بعد المبادرة التي قام بها ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، عندما أهدى "السيف الأجرب"، الذي تعود ملكيته لمؤسس الدولة السعودية الثانية، الإمام تركي بن عبدالله، للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عادت التساؤلات التي خاص فيها المؤرخون كثيراً عن كيفية وصول هذا السيف الى البحرين منذ أكثر من 150 عاماً.
ومع تعدد الروايات، وتراكم الشائعات، يعيد هذا التساؤل نفسه الى حيز الذكرى والمساءلة من جديد، بعد عودة السيف الى دياره بعد اكثر من 150 عاماً، وفي هذا الصدد يشاركنا المؤرخ والباحث العماني الدكتور سعيد بن محمد الهاشمي برأيه، ليوضح لنا القصة الحقيقية حول كيفية انتقال هذا السيف إلى البحرين.
البداية
وفي وصف دقيق لم يسبق أن طرح في وسائل الإعلام، تحدث الدكتور الهاشمي عن تفاصيل عميقة حول تلك المرحلة الحساسة من تاريخ الجزيرة العربية، والتي شهدت استعماراً عثمانياً وبريطانياً واشتهرت بكثرة حروبها ومعاركها، حيث أكد المؤرخ العماني أن السيف وصل للبحرين بعد أن أهداه الأمير سعود بن فيصل بن تركي للشيخ أحمد بن خليفة الغتم آل خليفة، الذي رفض الانصياع لأوامر الانكليز بعدم مساعدة الأمير سعود في استعادة الرياض من أخيه عبدالله، وخرج معه وخاضا معركة وانتصرا بها، وعرفاناً من الأمير سعود بن فيصل للشيخ أحمد على وقفته الشجاعه لاستعادة الرياض أهداه السيف.
وفي بداية حديثه، يذكر الهاشمي بعض المعلومات حول السيف، فيقول: "يُنسب هذا السيف للإمام تركي بن عبدالله آل سعود (ت:1249هـ/1833م) الذي حكم الرياض قبل انسحاب القوات المصرية, ووصول تركي إلى الرياض كان بحد السيف وأعوانه, وعندما استولى عليها داهن العثمانيين بأنه خاضع لهم, لكنه قتل على يد ابن أخته. ثم انتقل هذا السيف بالوراثة إلى نجل الإمام فيصل بن تركي وعند وفاته حازه ابن الأمير سعود بن فيصل عام 1865م, لكن سعوداً وقع منه خصام مع أخيه عبدالله ودخل في حرب دامت سنوات عدة.
ويضيف الهاشمي، الاستاذ المشارك في جامعة السلطان قابوس حول تفاصيل دقيقة من تلك الحقبة: "إثر هزيمته في مدينة الديلم عاصمة منطقة الخرج, نزح الأمير سعود نحو سواحل الأحساء وقطر, ومنها عرج إلى البريمي, التي تواً سقطت في يد الإمام عزان بن قيس إمام عمان, فاستلطفه واستأنس به وعرض قضيته عليه, فقدم إليه مساعدة مادية, ثم خرج إلى البحرين بعد مراسلات بينه والشيخ عيسى الذي اعتلى الحكم عام 1869م, فأمنه ووعده بالمساعدة".
السيف.. هدية للشيخ الغتم
ويكمل الدكتور الهاشمي في كشف تفاصيل وصول السيف الأجرب للبحرين: "عند وصوله البحرين عام 1870م, وجد الأمير سعود كل الترحيب من الشيخ عيسى الذي يبلغ من العمر 22 ربيعاً, ولكن بريطانيا هددت الشيخ عيسى إن حاول مساعدة الأمير سعود ضد أخيه عبدالله الذي خاطب السلطات البريطانية بوقوف الشيخ عيسى بجانب أخيه وحذرهم من سلوكه، لكن مستشاره الأول ووزيره الشيخ أحمد بن خليفة الغتم آل خليفة تعهد بمساعدة الأمير, فسار معه أولاً إلى قطر وتمكنا من إجلاء حامية الأمير عبدالله وطردها من قطر, ثم انتقلا إلى العقير وتمكنا من الاستيلاء على القطيف وهزيمة قوات أخيه في معركة جودة في شهر رمضان 1287هـ/ ديسمبر1871م, وانفتح إليه الطريق إلى الرياض.
ويكمل قائلاً: "قبل مغادرته قدم الأمير سعود السيف الأجرب للشيخ أحمد بن خليفة الغتم آل خليفة هدية له نظير مساندته, كما عينه أميراً على القطيف ثم نقله أميراً على قطر. وعند عودة الشيخ أحمد بن خليفة الغتم إلى البحرين قدم السيف إلى الشيخ عيسى, هذه هي حقيقة قصة وصول السيف إلى البحرين. واهتم شيوخ البحرين بهذا السيف لأنه يحكي قصة نضال وذاكرة أمة, حيث زين مقبض هذا السيف وغمده بالذهب على يد الصائغ عبدالعزيز بن باني, ثم أضيف على طرف مقبضه لؤلؤة".
تعدّد الروايات
وقد كثرت الروايات حول قصة هذا السيف منها أن الأمير سعود بعد أن وصل إلى الرياض أرسل وفداً يحمل هذا السيف للشيخ عيسى, ومنها أن الأمير سعود جاء بنفسه إلى البحرين وقدمه هدية للشيخ عيسى وهذا الرأي يعود إلى صاحب كتاب "تاريخ آل خليفة"، الذي يذكر أن الأمير سعود أثناء زيارته للبحرين قدم هذا السيف هدية للشيخ عيسى.
وعن هذه الرواية يقول الدكتور الهاشمي: "لكن هذه الرواية خالية من الصحة ومجرد تخمين لأنه ليس هنالك من سبب لأن يأتي الأمير إلى البحرين وهو على رأس حكومته في الرياض، ولأن الأمير سعود لم يزر البحرين خلال هذه الفترة، أي بعد انتصاره في موقعة جودة في رمضان 1287هـ/ ديسمبر1870م, بل سار إلى الرياض واستولى عليها, ولكنه على إثر هزيمته أمام العثمانيين في رجب 1288هـ/سبتمبر 1872م تنحى عن الحكم وأبعد عن الرياض ولجأ إلى منطقة الخرج، لكنه بعد أربعة أشهر أي في ربيع الثاني من عام 1290هـ/ يونيو 1873م عاد إلى الحكم, وبقى حاكماً بالرياض ولم يقم بأي زيارة إلى البحرين حتى وفاته في 18 ذي الحجة 1981هـ/26 يناير 1875م, فكيف يكون زار البحرين؟".
ويضيف: "لم يكن هناك سبب وجيه لأن يرسل الأمير سعود وفداً إلى الشيخ عيسى مهمته فقط تسليمه السيف, نعم أرسل الأمير سعود ابنه عبدالعزيز في بداية 1872م وهو ابن الـ15 ربيعاً, وكان الهدف من زيارته خوفه عليه من القتل ومن ثم تأمين المؤن إليه في حربه على الدولة العثمانية الداعمة لأخيه عبدالله, ولم يكن في وضع يقدم الهدايا للآخرين".
وبناء على هذه الحقائق التاريخية والأقرب للحقيقة لما ذكرناه سابقاً أن الأمير سعود قدم هذا السيف للشيخ أحمد بن خليفة الغتم هدية عند مغادرته الأحساء إلى الرياض, وبذلك إما أن يكون هدية من الأمير سعود إلى الشيخ عيسى أو أن الشيخ أحمد بن خليفة الغتم قدمه هدية للشيخ عيسى نيابة عنه وهو المقصود في بعض الروايات بالوفد دون أن يذكر اسمه، مع أن صاحب كتاب "تاريخ آل خليفة" حدد تاريخ الموفود دون أن يسميه, ولمن رواياته متضاربة لاختلاف الأحداث التي ساقها عن تلك العلاقات.
قصائد في مدح "الأجرب"
ويعتبر السيف شقيقاً للفارس ورفيقاً في الدرب فلا يكتمل الفارس العربي أبداً دون حصانه وسيفه، ومنذ عهد عنترة بن شداد والغزل بالسيوف هو أحد سمات الشعراء، وحتى عهد قريب كان سبباً من أسباب الغزل لدى فرسان البادية الذين انطلقت منهم شرارة الدولة السعودية في جزيرة العرب.
وكتب الإمام تركي بن عبدالله قصيدة لابن عمه مشاري، الذي ذهب الى مصر، بأمر العثمانيين، وطلب منه العودة بعد أن طرد العثمانيين وأسس الدولة السعودية الثانية، امتدح فيها سيفه الأجرب، ومن أبياتها:
سر ياقلم واكتب على ماتورّا
أزكي سلام لابن عمي مشاري
شيّخٍ على درب الشجاعة مضرّا
من لابةٍ يوم الملاقا ضواري
يوم إن كلٍ من خويه تبرّا
حطيت (الأجرب) لي عميلٍ مباري
نعم الرفيق إلى سطا ثم جرّا
يودع مناعير النشامى حباري
وللإمام أيضاً أبيات في هذا السيف الشهير:
جلست في غار على الطرق كشاف
علي طريـقٍ نايـفٍ فـي عليّـه
وطويق غرب وكاشفٍ كل الأطراف
وخذيت بـه وقـتٍ ولـه قابليـه
خويي (الأجرب) على كل خـواف
في يد شجاعٍ مـا تهبـي ضويـه
قطـاع بتـاعٍ ولانيـب خــواف
وفي دبرة الله مـا نهـاب المنيـة
والجدير بالذكر أن الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة الذي وصل اليه السيف بعد تنقله من حاكم الى حاكم، أراد أن يعيده للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، إلا أن مؤسس الدولة السعودية الثالثة قال جملته الشهيرة: "هذه ذكرى منا عندكم فأبقوه لديكم". حتى عاد إلى غمده في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق