وأقترح على نحو التحديد أن نخصص جزءاً من إنفاقنا هذا العام لشراء كتاب: علماء وأدباء البحرين في القرن الرابع عشر الهجري، الذي شهد النور بجهد مشكور بذله بيت البحرين للدراسات والتوثيق.وبدءاً، ففي حياة الإنسان محطات تمتد على مراحل العمر: من الطفولة للمراهقة إلى الشباب فالنضج ارتباطاً بالعيش المديد بين مراحله الثرية. يستفيد بعض الناس من تلك المراحل لكي ينظروا لأنفسهم بأنفسهم، فيحتفوا بما حققوا من إنجاز وليعدّوا النفس لسنوات قادمة من العمر أكثر ثراء وحيوية وعنفواناً. ووسط تلك المحطات تبرز محطات أقصر تفيد في إعادة تقويم المرء لحياته، والسنوية أهمها. فهي تفيد على نحو خاص لكي يقف عندها الإنسان ويختار أمراً جيداً قام به فيبني عليه ويستزيد منه، ويبحث متبحراً في أمر سلبي يريد أن يتركه وينتهي منه.ولربما صلح مجيء شهر رمضان للفرد منا ليتفكر في أمره. ولقد ارتبط شهر رمضان كثيراً بالامتناع عن الأكل والشرب، ولكنه ارتبط أيضاً بالإنفاق على ذلك الأمر، لتعويض مشاق النهار وصعوبات الالتزام بالأمر الشرعي. وليس بذلك أية نقيصة، أو عيب أو شيء يشتكى منه. فالأكل أحد ملذات الحياة، والتهادي ببعض طيباته فيه الكثير من التشارك والحميمية الاجتماعية.على أن هناك أوقاتا لا تتعلق بحياة المرء فقط وإنما بحياة المجتمع التي ينتمي إليه، والذي يود أن يربي أبناءه وسطه وعلى أساسه، ويعنى بأن يراه موجوداً بين الأمم، كما كان، مزدهراً وفاعلاً.ولربما أفاد لو أضيف بعامنا هذا شيء مختلف بين ما نتهاداه، ويحمل تغييراً للأفضل ويبدأ أول الطريق بمحاولة إيجاد هذا الهدف. ماذا لو تهادينا الكتب المفيدة واعتبرنا ذلك جزءاً من تقاليد الشهر الفضيل؟تفتقر بعض المجتمعات الإسلامية إلى عادة الاستثمار الاجتماعي في جوانب الإثراء والتجديد في حياتها، ولا يلقى مبدعون كثيرون إلا الإهمال المعنوي والمالي مما يلقي بهم في حالات من القنوط والاكتئاب تؤدي بهم إلى التوقف عن الإبداع، والركون إلى كبت قدرتهم على الخلق والإضافة. وتمتد الحالة الفردية فيتعلم فرد من آخر، فيسري القنوط في الجماعة، ويأخذ جيل من جيل، وتتفشى حالة الإفقار في جنبات المجتمع، فيقل المبدعون، وتنقبض الحياة الروحية للمجمتع.وأسوأ ما في محاولة ذلك المجتمع للنهوض بنفسه ونفض غبار القرون عن ذاته، هو بالتفكير أن الحل في ذلك يقع بيد الدولة فقط، وأن الإنفاق الاجتماعي يبدأ بها وينتهي عندها. وهذا ليس مخرجاً لتتخلص الدولة، أو لتخليصها من مهماتها نحو المجتمع، وإنما هو رأي يعنى أساساً بإنقاذ خلايا المجتمع من حالة الموات التي تخدّرت فيه عبر القرون، وباتت لا ترى لنفسها في أمرها قولاً ولا فعلاً.يشكل شراء الكتب أداة لتشجيع الاستثمار الاجتماعي في المبدعين، ويبقى القول إن دخول كتاب للبيت هو أمر جدير بالاحتفاء بأية حال.
الوقت العدد 932 الثلثاء 9 رمضان 1429 هـ - 9 سبتمبر 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق