في الثالث من يناير/ كانون الثاني 1820 غادر لوخ رأس الخيمة يرافقه بروس وتتبعه السفينة كارلو Curlew ونوتيلوس Nautilus وخلال اسبوعين طافت هذه السفن موانئ الخليج وتعرضت لعواصف الشتاء.
في جزيرة خارك وجد لوخ أهلها يمتازون بالشعر الأحمر وبياض البشرة ‘’وذكره ذلك بالدنماركيين’’ في الحقيقة كان الهولنديون هم الاوروبيون الذين أقاموا في الجزيرة في منتصف القرن الثامن عشر ولم يترك القرنين الماضيين أي أثر لأحفادهم ان كان هناك أحفاد (الهولنديون بقوا في هذه الجزيرة اثنتي عشرة سنة).
طرد الهولنديون من خارك بواسطة زعيم القراصنة مير مهنا شيخ بندر ريق ويصفه نيبور[1] في 1774 بأنه أكبر طاغية عرف لمساوئه وطغيانه، لقد قضى على والده بواسطة خادمه وأمام عينه لأن والده فضل أخاه الآخر وتخلص من والدته لأنها أنبته على فعلته هذه، وتمكن من اغتيال أخ آخر وستة عشر من أقاربه من أجل الحكم والسلطة. وقتل أختيه غرقا بسبب تقدم الشيوخ المجاورين بطلب الزواج منهما واعتبر مير مهنا ذلك اهانة شخصية له.
في عسلو[2]: نزل لوخ وبروس الى الساحل وطلبوا من شيخها ارشادهم الى سفن القراصنة في الميناء من أجل تدميرها كان من الصعب تحديد أي السفن تابعة للقراصنة ولكن الشيخ أشار الى سفينة واحدة تمت مصادرتها.
في نابند[3] وجدت اثنتان من السفن المطلوبة، وتم حرقهما، ولكن تمكنت اثنتان أخريان من الهرب في 21 يناير/ كانون الثاني وصل الأسطول الى البحرين.
قبل الوصول الى الجزيرة أرسلت السفينة نوتيلوس لمراقبة المخرج الجنوبي للميناء بين الجزيرتين (المنامة والمحرق) لكي تمنع أية سفينة من الهرب.
وتوجهت السفينة ايدن وكرلو الى البحرين، اصطدمت السفينة ايدن بقاع البحر ولكن تمكنت من الطفو مرة أخرى بعد ارتفاع منسوب البحر، ويقول المؤلف ‘’حتى في هذه الأيام وعلى رغم وجود خرائط المسارات البحرية تقع بعض السفن في هذا المأزق’’، ولكن يوجد الآن مرسى عميق في جنوب المنامة تستطيع أن ترسوا فيه ست سفن قرب الرصيف.
تقدمت السفينة ايدن والسفينة كرلو الى نقطة على بعد طلقة بندقية من سفن البحرين الحربية. تم التعرف على سفينتين في الميناء تابعتين للقراصنة وأرسلت مجموعة من الجنود لمصادرتهما، وتم ذلك بالفعل من دون أية مقاومة، ويقول لوخ ‘’أرسلت رسالة الى شيخ البحرين أبلغه عن التعليمات الصادرة لدي من أجل تدمير سفن القراصنة بطريقة لا يرفعون رأسهم منها مرة أخرى’’.
في الوقت نفسه طلب ارسال الخيول من أجل توجهه هو وبروس الى الرفاع لمقابلة الشيخ عبدالله والشيخ سلمان[4].
في أول زيارة (عندما زار لوخ البحرين بحثا عن السيدة الأوروبية) لم يشاهد الكثير من معالمها، ولكنه بقي فيها هذه المرة اسبوعا كاملا توجه خلاله الى الساحل عدة مرات.
وكان رأيه ‘’ان المنامة كانت تتميز برقيها اذا ما قورنت بباقي عواصم الخليج آنذاك، ومع أن أغلب بيوتها من السعف إلا أن ترتيبها ونظافتها لم أشاهد مثلهما في أي مكان آخر، وعرفت أن أهلها من الطبقات المتميزة، وتقع خارج مدينتها حقول زرعت بطرق متقدمة تفصل بينها أشجار النخيل وفي الداخل وجدت بساتين النخيل الكثيفة والتي كانت تبدو رائعة ولكن ما أثارني أكثر أنه في هذا الوقت من السنة كانت الحقول مغطاة بالبرسيم الذي يقدم للأبقار هذه الأبقار تنتج لبنا وزبدة لم أتذوق مثلهما منذ مغادرتي بريطانيا’’.
تروى بساتين النخيل في البحرين بواسطة قنوات تنساب فيها المياه الصافية الصادرة من الينابيع أو الآبار وتعطي الحقول الخضراء المزروعة بالبرسيم على مدار السنة منظرا خلابا يشرح النفس.
ويعقب المؤلف قائلا ‘’ان الكثير من أشجار النخيل قطعت وذلك لانشاء الطرق المزدوجة للسيارات وبساتين اخرى أزيلت لبناء المنازل على الطراز الاوروبي، لأن الدخل المادي منها أكبر من انتاج النخيل وأن ذلك يحدث على رغم توجيهات أبوبكر الصديق خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنع قطع أشجار النخيل’’.
عندما أوتي بالخيل توجه بروس ولوخ الى الرفاع يرافقهم ابن الشيخ وخادم له، وبعد عبور مزارع النخيل انبسطت الارض أمامهم في ارتفاع تدريجي، وانتقلوا في ممرات تحيط بها تلال المدافن (التي لا يذكر لوخ أي شيء عنها) ونعتقد أنه اعتبرها كثبانا طبيعية، ويعقب المؤلف قائلا، في السنوات الماضية جاءت الى البحرين بعثة دنماركية للتنقيب عن آثار البحرين واكتشفت مدينة أثرية ومعبدا، ويعود تاريخ هذا الاكتشاف الى 2500 سنة قبل الميلاد.
في النهاية وصل الجميع الى البلدة والتي تسمى الآن الرفاع الشرقي، وذلك لأن رفاعا آخر هناك قرب قصر الشيخ ويترجم دريدن Dryden أبياتا من فيرجل Virgils لوصف هذا المكان:
عالية تطل على الوادي والجبال
تطالع الأرض وتحرس المكان
منها تعلن الحرب
ولها في الحرب يلجأ الرجال
في العام 1820 كانت الرفاع بلدة جبلية محصنة ومأهولة بالسكان بنيت قلعة الرفاع بواسطة الشيخ سلمان بن أحمد، وسكنها، وقد بنيت على اساسات قلعة اخرى كانت مقرا لسلطة الهولة عندما حكموا البحرين في القرن الثامن عشر.
ومن أعلى الهضبة وقف لوخ وأنعم النظر تجاه الجنوب. ترامت الصحراء الرملية أمامه تتخللها الصخور الجيرية، وانتهت بجبل الدخان الذي يرتفع من دون انحناء من وسط الرمال.
كانت الجمال ترعى في البقع الخضراء المتناثرة بين الرمال ومجموعة من الغزلان تبدو وكأنها الحيوان الوحيد في هذه الصحراء. وفي قمة جبل الدخان كان هناك برج لمراقبة سفن الاعداء، ولم يبق منه الآن غير الاساسات فقط.
في جهة اليمين وعلى بعد عدة أميال كان من الممكن مشاهدة جزيرة سترة ومزارع النخيل فيها ومصائد الاسماك في سواحلها والتي تبدو وكأنها رؤوس حراب تدافع عن الجزيرة عندما وصل لوخ وبروس الرفاع وجدا الشيخين جالسين على دكة صخرية قرب بوابة القلعة (مازال أحفادهم يجلسون هناك في المساء لمناقشة أمور اليوم)، على رغم ان الصغار من اهل البحرين يجدون المتعة في الذهاب الى السينما ومشاهدة التلفزيون أو الاستماع الى الاغاني الغربية من الراديو.
وقف مئتان من الحراس قرب القلعة، وكانوا يلبسون الكوفية والثياب البيضاء الواسعة التي جمعت حول الخصر بشال أبيض. حمل كل حارس سيفا وبندقية وحزاما للخرطوش، واصطف الجميع في طابور عسكري على جانبي الشيوخ.
عند دخول بروس ولوخ اقترب منهما الشيخ سلمان وألقى التحية العربية عليهما، ودعاهما للجلوس معه وأخاه وبعد السلام أحضرت النارجيلة (أو القدو) والقهوة العربية بعدها نهض الشيخ سلمان وطلب من لوخ وبروس اللحاق به الى جانب أخيه الشيخ عبدالله فقط، فلحق به بروس ولوخ واستدار الجميع حول احدى زوايا القلعة، وفي اتجاه شمال شرق منها الى ان وصلوا الى فوهة قطعت في الحجر الصلب ودخل الجميع منها ولم يدرك بروس أو لوخ أين كانا متجهين، وتحول الممر الى سرداب كان لا بد من الانحناء أثناء عبوره وانتقل الجميع بعد هذا السرداب الى غرفة واسعة تم حفرها في الصخور الجبلية. لم تكن في هذه الغرفة أية انارة عدا النور الذي يدخل عن طريق السرداب. جلس الشيخ سلمان وأخوه الشيخ عبدالله وطلبا من بروس ولوخ الجلوس بقربهما.
تهامس الشقيقان بينما بقي بروس ولوخ صامتين وغير مدركين لما يجري حولهما، (ان هذه عادة يعرفها العرب ولا تعتبر غير حضارية). تحدث الشيخ سلمان قائلا انه يريد معرفة سبب حضور لوخ وبروس الى البحرين لأنه هو وأخوه لا يعتقدان أن السبب الحقيقي مطاردة القراصنة.
وأراد الشيخ معرفة إذا ما كانت الحملة الانجليزية موجهة ضد البحرين أو أن الانجليز قد دخلوا في حلف أرحمة بن جابر ضد آل خليفة في البحرين، ولذا اعتقد الشيخ سلمان أن الحديث سوف يكون أكثر سرية في هذه الحجرة (أو السرداب) وردد الشيخ طلبه في معرفة سبب حضور السفن البريطانية.
وكان رد الانجليز انهم بالفعل قد حضروا لتدمير سفن القراصنة وطالبوا الشيخ أن يفصل سفن رعاياه عن سفنهم حتى لا تصاب بأذى وأكدوا للشيخين بأنه لا داعي هناك لأي قلق إلا إذا قاما بمساعدة القواسم أو توابعهم.
ثم أثير موضوع مسقط وأراد شيخ البحرين معرفة اذا ما كان الانجليز قد توصلوا الى اتفاق مع سلطانها تجاه البحرين. لم يكن هناك رد رسمي في هذا الموضوع لدى لوخ أو بروس ولكنهما أكدا للشيخين أن سلطان مسقط لن يتدخل في امورهما.
ويقول لوخ لقد أكدنا كل ذلك لشيخ البحرين بشرط أن يثبت لنا من خلال تصرفاته بأنه بعيد عن القرصنة لأننا سوف ندمر وننهي القرصنة في الخليج.
يعلق بلجريف قائلا ‘’لم يعلم احد عن المحادثات السرية المذكورة ولا حتى مكان الحجرة التي في قاع القلعة، وقد محيت آثارهما الآن وأغلق الممر المؤدي اليها’’ في الحقيقة لقد أعيد فتح تلك الحجرة المذكورة في قلعة الرفاع بعد الترميمات الأخيرة - المترجم - في الحقيقة لم يكن شيخ البحرين مدركا لما كان يحاك للبحرين في بومبي لقد كان سلطان مسقط (القوي الذي قتل أقاربه) قد أصبح الآن من أهم الرجال لدى حكومة بومبي وأخلص الاصدقاء للانجليز الذين أعجبهم وقوفه في وجه القواسم والذي لولاه لما انتصر الانجليز عليهم.
هذا السلطان يعتبر أقوى قوة في الخليج الآن ويحمل بداخله طموح السيطرة الكاملة عليه، ولكنه في الحقيقة قد فشل في السيطرة على البحرين.
كان هناك دعاة التنازل عن البحرين الى مسقط، وكان هناك السير ايفان نابيان (Sir Evan Napean) حاكم بومبي والداعي الى تسليم البحرين الى مسقط مقابل السماح لقوة بريطانية بالمرابطة في جزيرة قشم منعاً للقرصنة في الخليج.
لاقى هذا المشروع معارضة شديدة في بومبي نفسها، وكان في مقدمة المعارضين فرنسيس واردن Franscis Warden الوزير الاول ورفض خيانة آل خليفة الذين حاربوا وحاولوا بكل جهد الحفاظ على استقلالهم انتصرت في النهاية آراء الوزير الأول وألغيت فكرة السير نابيان.
اقتنع شيخ البحرين بالأسباب المذكورة للحملة البريطانية على البحرين وأرسل المرافقون الى ميناء المنامة لفرز سفن البحرين من السفن الاخرى عاد الجميع الى مقدمة القلعة وجلسوا مرة اخرى قرب البوابة وأحضرت فرس عربية وتم عرضها على الانجليز وحازت كل الاعجاب وكان قصد الشيخ التأكد من اعجاب لوخ فيها قبل تقديمها اليه، مقابل هدية سابقة احضرها لوخ الى الشيخ في الزيارة الاولى.
ويعلق بلجريف: انه من عادة الشيوخ في الخليج اهداء فرس للزوار المميزين وعادة ما ينتهي الاوروبي الى وضع صعب يؤدي الى ترك الفرس في البحرين او يهديها الى مقيم في البلاد مما لا يثير أية حساسية لدى الشيخ بل انها عادة عربية ان تهدى الهدية فور استلامها، في الحقيقة لا يحدث ذلك، العربي يحب ان يحتفظ بالهدية، ولكن ربما يوزع بعضها اذا كانت فائضة عن حاجته - المترجم - كان الوقت متأخرا ولذا ابتدأ بروس ولوخ رحلة العودة الى المنامة يرافقهم ابن الشيخ وبعض الخيالة. وعند بداية المزارع وصل الجميع الى مكان يسميه لوخ القناة التي تمر تحت الجسر الصغير والذي يسمى (ردم الكوري) وتقع هنا مخاضة او ما يسمى (بالمقطع) قرب البحر تكون المسافة عبرها أقصر الى الرفاع، هذه المخاضة مازالت تستخدم بواسطة ركاب الحمير، في هذه المنطقة عبر بروس على ظهر حصانه الذي ارتمى في الماء ورفض الحركة على رغم كل المحاولات مما أثار عاصفة من الضحك.
كان هذا الحصان رماديا ولكن بعد نجاح المحاولة، كان قد تحول الى اللون الاسود (بسبب الطين العالق به). اتسخت بالطبع ملابس بروس في هذه الحادثة وكانت حالة بروس تدعو للرثاء.
وعندما وصولا الى المركب وجدوا الكابتن والبول Capt Walpole) قائد السفينة نوتيلس (Nautilus) قلقا لاعتقاده أن الشيخ قد احتجزهم وقد أرسل الكشافة للاستقصاء وجمع المعلومات عنهم، ولم يكن مدركا حتى ذلك الوقت بأن بروس ولوخ قد توجها لمقابلة الشيخ في الرفاع.
وعلى رغم تأخر الوقت فقد قرر لوخ التعامل مع سفن القراصنة! فورا قبل أن تهرب من ميناء المنامة. تم تجهيز السفن الصغيرة لتلك المهمة ولم تعد هذه السفن إلا بعد تدمير سفينتين من سفن القراصنة؟ وتمكنوا من احتجاز ثلاث سفن أخرى، بعد مقاومة تم اخمادها بواسطة رجال الشيخ عبدالله بن أحمد.
حاولت بعض السفن التابعة للقراصنة الهرب في اتجاه جنوبي فأرسلت السفن المذكورة وراءها ولكن وبسبب الارهاق الذي أصاب الضباط والبحارة تمكنت سفن القراصنة من الهرب، في اليوم التالي اقتربت سفينة كبيرة ترفع العلم الأحمر وتحمل رسول من أرحمة بن جابر (الجزار العجوز كما كان يسمى آنذاك) المقيم في القطيف والذي أصبح همه مهاجمة سفن البحرين. وعرض أرحمة بن جابر خدماته على الانجليز مقابل انتقامه من حكام البحرين بقطع رقابهم مع توابعهم وغسل يديه في دماء أعدائه.
أخبر كل من بروس ولوخ رجل أرحمة بن جابر أن هدف الحملة الانجليزية انهاء القرصنة وكل ما يعترض التجارة الانجليزية في الخليج، وكل من يخالف ذلك فإنه سوف يلاقي مصير أهل رأس الخيمة.
وطلبوا من الرجل أن يخبر أرحمة بن جابر ان طلبه بشأن حكام البحرين مثير للاشمئزاز وأن الانجليز سوف يقفون معهم، وليس ضدهم.
في الرابع والعشرين طلب لوخ وبروس من الشيخ عبدالله أن يقابلهم على الساحل قبل ذهابهم معه للعشاء في المحرق، وكان القصد من ذلك تحقير الشيخ أمام رعاياه، وذلك عقابا له لعناده وخداعه ووضعه العراقيل أمام لوخ عندما زار لأول مرة البحرين بشأن السيدة الأوروبية التي اعتقد أنها محتجزة في البحرين.
هذا الى جانب اعطائه الحماية والملجأ لسفن القواسم في ميناء البحرين الذي كان سوقا لبيع مسروقاتهم. ومنذ حادثة المرأة الاوروبية كره لوخ الشيخ عبدالله بن أحمد، وعلى رغم اعتقاد الاول بأنه سوف يعين الشيخ بطلبه المذكور (مقابلته عند ساحل البحر) فإنه وكما يقول المؤلف يعتبر هذا شيئا مألوفا لدى العرب.
عندما وصل لوخ الى الساحل لم يشاهد الشيخ عبدالله بن أحمد، ولذا قرر العودة، ولكن ما ان استدارت سفينته حتى تم ابلاغه بوصول الشيخ، فعاد لوخ مرة اخرى الى الساحل.
وصل الشيخ عبدالله بن أحمد مع جمع كبير من الرجال واعتذر عن التأخير، وذلك لأنه كان يقضي فرض الصلاة.
عند وصول لوخ وبروس الى المحرق توجه الجميع الى مكان العشاء ولكن وبسبب تجمع الاهالي تعذر الوصول اليه فانطلق رجال الشيخ في ضرب المتجمهرين حتى تم افساح الطريق. كان العشاء في (برستي كبير) حيث كان الشيخ عادة ما يستقبل الناس فيه ويعقد فيه المحاكمات.
في البرستي أعدت طاولة وكرسيان وأطباق وملاعق وسكاكين وشوك لبروس ولوخ، وجلس الشيخ مع مرافقيه على الارض وفي الجزء الأيمن. أما باقي المدعوين فقد جلسوا في الجزء الآخر من البرستي.
لقد كان الجلوس بعيدا عن صاحب الدعوة الى جانب جلوسه على الارض، بينما جلس لوخ وبروس على الكراسي كان الأمر غريبا بالنسبة لهما، وكان من الاجدى بهما ان يلتحقا بالباقين على الارض، ولكن يبدو انهما اعتبرا ذلك من دون مستواهما.
كان العشاء يتكون من صينية مليئة بالأرز ودجاجتين محشيتين (وشربت) وخبز وملح، ومثل ذلك وزعت الصواني على الباقين الذين تحلقوا حولها، وكان طبق الشيخ عبارة عن دجاج محشي بالمكسرات والأرز والتوابل ‘’قبل البدء في العشاء شمر الشيخ عن ساعده وأمسك بالدجاجة من رجلها وشطرها شطرين وتلا ذلك خلع الاجنحة وباقي الجسد بعدها وضع قطعة من الدجاج على لقمة كبيرة من الارز وجعل فيها كرة بحجم فمه ثم تناولها برؤوس أصبعه اليمنى وبحركة سريعة من اصبعه الكبير قذف بها في فمه’’ ويستطرد لوخ قائلا انه بين لقمة واخرى كان الشيخ يغمس يده في الماء ولكن يعلق المؤلف قائلا لم تكن العادة كذلك بل كان العربي يغسل يده قبل الأكل وبعده، ويقول اليوم بدل شربت الرمان تقدم البيبسي كولا مع الوجبات وعادة ما يكون الدجاج مثلجا وتم استيراده من أميركا ويقدم ايسكريم شركة والز (walls) في النهاية.
الغريب في الأمر انه لم يذبح خروفا أو شاة للمناسبة ويبدو أنها كانت شبه معدومة آنذاك.
بعد العشاء، غادر كل (العرب) البرستي وتطرق الشيخ مرة اخرى وكان يشك في السبب الحقيقي لقدوم الانجليز الى البحرين، وكان يعتقد انهم في البحرين لمساعدة الفرس أو السلطان التركي أو حتى أرحمة بن جابر ضد البحرين.
وأكد كل من لوخ وبروس مرة اخرى للشيخ عبدالله بأنهم غير راغبين في ذلك وانهما يعترفان باستقلال البحرين، وأخبرا الشيخ بالرد المرسل الى أرحمة بن جابر. بعدها قدمت القهوة والدخان، ورافق الشيخ بروس ولوخ حتى الساحل حيث توجها مرة اخرى الى المنامة. لقد عانى الشيخ عبدالله بن أحمد من المشاغبات والمشاكل بعد مغادرة لوخ الخليج.
كان سلمان بن أحمد وحتى العام 1825 مساعدا للشيخ عبدالله في ادارة البلاد، وقاما بالدفاع عن البلاد ضد أرحمة بن جابر الذي قتل في العام 1826 وضد ابنه بشر بعد ذلك، والذي حمل الحقد لآل خليفة وحتى مقتله ايضا.
بعد وفاة الشيخ سلمان قام ابنه خليفة بمساعدة عمه عبدالله في ادارة البلاد، ولكن وبعد مقتل خليفة في معركة ضد الوهابيين قرب القطيف (حيث كان شيوخ البحرين قد فرضوا سلطتهم على مناطق من شرق الجزيرة وقطر كذلك).
بعد وفاة خليفة أراد ابنه الشيخ محمد بن خليفة مشاركة الشيخ عبدالله في ادارة البلاد وبعد عدة محاولات تنازل له الشيخ عبدالله بن أحمد عن المسؤوليات، وكان ذلك بمثابة اشارة أدت الى تصدع البيت الخليفي وبداية لمشاحنات عائلية بين الابناء وأبناء الاخ واحفاد الشيخ عبدالله بن أحمد.
في العام 1828 هاجم سلطان مسقط البحرين على رغم محاولات الانجليز في ايقافه، ونزل في قوات كبيرة الى الجزيرة، ولكن يبدو ان الاستعدادات كانت قد اكتملت لمواجهته في البر، وتم اغلاق المسار المائي بالسفن التي قام أهل البحرين باغراقها فيه بعد أن ملؤوها بالحجارة، وكاد سلطان مسقط أن يلاقي مصرعه في هذا الهجوم لولا انقاذه بوساطة خدمه النوبيين الذين نقلوه الى السفينة، ولعدة أشهر بعد هذه الموقعة كان أهل البحرين يجدون جثثا لجنود مسقط على السواحل، وفي مصائد الاسماك، في هذه المعركة تخلى عرب بن ياسر عن سلطان مسقط وانظموا الى آل خليفة في البحرين وانتهت هذه الاحداث في العام .1829
لم تكن المعادلة القائمة بين الشيخ عبدالله بن أحمد وحفيد أخيه محمد ابن خليفة ثابتة بل كانت مصدرا للمشاكل والقلاقل وتحولت البحرين الداخل الى ساحة للحروب الأهلية بين أفراد البيت الحاكم والعرب الموالين لهم من الجزيرة العربية.
وخرج شيعة البحرين في جماعات كبيرة الى مسقط والقطيف تحاشيا للصدام الداخلي، ولذا تنازل التعداد السكاني في البحرين، لقد كان محمد بن خليفة ذا شخصية قوية، يبدو ان هناك عدة أوصاف متعارضة لشخصيته.
فهناك وصف يقول فيه صاحبه عن الشيخ محمد (ان اعماله تدل على حكمته الصائبة، لقد كان شجاعا مقداما ذكيا، عظيما شديد البأس عميق الشخصية ومرح’’.
منذ خمسة وثلاثين عاما قابلت رجلا قد التقى بالشيخ محمد بن خليفة في منفاه في مكة ووصفه لي قائلا ‘’بدين وقصير، معجب بالنساء حتى في سنه المتقدمة ومحدّث رائع’’.
في العام 1837 حدثت بعض المشاغبات من العرب التابعين لشيخ البحرين والمقمين في قطر، وأعلنوا استقلالهم عنه وانضّم اليهم ثلاثة من أبنائه (أبناء عبدالله بن أحمد)، تحالف حلف قطر مع شيخ أبوظبي وهاجموا البحرين، وكان الشيخ عبدالله آنذاك في وضع سيئ للغاية، فقد كانت البحرين مستهدفة من قبل الحلف المذكور والفرس والعثمانيين والوهابيين وسلطان مسقط، وكانت هذه المواجهات كلها مصدر خلافات بين شيخ البحرين والانجليز. وكان بشر بن رحمة بن جابر يدمر كل ما يقع في يده من سفن البحرين في البحر.
في العام 1841 دمرت المنامة ونهبت أموال الرعايا الانجليز (الهنود) نتيجة معركة بين الشيخ عبدالله بن أحمد والشيخ محمد بن خليفة طرد في نهايتها الأخير من البحرين. عاد الشيخ محمد على رأس قوة عظيمة من عرب الجزيرة، وتمكن من استلام السلطة في البحرين. وخرج بعد هذه الحادثة الشيخ عبدالله من البلاد وتوجه الى الدمام ولم تطأ قدمه البحرين مرة أخرى.
بعد خروجه من البحرين أصبح الشيخ عبدالله بن أحمد في وضع شبيه بعدوه السابق أرحمة بن جابر يتنقل من مكان الى آخر في سفنه من دون قرار وكان في الوقت نفسه موضع اهتمام أعداء الحاكم الجديد في البحرين (الشيخ محمد بن خليفة).
حاول حكام الكويت وكثير من الآخرين عقد الصلح بين الشيخ عبدالله والشيخ محمد بن خليفة، ولكن كان عناد الأول سببا في عدم نجاح هذه المساعي.
وبعد العام 1843 كان الشيخ عبدالله بمناطق الخليج وعلى ضفتيه العربية والفارسية في محاولة يائسة للحصول على الدعم المناسب لاسترجاع سلطتة في البحرين. ومع كل هذه المحاولات لم يتمكن الشيخ عبدالله من العودة ومع انه دخل في مواجهات بحرية صغيرة مع سفن البحرين إلا أنه قضى جل وقته في زيارات لحكام الخليج محاولا الحصول على دعمهم لنواياه.
وكانت وعود فارس فارغة ورفض الانجليز التدخل في الامور العائلية للبيت الحاكم في البحرين، ولم يهتم به الوهابيون، ولم يلاق أي تشجيع من سلطان مسقط.
ومع مرور الأيام تخلى عنه أبنائه وأتباعه، وعادوا الى البحرين بعد اعلان الولاء للحاكم الجديد. بقي عبدالله بن أحمد وحيدا في الأعوام الآخيرة من عمره وطاف الخليج يشتكي سوء حظه لكل من كان مستعدا للاستماع فقط.
هناك رواية تروى عنه في مجلس أمير الرياض، وذلك عندما شوهد جالسا في الطرف الآخر لمجلس الأمير ودخل بشر بن أرحمة حاملاً رسالة إلى أمير الرياض من شيخ البحرين محمد بن خليفة، رفض بشر بن أرحمة الجلوس قرب الأمير مفضلا أن يكون الشيخ عبدالله في ذلك الموقع، مما اضطر الأمير الى دعوة الشيخ الى الجلوس على جانب منه وبشر بن أرحمة على الجانب الآخر.
عندما خرج الشيخ عبدالله من المجلس قابله بشر بن أرحمة ممتطيا فرسا بيضاء، اما الشيخ فكانت ناقلته ناقة عجوز، تنازل بشر عن فرسه للشيخ، ولكنه رفض قبولها وعقب قائلا ‘’لقد كان قبولي بالجلوس قرب الأمير في المجلس لأنه طلب مني ذلك، ولكنني لن أقبل أي شيء من أي شخص متحالف مع ابن ابن أخي (حفيد سلمان).
كانت نهاية عبدالله بن أحمد في العام 1858 مأساوية، فقد مات بعيدا عن بلاده في مسقط وقد تجاوز الثمانين وكله حسرة وندم على ملك ضائع.
بقي أحفاد عبدالله بن أحمد خارج البحرين ويقيمون حاليا في المملكة العربية السعودية ولكنهم يزورون البحرين سنويا للحصول على المساعدات المالية - المؤلف -.