغلاقية الناتجة عن التردد وعدم والإندماج، عدم تشجيع الأبناء على الإنخراط في هذه الفنون على مستوى الممارسة والإبداع، لذا فأن الدارس للمجتمع والثقافة في البحرين سيلاحظ عدم وجود فنانين ومطربين يمتهنون ممارسة هذه الفنون، سواء بين المكون الاجتماعي الشيعي العربي بصفة عامة، أوالمكون الشيعي من ذوي الأصول الفارسية، بصفة خاصة.
سوف يكون أمراً غير منصفاً، بل غير موضوعياً، إذ لم يُأخذ بعين الاعتبار في هذا التعميم والإنطباع العام وجود بعض الحالات الإستثنائية لأبناء هذا المكون، أو ربما حتى جهود جماعية أو فردية للخروج من قيد هذا الإنعزال والتقوقع الاجتماعي والثقافي، خاصة وإن المجتمع البحريني يخلو تاريخه من إحتقانات وصراعات عرقية وطائفية مريرة كتلك التي مرت بها بعض المجتمعات في العالم، بل تسود المجتمع البحريني علاقات ودية بين مختلف المكونات الاجتماعية، ماضياً وحاضراً. على أن تسليط الضوء هنا على مشكلات هذا المكون الاجتماعي الأخير، بهذا القدر من التفصيل، يستهدف البحث عن ما يعانيه هذا المكون من مشكلات في الإنتماء والهوية، وبالتالي إنعكاسها على ممارسته للمواطنة الحقة. وسنلاحظ إنعكاس هذه المشكلات سلباً على إنجرار فئات من هذا المكون للتخندق المذهبي مع الحركة السياسية الشيعية بقيادة النخبة الدينية الجديدة، المروجة لوطن جديد يستلهم نموذجه من النموذج الإيراني للحكم الثيوقراطي القائم على ولاية الفقيه. سوف نلاحظ أيضاً إن عزلة وتقوقع هذا المكون الاجتماعي الشيعي، ذوي الأصول الفارسية، وإبتعاده عن الثقافة العربية ومكوناتها وإعلائه من القيمة الاجتماعية والروحية للثقافة الفارسية، قد أسهم عبر الأجيال المتفرقة في جعل هذا المكون يلتقي تاريخياً مع المكون الاجتماعي الآخر، أي الشيعي العربي، والسير خلف مشروعات النخبة الدينية الجديدة التي جعلت من النظام السياسي والديني القائم علي أسس مذهبية متمثلة في نظام ولاية الفقيه، ملهماً روحياً ونموذجاً يحتذى به، بل العمل على النضال من أجل تحقيقه على أرض الواقع.
وهكذا، كما جرى الإنقلاب على النخب التقليدية في أوساط المكون الشيعي العربي، جرى أيضاً الإنقلاب في هذا المكون الاجتماعي. فاستولت نفس النخبة الدينية الشيعية الـجديدة في البحـرين من التي أفـرزها النظــام الكهنـوتي في إيران علــى زمــام الأمـور في هذا المكون، هذا على الرغم من مشـاعر العـداء والإزدراء المتبـادل بين مــا يسمــى محــلياً بـ «البحارنة» و«العجم» في البحرين، وجرى تكريس الكهنوت الديني الصفوي، العابر للأوطان والأثنيات، في صفوف كلا المكونين عبر منظومة الاعتقاد بالولي الفقيه والمُقلد، وهكذا تم ربط أبناء هذا المكونات الاجتماعية بشبكة من المُقلدين تنتهي بتراتبية هرمية ينتهي رأسها عند الولي الفقيه.

مقاومة الطغيان الديني:
جديراً بنا ونحن نستعرض هذه الجذور الاجتماعية والتاريخية للمكونات الاجتماعية للمجتمع البحريني المعاصر، أن نتوقف قليلاً أمام عمليات المقاومة التي أبداها ولايزال أبناء المكونات الاجتماعية الشيعية البحرينية من «البحارنة» و«العجم»، ضد الهيمنة وسياسات السيطرة التي مارسها الكهنوت الإيراني، ولا يزال، عبر نخبه الدينية الجديدة من التي عمل على تأسيسها ورعايتها عبر نظام الحوزات الدينية في إيران وخارجها. لقد تفاوتت أشكال المقاومة، فقد تصدت بعض العوائل البحرينية من الشيعة العرب ضد محاولات الهيمنة على المآتم الحسينية التي عملت على تشييدها من عقود عديدة، كعائلة العريض، وبن رجب، والمديفع، والعصفور، وغيرها العوائل الشيعية من أعيان المنامة.
كما أخذت المقاومة أشكال أخرى من التصدي كالمقاومة الدينية، وقد تجلت تلك المقاومة في تصدي المدرسة «الأخبارية»، السائدة تقليدياً بين الشيعة العرب في شرق الجزيرة العربية، لهيمنة المدرسة «الأصولية»، ذات النفوذ الإيراني والمبنية على مبدأ الاعتقاد بولاية الفقيه باعتبارها ركناً أساساً من أركان المذهب الإثني عشري.
نذكر من هذه التجارب موقف فقهاء المدرسة الإخبارية من علماء وفقهاء المدرسة الجعفرية في البحرين سواء من العوائل المعروفة مثل رجال الدين من عائلة العصفور والمبارك، كما نذكر في هذا المقام الدور البارز الذي لعبه الشيخ سليمان المدني، وتجربة الجمعية التي كان يترأسها «جمعية الرابطة الإسلامي»، فقد إستلهمت هذه التجارب الدور الذي لعبته شخصيات دينية شيعية بارزة، كبعض الشخصيات اللبنانية: مثل الشيخ محسن الأمين، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والشيخ علي الأمين، وربما شخصيات دينية أخرى في العراق وإيران.
كل ذلك في محاولة منها للتصدي للهيمنة والتلسط الديني المركزي الذي قاد إلى إستكمال تأسيس تراتبية دينية شيعية في البحرين عبر هرامها الذي يقف على رأسه الولي الفقيه، ثم تليه جماعات سياسية ودينية، قد تتفاوت من حيث حجمها وتشددها الديني والسياسي، لكن الملاحظ أن جميعها يدور في فلك الملالي والكهنوت الإيراني المكرس للتشيع الصفوي عبر منظومة الولي الفقيه.
نورد هنا شهادة الكاتب حسن عبدالله المدني، وهو بالمناسبة إبن المرحوم عبدالله المدني شقيق المرحوم الشيخ سليمان المدني، كما وردت في مقالته السابق ذكرها، حيث يدون مرارة تلك التجربة قائلا: «بلغ هذا الصراع ذروته بحرق «مأتم القائم» في إسكان جدحفص بسبب رفض إدارته تسليمه إلى الفئة التي كانت تتسيد الشارع الشيعي في ذلك العقد، وهي حادثة غريبة على المجتمع البحريني ورغم غرابتها لم يدنها من الشيعة إلا جماعة الشيخ سليمان المدني رحمة الله بالإضافة إلى مجموعة من شيوخ الدين السنة»؛ ويستطرد قائلاً في نفس المقالة: «لم يقتصر إستلاب المآتم واختطافه على الواجهات السياسية الواضحة التي أصبحت مثل واجهات الأحزاب السياسية، بل تم تجيير المنبر الحسيني للترويج للجماعات السياسية في الداخل والخارج، والشحن ضد الدولة، وضد الرموز الدينية المستقلة».


للننتقل الآن إلى المكون الاجتماعي الشيعي الآخر، أي «العجم»، لنرى تجربة هذا المكون مع هذا الطغيان والتسلط الديني، لقد ظهرت أشكال متفاوتة من المقاومة لنفوذ الهيمنة والتسلط الديني الذي أصبحت تقوده الزعامات والنخب الدينية الجديدة، وذلك بعد إزاحتها للوجهاء والأعيان «العجم» من النخبة التقليدية.
كان من أشكال تلك المقاومة في مراحلها المبكرة، تصدي الوجيه «كاظم حسين بوشهري» وهو المعروف آنذاك بكونه «القائم على المآتم» لمحاولات الحركة «الشيرازية» بقيادة «السيد هادي المدرسي»، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، للسيطرة على «مأتم العجم الكبير» واستخدامه كساحة للنشاط الديني السياسي لحركته، مما حدى بالوجيه «كاظم حسين بوشهري» إلى التصدي لهادي المدرسي وحركته، مؤكداً على أن المأتم مكان دين، وهو حد قوله «المأتم مأتم للحسين»، وليس «مأتم للسياسة».
وواصل «مأتم العجم الكبير» تصديه لتلك الهيمنة بأن قام في عام 1981م بإزالة جميع صور الزعامات الدينية والسياسية الإيرانية التي حاولت الحركة «الشيرازية» وضعها على جدران المأتم الداخلية.
حفلت العقود الماضية أيضاً بمحاولات مشابهة، تفاوتت من حيث النجاح والفشل، قام بها جماعات وأفراد من مآتم أخرى تابعة للـ «العجم»، سواء في المنامة أو المحرق، للتصدي لمحاولات الطغيان والهيمنة الدينية التي أخذت تشرع في تنفيذها النخب الدينية الجديدة.
كما لا يفوتنا أن نسجل ما شهدته البحرين أيضاً من مواقف صريحة عبرت عن نفسها من خلال مقاطعة وعزوف العوائل المعروفة من «العجم» بولائها التقليدي للعائلة الحاكمة ونظام الحاكم، لكل النشاطات والفعاليات التي كانت تقوم بها الجمعيات الدينية والسياسية الشيعية الواقعة تحت هيمنة النخب الدينية الجديدة.
لقد استخدمت النخبة الدينية الجديدة مختلف أساليب الترهيب والترغيب ضد كل الجماعات الدينية الشيعية في البحرين ممن قاوموا مشاريع الاستحواذ على الاعتقاد الديني، وهكذا بينما شهدت الأوساط الشيعية في البحرين تراجعاً للاتجاهات المعتدلة والوسطية، والمبنية أساساً على جذور الانتماء العربي للحضارة الأم وللهوية العربية الخليجية بعمقها الاستراتيجي المتمثل في الجزيرة العربية، تنامياً للاتجاهات المتشددة دينياً وسياسياً والقائمة على تكريس هيمنة وتسلط مرجعية شيعية واحدة مترتبطة مباشرة برأس السلطة الإيرانية، الولي الفقيه.
أي انتماء ومواطنة نريد؟
السؤال الآن، ماذا بعد أن حاولنا التعرف على الجذور الاجتماعية للأزمة التي تعيشها بعض المكونات الاجتماعية في البحرين في انتمائها وهويتها، وما يترتب عليها من ممارسات يسودها التخبط على صعيد ممارسة حقوق المواطنة؟ لعل من الإشكاليات التي تعيشها البحرين ما هو مُصدّر إليها من الخارج، تتمثل هنا في أطماع وعقائد تقع ضمن مسميات تصدير الثورة الإسلامية، وهي من الأمور التي تعاني منها سلباً البحرين وغيرها من المجتمعات التي تعمل «إيران الملالي» على تصدير مشروعات الثورة الإسلامية لها. لذا وفي ضوء هذه الحالة فإن هناك حلولاً وطنية الطابع، وأخرى إقليمية وثالثة دولية، وهي بمجملها تهدف للحد من الأخطار التي تسببها الحكومة الإيرانية للمجتمع البحريني ولغيره من المجتمعات الخليجية والعربية.
أما على صعيد المكونات الاجتماعية البحرينية، خاصة المكونات الشيعية، فإنه آن الأوان أن تعمل هذه المكونات، وعبر نخبها المتعلمة، على تلمس وإدراك ما يشكله العمق العربي والآخر الاستراتيجي المتمثل في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من أهمية مصيرية وحيوية في الجغرافيا السياسية والتاريخية للبحرين. إن إدراك هذه الحقيقة يستتبع الوعي بحقيقة أخرى وهو أن البحرين تنتمي للمجتمع والثقافة العربية بحكم الهوية والانتماء والتاريخ، وهي من الثوابت والمبادئ التي نص عليها الدستور المعمول به في مملكة البحرين، لذا فإن على المكونات الاجتماعية البحرينية أن تدرك أن الانتماء العربي والهوية العربية هما الأسسان الصلبتان اللتان تقومان عليها الهوية البحرينية، المستمدة جذورها من هويتها الخليجية الجامعة. وعليه فإن على أبناء النخب المتعلمة، للمكونات الاجتماعية التي جرى محاولة جرفها عن الحالة الطبيعية لثوابت المجتمع العربي الخليجي التي وجدت عليه البحرين، أن تعمل جاهدة للتحرر من أسر مشروعات الهيمنة والتسلط الذي يحاول نظام الملالي والكهنوت في إيران فرضه عليهم، سواء من خلال النخب الدينية البحرينية أو مشروعات تصدير الثورة الإسلامية.
إن الأمة العربية التي ينتمي إليها المجتمع البحريني تتطلع بجميع مكوناته الاجتماعية الى استمرار رفد الحضارة العربية العريقة لهذه الأمة بالنتاج الحضاري والإبداعي العربي للإنسان البحريني علماً وأدباً وفكراً وفناً وثقافة، تماماً كما عهدته منه أمته منذ أقدم العصور، فالبحرين لن تكون إلا بلداً عربياً وخليجياً، لذا فإن من قَبِل العيش على أرضها لن يجد أمامه سوى القبول بتلك الثوابت التي ستظل تشكل المعالم الأساسية للشخصية البحرينية، وأنها الشرط الأساس للمواطنة الحقة فيها.

مقترحات أمام قطار الإصلاح
لعل من حسنات «محنة فبراير» هي حالة المراجعة مع النفس التي يفترض أن تقوم بها جميع المكونات الاجتماعية، بهدف تقييم دورها في مسيرة بناء الدولة الحديثة بصفة عامة، وفي مسيرة الإصلاح السياسي والديمقراطي الذي دشنه عاهل البلاد المفدى منذ ما يقارب العقد من الزمان بصفة عامة. إن «محنة فبراير» لم تعزز فقط صحة مسيرة الديمقراطية القائمة على مبادئ العدل والحرية والمساواة، بل أنه لا سبيل لتحقيق كل ذلك والمحافظة على مكتسبات الشعب دون وجود نظام أمني صارم يحمي المجتمع والدولة معاً. إن السنوات العشر من عمر الديمقراطية والإصلاح السياسي، أظهرت بعضًا من الاخفاقات والعيوب في التطبيق، مما يستدعي مراجعتها والتدخل السريع نحو إصلاحها، ولعل من بينها ما كان سبباً، بل مبرراً لاستمرار المكونات الاجتماعية ونخبها في الخروج عن ثوابت المجتمع البحريني، وعن المقومات الرئيسية التي أقرها الشعب البحريني بجميع مكوناته سواء في ميثاق العمل الوطني أو الدستور، ويجدر بنا أن نورد عدداً من تلك المراجعات والوقفات التاريخية الموجبة:
أولاً: حاجة الشعب البحريني بجميع مكوناته، للاستمرار قدماً في العيش المشترك في ضوء ميثاق العمل الوطني والدستور القائم لعدة عقود قادمة حتى تتكرس عبر الممارسة بين أجياله المتعاقبة قيم الحرية والعدل والمساواة، وكذلك الممارسة الحقة للمواطنة، كما إن هذه الحالة لا يمكن بلوغها والإطمئنان لوجودها دون وجود نظام أمني صارم يحمي مكتسبات المجتمع ويوفر الأمن والحياة الحرة والكريمة لجميع مكونات المجتمع.
ثانياً: العمل على إعادة النظر في قانون الجمعيات السياسية القائم، وذلك في ضوء إخفاقات وسلبيات التطبيق خلال الأعوام العشر الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالسماح لجمعيات سياسية قد تم تأسيسها على أسس دينية أو مذهبية، وعليه يجب أن يصار إلى تعديل القانون الحالي، أو ربما إيجاد تشريع جديد ينهي الحالة السلبية التي انتهينا إليها، ويمنع بموجب هذا التشريع الجمع بين العمل السياسي والديني.
ثالثاً: اتخاذ إجراءات عاجلة نحو إيقاف كل أشكال الممارسات المخالفة للقوانين والأنظمة المعنية بمؤسسات الرأي العام الخاصة، والتي أدت إلى إنشاء مؤسسات صحفية مبنية على أسس دينية أو مذهبية، والعمل على وضع تشريعات صارمة تجرم تلك الممارسات.
رابعاً: مراجعة مختلف التشريعات المتعلقة بالمؤسسات الدينية، بحيث تخضع هذه المؤسسات لضوابط قانونية صريحة وواضحة فيما يتعلق بأعدادها ومناطق تواجدها، بل ونطاق وأماكن ممارسة العبادات والشعائر الدينية. ولعل المجال الأبرز الذي يجب أن تستمر المراقبة والتدقيق فيه هو مضمون الخطاب الديني ومدى إلتزامه بثوابت المجتمع وبالتشريعات والمعمول بها في المملكة، والنأي بتلك الخطابات عن الصراعات أو عن التدخل السافر في الحياة العامة والحريات المدنية للمواطنين والمقيمين والتي تمارس وفق الأنظمة والقوانين.

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي  بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...