شيخ النجادة عبد العزيز القُصيبي «1876-1953»
الحلقة العاشرة
الوقت - بشار الحادي - قسم الدراسات والتطوير:
الوقت - بشار الحادي - قسم الدراسات والتطوير:
يعتبر القصيبي من أكابر تجار اللؤلؤ، ومن الممولين المشهورين، ومن الأثرياء والملاك، ولديه أسطول تجاري كبير من السفن وقد بدأ نشاطه التجاري في البحرين ونتيجة لازدهار تجارته وانتعاش أسواق اللؤلؤ في تلك الفترة فقد استطاع تكوين ثروة كبيرة في وقت قصير، وإضافة إلى تجارة اللؤلؤ فقد عمل في تجارة المواد الغذائية، وقد تبوأ العديد من المناصب الحكومية كتعيينه عضواً في مجلس إدارة بلدية المنامة منذ عام 1920م، وتعيينه عضواً في مجلس إدارة التعليم الخيرية بمدرسة الهداية الخليفية منذ عام 1920م، كما عُين عضواً بالمجلس التجاري.يذكر أنه من أوائل المطالبين بتأسيس مصرف في البحرين منذ عام 1918م وتحدد بعد ذلك دور القصيبي في كونه ممثل الملك عبد العزيز آل سعود في البحرين عام 1920م، كما كان كبير رجالات النجديين في البحرين، والمتحدث الرسمي عنهم، والمدافع عن حقوقهم، كذلك كان له دور كبير في توفير السكن والغذاء لضيوف الملك عبد العزيز آل سعود عند زيارتهم للأحساء من أمثال: فلبي، وفرانك هولمز، والوفد البريطاني الذي حضر مؤتمر العقير عام 1922م، أضف إلى ذلك أنه أصبح هو الوسيط في الاتصال الدبلوماسي بين الملك عبد العزيز آل سعود والبريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى. سافر إلى العديد من البلدان كالحجاز والبصرة والهند ومصر وسوريا وفلسطين وبيت المقدس، وقد كرمته بريطانيا بمنحه وسام برتبة ''خان بهادر'' وهذه بعض أخباره كما يحكيها لنا التاريخ.
وقال عنه المؤرخ الأديب عبدالعزيز الرشيد في (مجلة الكويت) في موضع آخر الجزء الثاني شهر صفر 1348هـ ص75 «الحاج عبدالعزيز القصيبي هو أحد رجال بيت آل القصيبي الرفيع وكبير أبنائه الأماثل، وعمود تلك الأسرة الكريمة، ذو خلق يزري بالروض باكره الحيا، ونفس كبيرة عالية، وهمة في سبيل المجد شماء، وغيرة على الحق والدين، وحمية صادقة على الآداب العامة والأخلاق. وميل خاص إلى معاضدة المشاريع النافعة في بلده وسواها. وشغف بمواساة البؤساء والمعوزين، تحفه الهيبة والوقار في غدوه ورواحه، ويجلله الهدوء والسكون في حركاته وسكناته، صادق اللهجة، بعيد عن الغش والخداع، كثير الصمت إلا عن خير، وإذا ما تكلم فما شئت من رأي صائب وحكمة سديدة وقول فصل.انتخبه لأمانته وكفاءته جلالة ملك العرب والإسلام عبدالعزيز آل السعود للإشراف على أعمال المؤتمر الذي عقد في الكويت سنة 1342 جمادى أول حل المسائل المتعلقة بين نجد والعراق وشرقي الأردن وهو يشغل في البحرين الآن عدة وظائف مهمة عليها عمدة البلد وأهلها ومنها مستمد الروح والحياة ومن نورها تضاء أرجاؤها وآفاقها.فهو عضو في مجلس المعارف الذي يرأسه الأمير الجليل الشيخ عبدالله بن الشيخ عيسى آل خليفة، عضو في مجلس البلدية الذي يرأسه الآن الشيخ الجليل محمد بن الشيخ عيسى آل خليفة، عضو في المجلس التجاري الذي يرأسه سعادة الشيخ المفضال حمود بن صباح آل خليفة.وقلما يوجد مشروع نافع في البحرين إلا وتجد سعادته أول السابقين إليه والمساعدين له والباذلين قصارى جهدهم في إعانته بالقول والفعل وبالمال والجاه يتقدم إلى كل هذا منشرح الصدر باسم الثغر مفعم الفؤاد مسروراً، وإذا ما شكرته على ما قام به من عمل وتقدمت إليه بالثناء على ما أتعب نفسه في سبيله صارحك بهذه الكلمة الذهبية (لا شكر على واجب) شأن أهل الصدق والإخلاص ومن لا يعمل إلا لله ولا يبذل إلا للقيام بالواجب المقدس.ابتنى في المنامة هو وإخوانه الأماجد مسجداً لله تعالى قرب بيتهم العامر، يؤمه الناس لأداء ما فرضه الله عليهم، فكان له ولهم من الأجر الجزيل ما الله به عليم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة).يسر سروراً لا مزيد عليه بالنهضة الإسلامية الدينية، ويطرب لها طرباً يملك عليه حواسه ومشاعره. سواء في أدنى البلاد وأقصاها في الحجاز ونجد أو في مصر وسوريا وفي غيرها من الأقطار التي تجمعها رابطة الدين الحق الذي جاء به النبي الأمين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام.اجتمعت بسعادته بعد رجوعه من الحجاز في البصرة في هذا الشهر فسألته عما لقيه وشاهده في رحلته فأخذ يفيض بالأعمال الجليلة التي قام بها جلالة ملك العرب والإسلام في الحجاز والإصلاحات المنوعة التي أطلع شموسها في تلك الأقطار المقدسة، الإصلاحات التي هي أمنية الأحرار والمصلحين من أبناء يعرب الأباة، والتي لم يكن للحجازيين بها عهد مدة حياتهم، سواء في العلم والأخلاق أو في النظام والعمران، أو في الحرية التي حجبت عنهم أمداً طويلاً من الدهر.ثم ذكر مصر وسوريا بخير وأثنى علي أهلهما الكرام الثناء الجميل على ما كانوا يقومون به من خدمة في نيل العلم والمعارف.أما القدس الشريف فقد أطرى أهله إطراء يستحقونه وخص بإطرائه العاطر رئيس مجلسه الإسلامي الأعلى فضيلة الأستاذ الجليل السيد أمين الحسيني على أعماله الجليلة التي كان يقوم بها لحماية الدين ونفع إخوانه المؤمنين وما يبذله من همة في تربية أبناء المسلمين الذين أفقدهم الدهر المواسي والمسلي والمتوجع وصرفه أوقاته النفيسة في تأسيس المدارس العلمية لتثقيفهم وتشييد الملاجئ التي تكفل ما يحتاجون من ضروريات حياتهم.وقد أظهر سعادته الاغتباط التام بتلك الهمة العالية التي انفرد بها فضيلة الأستاذ من دون سواه من أبناء القطر المقدس. وأعجبه بنوع خاص الصنائع التي يشتغل بها أولئك البؤساء في ملاجئهم بالنجارة بأنواعها ونسيج السجاد الفاخر.وكان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى قد أتحف صاحب الترجمة بقطعتين نفيستين من آثار تلك الصنعة البديعة، ومن عمل أولئك الأيتام، كتذكار لزيارته إياهم إحداهما من الحرير والثانية من الصوف وقد شاء سعادته أن يطلعنا عليهما لنشاركه في سروره وشكره لقطب تلك الحركة المباركة فإذا هما والحق يقال من السجاد النفيس الذي لا نغالي إذا قلنا بأنه سيزاحم السجاد الإيراني، وسيقضي عليه القضاء المبرم عما قريب، نعم إن سعادته يطرب طرباً لا مزيد عليه من الحياة التي تدب في شرايين الأمة الإسلامية بمقدار ما يستار من جمودها وخمولها وسبق أعدائها لها في ميدان الجد والعمل في هذا المعترك وتلك غيرة صادقة يجب أن ترفع لصاحبها من الحمد علالي وقصوراً».وفاته في لبنانتوفي عبدالعزيز القصيبي في حادث غامض ببيروت وبها دفن رحمه الله تعالى، وقد ورد نعيه في (جريدة القافلة) البحرينية، وهذا نص ما ورد فيها:وفاة الحاج عبدالعزيز القصيبي هل كانت جريمة؟! أم قضاء وقدراً؟!عندما اكتشف رجال الإسعاف اللبناني جثة الحاج عبدالعزيز القصيبي وجدوها محطمة شر تحطيم والدماء كانت تنزف غزيرة من رأسه وأضلاعه وصدره ويديه ورجله، وأجريت له الإسعافات اللازمة إلا أنه لم يلبث أن فارق الحياة قبل أن يستطيع النطق بحرف.وبدأ رجال التحري والشرطة والقضاء تحقيقهم فاتضح لهم أن المرحوم كان يتنزه في محلة الزيتونة وراقه منظر الليل وهدير البحر فجلس على الرصيف يمتع نظره بجمال الطبيعة الفاتن، ولكن النعاس داعبه فاستلم إليه، ويظن أنه انحرف أثناء نومه فوقع فوق الصخور، وعندما اكتشف أحد المارة أمره كان قد مضى على سقوطه زهاء ثلاث ساعات، وكانت دماؤه قد نزفت.(القافلة) هذه الرواية اللبنانية لوفاة الحاج عبدالعزيز القصيبي إذ استقيناها من الصحف اللبنانية، ولكننا قرأنا ذلك وشعور الشك يراودنا، نحن نعلم أن المرحوم كان قد أجرى عملية خطرة وأنه تماثل للشفاء قبل وفاته بأسبوع، فهل يعقل أن يترك محل سكناه ليذهب منفرداً مع وجود ابنه وخادمه حتى يتمتع بصفاء الليل وجمال الطبيعة؟ثانياً: هذا الرصيف الذي نام عليه ألم يكن مسوراً؟ثم هل يقبل المرحوم أن ينام على الرصيف، وهو الرجل المسن المحافظ الذي يشغل مركزاً محترماً في سوق المال والتجارة؟نحن نعتقد أن الرواية الصحيحة لحادثة وفاة المرحوم لم تكتب بعد بدقة وأمانة.وورد في (جريدة القافلة) في عدد لاحق شكر على تعازي في وفاة عبدالعزيز القصيبي يقول الخبر:تتقدم أسرة عبدالعزيز بن حسن القصيبي لجميع من واساها في مصابها الأليم بأجمل آيات الشكر والامتنان وتخص بالذكر مولانا صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي تفضل بالحضور للتعزية، وأصحاب السمو الأمراء الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، وجميع أفراد العائلة الخليفية المالكة، كما وإنها تتقدم بالشكر الجزيل لجميع التجار والمواطنين الذين واسوها في محنتها، جزاهم الله كل خير، وألهمنا الله وإياهم الصبر والسلوان.أسرة الفقيدمحمد القُصيبي يواصل المشواربعد وفاة عبدالعزيز القصيبي تولى مكانه نجليه محمد وعبدالمحسن ابنا عبدالعزيز القصيبي، وقد قاما بعدة مشروعات من أشهرها مشروع «برادات البحرين» التي افتتحت في نحو العام 1956 بالمنامة بالقرب من مجمع يتيم، وكان سوبرماركتاً كبيراً. كذلك قاما بالدخول في بعض المشروعات في الكويت.ويتحدث مايكل فيلد عن هذه الفترة فيقول «وفي سنوات قليلة بدأت سلسلة أخرى من الانشقاقات فعقب وفاة عبدالعزيز في العام 1953 (ذكر مايكل فيلد أن وفاة عبدالعزيز في العام 1950 وهو خطأ والصحيح 1953) قام أبناؤه بتقسيم تجارته فيما بينهم وباعوا الوكالات وركزوا جهودهم على العقارات. وفي الوقت ذاته بدأ أبناء عبدالرحمن الكبار بالانفصال عن بعضهم. ففي منتصف الخمسينات تبعثرت شركة آل القصيبي التي كانت قوية فيما مضى إلى نحو عشرين جُزءاً، وقد مات عبدالعزيز وانقرضت تجارة اللؤلؤ وبدأ أبناء الإخوة الخمسة من الصفر تقريباً في سعيهم لجمع ثرواتهم في العالم الحديث في جزيرة العرب التي أصبحت تنتج النفط. أخبرني خليفة أكبر أبناء عبدالرحمن مرة بأنه لم يكن يملك رأس مال خاص به مطلقاً في العام 1950 فقد اقترض بعض المال وانتقل إلى جدة وبدأ في شراء المواد الغذائية من مصر لتمويل الجيش السعودي.وفي السعودية وصل اثنان من آل القصيبي إلى القمة في الوظائف الحكومية، رغم أن أي منهما لم يطمح إلى تبوء منصب رفيع. كان خالد أكبر أبناء محمد عبدالعزيز، يعمل في وزارة الزراعة عندما طلب منه الملك فيصل أن يصبح مديراً لمصلحة السكة الحديدية في سنة .1967 ثم عين في العام 1973 نائباً لمحافظ البنك المركزي للسعودية وهي مؤسسة النقد العربي السعودي وقد تقلد هذا المنصب حتى العام .1980 أما الثاني فهو غازي عبدالرحمن القصيبي الذي تولى اثر إنهائه لدراسته منصب عميد كلية التجارة ثم مدير سكة الحديد، وفي العام 1975 تم تعيينه وزيراً للصناعة والكهرباء، وفي العام 1983 تقلد منصب وزير الصحة، واليوم يشغل منصب وزير العمل».
مصادر الترجمة:1- جزر البحرين دليل مصور لتراثها، أنجلا كلارك، ترجمة محمد الخزاغي.2- مجموعة الوثائق، خاصة بالكاتب.3- البحرين بين عهدين، راشد الزياني.4- مجلة الكويت، عبدالعزيز الرشيد.5- مي محمد آل خليفة، كتاب سبزآباد ورجال الدولة البهية، ص.4516- مقابلة مع الفاضلة السيدة هند بنت عبدالعزيز بن القصيبي، ابنة المترجم له.7- معاذ عبدالله آل الشيخ مبارك، شخصيات رائدة من بلادي.8- مقابلة مع الأستاذ الفاضل غازي بن محمد بن عبدالعزيز القصيبي، حفيد المترجم له.9- جريدة القافلة.10- أعيان البحرين في القرن الرابع عشر الهجري، بشار الحادي.11- رواد الإدارة الخيرية للتعليم تقويم العام 2009 بمناسبة مرور تسعين عاماً على تأسيس مدرسة الهداية الخليفية (1919-2009) وقد أصدرته مشكورة وزارة الثقافة والإعلام بمملكة البحرين.12- مجلة الشرق الأوسط، العدد ,160 ص.1713- مذكرات تشارلز بلكريف، مي محمد الخليفة.14- التجار أكبر رجال الأعمال في الخليج، مايكل فيلد.15- مجلة الوثيقة، العدد الرابع والخمسون، (ص36) بقلم د. علي أبا حسين.16- جريدة الوطن، الوطن الإسلامي، مسجد عبدالرحمن بن إبراهيم بن عبد ربه «القصيبي» بدر شاهين الذوادي.17- جريدة البحرين، عبدالله الزايد.18- مجموعة وثائق وصور، تخص أسرة عبدالعزيز القصيبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق