كتب: صلاح محمد شهاب
الحاج إبراهيم بن سلمان بن أحمد الغتم يحمل في ذاكرته أجزاء كبيرة من تاريخ البحرين البعيد.. ورغم تجاوز عمره التسعين عاما إلا انه مازال يتذكر بقوة تحركات التاريخ وخاصة في الزلاق وحوار فقد عاش في حوار قديما ومازال يعيش متمتعا بصحة في أحضان قرية الزلاق كان الرجل على علاقة طيبة ومعرفة كبيرة بحكام البحرين عبر الماضي.. ونظرا لأنه يحفظ عن ظهر قلب جزئيات التاريخ البعيد والقريب.. ولذا فإن حكومة البحرين قد استعانت به في مرحلة نظر الخلاف حول جزر حوار ولايزال يحفظ أشعار الأولين وبعض أشعار شعراء هذا الجيل أيضا.
الزلاق واحدة من قرى المحافظة الجنوبية يكاد البحر يلامس منازل أهاليها الذين نزلوا فيها منذ قديم الأزل. فهي صغيرة في حجمها، كبيرة في تاريخها، حلوة المعشر في طيبة أهاليها، ولنلقي مزيداً من الضوء على بعض تاريخ أهالي هذه القرية كان لنا هذا اللقاء مع الحاج إبراهيم بن سلمان بن أحمد الغتم. يقول الحاج إبراهيم: في الماضي كانت الحياة سهلة وبسيطة وبالتحديد في الزلاق. كانت منازل أهالي القرية بمثابة الأسرة الواحدة يعرف الجميع بعضهم ويتزاورون بشكل يومي وكانوا يعتمدون في ارزاقهم على صيد البحر والغوص والبعض يعمل مرافقاً للشيوخ والحكام. في الماضي كانت الحياة سلسة ورخيصة كنا نشتري في الماضي على سبيل المثال الذبيحة بـ 8 روبيات وكيس العيش كذلك بنفس السعر، وعندما يصطاد البحار من (الحضرة) كان يأتي بما يصطاد ويأخذ ما يكفيه ويوزع ما جمعه من سمك على أهالي الفريج بل كان يطلب من أهله طبخ الرز (العيش) قبل الذهاب فإن توفر السمك كان بها. وإن لم يكن اقتنع (بالعيش)، وكانت منازل القرية مشيدة من الدنجل والحصى والمواد القديمة التي كانت تقاوم أكثر من البيوت الحالية المبنية من الخرسانة المسلحة، وكان منزل المرحوم عبدالله بن جبر الدوسري على سبيل المثال قد ظل لأكثر من 70 عاماً ولو ذهبت إليه الآن لرأيت الدنجل والمواد الموجودة به وكأنه حديث البناء. واين كان الأهالي يتجهون لتلقي التعليم؟ في وقتنا لم يكن هناك مدارس ولم تكن لدينا سوى دراسة الدين وحفظ القران الكريم بواسطة رجل الدين (المطوع) وكان جد الشيخ يوسف الصديقي هو من يعلمنا القرآن الكريم، كما أن من يحفظ القرآن يطاف به بين الفرجان مع معلمه ويستقبله الناس بالطيب والبخور ويتم قراءة (التحميدة) التي عادة ما تقرأ في هذه المناسبة والتي تنص كلماتها: (الحمد لله الذي هدانا للدين وللإسلام اجتبانا) ويردد الأطفال آمين آمين (علمنا معلمنا ما قصرا رددنا في الدرس وكررا حتى قرأت مثله كما ترى جزاكم الله يا والدين الجنانا) وهذه ليست مقتصرة على الزلاق بل البحرين بأكملها. وكيف كانوا يمدون أهالي القرية بالماء والغذاء، وخصوصا أن قرية الزلاق كانت بعيدة عن المنامة؟ في السابق الأهالي معظمهم كانوا يعتمدون على صيد البحر ويتم جلب حاجياتهم الغذائية من المنامة عن طريق الحمير أعزكم الله التي تستغرق من 4 الى 5 ساعات للوصول إلى المنامة لعدم وجود السيارات في السابق والتي لا نشهدها إلا في أوقات نادرة، أما بخصوص الماء فكانت هناك عين في الزلاق على زمن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة تسمى بعين (عنقة) يتم جلب الماء منها وتاخذ النساء الماء عبر الدلو من هذه العين تبعد ما يقارب 20 دقيقة، وفي حياة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة تم حفر بئر ارتوازي موقعه بالتحديد قرب مركز الشرطة حالياً والتي من بعدها ارتاح الناس من عناء الذهاب إلى عين عنقة، وتواصلت السنون شيئا فشيئا ولله الحمد إلى أن تم مد الماء للقرية وبعدها دخلت الكهرباء علينا في الزلاق عام .1959 مجالس رمضان في الماضي هل تختلف المجالس في السابق عن مجالس اليوم خصوصاً في شهر رمضان؟ هناك العديد من المجالس التي ازدادت حالياً مع ازدياد الأهالي، لكن في السابق كانت المجالس التي يجلس فيها الرجال في الضحى أو ما يسمى بمجلس (الفي) والمساء باختلاف اليوم أغلبها مجالس مسائية، أما بالنسبة الى المجالس في شهر رمضان فهي لا تختلف عما هي عليه حالياً فمعظمها تكون فيها جلسات دينية يذكر فيها اسم الله تعالى كما كانت تصاحبها الأكلات الرمضانية والعزائم المسماة (بالغبقة) وكنا نجلس من بعد صلاة التراويح الى غاية ظهور المسحر في القرية ونذهب بعدها لصلاة الفجر. كيف يتعرف أهالي القرية على موعد حلول أو انتهاء شهر رمضان وخصوصاً انه لم تكن توجد وسائل الاتصال التي نشهدها حالياً؟ يتم إرسال أحد الاشخاص من قبل الشيوخ أطال الله في أعمارهم من قصر الصخير، يبلغنا بحلول شهر رمضان أو بالبرقية وتسمى (التيل)، كما تطلق المدافع في الإمساك والفطور التي يستدل من خلالها على هذه الأوقات. وفي بعض الأحيان نعلم بقدوم العيد ونحن في صلاة العصر، وكان احتفالنا بالعيد 7 أيام متواصلة يتم الاحتفال بها برقصة العرضة بالنسبة الى الرجال، أما النساء فكن يؤدين المرادة وكانت تطلق 7 طلقات للعيد، وكان صوت المدافع يصل بوضوح إلى جزر حوار. ذكرت أنك كنت تسمع مدفع الإفطار وأنت في حوار، هل لك أن تحدثنا عن حوار وكيف كانت الحياة فيها؟ نعم كنا نسمع أصوات المدافع في حوار، ففي السابق كان الجو هادئاً ولا توجد به الأصوات الصادرة عن المركبات والطائرات، لقد عشت في حوار ما يقارب 80 سنة بمنزلي الخاص هناك وسكان حوار من قبيلة الدواسر، في الحقيقة انها من أفضل المناطق التي أجد فيها الراحة والجمال لطبيعة الهدوء الموجود هناك، كنا نأخذ معنا التمر ونغادر إلى حوار في نهاية شهر سبتمبر ونرجع الى الزلاق في نهاية شهر مايو، وتستغرق فترة وصولنا إليها 5 ساعات ويعتمد ذلك على طبيعة الرياح وكان الأطفال من شدة اشتياقهم لحوار يقبلون ترابها عند نزولهم، كنا نستمد مياه الشرب من المراكب التي تجلب الماء من مدينة المحرق عبر خزانات مصنوعة من الخشب المخزن من مياه الأمطار في زماننا كانت الأمطار تنزل بغزارة (أذكر أنه في احدى المرات التي نزل فيها المطر بكثافة لدرجة إنه نزل من الصخير في مجرى بقوة شديدة إلى الزلاق بحيث لايستطيع الشخص التوازن امامه)، وكان الشيوخ يأتون إلى حوار للقنص حيث تكثر الحبارى فيها خلال الموسم. وما هي أبرز الأحداث والكوارث التي شهدتها ؟ في الحقيقة أبرزها كانت سنة الطبعة وقد وقعت في عام 1341 هجري أي قبل ما يقارب 86 عاما وكان عمري ذلك الوقت 7 سنوات، راح ضحيتها الكثير من الرجال كما تضرر وخسر العديد من الناس أموالهم وسفنهم. وكيف كان أهالي القرية يتعالجون؟ لم يكن هناك أي دكتور أو عيادة فكان الناس يذهبون إلى المستشفى الأمريكي في المنامة لأنه الوحيد في البحرين وفي منطقة الخليج وكان يعالج فيه دكتور أمريكي اسمه (ديم) وأذكر أن أحد الشعراء من قطر واسمه محمد بن جاسم الفيحاني كان قد مرض فاتى به إلى البحرين للعلاج في المستشفى ويقال أنه شاب حميد الخلق ويريد الزواج بمعشوقته ولم يتمكن بسبب معارضة أهلها وقد نظم لهذا الموقف قصيدة طويلة جداً أذكر منها: مايداوي بداوة علتي ديم لويداويها قدر ستين عام وإن نشدني قلت طب يا حكيم من ثنايا كبرت من تحت اللثام فصلولي بالسقم ثوب السقيم من على راسي تحدر لعلى بهام ومن بعد هذه القصيدة وافته المنية ويقال أنه عندما علمت معشوقته بالخبر توفيت أيضاً في اليوم الثاني. يقال عنك إنك تحب الشعر والأدب هل لك أن تقدم بعضاً مما تحفظه؟ في الواقع لدي اطلاع على الشعر والأدب لكنني بكل صراحة لا أكتب الشعر وهناك العديد من القصائد الجميلة التي أحفظها من شدة إعجابي بها وأغلبها للشاعر القطري ماجد بن سلطان الخليفي، كذلك لي اهتمامات بالشعر الفصيح منها هذه القصيدة: ياأهيل النقي قلبي بنار الهوى يكوى وقلبي من الهجران يكفي عن الشكوى ولي مقلة تبكي اشتياقاً عليكم ولي مهجة ليست على بعدكم تقوى بسطتم بساط البعد بيني وبينكم ألا يا بساط البعد قل لي متى تطوى واسعى على رأسي على نحو أرضكم فإن لم أطق مشياً سعيت إليكم حبوى فراقكم والله مر مذاقه وقربكم أحلى من المن والسلوى إليكم تذل النفس وهي عزيزة وليس تذل النفس إلا لمن تهوى فلا تحوجوها إن تذل لغيركم تذل لمن يسوى ولم يكن يسوى كلمة توجهها إلى شباب اليوم؟ أحب أن أقول للشباب: عليهم بالتمسك والحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا، والاستفادة قدر المستطاع من تساهيل الحياة الحالية في إعمار ومنفعة مملكتنا الغالية (البحرين).
انظر
أخبار الخليج3 أكتوبر 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق