واحة القطيف - 09/01/2006م
كثيرون هم من يكرهون، إطلاق لفظة القرصنة على أشخاص أو قبائل عربية، غير أن
القرصنة في البحر لا تختلف كثيراً عن القرصنة في البر، وكانت القبائل البدوية في شرق الجزيرة العربية تمارس كلا النوعين، وإن كانت بعض القبائل تخصصت أكثر في مجال القرصنة البحرية، كما كانت تفعل قبيلة بني هاجر.غير أن عدداً من المؤرخين العرب، يشعرون بأن استخدام لفظة القرصنة البحرية، وهي غربية، تبطن اتهامات في غير محلها، وتعود الحساسية الى القرن التاسع عشر، حينما انضم القواسم الى الدولة السعودية الأولى، وقاموا بمهاجمة السفن الأجنبية والعربية التي يملكها أهل عمان وغيرهم، ممن رفضوا الإنضواء تحت لواء الدعوة السلفية. وفيما بعد قام الإنجليز بمهاجمة القواسم وتدمير اسطولهم البحري، وسموا الساحل العربي الخليجي، بساحل القراصنة.
ومن حق المرء أن يعترض على وصف تلك العمليات التي كان يقوم بها القواسم في المجمل بالقرصنة، حيث اتخذت بنظر الكثيرين شكل الجهاد الديني، وكانت موجهة في المجمل ضد الإنجليز وحلفائهم، وإن كانت في بعض التفاصيل لم تخل من الملاحظات. والإنجليز ومن قبلهم البرتغاليون أولى بإطلاق لفظة القراصنة عليهم، فمعظم أفعالهم خاصة البرتغاليين، كانت قرصنة على المكشوف، كما هي مسجلة تاريخياً.
ومن هنا نفهم الحساسية في إطلاق لفظة القرصنة على القبائل العربية منذ ذلك التاريخ، خاصة وأن الإنجليز سموا شاطىء عمان والإمارات التي تصالحت فيما بعد بشاطيء القراصنة.
والحقيقة، أن هناك اختلافاً بيّناً بين ما كان يقوم به القواسم، وبين ما كانت تقوم به قبائل المنطقة الشرقية أو بعضها، فالأولى كانت تمارس أفعالاً تحت غطاء ديني، فيما كان نشاط الهواجر على سبيل المثال، في مجال القرصنة، لا تتحمل أي تفسير ديني أو وطني.
وإذا كانت منطقة القطيف والأحساء قد تعرضتا على طول تاريخهما القديم والحديث لغزو القبائل وتعدياتها براً، فإن ما كان يمارس في البحر، لا يختلف أبداً عما كان يمارس في البر، فهناك هجوم ونهب وقتل.
إن النشاط البري القبائلي في شرق الجزيرة العربية معروف ومسجل في الكتب، وهي مليئة بحوادث النهب والسرقة والقتل، ولكن المؤرخين قلّما أشاروا الى نفس الأفعال غير الحميدة التي كانت تقع في البحر. ولأن الأحساء لم تكن تطل على البحر، ولم يكن أهلها يمارسون النشاط البحري، لذا تركزت أعمال القرصنة على الساحل القطيفي الذي عانى لعقود طويلة ــ إن لم يكن لقرون ــ من نشاط القراصنة، والذين اشتهر منهم: رحمة بن جابر الجلاهمة، وزيد بن محمد، وغيرهما.
لكن القول بأن جميع القبائل المنتشرة على الساحل الخليجي كانت تتعاطى القرصنة البحرية، فهذا يحتاج الى إثبات، فالعجمان مثلاً، لم يولوا أهمية للقرصنة البحرية وإن كانوا قد دوّخوا الأحساء براً. مع أنه حدث وأن شارك عجمانيون وهواجر في أعمال قرصنة مشتركة. أما ما يقال بأن أعمال القرصنة كانت مصدر الرزق الوحيد للقبائل، فهذا غير صحيح، لا براً ولا بحراً، وفيه تجنّ على الحقيقة.
إن الوثائق التي تتعرض لها (الواحة) في هذا العدد، تكشف جانباً مهماً عن حوادث القرصنة في الساحل القطيفي، وهي تعطي صورة عن الأحداث السياسية المضطربة منذ سيطرة العثمانيين على المنطقة الشرقية عام 1871، وحتى عام 1904، ومدى تأثر الأوضاع الإقتصادية بنشاط القبائل البحري، وموقع تلك القرصنة من السياسة الإقليمية، ودور القوتين العثمانية والإنجليزية في حل معضلة الأمن في الخليج. كما وتحوي الوثائق الكثير من الإشارات المهمة لحوادث تاريخية قطيفية وخليجية ونجدية، قد تكون جاءت عرضاً، وهي ذات فائدة جلّى للباحثين في التراث الخليجي، السياسي والتاريخي والإقتصادي منه.
كانت البحار بين جزيرة البحرين وسواحل القطيف وقطر، منذ زمن بعيد، وما تزال، مسحاً للعديد من أعمال القرصنة التي يرتكبها افراد قبيلة بني هاجر وقبائل الجزيرة العربية البدوية الأخرى التي تعيش على الغزو والنهب. لقد أخذنا علماً بالأعمال الإجرامية التي يرتكبها بنو هاجر (فهي مدونة في ملخص وقائع قطر، وأيضاً في ملخص وقائع البحرين) ( KATAR PRECI'S - BAHRAIN PRECI'S) ، وذلك منذ أن احتل الأتراك منطقة القطيف عام 1871. وفي عام 1878، أطلق البدو العنان المطلق لسيادة عادات النهب والسلب في مياه القطيف، مما جعل أمن الخليج في حالة خطر محدق بلغ من الشدة حداً اضطرت الحكومة البريطانية معه الى أن تحزم أمرها وتقرر إما اعتبار الحكومة التركية مسؤولة عن أعمال القرصنة هذه، أو التحرك بمفردها لوضع حد لهذه الأوضاع التي لم تعد تطاق. وهكذا فإننا ندخل الآن حقبة جديدة ومهمة في التاريخ السياسي للخليج الفارسي، وليس هناك محل للاعتذار أو لتبرير دخولنا في التفاصيل الدقيقة لأعمال القرصنة في مياه القطيف التي تتوارد التقارير عنها منذ عام 1878، وكذلك مسألة المسؤولية عن حفظ الهدوء والنظام الناتجه عن ذلك. [ملاحظة: إن الأقسام الثلاثة الأولى من هذا البحث قد جمعت معلوماتها وأُعدّت من قبل المستر بلاوتن والموظفين الآخرين في دائرة الشؤون الخارجية في حكومة الهند].
في العشرين من سبتمبر 1878، أبرق الكولونيل روس يقول ان بني هاجر استولوا على بعض المراكب الفارسية ونهبوا ما كان فيها، وأن هذه المراكب هوجمت على مقربة من جزيرة الشيخ شعيب، الواقعة على الساحل الفارسي للخليج، وأن اللصوص جرحوا إثنين من رجال تلك المراكب. وأضاف أن العصابة نفسها سطت على مركب آخر ونهبت ما فيه، واستولت على عشرة آلاف (10000) روبية نقداً ثم قتلت ناخوذة المركب الذي لم تعرف جنسيته. عاد هؤلاء بعدها فنزلوا على ساحل قطر، ويرى الكولونيل روس أنه يجب مخاطبة الحكومة العثمانية بخصوص أعمال هؤلاء وتحركاتهـم، ثم وجه الانتـبــاه إلى زبــاره، وهي ميناء تقع على يابسة الجزيرة العربية مقابل البحرين، حيث قيل أن زعيمها متورط في أعمال القرصنة، ويسأل (الكولونيل روس) عمّا إذا كان لدى حكومة الهند إعتراض على تعامله مباشرة مع ذلك المكان (زبارة) واستخدامه لإجراءات قمعية حازمة ضدها إذا اقتضى الأمر. وقال روس في برقيته ان الحكم التركي في الزبارة لم يكن يوماً حكماً مؤكداً وحقيقياً، وأن حكومة الهند لم تسمح للبحرين بالمطالبة بفرض سلطتها عليها.
في الرابع والعشرين من الشهر ذاته (نوفمبر 1878) أبرق المقيم (الكولونيل روس) مرة أخرى ليبلغنا بنتائج التحقيقات التي أجرتها السفينة الحربية البريطانية فلتشر (VULTURE) لقد اتضح ان مسؤولية الجرائم البشعة التي رفعت الشكوى بخصوصها إنما تقع، جزئياً، على عاتق منطقتي القطيف والبدع (BIDDA) التركيتين، ولكنها تقع، في معظمها، على عاتق الزبارة (ZOBARAH) ، حيث ارسلت منها سفينتان بقيادة ابن الزعيم (الشيخ) لمهاجمة قارب عابر مملوك لقطر. كما ثبت أن شيخ البحرين يتحمل مسؤولية جنائية بالتواطؤ مع شيخ الزبارة وابنه اللذين أستقبلهما كضيوف عليه، ولقيامه بأعمال أخرى مشابهة. بدا للكولونيل روس ان العقاب الصارم والشديد والسريع لزبارة هو الإجراء الأول المطلوب. وكان يظن أن الاتراك لن يكونوا قادرين على التعاون (معنا) في هذا الجال نظراً لإنهماكهم الكلي في محاربة النجديين.
في الخامس من أكتوبر 1878، أبرقت حكومة الهند الى المقيم بما يلي:
«بالإشارة الى برقيتك المؤرخة في الرابع والعشرين من سبتمبر: يُطلبْ إليك وضع البراهين والأدلة الكاملة أمام الحاكم التركي ضد زبارة، واطلب معاقبتها عارضاً المساعدة البحرية إذا اقتضى الأمر. إذا رفض الحاكم تلبية الطلب، فأبرق (لنا) بالإجراءات المفصلة التي تقترح القيام بها. وفيما يتعلق بالبحرين، عليك التأكد التام من الحقائق ثم اعلمنا بمقترحاتك. أما ما يتعلق بزورق المقيمية، فعليك استخدام السفن الحربية التي سيتم تعزيزها (بسفن حربية أخرى) إذا أمكن ذلك. انت مخوّل صلاحية إستخدام القوّة لوقف أي أعمال قرصنة ترتكب مستقبلاً من البحر».
وفي رسالة تحمل نفس التاريخ (5 اكتوبر 1878) تم توضيح هذه التعليمات على الشكل التالي:
«رداً (على برقيتكم)، أمُرتُ بأن أبلغكم بأن حكومة الهند، في حين لن تسمح بإقلاق سلام الخليج الفارسي عن طريق حملات عسكرية، حتى لو انطلقت من موانىء يملكها الأتراك فعلاً، فإنها ترى أنه ينبغي الاتصال بالسلطات التركية المحلية قبل أن تصفي الحساب العسير مع زباره وتنزل بها العقاب المطلوب. وبناء عليه، يطلب منك أن تضع بين يدي الحاكم التركي تقرير قائد السفينة الحربية البريطانية فلتشر (VULTURE) ، وأي أدلة أخرى تثبت ضلوع ربارة في هذه الجريمة. عليك أن تطالب بأن ينزل بزبارة العقاب المناسب، وأن تعرض تقديم المساعدة البحرية (الحربية) التي تستطيع تقديمها. وإذا امتنعت السلطات التركية عن اتخاذ أية خطوة في هذا السبيل، فعليك أن تبلغ حكومة الهند بكل الحقائق، مع وصف مفصل للإجراءات التي تقترح القيام بها. وإذا وقعت جرائم أخرى واستخدم البحر لارتكابها، فأنت مخول صلاحية معاقبة المذنبين على الفور، مهما كانت جنسيتهم.
أما فيما يتعلق بالبحرين، فقد أمرت أن أطلب إليك أن تتيقن وتتأكد من درجة اللوم والمسؤولية التي يتحملها الشيخ، وأن تبلغنا بالنتائج لإعطاء الموافقة على الإجراءات العقابية التي تقترح اتخاذها»
في السابع عشر من أكتوبر 1878 طلب المقيم تعليمات جديدة (إضافية) تتعلق بنقاط معينة ترتبط باتصاله بالسلطات التركية. أبلغ، رداً على طلبه (المؤرخ في الثاني عشر من أكتوبر 1878) أن المقصود (بهذه الاتصالات) هو أن يخاطب حاكم البصرة الذي يجب أن يترك له، ضمن حدود معقولة، حرية اختيار طبيعة ومدى وتوقيت العقاب، أما الدعم البحري البريطاني فيمكن تقديمه ولكن بشرط أن يستخدم الأتراك قواتهم النظامية. ينبغي عدم التدخل في شؤون البدو براً، ولكن خولتم صلاحية القضاء على أعمال القرصنة المرتكبة في البحر.
في الحادي والعشرين من أكتوبر 1878 أفاد الكولونيل روس بأن السفينة الحربية فلتشر (VULTURE) أسرت خمسة عشر مركباً قرصانياً قبالة ساحل القطيف، وسلمتها إلى الحاكم التركي. كما أسرت ثلاثة مراكب أخرى وقاربين يمتلكهما بنو هاجر، وذلك جنوب القطيف، وقد ثبت أن إثنين من المراكب يخصان البحرين. وافقت حكومة الهند على إجراءات المقيم وطلبت منه تقديم تقرير كامل حول هذه الإجراءات.
في الحادي والثلاثين من أكتوبر 1878، أرسل المقيم برقية أخرى حول (أحداث) زبارة: لقد عرض هو شخصياً أمام حاكم البصرة جميع الأدلة المتوفرة التي تدين ذلك البلد (زبارة). وقد تعهد الحاكم التركي بإنزال العقاب بها، ولكنه أعرب عن رغبته في أن يتأكد أولاً من الأدلة والبراهين من مصادر مستقلة. عرض الكولونيل روس ( ROSS) تقديم المساعدة البحرية، لكن كان من الواضح أن الحاكم لم يكن راغباً في الاستفادة من هذا العرض، وقد تعهد في الوقت نفسه بملاحقة المذنبين ومعاقبتهم أينما وجدوا. كما أن الكولونيل روس عرض على الحاكم التركي العمليات التي قامت بها السفينة فلتشر، وأطلعه على اعتراف (إشعار إستلام) حاكم القطيف الخطي باستلام المراكب المأسورة. قال الكولونيل روس، إن هذه المعلومات حظيت بانتباه واهتمام الحاكم التركي في البصرة الذي تقبلها بروح وديّه. رداً على هذه البرقية، أمرت حكومة الهند الكولونيل روس بأن يبعث بتقرير حول الإجراءات التي قامت بها السلطات التركية لمعاقبة زبارة، وفي حال رفضها القيام بذلك، عليه أن يطلب منها تقديم أسبابها الداعية إلى الاحجام عن ذلك.
في الخامس عشر من نوفمبر أرسل الكولونيل روس برقية قال فيها إن قائد السفينة الحربية البريطانية "عرب" ( ARAB) الراسية في البحرين كتب يقول إنه تلقى تقريراً يفيد بسقوط الزبارة في أيدي شيخ البدع ( BIDAA) واللاجىء البحريني ناصر بن مبارك، اللذين دخلاها على رأس قوة عسكرية كبيرة من البدو. وقال الكولونيل روس إنه يخشى من وقوع هجوم على البحرين، التي سيتوجه إليها على ظهر السفينة الحربية البريطانية "تيزر" (TEAZER) وافقت حكومة الهند على هذه الزيارة وطلبت من الكولونيل روس أن يبقي على البحرين ملتزمة بتعهداتها التي نصت عليها المعاهدة. كما خول، ثانية، صلاحية المحافظة على السلام البحري في الخليج، وأعربت عن رغبتها كذلك في الامتناع عن الدخول في العمليات (العسكرية) البرّية في الجزيرة العربية. وطلبت حكومة الهند منه أيضاً أن يرسل كل ما يتوفر لديه من معلومات عن موقف الزبارة تجاه الحكومة التركية.
في الثاني والعشرين من الشهر ذاته (ديسمبر 1878) أرسل في بوشهر الكولونيل روس رداً يؤكد فيه وقوع الهجوم على الزبارة التي دمرت عن بكرة أبيها باستثناء قلعة قائمة خارج البلدة تدعى "مرير" (MOREYR) ، حيث يتعرض سكان الموقع من قبيلة النعيم (NAIM) لحصار شديد. قيل إن الهجوم جاء رداًُ انتقامياً على أعمال القرصنة والغزوات التي شنت ضد البدع، وليس انصياعاً لأمر من الحكومة التركية (الحاكم التركي للبصرة). جزع أهل البحرين جزعاً شديداً، ولكن الكولونيل روس أعلن بما لا يدع مجالاً للشك أن أية محاولة للهجوم على البحرين ستردها السفن الحربية البريطانية على أعقابها بالقوة، كما اتخذت إجراءات احتياطية (احترازية) تحسباً للطوارىء. وأرسل حاكم البصرة التركي كذلك إنذاراً إلى البدع يحذرها من مغبة مهاجمة البحرين. لم يتدخل الكولونيل روس في العمليات العسكرية البرّية، أما بخصوص الزبارة فقد دون المقيم الملاحظات التالية:
فيما يتعلق بتوجه الزبارة نحو الأتراك، فحتى الآن لا توجد علاقات، لأن مطالبة البحرين بالسيادة على الزبارة لم تسمح حكومة الهند باستمرارها عام 1874، وأنا أفترض أن الحكومة (الهندية) لن تعترض على إقامة سلطة تركية في ذلك الجزء من ساحل قطر. ربما ستؤدي الظروف الحالية إلى تحقيق ذلك، إذا نظرنا إلى هذا (الاحتمال) من جميع النواحي، فإن هذا سيكون الحل الأفضل وسيؤدي تقديراً إلى إنهاء تكرار أعمال القرصنة في البحرين. يتفق شيخ البحرين مع هذا الرأي. وأعتقد أن التدخل مستقبلاً لم يعد ضرورياً لإنزال العقاب بزبارة، فقد أنزل عقاب صارم وكبير بذلك المكان.
من المقيم السياسي في الخليج الفارسي رقم 245 تاريخ الرابع من نوفمبر عام 1878، رقم 193 أوردنا حتى الآن عرضاً لمسار الأحداث المتعلقة بزبارة كما جاء في المراسلات البرقية. من الضروري الآن أن ندرس التقارير التفصيلية. أول هذه التقارير يتعلق بحقائق أشارت إليها برقية المقيم المؤرخه في الحادي والثلاثين من أكتوبر 1878، وقامت على اساسها، وقد أوردناها في فقرة سابقة.
على إثر صدور تعليمات حكومة الهند، توجه المقيم البريطاني في بوشهر، الكولونيل روس إلى البصرة يوم الثاني والعشرين من أكتوبر 1878، بعد أن حصل على رسالة تقديم (تعريف) من الكولونيل نيكسون ( NIXON) ليقدمها إلى الوالي. كما أمر (روس) السفينة الحربية فلتشر التي كانت قد عادت لتوها إلى بوشهر، بعد أن أسرت مراكب القرصنة قبالة ساحل القطيف، كما ورد في فقرة سابقة، أمرها بأن ترافقه إلى البصرة لكي توضح الأمور إذا اقتضى الأمر ذلك. رحب الباشا (الوالي) بالكولونيل روس ترحيباً لائقاً، وتبادل معه الزيارات، وتباحث معه حول مشكلة زبارة. بخصوص هذه النقطة، ليس هناك ما نضيفه إلى الملخص الوارد في فقرة سابقة من هذه الدراسة، والذي يروي بتفصيل كامل ما جرى في اللقاءات التي تمت بينهما (بين الوالي والكولونيل روس) إلاّ أن الكولونيل روس أضاف الملاحظات التالية:
«أعتقد أن الوالي كان مرتاباً في بادىء الأمر من أن اتصالاتي به بخصوص القراصنة، وأنها كانت تخفي أمراً آخر. بذلت كل جهد ممكن لإزالة مثل هذه المخاوف من ذهنه، وذلك بأن وصفت لسعادته مدى الأهمية التي تعقدها الحكومة البريطانية على أمن وسلامة هذه البحار، وهو الأمن الذي بذلت لتحقيقه جهود وأموال كثيرة، وأوضحت له كيف يمكن لأعمال النهب والقتل أن تدمر، وعما قريب، ثمار جهود أعوام طويلة إذا لم يوضع لها حد ويعاقب مرتكبوها، وإذا تكررت، على الرغم من أنها تبدو غير ذات أهمية بحد ذاتها».
من المعروف عن عبدالله باشا، الوالي التركي في البصرة، أنه متعصب دينياً إلى أبعد الحدود، وأنه غالباً ما يعرب، علناً عن مشاعره المعادية للانكليز. فقد أعلمني المستر روبتسون أن ذلك جاء نتيجة وضع الباشا الممعزول عن الأحاديث الوديّة التي كان يتبادلها مع الشخصيات ذات المركز الاجتماعي المرموق في البصرة. واقع المشاعر هذه يبدو في غير صالحنا حالياً، إلى حد أجد معه من واجبي تجاه الحكومة أن أذكر هذه المسألة في تقريري.
يبدو أن معظم الشخصيات من ذوي المعرفة والاطلاع على بواطن الأمور يوافقون على أن الشخص الوحيد القادر على المحافظة على الأمن والنظام في مقاطعة نجد وإخضاعها للحكومة التركية بالفعل، هو ناصر باشا زعيم قبيلة المنتفق، والموجود حالياً في القسطنطينية، كما يعتقد أيضاً بأنه سيكون جيد الموقف تجاه المصالح البريطانية، خصوصاً إذا استطاع النفوذ البريطاني المساهمة في إعادة تعيينه باشا على البصرة.
التقرير التالي يعالج الظروف التي ورد تلخيص لها في فقرة سابقة، والمتعلقة بالهجوم الذي شنّه شيخ البدع وناصر بن مبارك على الزبارة. [من المقيم السياسي في الخليج الفارسي، رقم 258- تاريخ السادس والعشرين من نوفمبر 1878: سياسي - A يناير 1879- رقم 238].
ما أن سمع الكولونيل روس بهذه التعقيدات الجديدة الطارئة حتى توجه إلى البحرين، التي وصلها يوم السابع عشر من شهر نوفمبر 1878. وهناك وجد السفينة "عرب" (ARAB) راسية هناك، ووجد أن قائد السفينة (دِكِن) قد اتخذ الإجراءت الاحتياطية المناسبة. صعد الشيخ عيسى، شيخ البحرين، إلى ظهر السفينة تيزر (TEAZER) وطالب بإلحاح بأن نقوم بعمل ما دفاعاً عن الزبارة، كما طلب أن يرافق الكولونيل روس في زيارته لتلك البلده. وأصر الشيخ على أنه إذا احتل أعداؤه الزبارة (يقصد بأعدائه شيخ البدع وناصر بن مبارك) فإن البحرين ستصبح عرضة لخطر دائم يهددها في كل لحظه، وستكون عرضة للهجمات المباغته الفجائية. وأضاف قائلاً إن امتناع المقيم روس عن مد يد العون والدعم لأهل نعيم (NAIM) سيحولهم إلى أعداء. رفض الكولونيل روس جميع هذه المطالب، وطلب إلى الشيخ أن يمتنع عن أي تدخل في شؤون زبارة، وقد أغضب هذا القرار الشيخ وأزعجه كثيراً.
بعد ذلك توجه الكولونيل روس إلى الزبارة فوجد أن شيخ البدع وناصر بن مبارك قد جهزا قواتهما للهجوم على مُرَيْر. حول هذا الوضع (وما شاهده) في الزبارة كتب الكولونيل روس يقول: «في الثامن عشر من الشهر، اصطحبني الكابتن وود هاوس في رحلة على ظهر السفينة « تيزر» إلى الزبارة، حيث نزلنا، هو وأنا، إلى البر لزيارة معسكر جاسم بن محمد آل ثاني، شيخ البدع. كان لديه حوالي (2000) ألفي رجل مسلح، وكان يتمركز في خنادق تبعد حوالي نصف ميل عن قلعة مرير مربعة الشكل، التي لجأ إليها أهل الزبارة من قبيلة نعيم (NAIM) ، وهنا تعرض هؤلاء، وعددهم حوالي خمسمائة (500) شخص، لحصار محكم، وكانوا ما يزالون تحت الحصار. يبدو أنه لم يقع أي قتال لأن خصوم النعيم (NAIM) كانوا يفوقونهم عدداً بفارق كبير جداً. أما الهارب (اللاجىء) البحريني ناصر بن مبارك، فقد كان متمركزاً في مكان ما قريب من معسكر الشيخ عيسى، ومعه عصابة أخرى من البدو، لكن لم يكن بالإمكان رؤية معسكره. وأما بلدة الزبارة والتي يبدو أنها كانت بلدة كبيرة في وقت من الأوقات، فكانت مدمرة عن بكرة أبيها. تبعد القلعة المسماة (مرير) حوالي ميل واحد عن البلدة وعن الداخل. لم يتبق أية قوارب في الزبارة، وقد بلغنا أن عدداً منها قد اشعلت فيه النار وأحرق».
من الجدير بالذكر في هذا المجال أن الكولونيل روس ( ROSS) كان أبرق، قبل مغادرته بوشهر، إلى المعتمد السياسي في شبه الجزيرة العربية الخاضعة للحكم التركي ( TURKISH ARABIA) ، وإلى المستر روبرتسون في البصرة، يطلب إعلام عبدالله باشا بما حدث، وإعطائه بذلك، الفرصة للقيام بعمل حاسم وفوري. حين عاد إلى البحرين يوم التاسع عشر من نوفمبر وجد (الكولونيل روس) البرقية التالية من الوالي التركي بانتظاره، مرفقة بطلب يرجو فيه الحاكم إحالتها إلى القائم مقام التركي في القطيف:
«من الواضح أن جاسم بن محمد بن ثاني، شيخ البدع، ومعه ناصر بن مبارك الذي كان قد طرد من البحرين، قد هاجما الزبارة بعدد من الجنود، علماً بأن الزبارة هي إحدى ملحقات البدع، وأنهما يستعدان للهجوم على البحرين أيضاً. ومع أن الموجودين في البحرين سيكونون قادرين على منع المهاجمين إذا هاجم هذان البحرين، فإن هذا التحرك ينطوي على مصاعب وعراقيل. هذا ما قاله القنصل البريطاني العام في بوشهر، الذي سيتوجه هو شخصياً أيضاً إلى البحرين. إذا تأكد صحة هذا الخبر، فإنه لن يكون مقبولاً على الإطلاق ولن يسمح له بأن يمر بدون العقاب، على الرغم من أن الأمن والسلام أمران مرغوب فيهما إلى أبعد الحدود، وضروريان جداً في تلك الأنحاء. يطلب إليك ــ الكلام موجه من روس الى قائد السفينة الإسكندرية ــ أن ترسل على الفور السفينة (الحربية) "الاسكندرية" محملة بعدد من الجنود إلى الزبارة، وذلك لإنذار وتحذير سيطرة العصاة المتمردين على تلك المناطق. عليك ان تبذل أقصى جهدك لتهدئة المنطقة والحفظ على أمنها وسلامتها، وأن تعلمني بما تتخذه من إجراءات ثم تبلغني بالنتائج على الفور».
سلم الكولونيل روس الرسالة إلى قائد الزورق الحجبي التركي "الاسكندرية " التي وجدها راسية في رأس تنورة، ووعد بالإبلاغ عن الإجراء الذي تتخذه السلطات التركية المحلية بمجرد أن يعلم به. أنهىالكولونيل روس رسالته بأن أوصى بإقامة موقع (مركز) عسكري تركي في الزبارة أو المناطق المجاورة لها باعتباره أفضل وسيلة للمحافظة على الهدوء الدائم في المنطقة. وقد أعرب زعيم البحرين عن موافقته على هذا الرأي.
أما أعمال القرصنة التي ارتكبها بنو هاجر وآخرون والتي تم الإبلاغ عنها في الرسالة والبرقيات المتعددة التي أرسلها الكولونيل روس، فلا تتطلب في معظمها تدويناً مفصلاً. تجدون قائمة كاملة بهذه الأعمال في البيان المجدول الملحق بهذه المذكرة. يظهر أن الظهران ZAHRAN وهي تلة تبعد مسافة عشرين ميلاً إلى الجنوب من القطيف، والزبارة تتمتعان بسمعة بالغة السوء باعتبارهما المكانين الرئيسيين اللذين تلجأ إليها قبائل القرصنة.
غير أن هناك مجموعتين من أعمال القرصنة تتضمنهما هذه القائمة لا يمكن المرور عليها دون إبداء بعض الملاحظات. [أنظر البرقية المؤرخة في الرابع والعشرين من سبتمبر 1878. سياسي - A نوفمبر 1878، رقم 112 ]. المجموعة الأولى تعالجها الرسائل وغيرها من المراسلات المدونة، ولا بد من تدوينها لأن شيخ البحرين ورعاياه كانوا متواطئين فيها. [هامش: البرقية المؤرخة في الرابع والعشرين من سبتمبر ـ سياسي A - نوفمبر 1878، رقم 112 ؛ الرسالة رقم 205 وتاريخ الحادي والعشرين من سبتمبر: سياسي - B ، يوليو 1879، رقم 66 ؛ والرسالة رقم 244، تاريخ الثالث من نوفمبر: سياسي - A ، يناير 1879، رقم 186]. أثبتت التحقيقات التي قام بها الكابتن جونسي من طاقم السفينة الحربية فلتشر النتائح التالية:
في الرابع من سبتمبر 1878: قام محمد بن راشد بن جبّه ابن شيخ الزبارة بالصعود عنوة إلى ظهر قارب يخص أهل قطر، وقد فعل ذلك في نقطة قريبة من الزبارة وفي عرض البحر. وقد قتل نتيجة هذا الحادث ثلاثة اشخاص وجرح خمسة، وسرقت ممتلكات بلغت قيمتها أكثر من (700) سبعمائة دولار. [من: المقيم السياسي في الخليج الفارسي رقم 244، تاريخ 3 نوفمبر: سياسي - A يناير 1879 رقم 186].
كان شيخ الزبارة يراقب العملية الهجومية هذه من على قمة قلعته، وقد وبخ ابنه لأنه لم يجهز على جميع من كانوا في القارب ويحرقه بدل إحضاره إلى الشاطىء ليكون شاهداً على فعلته. كما استضاف شيخ البحرين ليقوما برحلة بحرية حول الجزيرة. خرج القاربان من مياههما الإقليمية وتوجها إلى "الظهران" على بر شبه الجزيرة العربية، وهناك احتدم صراع بين رجال القاربين وبين بعض البدو، واستولى ركاب أحد القاربين على القارب الآخر. كانت ذريعة (الشيخ) أن القاربين ذهبا إلى الظهران بدون موافقته أو أوامره. أبلغه الكابتن جونسي بأنه (الشيخ) مسؤول عن تصرفات أتباعه، وقد وعد الأخير بأن يقدم قادة العملية الثالثة إذا طلب منه ذلك.
وفي الرابع من سبتمبر 1878 صباحاً، غادر البحرين بناءً على أوامر الشيخ قارب يسمى "أمر فوق ؟" (AMIRFUK) ، وقارب يدعى سلمى (SALMAH) يخصان رئيس البازار، ومعهما قارب سحب صغير، للقيام بجولة بحرية باتجاه فشت الديبل، كانت هذه القوارب تنقل حوالي (150) مائة وخمسين رجلاً، يرافقهم علي بن عيسى بن طريف، وسعيد بن أحمد رئيس البازار وسلطان بن سلامة. توجهوا بعد وصولهم إلى فشت الديبل، إلى رأس ركحان (RAS REKHAN) ، وهناك التقيا بقاربين يملكهما أحد مواطني عمان. أمروهما بإلقاء مرساتيهما ولما رفض القاربان الانصياع، أطلقت القوارب البحرينية عليهما النار، مدعية أنها إنما فعلت ذلك لاعتقاد من كان فيها أن القاربين يخصان قبيلة بني هاجر. اصيب رجل كان علىأحد القاربين إصابة بالغة في ذراعة. بعد ذلك توقف القاربان، وحين وصلت القوارب البحرينية إلى القاربين وجدت أنهما ملك لقبيلة زايد بن خليفة (من أبو ظبي). وهنا أيضاً برر شيخ البحرين هذا التصرف بقوله إن رجاله عصوا أوامره. وقد وافق الشيخ على تسليم قادة القوارب إذا استدعى الأمر ذلك.
في الرسالة (رقم 244 وتاريخ الثالث من نوفمبر: سياسي - A يناير 1879، رقم 186). أبلغ الكولونيل روس عن الإجراءات التي اتخذت لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم. أجبر زعماء العصابة على دفع غرامات، وأُمروا بدفع تعويض للبحار الجريح من أبو ظبي، كما أرسلت رسالة اعتذار من شيخ البحرين إلى شيخ أبو ظبي.
القضية المتبقية هي تلك المبلغ عنها في رسالة المقيم رقم 260 تاريخ السابع والعشرين من نوفمبر 1878، والمتضمنة لمراسلات تم تبادلها بين الكولونيل روس والمستر ميلفل، القائم بالأعمال في بلاد السند. موضوع هذه المراسلات هو الهجوم الذي شنّه قراضنة في منطقة تبعد حوالي ميلين إثنين عن القطيف، شنّوه على قاربين هما الـ "هارسنغار" والـ "فلتخار" FULTEHKAR يخصان رعايا بريطانيين، وكانا يقومان برحلة العودة و إلى كراتشي من القطيف. سرق القراصنة من "الهارسنغار" ما قيمته مائتي روبية (200) من الممتلكات، في حين لم يفقد الـ فتخار FUTTEHKAR شيئاً ولكن أطلقت النيران على من بداخله. طالب المستر ميلفل بقوة بالتعويض، ورفع هذه المظلمة باعتبار أن المتضررين كانوا من الرعايا البريطانيين. أعلمه الكولونيل روس، رداً على طلبه أن ارتكبي هذا العمل هم من البدو والمقيمين في المناطق الخاضعة لحكم الأتراك، وأنه يظهر أن الجريمة ارتكبت داخل المياه الإقليمية التركية. وقد اثيرت هذه القضية لدى السلطات التركية عن طريق المعتمد السياسي في شبه الجزيرة العربية الخاضعة للحكم التركي. وأضاف (روس) قائلاً إن السفينة الحربية "فلتشر" أنزلت عقاباً شديداً بقراصنة القطيف، وأنه يؤمل أن تتعهد السلطات التركية باتخاذ إجراءات أخرى لإنزال العقاب بالمذنبين والتعويض عن خسائر المتضررين.
أرفق الكولونيل روس برسالته رقم 242 وتاريخ الثاني من نوفمبر 1878 تقارير الكابتن برنغل عن العمليات التي قامت بها السفينة فلتشر ضد مراكب القطيف، وقد قدم ملخص لهذه التقارير في فقرة سابقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق