الأربعاء، 18 مايو 2011

ساحل القراصنة الحلقة رقم (22) قبيلة بوعلي

في الوقت نفسه قام سلاح المهندسين بالاعداد لهدم التحصينات والمباني ذات الطابع الدفاعي ما عدا بعض المنازل القائمة والتي سوف تستخدمها الحامية الانجليزية والتي سوف تتولى أمور الامن بعد مغادرة الاسطول، وكان منزل الشيخ والمساكن القريبة منه من هذه المنازل المذكورة. تم تلغيم القلعة ونسفها في الثالث عشر من ديسمبر/ كانون الاول، في اليوم نفسه غادرت السفينة ايدن الى جزيرة قشم للتزود بالماء وكان نقصان الماء يسببه اخلاء الصهاريج عند محاولتها الوصول الى الساحل والذي يستلزم خفة في الوزن.
اثناء غياب لوخ هاجمت السفينة ليفربول وطرادين مدينة (زاية) لم اجد موقعاً لها على الخريطة، ودمروا عدة سفن وتحصينات ساحلية وهاجموا بعد ذلك ام القيوين وعمان والشارقة ودبي، وكانت (زاية) مدينة تابعة للقراصنة تبعد اثني عشر ميلاً في الشمال الشرقي لرأس الخيمة، حيث تحصن الشيخ حسن بن علي وعدد كبير من جنوده.
تطل هذه المدينة على خور وتحيط بها مزارع النخيل من كل جانب وتحميها قلعة بنيت على اعلى قمة جبلية شديدة الانحدار حتى ان بناتها العرب اعتقدوا بأنه لا يمكن اختراقها، وبالفعل وجد الفصيل المهاجم صعوبة في توجيه المدافع لها ولكن بعد مقاومة شديدة استسلمت القلعة في الثاني والعشرين من ديسمبر/ كانون الاول (واخبرنا صبي هندي هارب منها ان المحاربين كانوا سيستسلمون في وقت سابق ولكن اصرار الشيخ اطال زمن القتال وقاتل بنفسه).
يوم عيد الميلاد وصلت السفينة ايدن الى (زاية) عائدة من جزيرة قشم والتحقت بالسفينة ليفربول في طريقها الى رأس الخيمة.
بعد العودة الى رأس الخيمة وجد لوخ بأن المناقشات مع الشيخ (وزعماء القراصنة) قد اثمرت وخاصة بعد سقوط (زاية) آخر معقل لهم وتعهدوا بنهج طريق مغاير في الحياة شرط اعطاء الامان لهم ولرعاياهم، ونظراً لأن مصيرهم جميعاً كان في يد الانجليز لذا وافقوا على مطالب الشيوخ وجاء الشيخ حسن بن رحمة لمقابلة القائد العام في حضور لوخ، هذا الحسن بن رحمة والذي كان اسمه يثير الرعب من عدة اشهر في كل الخليج جاء الآن الى القائد طالباً الرحمة والسلام وكان منظراً محزناً ان يتحطم عزم رجل مثل هذا الزعيم.
كان منظره مثلما نتوقع في مثل هذه الشخصيات، كان متوسط الحجم، بارز المعالم، وقوي الملامح، ذا عيون ذكية يدور فيه سؤال دائم عما يدور في ذهن كل الحاضرين.
لقد حدث شيء أثناء هذا اللقاء جعلني اشعر بالفخر الى درجة ما واعطاني شعوراً مخالفاً عندما وصلت الى حقيقته، قام الكابتن بروس والدكتور ديوكس Dukes والكابتن تومسون Thompson بالترجمة طوال الوقت وعندما ذكر اسمي اراد حسن بن رحمة ان يعرف أي الحاضرين اكون وعندها تقدم الي مصافحاً، وكأنه وجد لنفسه صديقاً من بين هؤلاء المحيطين به، لقد كانت الاتصالات المتواصلة بيننا سبباً في هذا التصرف، ولم يكن بمقدرتي تصور الوضع السيئ الذي اصبح فيه هذا الرجل.
لقد حدث نقاش حاد وطويل حول معنى كلمة امان والتي استخدمها القائد العام في تصريحه لكل الشيوخ قبل حضورهم لتقديم الاحترام له، لقد اعتقد بعضهم انه تعنى العفو التام عن ما مضى وحرية التصرف الحر في المستقبل وكان الخلاف القائم بين القائمين على الترجمة حاد ويكاد يشبه المعركة التي دارت بين جوليفر والاقزام.
اما المعنى الآخر للكلمة فكان يعني الحماية (حماية ارواح العرب، اما الامور الاخرى فإنها تترك لتصرف القائد العام). اتخذ القائد العام موقفاً معتدلاً، حيث سمح للشيخ حسن بن رحمة حرية التصرف والتنقل طالما التزم بعدم العودة الى نشاطه السابق ولتأكيد ذلك فإن رأس الخيمة سوف تهدم كلها ما عدا سكن الشيخ وبعض المنازل الحجرية والتي سوف تستخدم ثكنة للقوات الانجليزية فيها. وكان الصلح المعقود بين الانجليز والقراصنة هو اصل كلمة المتصالح والتي اصبحت تطلق على المشيخات المتصالحة على ساحل عمان.
في الثامن من يناير/ كانون الثاني 1820 وقعت اتفاقية السلام العام بين الانجليز وشيوخ الساحل كل على حدة، وكذلك نائب شيوخ البحرين الذي حضر خصيصاً لتوقيع الاتفاقية في رأس الخيمة. وادخلت المادة المتعلقة بالرق بواسطة الكابتن بيرونت تومسون (Thompson Perronet) البالغ من العمر الثامنة والثلاثين وكان الكابتن تومسون مترجماً للقائد العام ويتبع المذهب البروتستانتي، ويقيم في يوركشير حيث اقام اجداده السويسريون والذين هاجروا من (الشاتو ديوكس) كانت عائلته مؤمنة ومؤيدة لإلغاء الرق وتربطها صداقة بولمبرفورس.
لم يكن تومسون جندياً عادياً، فقد كان من جنود البحرية قبل ان يكون ضابطاً في الجيش الى جانب آراء سياسية واقتصادية قام بتطبيقها في اسواق رأس الخيمة عندما عين مسؤولاً عليها.
ابتدأ حياته في عام 1803 بحاراً تحت التدريب، ومن ثم عين في الفرقة الخامسة والتسعين، والتي كانت مسؤولة عن السيراليون حيث عين حاكماً فيها.
في عام 1812 انتقل تومسون الى الجيش وتمت ترقيته الى رتبة نقيب في الفرقة الخمسين التابعة للمشاة، وبعد فترة قضاها في اسبانيا نقل الى فرقة التنين السابعة عشرة في الهند حيث ابتدأ في تعلم اللغة العربية.
وعندما توجه تومسون الى الخليج في وظيفة مترجم للقائد كيير احضر معه زوجته وابنه البالغ اربع سنوات. بعد المعركة انتقلت عائلته معه الى الساحل في خيمة حيث نسخت زوجته صوراً عن الاتفاقيات الموقعة.
ومن خلال دراسة سيرته الذاتية والتي كتبت بواسطة اناس متعاطفين معه نجد انه كان رجلاً يصعب التعامل معه، خصوصاً من قبل موظفي شركة الهند الشرقية ونعتقد ان ذلك يشمل ضباط البحرية ايضاً. وعند كتابة الاتفاقيات كان يعتقد ان ضباط البحرية لا يدركون معنى الاتفاقيات بقدر ما يدركون فائدة لوح الخشب.
كان تومسون هو الضابط المعين مسؤولاً عن رأس الخيمة عندما غادرتها القوات الغازية (يوليو/ تموز 1820) وكان يحمل لقب المعتمد او الممثل السياسي لكل الامور المتعلقة بشؤون القبائل العربية.
كانت الحامية تتكون من 1200 جندي من الانجليز والهنود التابعين لشركة الهند الشرقية ورفض اغلب ضباط جيوش الهند التعامل معه (تومسون الضابط في جيش الملك).
وقال هو عنهم ‘’انهم يقدمون رسالة جوابية بالاعتذار عن أي امر او جهة لهم’’. وادعى الضباط بأن تومسون كان دائم التدخل في شؤونهم الخاصة. لم يكن الوضع عامة مناسباً وخاصة اذا علمنا ان طبيعة الاجواء الحارة وقلة المياه المناسبة للشرب وتفشي الامراض كانت كلها عوامل سلبية مجتمعة ضد ضباط وجنود الحامية.
في يوليو/ تموز تم اخلاء رأس الخيمة، وكان ذلك القرار نتيجة للوفيات الكثيرة بين الجنود بسبب حرارة الجو وانتقلت الحامية الى جزيرة قشم حيث كانت تعتبر مكاناً صحياً. اصيب تومسون بالمرض ونقل اثر ذلك الى بومبي، ولكنه قطع الرحلة من رأس الخيمة الى مسقط في سبعة عشر يوماً، ولذا عاد الى جزيرة قشم، ولم يتوجه الى بومبي.
في منطقة داخلية قرب ميناء صور (مئة ميل الى الجنوب) كانت تقيم قبيلة أبوعلي والتي كانت موالية للوهابيين مما ادى الى عزلها بواسطة القبائل الأخرى ومناصبة سلطان مسقط العداء لها.
وصلت أنباء لتومسون والسلطان بأن هذه القبيلة تباشر أعمال القرصنة.
كانت الأوامر لدى تومسون أن يقاوم أي نشاط للقراصنة، ولكن وقبل أن يتخذ أي قرار لابد من التأكد بأن هؤلاء قد باشروا أعمال القرصنة مرة أخرى هذا على أن يبقى نشاطه في منطقة الساحل فقط. طلب سلطان مسقط من تومسون أن يساعده في القضاء على القراصنة من أبوعلي.
أرسل تومسون مبعوثا منه الى قبيلة أبوعلي يحمل رسالة يطالبهم فيها بالتزام الأمن وعدم ممارسة القرصنة ويقال ان هذا المبعوث اضطر للسباحة لكي يصل الى موقع القبيلة، ولكن وهو في طريق عودته هاجمه اثنان من العرب وخادم من العبيد وقاموا بتقطيعه الى قطع صغيرة، وأرسل شيخ أبوعلي رسولا من طرفه يبلغ تومسون بأنه لا يريد أية حروب وأنه سوف يرسل الى طرفه (طرف تومسون) القتلة للاقتصاص منهم، كان هذا الاعتداء (بالنسبة الى تومسون) دليلا ثابتا على ممارسة قبيلة أبوعلي القرصنة، ولذا قرر الاشتراك مع سلطان مسقط في حملة تأديبية.
تم اعداد حملة عسكرية تكونت من ثلاثمئة وخمسين من الجيش الانجليزي والهنود وألفين من جنود السلطان، وكان الجميع تحت قيادة السلطان بنفسه نزلت القوات المذكورة في صور وبعد مسيرة ستين ميلا وصلت الى ما بعد البصر من مدينة أبوعلي والتي تحيطها أشجار النخيل، التي اختبأ فيها الأهالي العرب.
سارت القوات المذكورة في طابور طويل ومكشوف وفجأة اندفع جنود ابوعلي من المزارع وقاموا بمهاجمة الطابور المذكور وقطعوا رقاب وأطراف الكثيرين منهم بالسيوف، ولم يسلم من عملية الذبح إلا الجراح الذي كان محمولا في نقالة (بسبب المرض).
وخلال عدة دقائق انتهت المعركة التي كان ضحاياها سبعة من الضباط ومئتين وتسعة وأربعين قتيلا وجريحا، تراجع الانجليز وجنود السلطان والتجأ الجميع الى قلعة صغيرة على بعد مسافة قصيرة من مناطق نفوذ أبوعلي، في الوقت نفسه رفض الباقي من جنود السلطان مواصلة القتال وابتدأوا في الهرب، فخاطبهم السلطان قائلا دع أولئك الراغبين في أن أواجه مصيري وحيدا أن يفعلوا ذلك.
لقد كان السلطان شجاعا وثابتا وجرح أثناء انقاذه لجندي بريطاني. عاد جيش السلطان المهزوم الى مسقط يرافقه الجرحى ووصل الجميع الى هناك بعد خمسة أيام.
ترك تومسون في مركزه في قشم حتى مايو/ أيار 1821 بعدها استدعي مخفورا الى بومبي وتمت محاكمته في محكمة عسكرية.
كان رئيس المحكمة الجنرال ليونيل سميث Lione Smith والذي كان قائدا للحملة ضد القراصنة في ,1809 وكانت التهم الموجهة الى تومسون، بأنه قد تسرع في توجيه القوات الى المعركة على رغم التعليمات الصادرة اليه وكانت التهمة الثانية انه تصرف تصرفا مشينا. حاول تومسون القاء اللوم على الضباط المرافقين للجيش والرجال التابعين اليه.
ولكن وبعد المحاكمة وجد انه متهم وثبتت التهمة عليه وانه قد اخطأ في ارساله الحملة العسكرية واعطي تصريحات ومعلومات خاطئة عن الضباط والرجال التابعين له. وألغيت التهمة الثانية (التصرف المشين) وصدر الحكم ضده بالتوبيخ علنا وأمام الناس.
لقد كانت هزيمة القوات البريطانية بواسطة البدو (والذي لم يحدث قط مثلها في آسيا من قبل) هذه الهزيمة هزت الهند وبريطانيا، واتهم أغلب الناس تومسون لذلك. بعد عدة سنوات زار ولستد Wetlsted المنطقة ووجد انه من المستحيل أن تكون قبيلة أبوعلي قد مارست القرصنة لأنها، وفي تلك الفترة لم تملك أية سفن ولم يعملوا في البحر بل بالزراعة والرعي.
وأخبروا ولستد أنهم أرادوا السلام الدائم مع الانجليز، ولكن ليس مع السلطان بسبب الخلافات المذهبية.
في يناير/ كانون الثاني 1821 أرسلت حملة كبيرة ضد قبيلة أبوعلي، وفي هذه المرة كان عدد الجنود 1200 من الأوروبيين و1700 من الهنود وستة مدافع كبيرة، وكانت الحملة مرة أخرى تحت قيادة الجنرال ليونيل سميث، القصد منها الانتقام من قبيلة أبوعلي.
نزلت القوات في صور في 29 يناير/ كانون الثاني وأقامت معسكرها في ذلك الميناء، لقد أنقذت المعجزة هذه الحملة ايضا، فقد أقام الجنرال سميث معسكره على مسافة ثلاثة أميال من معسكر الجنود علما أنه يبعد خمسين ميلا عن رجال أبوعلي.
في الليل هجم رجال أبوعلي على المعسكر وقتلوا ضابطا واحدا وجرحوا وقتلوا الكثير من الجنود وقطعوا حبال الخيام ونجا الجنرال وقيادته من هذا الهجوم، بعدها تجمّع الجنود ولاذ رجال أبوعلي بالهرب.
في أول مارس/ آذار بدأ الهجوم ضد قبيلة أبوعلي وخرج الرجال للمعركة وهجموا على القوات المهاجمة بكل جرأة وشجاعة وقتلوا منها الكثير وقتلت منهم أعداد كبيرة، ولكن تمكنت القوات المهاجمة من صد هجوم العرب، بعد المعركة خرجت نساء أبوعلي لنقل الموتى من ميدان المعركة، وبعد برهة من الوقت خرجت اثنتان من نساء القلعة حاملات راية الصلح وعرضا بالاستسلام. فاستجاب الجنرال مطالبا بإلقاء السلاح من قبل رجال أبوعلي الذين رفضوا الطلب وواصلوا المعركة. انطلقت المدفعية في اتجاه القلعة وتهدمت جدرانها، ومع ذلك لم يستسلم العرب. وفي النهاية رفعت راية بيضاء على البرج مؤكدة النهاية.
في هذه المعركة قتل 500 من أصل 800 محارب عربي، وقتل 200 من الجنود الانجليز.
هدمت القلاع وخربت المزارع وردمت قنوات الري ويقال ان بعض هذا التخريب قام به جنود سلطان مسقط (مع أن الدين الاسلامي يمنع تخريب المزارع). عاد الجيش الانجليزي الى الساحل، ومعه 150 من الاسرى وكان شيخ أبوعلي وأخوه من ضمن الأسرى.
لم تعجب حوادث هذه الحملة مجلس ادارة الهند الشرقية الذي اعترض على الاصرار على القاء السلاح وعلى عملية تخريب القنوات المائية والمزارع واحضار عدد كبير من سجناء الحرب الى بومبي.
توفي الكثير من هؤلاء السجناء بمرض الكوليرا، والجدري وأرسل الباقي الى بلاده.
ويعلق ولستد على قرار مجلس ادارة الشركة والذي أدان الجنرال ليونيل سميث بأن ‘’خدمة الجنرال السيد ليونيل سميث في الهند والتي كانت ناصعة كللتها أعماله وانجازاته الاهلية’’.
وتحول بعد ذلك الجنرال السير ليونيل سميث الى خدمة بلاده في الهند الغربية. وكذلك كان الحال بالنسبة الى تومسون الذي رقي الى جنرال وتقاعد من بعد هذه الترقية وأصبح رديكاليا، ويعلق محرر صحيفة ويست منستر ريفيو West Minister Review بأن الجنرال ليونيل سميث والجنرال تومسون قدما خدمات جليلة لالغاء الرق.
وواصل عرب أبوعلي حياتهم وبقوا على المذهب الوهابي، وكان اسمهم يخيف جيرانهم وقد ربطتهم علاقة حسنة مع السلطان وأصبحوا القوة المساعدة له اذا ما تمرد أهل مسقط عليه.
كانت المهمة التالية لدى لوخ أن يبدأ عملية تمشيط السواحل؛ إذ بلغت أنباء عن أن بعض السفن التابعة للقراصنة قد غادرت السواحل في رأس الخيمة قبل وصوله، واتجهت هذه السفن الى السواحل الفارسية والبحرين. وكان الاعتقاد السائد لدى الانجليز آنذاك امكان تحول هذه السفن الى نواة لأساطيل جديدة تابعة للقراصنة. وقد صدرت الأوامر بتدمير هذه السفن أينما وجدت وأعطيت الى لوخ التعليمات المتعلقة بذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي بقلم الباحث بشار الحادي

القول الجلي في تحقيق مولد سمو الشيخ عيسى بن علي وهو سمو الشيخ عيسى بن علي  بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراه ...