إن استلهام التاريخ بالنسبة للأمة العربية والإسلامية هو بمثابة المخزون الاستراتيجي الذي لا ينضب حيث تستقي منه الأمة ماضيها العابق لتحفز به حاضرها تمهيداً لرسم خطوات مستقبلها. ولاشك أن الأمة الإسلامية هي أمة ذات جذوره ضاربة في الأرض وفروعها تعلو في السماء تستهدي من نبيها صلى الله عليه وسلم قيمها ومثلها.إن إنشاء (بيت البحرين للدراسات والتوثيق) الذي اشتركت في تكوينه الجمعية الإسلامية وشقيقتها جمعية الشورى الإسلامية لتحقيق أهداف نبيلة جاءت لتسد ثغرة في هذا الجانب، وليست لإخراج التراث من مخازنه القديمة إلى رفوف جديدة، وإنما استخراج العبر والتركيز على رجال عدول نقلوا لنا الإسلام بكل أمانة وصدق وجاهدوا لأجل البحرين بكل جدارة واقتدار، فكان أول إصدار (صحابة نزلوا البحرين) وثاني إصدار (علماء وأدباء البحرين في القرن الرابع عشر الهجري). وباقي ثمار هذا البيت قادمة بإذن الله. ومن أجل إلقاء المزيد من الضوء على هذا البيت نلتقي بالأستاذ عبدالرحمن علي البنفلاح رئيس بيت البحرين للدراسات والتوثيق. ؟ لماذا بيت البحرين؟- سؤال جوهري لا بد من التوقف عنده وتقديم الإجابة الشافية عليه والتي تمثل الخطوة الصحيحة الأولى على طريق الألف خطوة. فلا بد من الإجابة على لماذا البيت البحريني لأنه سؤال عن الغاية.نبعت الفكرة لسد ثغرة مهمة في ظل غياب الاهتمام بتوثيق الدراسات عن تاريخ البحرين وتاريخ رجالاتها الذين أسهموا إسهاماً كبيراً في رفد نهضتها وتعميق ولائها لعقيدتها ولأرضها. وهذه المرحلة من تاريخ البحرين والتي تكاد تكون مجهولة وخاصة لشباب هذا الجيل الذي أصبح مقطوع الصلة عن تاريخه، فلا بد من تسجيلها ونقلها إلى جيل الشباب ليعلم تاريخ أمته ورجالاتها.؟ كيف بدأت فكرة البيت البحريني؟- في خضم الحراك الثقافي العربي الإسلامي في المنطقة وفي البحرين بشكل خاص كان لا بد من مساهمة في مجال التوثيق التاريخي والبحث والدراسة لتراث البحرين الثري، ولا بد أيضاً من رصد إسهامات وإنجازات رجال نذروا أنفسهم لخدمة الدين والوطن في مجالات مختلفة شرعية ودينية وتجارية وثقافية وغيرها من الميادين، وبدأت فكرة إنشاء بيت البحرين للدراسات والتوثيق لهذا الغرض.؟ هل يعني ذلك أن البيت متخصص في المواضيع التراثية البحرينية فقط؟- لا شك أن من أولويات اهتمامات البيت هو إعادة الاعتبار للتراث ولكن لا يعني هذا أن يقتصر اهتمام البيت على إحياء التراث وحده بل هناك اهتمام آخر بالدراسات التاريخية والاجتماعية.؟ هل جاء البيت لسد الفراغ أو للإسهام في المزيد من البحث والتوثيق؟- بلا شك فإن بيت البحرين للدراسات والتوثيق قد جاء لسد فراغ كبير في مجال غفلت عنه الجهات الرسمية والجامعات وكذلك الجهود الخاصة، ونأمل أن يضطلع هذا البيت بدور فاعل ليسهم في هذا الباب بكل ما يتيسر له من إمكانيات بشرية علمية ومادية ومعنوية وخاصة ما يلقاه من المسؤولين في المملكة ومن الجهات المختصة بهذا الموضوع على الأخص.؟ برأيك من أين نتج ذلك الفراغ؟- الفراغ بكل صراحة ناتج عن غفلة الجهات الرسمية والجهود الخاصة بل قصورها عن الحد المطلوب في هذا الاتجاه. وانصب اهتمامات الجهات الرسمية والجامعات على أمور أخرى كثيرة ليس من بينها التوثيق التاريخي مع الأسف الشديد.؟ كيف ترون مستقبل البيت في ظل هذا التخصص؟ وما الخطط المستقبلية التي يمكنها تحقيق كل هذه الطموحات؟- مستقبل البيت في ظل هذا التوجه يبدو واضحاً جلياً في اهتمامه بإحياء ما درس من تراث مملكة البحرين الذي لم يلق العناية الكاملة أو بعضها من الجهات الرسمية أو المؤسسات البحثية الأخرى، وهو بهذا يسد نقصاً موجوداً في المكتبة التراثية البحرينية.أما الخطط المستقبلية التي تمكن بيت البحرين من تحقيق طموحاته فهي تعتمد محورين أساسيين: الأول الاهتمام بجيل الشباب وتقديم ما يحتاج إليه من معلومات حول تاريخ مملكته ورجالاتها. أما المحور الثاني فهو الاهتمام بالتراث وتحقيق المخطوط وإحياء التراث من جديد.؟ ما هي الإضافة التي يمكن أن يضيفها البيت؟- أعتقد أن بيت البحرين للدراسات والتوثيق يمكن أن يضيف أشياء كثيرة من أهمها التفرغ والتخصص وتركيز الاهتمام بموضوع بعينه ألا وهو توثيق التاريخ الاجتماعي لمملكة البحرين ونشر ما يمكن نشره بما يتناسب والإمكانات المتاحة.؟ عمر البيت أكثر من عامين غير أن إنتاجه قليل ولا يتناسب مع ذلك العمر الزمني، ما السبب برأيك؟- المهم هو الخطوة الأولى وقد بدأت بالفعل، وهذه في حد ذاتها بدء الانطلاقة وإن استغرقت بعض الوقت، وإن قلة الإنتاج لا يدل إلا على أمر واحد مهم هو محاولة تحري الجودة والدقة ونشر الأفضل وهذا في الواقع هو الهدف.؟ ما مدى التعاون بين البيت وبقية المراكز المهتمة بمثل تلك المواضيع سواء داخل أو خارج البحرين؟- لا شك أنه من الأهمية بمكان مد جسور التعاون بين بيت البحرين للدراسات والتوثيق والمؤسسات البحثية والتراثية الشبيهة له داخل وخارج البحرين، ومن خطواته الأولى استعان البيت بالمراكز الأخرى من خلال الاستفادة من مكتباتهم وأرشيفهم التاريخي، وسوف يواصل بيت البحرين للدراسات والتوثيق تعاونه مع هذه المراكز من خلال المشاريع التي يقوم بها البيت، والزيارات مستمرة من قبل بعض أعضاء البيت لمراكز البحث في دول مجلس التعاون للاطلاع على جهودهم في هذا الخصوص.؟ من المعلوم أن البيت البحريني ثمرة مشتركة بين الجمعية الإسلامية وجمعية الشورى الإسلامية، كيف يمكن للبيت أن يوفق في إصداراته لخدمة الجمعيتين؟- أهداف الجمعية الإسلامية وأهداف أختها جمعية الشورى الإسلامية في نظرنا واحدة لأنها تكمل إحداها الأخرى، تلك اجتماعياً والأخرى سياسياً، وصولاً بها لخدمة المجتمع البحريني بثوابته وقيمه وما قام عليه كمجتمع عربي إسلامي ملتزم وبالتالي فإن ما سيصدر من مطبوعات وكتب ودراسات وبحوث موثقة ستأتي في هذا السياق خدمة لهذا المجتمع.؟ بما أنك رئيس البيت وفي ذات الوقت نائب لرئيس جمعية الشورى الإسلامية وهي جمعية سياسية، كيف يمكن توظيف إمكانيات البيت لخدمة جمعية الشورى؟- لا شك أن من مهمات بيت البحرين للدراسات والتوثيق هو الاهتمام برجالات المملكة وخاصة الذين ساهموا في استقلال البحرين وكافحوا الاحتلال وأسهموا في تعميق الوعي السياسي في شعب البحرين وتحملوا في سبيل ذلك السجن والنفي والتعذيب، وهؤلاء الرجال لهم دين في أعناقنا لا بد من الوفاء به، وهذا الجانب يدعم جهود جمعية الشورى الإسلامية التي أخذت على عاتقها ومنذ نشأتها إنارة الوعي الشعبي بما قدمه الأجداد في سبيل نصرة قضايا الوطن، كما آلت الجمعية على نفسها أن تدعم كل جهد يصب في تنشيط الذاكرة الشعبية بعد أن تعرضت لتغييب عطَّلَ بعض قدراتها.؟ ما علاقة التوثيق بالعمل السياسي، وهل أسهم في خدمة أغراض الجمعية السياسية؟- لقد برزت شخصيات في المجتمع البحريني قامت بل قادت العمل الوطني وكان لها إسهامات قد لا يعرفها الكثير من أبناء هذا الجيل وخاصة في العمل السياسي، في وقت كانت البحرين تعيش مخاضاً عسيراً من أجل تأصيل العمل الوطني يحتاجون منا كرد للجميل -وللأمانة والتاريخ- أن ندرسهم ونبحث عن إسهاماتهم وجهودهم وجمع المعلومات والوثائق والصور وإجراء المقابلات العلمية الموضوعية حولهم وصولاً إلى أدق التفاصيل وأقربها إلى الحقيقة لتعريف الأجيال القادمة بهم. وأعتقد أن مثل هذا العمل لهو من أبسط الواجبات التي يجب أن تضطلع بها الجمعيات السياسية حتى لا تبدأ من الصفر وكأن العجلة لم تخترع بعد.؟ هل يقتصر العمل في البيت على التوثيق والتحقيق أم أن هناك جهوداً للتأليف المستقل؟- يقتصر عمل البيت واهتماماته في بداية نشأته على التوثيق والتحقيق وهو عمل ليس بالسهل، فإن إحياء ما مات أو كاد أن يندرس من تراث الأجداد ليس من الأمور الميسرة، بل يحتاج إلى جهود جبارة للبحث عن الوثائق والمخطوطات وبذل الجهد والوقت والمال في سبيل إخراجها إلى الناس في ثوب يتناسب مع أحدث ما وصلت إليه تقنية الطباعة والتحقيق.ثم تأتي بعد ذلك مرحلة ثانية وهي التأليف والإبداع في موضوعات تاريخية واجتماعية وسياسية سواء عن طريق شخصيات لم تعط حقها في الدراسة والتوثيق أو عن طريق القضايا التاريخية والاجتماعية والسياسية.؟ يعتمد البيت حالياً على مجموعة مؤهلة تقوم بمهامه. هل هناك خطط لرعاية الباحثين الجدد والاهتمام بالمواهب الشابة؟- استمرار الحياة لأي مشروع من هذا النوع يحتاج دائماً إلى دماء جديدة من المهتمين والمواهب الشابة المتحمسة للعمل الوطني خدمة للأهل والوطن، وبيت البحرين للدراسات والتوثيق حريص على وضع الخطط والبرامج وتكليف المختصين بالعمل ضمن سقف زمني مرسوم لإنجازها، وهذا بطبيعة الحال قد يتطلب الإعداد والاستعداد والعمل الميداني المكثف، وبالتالي إيجاد فرق عمل من الشباب المثقف المدرك لأهمية المرحلة التي تعيشها البحرين حالياً ومستقبلاً في ظل الانفتاح والشفافية والمشروع الإصلاحي الناجح بحول الله وقوته.؟ هل هناك خطط مستقبلية لتوسيع نشاط البيت والتطرق لمواضيع أخرى غير التوثيق؟- لا شك أن طموحات بيت البحرين لا تقتصر على التوثيق بل تمتد اهتماماته إلى وضع الدراسات التي تدعم هذا المشروع الأصلي المتميز كما أشرت إلى ذلك في الإجابة على السؤال السابق.؟ يرى البعض أن التراث البحريني ليس بحاجة لأعمال جديدة بقدر حاجته إلى تنشيط ذاكرته. ما رأيك في ذلك؟- لأصحاب هذا الرأي الحق في ما يرونه ولكن هذا لا يمنع من أن يقدم التراث برؤية جديدة وبثوب جديد يستفيد مما وصلت إليه تقنيات التحقيق أو الطباعة، بالإضافة إلى الاهتمام بتنشيط الذاكرة، ولا أرى أن هذا يعارض ذاك، بل هما يتعاونان لخدمة التراث وإظهاره بالمظهر اللائق به.؟ كيف يمكن للبيت أن يخرج عن المألوف ويأتي بأعمال أخرى غير مطروقة؟- إن هذا هو التحدي الذي يواجهه بيت البحرين فيما يطرحه من مشاريع وفي أسلوب عرض هذه المشاريع، وهو يحاول ألا يطرق أعمالاً سبق طرقها إلا إذا كان لديه ما يضيفه إلى هذه الأعمال، من -مثل- معلومة ناقصة أو فهم جديد لهذا النص التراثي أو ذاك. كما سيقوم بإذن الله باستخدام بعض الوسائل من خلال تحفيز الكفاءات للمساهمة في تحقيق أهداف بيت البحرين للدراسات والتوثيق.؟ هل بالإمكان رؤية البيت البحريني في المستقبل على هيئة مركز أبحاث أو كمؤسسة مستقلة، أم أنه سيظل تابعاً للجمعيات الأم؟- في اعتقادنا كل شيء يبدأ صغيراً لا بد له أن يكبر ويكبر، ويتصور إذا ما لقي من الرعاية والتشجيع والاهتمام من الجمعيتين الأم ومن المسؤولين بالمملكة، وربما يأتي اليوم الذي نرى فيه بيت البحرين للدراسات والتوثيق وقد وقف على رجليه كهيئة في شكل مركز أو مؤسسة لها نظامها وأطرها، وستفرض وجودها بقوة بما ستصدره من الأبحاث والدراسات عن البحرين ورجالاتها وتاريخهم السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغيره.؟ كلمة أخيرة..- كلمتي الأخيرة هي أن يوفق الله تعالى في تحقيق الأهداف والطموحات التي من أجلها أنشئ هذا المشروع الرائد، وأن يلقى الدعم سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وأن نفتح باباً واسعاً لتعريف الشباب بجهود السابقين التي لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه، وأن يكون ذلك دافعاً لجيل من الشباب يسهم في بناء مملكته ورفد تاريخها برموز جديدة من الرجالات العاملين من أجل دينهم ووطنهم. ويكفينا فخراً أن هذا المشروع المشترك كأحد الجهود الأهلية لجمعيتين من جمعيات المجتمع المدني، وهما الجمعية الإسلامية وجمعية الشورى الإسلامية، وأتمنى لبيت البحرين للدراسات والتوثيق كل نجاح وتوفيق، وأن يدخل الميدان بفضل الدعم والمساندة التي يلقاها وسيلقاها من الإخوة المسؤولين في الجمعية الإسلامية وجمعية الشورى الإسلامية، وكذلك تشجيع قيادتنا الرشيدة التي ما فتئت تشجع مثل هذه الأعمال العلمية الموضوعية الوطنية
الخميس 29 مايو 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق