الوجيه المحسن
إبراهيم بن أحمد الرياسي
(1272هـ -1347هـ)(1855م-1928م)
هو: الوجيه المحسن، والتاجر المشهور، الحاج إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن حسن بن عبد الله بن حسن الرياسي.
أصل الأسرة ونسبها:
أسرة الرياسي والمسماة اليوم بالمؤيد من الأسر الشهيرة في البحرين والخليج العربي، ويذكر جد الأسرة الحاج خليل المؤيد أن جذور أسرته ترجع إلى شبه الجزيرة العربية، وقد نزحت منها إلى قرية تسمى الدشتية في بلاد فارس وذلك نتيجة لمجاعة أصابت المناطق التي كانت تسكنها، ويذكر أنهم استقاموا فيها مدة طويلة ثم نزحوا إلى قرية دسبول، كما ينص الحاج خليل على نسب أسرته فيذكر أنها تنتمي إلى قبيلة مطير إحدى أشهر وأكبر القبائل العربية، كما يذكر أن أسرته في الماضي كانت تسمى بالريايسة، ينص على ذلك في (مذكراته عن تاريخ الأسرة) وهي مذكرات مُهمة ومخطوطة بخط يده كتبت في عام 1352هـ (1933م) يقول:
"في أول شعبان سنة 1352هـ (19/11/1933م) عرض علي أن أكتب عن تاريخ العائلة فأقول وبالله التوفيق: لقد أخبرني والدي رحمه الله عن أشياء كثيرة عن تاريخ العائلة، فرأيت أنه من الواجب تدوين كل ما سمعته عنه لأنه قل أن يوجد سجل صادق ومُستقيم مثله. قال رحمه الله: إنه في سنة 790 من الهجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة (1388م)، هاجر كثير من أعراب نجد وبلاد العرب إلى ساحل فارس الجنوبي، وذلك على إثر مجاعة كبيرة صارت في بلاد العرب، وكان من جملة المهاجرين أجدادنا رحمهم الله. نزلوا في الدشتية وترأس فيها المرحوم جدنا عبد الله ولهذا سميت عشيرتنا بالريايسة، وكان المرحوم ينتمي إلى عشيرة مطير، وقد ناسب أكثر وأكبر العشائر مثل الحرم، وآل مذكور. وقد تزوج من قبيلة الجواسم المشهورة وعاش رحمه الله ثمانين سنة أو أكثر، وفي سنة 870 هـ (1465م) مات وخلف ثلاث أولاد نزح كل منهم إلى قطر، وانضم بعضهم إلى العجم مُتشيعين، ثم مضت مُدة طويلة إلى أن استقر الرئيس حسن في مدينة دسبول سنة 1211هـ (1796م)".
رحيل الجد الرئيس عبد الله بن حسن إلى كشكنار:
ثم يذكر أن الجد حسن رزق بولد أسماه عبد الله، وقد سافر الرئيس عبد الله بن حسن هذا إلى منطقة كشكنار في بلاد فارس وتزوج بها، كما يذكر أن أسرته تُسمى بالمداجي وهذه النسبة هي من جهة الأم لا الأب يقول:
"في سنة 1211هـ (1796م) خرج المرحوم مهاجراً إلى كشكنار تاركاً كل ما لديه مستجيراً بالشيخ عبد الله الحرمي على شرط أن يحميه من الشيخ نصر، فصدق في وعده وكانت إقامته في كشكنار مدة ثلاث سنين تزوج في أثنائها بأخت الأمير المسماة آمنة نباش وهي من قبيلة المداجيه المشهورة بالكرم والإنسانية. فولدت له مولوداً مباركاً اسمه حسن فلقب بكناية لقب أمه (حسن مداجيه) وقد مات والده وهو في بطن أمه، وهنا نفهم القارئ أن نسبتنا إلى كشكنار بسبب زواج جدنا فيها، وإلا فنحن سابقاً من دسبول، وكنايتنا اليوم باسم قبيلة المداجي هي فقط من جهة الأم، وأما الظهر فهو من الريايسة".
وبما أن الحاج خليل المؤيد أشار إلى كون أسرته ترجع إلى مدينة دسبول فقد أحببت الإشارة ولو بإيجاز إلى هذه المدينة العريقة:
مدينة دسبول:
هي مدينة ذات ماضي تاريخي، وهي من نواحي بلاد الأهواز، فيها قامت مدرسة جنديسابور الطبية الشهيرة، وحول الفُرس اسمها إلى "ديزه فول" وإلى الجنوب الغربي منها توجد أطلال مدينة السوس التي يطلق عليها الفرس اسم الشوش وقد عثر عالم الآثار الفرنسي الشهير شيل عام 1902م (1319هـ) فيها على مسلة حمورابي التي سرقها الفرس وتقع مدينة دسبول على نهر الدز أحد روافد نهر قارون ولقربها من الحدود العراقية (قرب محافظة ميسان) أنشأ بها حلف السنتو قاعدة مركزية قوية دكها الجيش العراقي في الحرب العراقية الإيرانية، بطريقة أصبحت تُدرس في مختلف الكليات الحربية في العالم كفن حربي سجل باسم الجيش العراقي.
خبر الرئيس حسن بن عبد الله:
ثم يذكر الحاج خليل المؤيد خبر الجد الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن وأنه تربى في حجر والدته وأخواله عشيرة المداجيه، وعندما بلغ سبع عشرة سنة قام هو وجماعة من رجال عشيرة المداجيه بالهجوم على مدينة دسبول وأخذوها وقضى الرئيس حسن بعد ذلك حياته فيها يقول:
"تربى المرحوم جدنا حسن من كشكنار في حضن أمه وأخواله البواحاجيه وكناية قبيلتهم المداجيه، وهذه القبيلة تتكون من ألف نفر، ويحتمي بها كثير من الفارين والمظلومين... ثم لما كبر الوالد حسن ووصل إلى سن 17 سنة أخذ جماعة من قبيلة أمه المداجيه وهجم على مدينة دسبول، وكانت في يد ابن عمه فأخذها وقضى حياته فيها ومن زيادة محبته إلى قبيلة أمه تزوج في كشكنار بابنة خالته آمنه فولدت له إبراهيم الأول، ويوسف الشتر، وسُمي بهذا لأنه رجل طويل ذو هيبة عالية".
تاريخ الجد إبراهيم الأول:
ثم ذكر الحاج خليل نبذة عن الجد إبراهيم الأول بن الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن يقول:
"ولد المرحوم سنة 1220هـ (1805م) وكان أصغر من أخيه يوسف الشتر بسنتين (أي أن يوسف الشتر من مواليد عام 1218هـ (1803م) )، ولبث المرحوم في كشكنار طول حياته مُهاباً محترماً وتزوج في مدينة الدشتية بإبنة ولد عمه الرئيس محمد الذي خلف ثلاث إناث وأسماؤهن: ... الأولى: فاطمة أم الرئيس مبارك، والثانية: شريفة وهي أم المرحوم عبد الله الخاجه التاجر الكبير في اللنجة، والثالثة: وهي آمنه نباش جدتنا أم أحمد إبراهيم توفت عنده في كشكنار وهي صغيره مع أخاها محمود، أرسلت عليها خالتها أم الرئيس مبارك في الدشتية فربتها تربية عالية".
خبر الرئيس مبارك الرياسي يقول:
ويذكر هنا الحاج خليل المؤيد خبر أحد أجداده واسمه الرئيس مبارك ويذكر أنه كان على صلة وثيقة بحاكم البلاد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة يقول:
"وله صداقة كبيرة مع الشيخ عيسى بن علي حاكم البحرين حيث إن المرحوم عيسى رأى من الرئيس مبارك إكراماً زائداً أثناء رواحه إلى فارس لأجل العيد، طلب منه الوصول للبحرين فكتب المرحوم الرئيس مبارك كتاباً إلى الشيخ عيسى في 11 ذي الحجة سنة 1294هـ (17/12/1877م) : "أن سنزوركم في أول السنة القادمة لأجل السلام، وأطلب منكم ترخصوني أنزل عند ابن عمي وابن خالتي أحمد إبراهيم لأن أتباعي كثيرين"، وكتب مثل هذا إلى جدنا أحمد إبراهيم".
ومن فحوى الرسالة الآنفة الذكر نستشف أن الرئيس مبارك الرياسي زار الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في أوائل سنة 1295هـ (1878م) ، ثم يشير الحاج خليل المؤيد إلى خبر وصول الرئيس مبارك إلى البحرين واستقبال الشيخ عيسى بن علي آل خليفة له وإكرامه إياه يقول:
"ولقد أخبرني والدي المرحوم إبراهيم أن الشيخ عيسى أرسل أحمد إبراهيم وفهمه بكتاب الرئيس (مبارك) وأخذ يكرمه زيادة على العادة بسبب أنه منهم -أن أحمد إبراهيم ابن عم الرئيس مبارك - وكان لا يعرف ذلك من قبل، وأمر له بعشرين خروف، وخمس جواني عيش، ولكن المرحوم أبى أن يقبل ذلك بسبب كثرة مروءته وغيرته، وأجابه: أن الحلال كله وما يملك هو للشيوخ، وطلب منه عند وصول الرئيس يكون يخبره، فلما وصل الرئيس زاره الشيخ عيسى وأخيه أحمد في اليوم الذي وصل فيه، وكان الوقت صيف فنزل إلى القلعة في المنامة في ضيافة الشيوخ يوم واحد، ثم تحول إلى بيت المرحوم أحمد إبراهيم، وقد لاقى الرئيس الحفاوة الكبرى من الشيخ ومن ابن عمه، وكان في معيته سبعة وثلاثين نفر من شجعان فارس".
تاريخ جد المترجم له الحاج أحمد بن إبراهيم:
وهنا يترجم الحاج خليل المؤيد لجده الحاج أحمد بن إبراهيم بن الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن وينص على أنه خرج من كشكنار إلى البحرين سنة 1265هـ (1848م) يقول:
"إن المرحوم والدي ولد في كشكنار في أول شعبان سنة 1238هـ (12/4/1823م) وتوفي في البحرين في 14 محرم سنة 1314هـ (24/6/1896م). خرج أحمد إبراهيم من كشكنار سنة 1265هـ (1848م) ولم يتزوج وكان شجاعاً ومولعاً بالحرب، وقد انتصر ثلاث مرات في وقعات مُتعددة، وكان الشيخ محمد الحريمي يوده كثيراً ويخلصه من الأسر، ويدفع مقابله عشرة أنفار معاوضة عنه لأنه كان لا يوجد في العالم رجل مثله في الشهامة والمروءة والشجاعة. وكان كل ما يغنمه في وقت الحرب مع العجم يفرقه على الضعفاء، وعلى الذين هم أصدقاؤه، والذين لم يغنموا شيئاً في الحرب. وقد أخبرني والدي أنه رآه معظماً لا يتندم عليه أحد من جنسه قط، فلما رأى ابن عمه عبد الله أمير كشكنار وما عليه الرجل من الشجاعة والإقدام والمروءة خاف أن حكام الحرم وآل مذكور يحلونه في محله فيكون أميراً على البلد، وأشار عليه بالذهاب إلى البحرين وهو يزعم أنه يخاف أن يُقتل لفرط شجاعته التي لا توصف، والحقيقة أنه يحسده وخاف أن يحل محله. فظهر المرحوم من كشكنار ليلاً مُتخفياً تابع إلى إشارة ابن عمه خائف أن الشيخ لا يقبل خروجه أبداً. وهو كذلك وبحسن نيته وصل البحرين في سهولة وتيسير ... فنزل عند عمه المرحوم يوسف الشتر وخرج به وأخذ يقدمه على أولاده عبد الله ومحمد، وكان يفتخر به في المجلس فزوجه ابنته آمنة نباش وسميت نباش كنية إلى جدتنا الكبيرة المشهورة بإكرام الجماعات. وما لبثت حتى وضعت الوالد إبراهيم سنة 1272هـ (1855م) وماتت وهو ابن ثمانية أشهر في بطنها. وتزوج المرحوم أحمد إبراهيم بعد وفاتها بإبنة الرئيس محمد حاجي الذي هو من أشهر تجار البحرين وهو ساكن البحرين من قديم، وابن عم الأمير محمد عبد الله في كشكنار، وهو صديق أحمد بن علي بن عيسى حاكم البحرين. تزوج وأخذ ابنته فاطمة سنة 1276هـ (1859م)، وولد له حسن سنة 1282هـ (1865م) وشيخة وهي أم جاسم وعلي بن محمد كانو، فأخذ المرحوم يتاجر بإرشاد عمه المرحوم محمد حاجي الثاني، فنمت تجارته وزادت على ما كان من قبل، اشتهر أمره ووضع الخشب الكبيرة، وأول بغلة عملها سماها العوجة، والثانية سنة 1290هـ (1873م) المحمودية، وكان حمولتها الواحدة منهم ثلاثة آلاف يونية. وتقدم وصار يحسن إلى عموم جماعته وما يتعلق به إلى حد أنه يحمل الضعيف في بحر الخشب ويعطيه البضاعة من المال مساعدة ثم لا يأخذ منه نول. وكان المرحوم الوالد إبراهيم الثاني هو قبطان هذه الخشب وأخبرني أن أكثر نول الخشب يروح مجاناً إلى الفقراء".
حضوره موقعتا كزكز والدولاب:
ثم أشار الحاج خليل إلى حضور جده موقعتا كزكز والدولاب ويذكر أنه أبلا فيهما بلاء حسناً يقول:
"ولقد حضر المرحوم أحمد إبراهيم كثيراً من الوقائع الحربية مثل: وقعة كزكز مع السيد سعيد المسكتي، ويقول: إنه جرح فيها مقدار سبعين نفر من أهل فارس، وأما هو فقد سلم، ثم حضر وقعة الدولاب سنة 1270هـ (1853م) ليدافع عن البحرين برئاسة علي بن خليفة ففازوا وطردوا محمد بن عبد الله ومن معه، وأخذ الحكام يحترمونه بسبب شجاعته حتى صادق الشيخ فهد بن أحمد، وهو خال الشيخ عيسى فأخذ يمدحه ويشهد برجولته... وأخيراً أوصى حين وفاته أن لا يعتمدون أولاده على دفاتره، ولا يطلبون أحداً في دين قط، ولو كان المدينون يدفعون لهم شيء لا يأخذون منه".
سفره إلى الحج:
ثم يذكر الحاج خليل سفر جده الحاج أحمد بن إبراهيم لأداء مناسك الحج يقول:
"ولقد سافر رحمه الله سنة 1290هـ (1874م) في بغلته الكبيرة إلى الحج، وكان بمعيته ابنه إبراهيم وزوجته فاطمة، وسبعة من العبيد السود، وكان لديه 37 مملوك ومملوكة. فقام يحسن رحمه الله في سفره إلى الدراويش ومن كان بمعيته، وأنفق أكثر ماله في هذا الطريق".
وثيقة هبة:
وهذه وثيقة يهب فيها الحاج أحمد بن إبراهيم نصف البيت الكائن في فريج الشرقي من المنامة إلى نجله إبراهيم بن أحمد جاء فيها ما نصه:
الحمد لله قابل القربات ومجزل الهبات ومضاعف الحسنات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الهداة.
وبعد..
فقد وهب الرجل المكرم أحمد بن إبراهيم جناب ابنه لصلبه إبراهيم تمام وكمال نصف البيت المعلوم بينهما الكائن مستقره في فريق الشرقي أحد فرقان المنامة من أعمال البحرين المحدود قبلة وجنوباً بالطريق النافذ، وشمالاً بالبحر المستفيض، وشرقاً بالنصف الثاني من البيت المذكور ملك المتّهب إبراهيم بن أحمد، بجميع ما له من الحدود والحقوق والتوابع واللواحق والضمائم والعلائق من أرض وحيطان وجدران وسقوف وأفنية وطرق وممار وكافة المنسوبات وعامة الملحقات شرعاً وعرفاً ولغة واصطلاحاً عموماً وإطلاقاً هبة صحيحة صريحة شرعية مرعية مشتملة على أركان الصحة وشرايط اللزوم من إيجاب وقبول وقبض وإقباض بالتخلية الشرعية معوضة بالقربة لرب البرية جارية من الواهب المذكور في حالتي الصحة والكمال بالطوع والاختيار، من غير إكراه ولا إجبار، مع كمال العقل وجواز التصرف والاختيار، فبموجب ما رقم لم يكن للواهب المذكور ولا لغيره التصرف في البيت الموهوب من بيع أو وقف وغيرهما فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه والله سميع عليم حتى لا يخفى وجرى وصح عليه الإشهاد باليوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1310هـ العاشرة والثلاثماية بعد الألف (13/11/1892م).
صحيح أحمد بن إبراهيم الختم.
شهد بذلك الأقل أحمد بن محمد كانوه عن إقرار المذكور أحمد الختم.
شهد بذلك عن إقرار المذكور أحمد بن سلمان بن محمد كمال.
شهد بذلك عبد الله بن سلمان كمال.
شهد بذلك عن إقرار المذكور محمد بن شهاب بن فضل الختم.
* * *
وفاته:
ثم يشير إلى تاريخ وفاته وسببها وبعض مآثره فيقول:
"وتوفي رحمه الله سنة 1314هـ (1896م) بمرض البواسير، وكان المرحوم لا يحسن القراءة ولا الكتابة، وله نية حسنة يحب العُلماء والفقراء، ومن ذوي النخوة والشجاعة... ومات رحمه الله غنياً يملك ثلاثين ألفاً غير الحارات والعبيد، الذي أوصى بتفرقته في سبيل الله".
تاريخ الوالد إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم:
وهنا يترجم الحاج خليل المؤيد لوالده الحاج إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن فيقول:
"ولد رحمه الله في 14 ربيع الأول سنة 1272هـ (23/12/1855م) وتوفي في يوم الثلاثاء الساعة الخامسة عربي في 26 ربيع الثاني سنة 1347هـ (9/11/1928م) وكان مدة حياته 75سنة قضاها في الإحسان والمبرات".
كيف نشأ رحمه الله:
ثم يشير إلى نشأته وبداية دخوله البحر وتعلمه التجارة والملاحة البحرية ورحلته إلى عمان ثم إلى بلاد الهند يقول:
"ولد في بيت خاله عبد الله الشتر، وتوفيت والدته في الولادة وكفلته خالته فاطمة أم إبراهيم كانو وقيل: إنه لبث في بطن أمه سبعة أشهر وفي رواية آخرون ثمانية أشهر، وكان ميمون الطلعة، حسن المنظر، قوي البُنية مُعتدلاً في الطول، محبوباً عند الأقارب والأباعد بسبب أدبه وعقله، وكان يشكوا لي من معاملة زوجة أبيه وهي فاطمة بنت محمد حاجي ويقول إنه تكدر في أول شبابه من هذه المرأة التي ما أحسنت إليه، وهي تعامله بعين الغضب، وأما والده فهو يحبه كثيراً وأشارت عليه زوجته المذكورة بإبعاد الوالد المرحوم إبراهيم إلى الجهات البعيدة لأجل يخلى لها الجو مع ابنها حسن الذي تحبه كثيراً، فسمع الجد كلامها فسافر الولد إلى عُمان لأجل مُشترى التتن وهو التنباك أعطاه 200 ريال سافر فيها رحمه الله مع بن عثمان الزياني سنة 1287هـ (1870م). فاشترى بالدراهم المذكورة ووصل البحرين فكانت الفائدة كثيرة، وقد شكر النوخذة سيرته عند والده فزادت ثقته فيه، وبعد ذلك عمل له بغلة كبيرة حمولتها ألفين كونية سماها العوجة، سافر فيها إلى الهند، وكان قبطانها بحريني اسمه الحاج حسن من راس رمان، وفي تلك السفرة تعلم القبطانية ... فقام في تجارة الوالد إبراهيم إلى الهند وشارك المرحوم صديق عبد الله بن سلمان بوكمال .. فأخذوا يشتغلون في الحطب مال النيبار وغيره ونمت تجارتهم". ويذكر أن أبرز تجار الأخشاب في تلك الفترة إلى جانب الحاج إبراهيم بن أحمد كان الحاج يوسف بن عبد الرحمن فخرو، والحاج محمد بن عبد الله الدوي.
زوجاته وأولاده:
ثم أشار الحاج خليل المؤيد إلى زوجات والده وأسماء الأبناء والبنات وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم يقول:
"توفيت زوجته أسماء وخلفت ولداً اسمه محمد مات في سنة 1314هـ (1896م) ، وتزوج بابنة إبراهيم قراطة ماتت بعد سنين من زواجها، وخلفت ابنة سماها أسمة خليل ماتت صغيره، وتزوج بابنة المرحوم أحمد كانو من غير مهر غير ليرة واحدة، وهي والدتنا سنة 1303هـ (1885م) وولدت له أربعة أولاد وأربعة بنات الأكبر علي ولد سنة 1305هـ (1887م) وتوفي سنة 1320هـ (1902م) والثاني خليل المؤيد كاتب هذه السطور، ولدت في 14 شعبان سنة 1308هـ (25/3/1891م) والثالث أحمد المؤيد ولد في 16 صفر سنة 1317هـ (26/6/1899م)، والرابع محمد كانو سنة 1322هـ (1904م).
والبنات أولهم آمنة ولدت سنة 1310هـ (1892م) وهي زوجة عبد الله محمود، وشيخة ولدت سنة 1312هـ (1894م) وماتت بالحريق الكاز سنة 1332هـ (1913م) والثالثة فاطمة ولدت سنة 1315هـ (1897م) وهي زوجة أحمد بن حسن، والرابعة ماتت صغيرة".
ثم أشار الحاج خليل إلى سنة وفاة والدته السيدة لطيفة بنت أحمد كانو يقول: "وفي سنة 1324هـ 17 ذو الحجة (31/1/1907م) ماتت والدتنا المرحومة لطيفة كانو ...ثم تزوج الوالد المرحوم بفاطمة بنت غريب وهي والدة عبد الله بن حسن الزين ومات عندها".
من أخباره:
يذكر السيد يوسف بن خليل المؤيد هذه القصة عن جده الحاج إبراهيم يقول: اتصف جدي إبراهيم بالميل إلى الانطواء وهي سمة لا زالت بارزة لدى بعض أفراد العائلة، إذ كان نادراً ما يزور أصدقائه رغم قلتهم، إلا أنه كان يستقبلهم بترحاب إذا جاءوا لزيارته ولأدلل على مدى الإنطوائية التي وصلت إليها شخصية جدي إبراهيم أذكر هذه الحادثة التي قد يستغربها البعض. أرسل مستشار حكومة البحرين تشارلز بلكريف في بداية عهده في البحرين رسولاً إلى عمارة جدي إبراهيم يطلب حضور والدي بصفته أحد التجار المعروفين. واحتار جدي كيف يصل إلى ابنه وهو لا يعلم أين يقع متجره، حيث لم تطأ قدمه السوق منذ زمن طويل، ولم يكن لديه عامل يرسله في ذلك الوقت. لذا اضطر إلى الذهاب له بنفسه ليخبره بطلب المستشار لكنه وقع في حيرة، كيف يصل إليه وهو لا يعرف الطريق المؤدية إلى متجره، أخذ يسأل كل شخص يقابله عن متجر ابنه خليل ولم يصل إلى غايته إلا بعد أن التقى بشخص يدعى عبد الرحمن البسام جالساً في متجره. سأله: ألا تدلني يا بني على متجر إبني خليل بن إبراهيم.ضحك عبد الرحمن البسام وقال: هل هذا معقول؟ ألا تعلم أين يقع متجر ابنك؟رد عليه جدي إبراهيم مستسلماً: لا يا بني، لا أعرف ، لأنني لم أخرج إلى السوق منذ ثلاثين عاماً!!
وأخذ عبد الرحمن البسام جدي وهو مندهش إلى ابنه، وفوجئ أبي بوالده قادماً إليه حيث لم يزره أبداً في متجره.. وسأله عن سبب الزيارة بعد أن رحب به، فأخبره جدي بدعوة المستشار له لزيارته، فذهب والدي لتلبية تلك الدعوة.
بلكريف يزور الحاج إبراهيم:
يذكر مستشار حكومة البحرين السيد بلكريف في (مذكراته) (ص172) أنه زار الحاج إبراهيم بن أحمد وأنه أخبره عن بعض رحلاته التي قام بها في أرجاء العالم يقول: "زرت المؤيد ولم أجده، فقد ذهب إلى المحرق، ووجدت والده الذي لم يكف عن الشكوى، كان يجلس في غرفة صغيرة، ويتحدث عن كل العالم، فقد زار الهند وشرق أفريقيا والشرق الأدنى، وقال: إن العرب لا يخططون للمستقبل إلا إذا جاء رجل إنكليزي يساعدهم في ذلك!!".
صفات وأخلاق الحاج إبراهيم بن أحمد:
ينص عليها الحاج خليل بقوله: "أخلاق المرحوم إبراهيم لا تكاد توصف ... لا يحب المجالس إلا مع الفقراء النجديين، لازم بيته وعمارته طول حياته، لا يعرف التجار ولا الحكام، قنوع بما رزقه الله يحب الرزق القليل بالحلال، ولا يحب الكثير بالحرام، أغناه الله بسبب توكله وحسن اعتقاده فيه، إذا ذهب شيء من ماله لا يحزن بل يقول: إن هذا ليس من رزقي حتى صار من أغنى أهل البحرين، وضربت به الأمثال في البلد على حُسن معاملته وسكونه، فكان يقول للناس: إن ابني خليل هذا هو رأس البركة، أما تجارته فكانت مخصوصه في أخشاب النيبار مع تجار الكويت أهل الحطب واستقامت إلى أن مات".
ويذكر أنه كان وسيم الشكل، بشوش الوجه، قوي البنية، معتدل الطول محبوباً من أهله وأصدقائه بسبب إخلاصه لهم وحسن خلقه وعقله الناضج، وزهده وتواضعه، إذ كان لا يخضع صداقاته لمصالحه التجارية.
وصيته:
وعندما أحس الحاج إبراهيم بن أحمد باقتراب الأجل كتب وصيته وأوصى فيها بثلث ماله لفعل الخير وأعمال البر والإحسان، على يد ابنيه الحاج خليل والحاج أحمد جاء فيها ما نصه:
الداعي لتحرير هذه الورقة الشرعية هو أن هذا ما أوصى به إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بعد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ويشهد أن الموت حق والقبر حق والسؤال حق، وأن الجنة حق والنار حق وأن الله يبعث من في القبور وأنه رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين قد عهد وأوصى بثلث جميع متمولاته من نقد وغيره أن يجعل ويصرف في سبيل البر والخير من صدقة وإعانة محتاج وكلما يراه المتولي للثلث المذكور من الأعمال المبرورة وقد جعل المتولي لذلك والناظر عليه أولاده خليل وأحمد يعملان فيه ما يعمل الحي للميت حسب نظرهما من أعمال الخير ويقوم مقام خليل من بعده الأرشد من أولاده، وكذلك يقوم مقام أحمد الأرشد من أولاده وهكذا يكون النظر لهما ولذريتهما من بعدهما الأرشد فالأرشد وعليهما بتقوى الله في ذلك ومراعاته والله خير الشاهدين حرر في 6 رمضان سنة 1340هـ (3/5/1922م).
إبراهيم أحمد إبراهيم.
أشهد بذلك عن إقرار المذكور كما هو مقرر مرقوم وأنا الأقل سلمان بن عبد الله العبد المحسن الختم.
أشهد بذلك عن إقرار المذكور بحال صحته وأنا الأقل أحمد بن حسن إبراهيم التوقيع.
أشهد بذلك عن إقراره بحال صحته وأنا الأقل يوسف بن عبد الله الشتر.
بسم الله الرحمن الرحيم
بتاريخ يوم التاسع من شهر رمضان سنة 1340هـ (6/5/1922م) حضر محكمة الشرع لدي ثقات وهم: يوسف عبد الله الشتر، وسلمان بن عبد الله آل عبد المحسن، وأحمد بن حسن بن أحمد إبراهيم، وشهدوا بجزم أن إبراهيم أحمد إبراهيم أشهدهم على إقراره على نفسه وهو بحال تصح منه الإقرارات الشرعية موصياً بما أمره ربه به في كتابه إن ترك خيراً الوصية أن ثلثه من جميع ما يملكه من جميع متمولاته من نقود وعقارات ومملوكه وديون موثقة وسلع تجارة وأثاث وأمتعة على يد ولديه البالغين خليل وأحمد أبنائه من صلبه يعملان له من ثلثه بأنواع البر من جميع أنواع الخير سيما الصدقة بالتمر والماء وإغاثة ذوي الحاجات سيما أهل الاضطرار والفاقات وعليهما تقوى الله جل جلاله والبر لأبيهما في هذه القربة التي تقرب بها إلى ربه قرره خادم الشرع بالبحرين قاسم بن مهزع الختم.
وثيقة أخرى:
ورد في (جريدة البحرين) بتاريخ 18 جمادى الأولى سنة 1363هـ (11 مايو 1944م) في إعلانات دائرة الطابو رقم 222-1363 إشارة إلى بعض ممتلكات الحاج إبراهيم بن أحمد التي تم رصدها لأعمال البر والإحسان وهذا نص ما ورد فيها: "أن خليل وأحمد أبني إبراهيم بن أحمد المؤيد بولايتهما على ثلث والدهما المذكور طلبا تسجيل نخل الجواهر الكائن بسيحة بلاد القديم من المنامة ليصرف حاصله في سبيل البر والخير من صدقة وإعانة محتاج وكلما يراه لمتولي الثلث المذكور من الأعمال المبرورة، ولهما التولية والنظارة عليه يعمل فيما يعمل الحي للميت حسب نظارهما من أعمال الخير ويقوم مقام خليل من بعده الأرشد من أولاده وكذلك يوم مقام أحمد الأرشد من أولاده وهكذا يكون النظر لهما ولذريتهما من بعدهما الأرشد فالأرشد وعليهما تقوى الله في ذلك ومراعاته فعلى من لديه اعتراض أن يقدمه إلى دائرة الطابو خلال 90يوماً من تاريخه".
وجاء في (جريدة البحرين) في 18 جمادى الأولى سنة 1363هـ (11 مايو 1944م) رقم 223 -1363: "إن خليل وأحمد إبني إبراهيم بن أحمد المؤيد بولايتهما على ثلث والدهما المذكور طلبا تسجيل النخل المسمى أم جدار الكائن بسيحة الماحوز من المنامة ليكون لثلث إبراهيم المذكور يفعل له بحاصله ما يفعل الحي للميت من أضحية وختمات وصدقة وأنواع القربات ولهما النظارة والتولية على الثلث ولذريتهما من بعدهما بموجب تقرير الشرع المؤرخ في سنة 1363هـ فعلى من لديه اعتراض أن يقدمه إلى دائرة الطابو خلال 90يوماً من تاريخه".
وفاته:
ثم يشير الحاج خليل إلى وفاة والده الحاج إبراهيم بن أحمد بقوله: "وتوفي في يوم الثلاثاء الساعة الخامسة عربي نهاراً في 26 ربيع الأول سنة 1347هـ (11/9/1928م) وكان لخبر موته رنة عظمى وأسف كبير، عزت جميع المحلات التجارية، ومشى خلف جنازته أكثر الأكابر والأجانب وأهل البلد عموماً وانتهى إلى رحمة الله".
مصادر ترجمته:
1-مذكرات وشجرة العائلة وتواريخها، مخطوطة بقلم خليل بن إبراهيم المؤيد كتبت بتاريخ يوم الأثنين الموافق 22 ذو القعدة سنة 1352هـ (7/3/1934م).
2-مجموعة الوثائق، خاصة بالكاتب.
3-مقابلة مع الشيخ نوار بن علي بن عبد الرحمن الوزان.
4-صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس، عبد الرزاق محمد صديق.
5-جريدة البحرين، لعبد الله الزائد.
6-إصرار على النجاح، سلوى يوسف خليل المؤيد.
إبراهيم بن أحمد الرياسي
(1272هـ -1347هـ)(1855م-1928م)
هو: الوجيه المحسن، والتاجر المشهور، الحاج إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن حسن بن عبد الله بن حسن الرياسي.
أصل الأسرة ونسبها:
أسرة الرياسي والمسماة اليوم بالمؤيد من الأسر الشهيرة في البحرين والخليج العربي، ويذكر جد الأسرة الحاج خليل المؤيد أن جذور أسرته ترجع إلى شبه الجزيرة العربية، وقد نزحت منها إلى قرية تسمى الدشتية في بلاد فارس وذلك نتيجة لمجاعة أصابت المناطق التي كانت تسكنها، ويذكر أنهم استقاموا فيها مدة طويلة ثم نزحوا إلى قرية دسبول، كما ينص الحاج خليل على نسب أسرته فيذكر أنها تنتمي إلى قبيلة مطير إحدى أشهر وأكبر القبائل العربية، كما يذكر أن أسرته في الماضي كانت تسمى بالريايسة، ينص على ذلك في (مذكراته عن تاريخ الأسرة) وهي مذكرات مُهمة ومخطوطة بخط يده كتبت في عام 1352هـ (1933م) يقول:
"في أول شعبان سنة 1352هـ (19/11/1933م) عرض علي أن أكتب عن تاريخ العائلة فأقول وبالله التوفيق: لقد أخبرني والدي رحمه الله عن أشياء كثيرة عن تاريخ العائلة، فرأيت أنه من الواجب تدوين كل ما سمعته عنه لأنه قل أن يوجد سجل صادق ومُستقيم مثله. قال رحمه الله: إنه في سنة 790 من الهجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة (1388م)، هاجر كثير من أعراب نجد وبلاد العرب إلى ساحل فارس الجنوبي، وذلك على إثر مجاعة كبيرة صارت في بلاد العرب، وكان من جملة المهاجرين أجدادنا رحمهم الله. نزلوا في الدشتية وترأس فيها المرحوم جدنا عبد الله ولهذا سميت عشيرتنا بالريايسة، وكان المرحوم ينتمي إلى عشيرة مطير، وقد ناسب أكثر وأكبر العشائر مثل الحرم، وآل مذكور. وقد تزوج من قبيلة الجواسم المشهورة وعاش رحمه الله ثمانين سنة أو أكثر، وفي سنة 870 هـ (1465م) مات وخلف ثلاث أولاد نزح كل منهم إلى قطر، وانضم بعضهم إلى العجم مُتشيعين، ثم مضت مُدة طويلة إلى أن استقر الرئيس حسن في مدينة دسبول سنة 1211هـ (1796م)".
رحيل الجد الرئيس عبد الله بن حسن إلى كشكنار:
ثم يذكر أن الجد حسن رزق بولد أسماه عبد الله، وقد سافر الرئيس عبد الله بن حسن هذا إلى منطقة كشكنار في بلاد فارس وتزوج بها، كما يذكر أن أسرته تُسمى بالمداجي وهذه النسبة هي من جهة الأم لا الأب يقول:
"في سنة 1211هـ (1796م) خرج المرحوم مهاجراً إلى كشكنار تاركاً كل ما لديه مستجيراً بالشيخ عبد الله الحرمي على شرط أن يحميه من الشيخ نصر، فصدق في وعده وكانت إقامته في كشكنار مدة ثلاث سنين تزوج في أثنائها بأخت الأمير المسماة آمنة نباش وهي من قبيلة المداجيه المشهورة بالكرم والإنسانية. فولدت له مولوداً مباركاً اسمه حسن فلقب بكناية لقب أمه (حسن مداجيه) وقد مات والده وهو في بطن أمه، وهنا نفهم القارئ أن نسبتنا إلى كشكنار بسبب زواج جدنا فيها، وإلا فنحن سابقاً من دسبول، وكنايتنا اليوم باسم قبيلة المداجي هي فقط من جهة الأم، وأما الظهر فهو من الريايسة".
وبما أن الحاج خليل المؤيد أشار إلى كون أسرته ترجع إلى مدينة دسبول فقد أحببت الإشارة ولو بإيجاز إلى هذه المدينة العريقة:
مدينة دسبول:
هي مدينة ذات ماضي تاريخي، وهي من نواحي بلاد الأهواز، فيها قامت مدرسة جنديسابور الطبية الشهيرة، وحول الفُرس اسمها إلى "ديزه فول" وإلى الجنوب الغربي منها توجد أطلال مدينة السوس التي يطلق عليها الفرس اسم الشوش وقد عثر عالم الآثار الفرنسي الشهير شيل عام 1902م (1319هـ) فيها على مسلة حمورابي التي سرقها الفرس وتقع مدينة دسبول على نهر الدز أحد روافد نهر قارون ولقربها من الحدود العراقية (قرب محافظة ميسان) أنشأ بها حلف السنتو قاعدة مركزية قوية دكها الجيش العراقي في الحرب العراقية الإيرانية، بطريقة أصبحت تُدرس في مختلف الكليات الحربية في العالم كفن حربي سجل باسم الجيش العراقي.
خبر الرئيس حسن بن عبد الله:
ثم يذكر الحاج خليل المؤيد خبر الجد الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن وأنه تربى في حجر والدته وأخواله عشيرة المداجيه، وعندما بلغ سبع عشرة سنة قام هو وجماعة من رجال عشيرة المداجيه بالهجوم على مدينة دسبول وأخذوها وقضى الرئيس حسن بعد ذلك حياته فيها يقول:
"تربى المرحوم جدنا حسن من كشكنار في حضن أمه وأخواله البواحاجيه وكناية قبيلتهم المداجيه، وهذه القبيلة تتكون من ألف نفر، ويحتمي بها كثير من الفارين والمظلومين... ثم لما كبر الوالد حسن ووصل إلى سن 17 سنة أخذ جماعة من قبيلة أمه المداجيه وهجم على مدينة دسبول، وكانت في يد ابن عمه فأخذها وقضى حياته فيها ومن زيادة محبته إلى قبيلة أمه تزوج في كشكنار بابنة خالته آمنه فولدت له إبراهيم الأول، ويوسف الشتر، وسُمي بهذا لأنه رجل طويل ذو هيبة عالية".
تاريخ الجد إبراهيم الأول:
ثم ذكر الحاج خليل نبذة عن الجد إبراهيم الأول بن الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن يقول:
"ولد المرحوم سنة 1220هـ (1805م) وكان أصغر من أخيه يوسف الشتر بسنتين (أي أن يوسف الشتر من مواليد عام 1218هـ (1803م) )، ولبث المرحوم في كشكنار طول حياته مُهاباً محترماً وتزوج في مدينة الدشتية بإبنة ولد عمه الرئيس محمد الذي خلف ثلاث إناث وأسماؤهن: ... الأولى: فاطمة أم الرئيس مبارك، والثانية: شريفة وهي أم المرحوم عبد الله الخاجه التاجر الكبير في اللنجة، والثالثة: وهي آمنه نباش جدتنا أم أحمد إبراهيم توفت عنده في كشكنار وهي صغيره مع أخاها محمود، أرسلت عليها خالتها أم الرئيس مبارك في الدشتية فربتها تربية عالية".
خبر الرئيس مبارك الرياسي يقول:
ويذكر هنا الحاج خليل المؤيد خبر أحد أجداده واسمه الرئيس مبارك ويذكر أنه كان على صلة وثيقة بحاكم البلاد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة يقول:
"وله صداقة كبيرة مع الشيخ عيسى بن علي حاكم البحرين حيث إن المرحوم عيسى رأى من الرئيس مبارك إكراماً زائداً أثناء رواحه إلى فارس لأجل العيد، طلب منه الوصول للبحرين فكتب المرحوم الرئيس مبارك كتاباً إلى الشيخ عيسى في 11 ذي الحجة سنة 1294هـ (17/12/1877م) : "أن سنزوركم في أول السنة القادمة لأجل السلام، وأطلب منكم ترخصوني أنزل عند ابن عمي وابن خالتي أحمد إبراهيم لأن أتباعي كثيرين"، وكتب مثل هذا إلى جدنا أحمد إبراهيم".
ومن فحوى الرسالة الآنفة الذكر نستشف أن الرئيس مبارك الرياسي زار الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في أوائل سنة 1295هـ (1878م) ، ثم يشير الحاج خليل المؤيد إلى خبر وصول الرئيس مبارك إلى البحرين واستقبال الشيخ عيسى بن علي آل خليفة له وإكرامه إياه يقول:
"ولقد أخبرني والدي المرحوم إبراهيم أن الشيخ عيسى أرسل أحمد إبراهيم وفهمه بكتاب الرئيس (مبارك) وأخذ يكرمه زيادة على العادة بسبب أنه منهم -أن أحمد إبراهيم ابن عم الرئيس مبارك - وكان لا يعرف ذلك من قبل، وأمر له بعشرين خروف، وخمس جواني عيش، ولكن المرحوم أبى أن يقبل ذلك بسبب كثرة مروءته وغيرته، وأجابه: أن الحلال كله وما يملك هو للشيوخ، وطلب منه عند وصول الرئيس يكون يخبره، فلما وصل الرئيس زاره الشيخ عيسى وأخيه أحمد في اليوم الذي وصل فيه، وكان الوقت صيف فنزل إلى القلعة في المنامة في ضيافة الشيوخ يوم واحد، ثم تحول إلى بيت المرحوم أحمد إبراهيم، وقد لاقى الرئيس الحفاوة الكبرى من الشيخ ومن ابن عمه، وكان في معيته سبعة وثلاثين نفر من شجعان فارس".
تاريخ جد المترجم له الحاج أحمد بن إبراهيم:
وهنا يترجم الحاج خليل المؤيد لجده الحاج أحمد بن إبراهيم بن الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن وينص على أنه خرج من كشكنار إلى البحرين سنة 1265هـ (1848م) يقول:
"إن المرحوم والدي ولد في كشكنار في أول شعبان سنة 1238هـ (12/4/1823م) وتوفي في البحرين في 14 محرم سنة 1314هـ (24/6/1896م). خرج أحمد إبراهيم من كشكنار سنة 1265هـ (1848م) ولم يتزوج وكان شجاعاً ومولعاً بالحرب، وقد انتصر ثلاث مرات في وقعات مُتعددة، وكان الشيخ محمد الحريمي يوده كثيراً ويخلصه من الأسر، ويدفع مقابله عشرة أنفار معاوضة عنه لأنه كان لا يوجد في العالم رجل مثله في الشهامة والمروءة والشجاعة. وكان كل ما يغنمه في وقت الحرب مع العجم يفرقه على الضعفاء، وعلى الذين هم أصدقاؤه، والذين لم يغنموا شيئاً في الحرب. وقد أخبرني والدي أنه رآه معظماً لا يتندم عليه أحد من جنسه قط، فلما رأى ابن عمه عبد الله أمير كشكنار وما عليه الرجل من الشجاعة والإقدام والمروءة خاف أن حكام الحرم وآل مذكور يحلونه في محله فيكون أميراً على البلد، وأشار عليه بالذهاب إلى البحرين وهو يزعم أنه يخاف أن يُقتل لفرط شجاعته التي لا توصف، والحقيقة أنه يحسده وخاف أن يحل محله. فظهر المرحوم من كشكنار ليلاً مُتخفياً تابع إلى إشارة ابن عمه خائف أن الشيخ لا يقبل خروجه أبداً. وهو كذلك وبحسن نيته وصل البحرين في سهولة وتيسير ... فنزل عند عمه المرحوم يوسف الشتر وخرج به وأخذ يقدمه على أولاده عبد الله ومحمد، وكان يفتخر به في المجلس فزوجه ابنته آمنة نباش وسميت نباش كنية إلى جدتنا الكبيرة المشهورة بإكرام الجماعات. وما لبثت حتى وضعت الوالد إبراهيم سنة 1272هـ (1855م) وماتت وهو ابن ثمانية أشهر في بطنها. وتزوج المرحوم أحمد إبراهيم بعد وفاتها بإبنة الرئيس محمد حاجي الذي هو من أشهر تجار البحرين وهو ساكن البحرين من قديم، وابن عم الأمير محمد عبد الله في كشكنار، وهو صديق أحمد بن علي بن عيسى حاكم البحرين. تزوج وأخذ ابنته فاطمة سنة 1276هـ (1859م)، وولد له حسن سنة 1282هـ (1865م) وشيخة وهي أم جاسم وعلي بن محمد كانو، فأخذ المرحوم يتاجر بإرشاد عمه المرحوم محمد حاجي الثاني، فنمت تجارته وزادت على ما كان من قبل، اشتهر أمره ووضع الخشب الكبيرة، وأول بغلة عملها سماها العوجة، والثانية سنة 1290هـ (1873م) المحمودية، وكان حمولتها الواحدة منهم ثلاثة آلاف يونية. وتقدم وصار يحسن إلى عموم جماعته وما يتعلق به إلى حد أنه يحمل الضعيف في بحر الخشب ويعطيه البضاعة من المال مساعدة ثم لا يأخذ منه نول. وكان المرحوم الوالد إبراهيم الثاني هو قبطان هذه الخشب وأخبرني أن أكثر نول الخشب يروح مجاناً إلى الفقراء".
حضوره موقعتا كزكز والدولاب:
ثم أشار الحاج خليل إلى حضور جده موقعتا كزكز والدولاب ويذكر أنه أبلا فيهما بلاء حسناً يقول:
"ولقد حضر المرحوم أحمد إبراهيم كثيراً من الوقائع الحربية مثل: وقعة كزكز مع السيد سعيد المسكتي، ويقول: إنه جرح فيها مقدار سبعين نفر من أهل فارس، وأما هو فقد سلم، ثم حضر وقعة الدولاب سنة 1270هـ (1853م) ليدافع عن البحرين برئاسة علي بن خليفة ففازوا وطردوا محمد بن عبد الله ومن معه، وأخذ الحكام يحترمونه بسبب شجاعته حتى صادق الشيخ فهد بن أحمد، وهو خال الشيخ عيسى فأخذ يمدحه ويشهد برجولته... وأخيراً أوصى حين وفاته أن لا يعتمدون أولاده على دفاتره، ولا يطلبون أحداً في دين قط، ولو كان المدينون يدفعون لهم شيء لا يأخذون منه".
سفره إلى الحج:
ثم يذكر الحاج خليل سفر جده الحاج أحمد بن إبراهيم لأداء مناسك الحج يقول:
"ولقد سافر رحمه الله سنة 1290هـ (1874م) في بغلته الكبيرة إلى الحج، وكان بمعيته ابنه إبراهيم وزوجته فاطمة، وسبعة من العبيد السود، وكان لديه 37 مملوك ومملوكة. فقام يحسن رحمه الله في سفره إلى الدراويش ومن كان بمعيته، وأنفق أكثر ماله في هذا الطريق".
وثيقة هبة:
وهذه وثيقة يهب فيها الحاج أحمد بن إبراهيم نصف البيت الكائن في فريج الشرقي من المنامة إلى نجله إبراهيم بن أحمد جاء فيها ما نصه:
الحمد لله قابل القربات ومجزل الهبات ومضاعف الحسنات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الهداة.
وبعد..
فقد وهب الرجل المكرم أحمد بن إبراهيم جناب ابنه لصلبه إبراهيم تمام وكمال نصف البيت المعلوم بينهما الكائن مستقره في فريق الشرقي أحد فرقان المنامة من أعمال البحرين المحدود قبلة وجنوباً بالطريق النافذ، وشمالاً بالبحر المستفيض، وشرقاً بالنصف الثاني من البيت المذكور ملك المتّهب إبراهيم بن أحمد، بجميع ما له من الحدود والحقوق والتوابع واللواحق والضمائم والعلائق من أرض وحيطان وجدران وسقوف وأفنية وطرق وممار وكافة المنسوبات وعامة الملحقات شرعاً وعرفاً ولغة واصطلاحاً عموماً وإطلاقاً هبة صحيحة صريحة شرعية مرعية مشتملة على أركان الصحة وشرايط اللزوم من إيجاب وقبول وقبض وإقباض بالتخلية الشرعية معوضة بالقربة لرب البرية جارية من الواهب المذكور في حالتي الصحة والكمال بالطوع والاختيار، من غير إكراه ولا إجبار، مع كمال العقل وجواز التصرف والاختيار، فبموجب ما رقم لم يكن للواهب المذكور ولا لغيره التصرف في البيت الموهوب من بيع أو وقف وغيرهما فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه والله سميع عليم حتى لا يخفى وجرى وصح عليه الإشهاد باليوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1310هـ العاشرة والثلاثماية بعد الألف (13/11/1892م).
صحيح أحمد بن إبراهيم الختم.
شهد بذلك الأقل أحمد بن محمد كانوه عن إقرار المذكور أحمد الختم.
شهد بذلك عن إقرار المذكور أحمد بن سلمان بن محمد كمال.
شهد بذلك عبد الله بن سلمان كمال.
شهد بذلك عن إقرار المذكور محمد بن شهاب بن فضل الختم.
* * *
وفاته:
ثم يشير إلى تاريخ وفاته وسببها وبعض مآثره فيقول:
"وتوفي رحمه الله سنة 1314هـ (1896م) بمرض البواسير، وكان المرحوم لا يحسن القراءة ولا الكتابة، وله نية حسنة يحب العُلماء والفقراء، ومن ذوي النخوة والشجاعة... ومات رحمه الله غنياً يملك ثلاثين ألفاً غير الحارات والعبيد، الذي أوصى بتفرقته في سبيل الله".
تاريخ الوالد إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم:
وهنا يترجم الحاج خليل المؤيد لوالده الحاج إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن الرئيس حسن بن عبد الله بن حسن فيقول:
"ولد رحمه الله في 14 ربيع الأول سنة 1272هـ (23/12/1855م) وتوفي في يوم الثلاثاء الساعة الخامسة عربي في 26 ربيع الثاني سنة 1347هـ (9/11/1928م) وكان مدة حياته 75سنة قضاها في الإحسان والمبرات".
كيف نشأ رحمه الله:
ثم يشير إلى نشأته وبداية دخوله البحر وتعلمه التجارة والملاحة البحرية ورحلته إلى عمان ثم إلى بلاد الهند يقول:
"ولد في بيت خاله عبد الله الشتر، وتوفيت والدته في الولادة وكفلته خالته فاطمة أم إبراهيم كانو وقيل: إنه لبث في بطن أمه سبعة أشهر وفي رواية آخرون ثمانية أشهر، وكان ميمون الطلعة، حسن المنظر، قوي البُنية مُعتدلاً في الطول، محبوباً عند الأقارب والأباعد بسبب أدبه وعقله، وكان يشكوا لي من معاملة زوجة أبيه وهي فاطمة بنت محمد حاجي ويقول إنه تكدر في أول شبابه من هذه المرأة التي ما أحسنت إليه، وهي تعامله بعين الغضب، وأما والده فهو يحبه كثيراً وأشارت عليه زوجته المذكورة بإبعاد الوالد المرحوم إبراهيم إلى الجهات البعيدة لأجل يخلى لها الجو مع ابنها حسن الذي تحبه كثيراً، فسمع الجد كلامها فسافر الولد إلى عُمان لأجل مُشترى التتن وهو التنباك أعطاه 200 ريال سافر فيها رحمه الله مع بن عثمان الزياني سنة 1287هـ (1870م). فاشترى بالدراهم المذكورة ووصل البحرين فكانت الفائدة كثيرة، وقد شكر النوخذة سيرته عند والده فزادت ثقته فيه، وبعد ذلك عمل له بغلة كبيرة حمولتها ألفين كونية سماها العوجة، سافر فيها إلى الهند، وكان قبطانها بحريني اسمه الحاج حسن من راس رمان، وفي تلك السفرة تعلم القبطانية ... فقام في تجارة الوالد إبراهيم إلى الهند وشارك المرحوم صديق عبد الله بن سلمان بوكمال .. فأخذوا يشتغلون في الحطب مال النيبار وغيره ونمت تجارتهم". ويذكر أن أبرز تجار الأخشاب في تلك الفترة إلى جانب الحاج إبراهيم بن أحمد كان الحاج يوسف بن عبد الرحمن فخرو، والحاج محمد بن عبد الله الدوي.
زوجاته وأولاده:
ثم أشار الحاج خليل المؤيد إلى زوجات والده وأسماء الأبناء والبنات وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم يقول:
"توفيت زوجته أسماء وخلفت ولداً اسمه محمد مات في سنة 1314هـ (1896م) ، وتزوج بابنة إبراهيم قراطة ماتت بعد سنين من زواجها، وخلفت ابنة سماها أسمة خليل ماتت صغيره، وتزوج بابنة المرحوم أحمد كانو من غير مهر غير ليرة واحدة، وهي والدتنا سنة 1303هـ (1885م) وولدت له أربعة أولاد وأربعة بنات الأكبر علي ولد سنة 1305هـ (1887م) وتوفي سنة 1320هـ (1902م) والثاني خليل المؤيد كاتب هذه السطور، ولدت في 14 شعبان سنة 1308هـ (25/3/1891م) والثالث أحمد المؤيد ولد في 16 صفر سنة 1317هـ (26/6/1899م)، والرابع محمد كانو سنة 1322هـ (1904م).
والبنات أولهم آمنة ولدت سنة 1310هـ (1892م) وهي زوجة عبد الله محمود، وشيخة ولدت سنة 1312هـ (1894م) وماتت بالحريق الكاز سنة 1332هـ (1913م) والثالثة فاطمة ولدت سنة 1315هـ (1897م) وهي زوجة أحمد بن حسن، والرابعة ماتت صغيرة".
ثم أشار الحاج خليل إلى سنة وفاة والدته السيدة لطيفة بنت أحمد كانو يقول: "وفي سنة 1324هـ 17 ذو الحجة (31/1/1907م) ماتت والدتنا المرحومة لطيفة كانو ...ثم تزوج الوالد المرحوم بفاطمة بنت غريب وهي والدة عبد الله بن حسن الزين ومات عندها".
من أخباره:
يذكر السيد يوسف بن خليل المؤيد هذه القصة عن جده الحاج إبراهيم يقول: اتصف جدي إبراهيم بالميل إلى الانطواء وهي سمة لا زالت بارزة لدى بعض أفراد العائلة، إذ كان نادراً ما يزور أصدقائه رغم قلتهم، إلا أنه كان يستقبلهم بترحاب إذا جاءوا لزيارته ولأدلل على مدى الإنطوائية التي وصلت إليها شخصية جدي إبراهيم أذكر هذه الحادثة التي قد يستغربها البعض. أرسل مستشار حكومة البحرين تشارلز بلكريف في بداية عهده في البحرين رسولاً إلى عمارة جدي إبراهيم يطلب حضور والدي بصفته أحد التجار المعروفين. واحتار جدي كيف يصل إلى ابنه وهو لا يعلم أين يقع متجره، حيث لم تطأ قدمه السوق منذ زمن طويل، ولم يكن لديه عامل يرسله في ذلك الوقت. لذا اضطر إلى الذهاب له بنفسه ليخبره بطلب المستشار لكنه وقع في حيرة، كيف يصل إليه وهو لا يعرف الطريق المؤدية إلى متجره، أخذ يسأل كل شخص يقابله عن متجر ابنه خليل ولم يصل إلى غايته إلا بعد أن التقى بشخص يدعى عبد الرحمن البسام جالساً في متجره. سأله: ألا تدلني يا بني على متجر إبني خليل بن إبراهيم.ضحك عبد الرحمن البسام وقال: هل هذا معقول؟ ألا تعلم أين يقع متجر ابنك؟رد عليه جدي إبراهيم مستسلماً: لا يا بني، لا أعرف ، لأنني لم أخرج إلى السوق منذ ثلاثين عاماً!!
وأخذ عبد الرحمن البسام جدي وهو مندهش إلى ابنه، وفوجئ أبي بوالده قادماً إليه حيث لم يزره أبداً في متجره.. وسأله عن سبب الزيارة بعد أن رحب به، فأخبره جدي بدعوة المستشار له لزيارته، فذهب والدي لتلبية تلك الدعوة.
بلكريف يزور الحاج إبراهيم:
يذكر مستشار حكومة البحرين السيد بلكريف في (مذكراته) (ص172) أنه زار الحاج إبراهيم بن أحمد وأنه أخبره عن بعض رحلاته التي قام بها في أرجاء العالم يقول: "زرت المؤيد ولم أجده، فقد ذهب إلى المحرق، ووجدت والده الذي لم يكف عن الشكوى، كان يجلس في غرفة صغيرة، ويتحدث عن كل العالم، فقد زار الهند وشرق أفريقيا والشرق الأدنى، وقال: إن العرب لا يخططون للمستقبل إلا إذا جاء رجل إنكليزي يساعدهم في ذلك!!".
صفات وأخلاق الحاج إبراهيم بن أحمد:
ينص عليها الحاج خليل بقوله: "أخلاق المرحوم إبراهيم لا تكاد توصف ... لا يحب المجالس إلا مع الفقراء النجديين، لازم بيته وعمارته طول حياته، لا يعرف التجار ولا الحكام، قنوع بما رزقه الله يحب الرزق القليل بالحلال، ولا يحب الكثير بالحرام، أغناه الله بسبب توكله وحسن اعتقاده فيه، إذا ذهب شيء من ماله لا يحزن بل يقول: إن هذا ليس من رزقي حتى صار من أغنى أهل البحرين، وضربت به الأمثال في البلد على حُسن معاملته وسكونه، فكان يقول للناس: إن ابني خليل هذا هو رأس البركة، أما تجارته فكانت مخصوصه في أخشاب النيبار مع تجار الكويت أهل الحطب واستقامت إلى أن مات".
ويذكر أنه كان وسيم الشكل، بشوش الوجه، قوي البنية، معتدل الطول محبوباً من أهله وأصدقائه بسبب إخلاصه لهم وحسن خلقه وعقله الناضج، وزهده وتواضعه، إذ كان لا يخضع صداقاته لمصالحه التجارية.
وصيته:
وعندما أحس الحاج إبراهيم بن أحمد باقتراب الأجل كتب وصيته وأوصى فيها بثلث ماله لفعل الخير وأعمال البر والإحسان، على يد ابنيه الحاج خليل والحاج أحمد جاء فيها ما نصه:
الداعي لتحرير هذه الورقة الشرعية هو أن هذا ما أوصى به إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بعد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ويشهد أن الموت حق والقبر حق والسؤال حق، وأن الجنة حق والنار حق وأن الله يبعث من في القبور وأنه رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين قد عهد وأوصى بثلث جميع متمولاته من نقد وغيره أن يجعل ويصرف في سبيل البر والخير من صدقة وإعانة محتاج وكلما يراه المتولي للثلث المذكور من الأعمال المبرورة وقد جعل المتولي لذلك والناظر عليه أولاده خليل وأحمد يعملان فيه ما يعمل الحي للميت حسب نظرهما من أعمال الخير ويقوم مقام خليل من بعده الأرشد من أولاده، وكذلك يقوم مقام أحمد الأرشد من أولاده وهكذا يكون النظر لهما ولذريتهما من بعدهما الأرشد فالأرشد وعليهما بتقوى الله في ذلك ومراعاته والله خير الشاهدين حرر في 6 رمضان سنة 1340هـ (3/5/1922م).
إبراهيم أحمد إبراهيم.
أشهد بذلك عن إقرار المذكور كما هو مقرر مرقوم وأنا الأقل سلمان بن عبد الله العبد المحسن الختم.
أشهد بذلك عن إقرار المذكور بحال صحته وأنا الأقل أحمد بن حسن إبراهيم التوقيع.
أشهد بذلك عن إقراره بحال صحته وأنا الأقل يوسف بن عبد الله الشتر.
بسم الله الرحمن الرحيم
بتاريخ يوم التاسع من شهر رمضان سنة 1340هـ (6/5/1922م) حضر محكمة الشرع لدي ثقات وهم: يوسف عبد الله الشتر، وسلمان بن عبد الله آل عبد المحسن، وأحمد بن حسن بن أحمد إبراهيم، وشهدوا بجزم أن إبراهيم أحمد إبراهيم أشهدهم على إقراره على نفسه وهو بحال تصح منه الإقرارات الشرعية موصياً بما أمره ربه به في كتابه إن ترك خيراً الوصية أن ثلثه من جميع ما يملكه من جميع متمولاته من نقود وعقارات ومملوكه وديون موثقة وسلع تجارة وأثاث وأمتعة على يد ولديه البالغين خليل وأحمد أبنائه من صلبه يعملان له من ثلثه بأنواع البر من جميع أنواع الخير سيما الصدقة بالتمر والماء وإغاثة ذوي الحاجات سيما أهل الاضطرار والفاقات وعليهما تقوى الله جل جلاله والبر لأبيهما في هذه القربة التي تقرب بها إلى ربه قرره خادم الشرع بالبحرين قاسم بن مهزع الختم.
وثيقة أخرى:
ورد في (جريدة البحرين) بتاريخ 18 جمادى الأولى سنة 1363هـ (11 مايو 1944م) في إعلانات دائرة الطابو رقم 222-1363 إشارة إلى بعض ممتلكات الحاج إبراهيم بن أحمد التي تم رصدها لأعمال البر والإحسان وهذا نص ما ورد فيها: "أن خليل وأحمد أبني إبراهيم بن أحمد المؤيد بولايتهما على ثلث والدهما المذكور طلبا تسجيل نخل الجواهر الكائن بسيحة بلاد القديم من المنامة ليصرف حاصله في سبيل البر والخير من صدقة وإعانة محتاج وكلما يراه لمتولي الثلث المذكور من الأعمال المبرورة، ولهما التولية والنظارة عليه يعمل فيما يعمل الحي للميت حسب نظارهما من أعمال الخير ويقوم مقام خليل من بعده الأرشد من أولاده وكذلك يوم مقام أحمد الأرشد من أولاده وهكذا يكون النظر لهما ولذريتهما من بعدهما الأرشد فالأرشد وعليهما تقوى الله في ذلك ومراعاته فعلى من لديه اعتراض أن يقدمه إلى دائرة الطابو خلال 90يوماً من تاريخه".
وجاء في (جريدة البحرين) في 18 جمادى الأولى سنة 1363هـ (11 مايو 1944م) رقم 223 -1363: "إن خليل وأحمد إبني إبراهيم بن أحمد المؤيد بولايتهما على ثلث والدهما المذكور طلبا تسجيل النخل المسمى أم جدار الكائن بسيحة الماحوز من المنامة ليكون لثلث إبراهيم المذكور يفعل له بحاصله ما يفعل الحي للميت من أضحية وختمات وصدقة وأنواع القربات ولهما النظارة والتولية على الثلث ولذريتهما من بعدهما بموجب تقرير الشرع المؤرخ في سنة 1363هـ فعلى من لديه اعتراض أن يقدمه إلى دائرة الطابو خلال 90يوماً من تاريخه".
وفاته:
ثم يشير الحاج خليل إلى وفاة والده الحاج إبراهيم بن أحمد بقوله: "وتوفي في يوم الثلاثاء الساعة الخامسة عربي نهاراً في 26 ربيع الأول سنة 1347هـ (11/9/1928م) وكان لخبر موته رنة عظمى وأسف كبير، عزت جميع المحلات التجارية، ومشى خلف جنازته أكثر الأكابر والأجانب وأهل البلد عموماً وانتهى إلى رحمة الله".
مصادر ترجمته:
1-مذكرات وشجرة العائلة وتواريخها، مخطوطة بقلم خليل بن إبراهيم المؤيد كتبت بتاريخ يوم الأثنين الموافق 22 ذو القعدة سنة 1352هـ (7/3/1934م).
2-مجموعة الوثائق، خاصة بالكاتب.
3-مقابلة مع الشيخ نوار بن علي بن عبد الرحمن الوزان.
4-صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس، عبد الرزاق محمد صديق.
5-جريدة البحرين، لعبد الله الزائد.
6-إصرار على النجاح، سلوى يوسف خليل المؤيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق